|
منذ بداية التاريخ والأمة الكوردية تتعرّض إلى الملاحقة والتهجير والتعذيب من قبل العناصر المجرمة للسلطات الدموية والحكومات الرجعية والدكتاتورية، ومن أجل ثني هذه الأمة الباسلة وكسر عزيمتها إستخدم هؤلاء الأعداء شتى الطرق الهمجية والأساليب البعيدة من الأخلاق والإنسانية، والآلات والأسلحة الفتاّاكة لحرفها عن طريق النضال الشاق ومسيرتها الظافرة وابتعادها عن الأهداف وطموحاتها، حتى يتسّنى لهم القضاء عليها ونسيان حقوقها المشروعة والعادلة. ونظراً للظروف السياسية الحسّاسة والمعقدة التي مر بها العراق في عهد النظام الدكتاتوري الفاشي نشطت القوى الأمنية والمخابراتية في متابعة الناس المدنيين العزل والأبرياء في كوردستان من جميع أطياف الشعب ومن مختلف الأديان والمذاهب، فأعتقلت خيرة أبنائهم وساقتهم إلى المعتقلات والسجون الرهيبة، أوإرسالهم إلى الصحارى في جنوب وغرب العراق، وإستخدام الطرق الوحشية البشعة في قتلهم ووضعهم في مقابر جماعية، وهم أبرياء لم يقترفوا جرماً، وكانت الغاية الأساسية لهذه الأنظمة الدموية هي تشتيت اللحمة بين أبناء الشعب، وكانوا يفكرون بأنهم، وبهذه الأساليب الوحشية سيتمكنون من الحفاظ على سلطاتهم وحكوماتهم المهزوزة. أنّ المناضلة المربية آمينة قادر عبدالله هي واحدة من بنات الشعب الكوردستاني التي تحدّت السلطات القمعية، ولم تستسلم للضغوطات التي مورست بحقها من قبل جلاوزة النظام الكتاتوري الدموي في عهد الرئيس المقبور. توفيت المربية والمعلمة المناضلة (ماموستا) آمينة قادر عبدالله في 30/7/2007 في مدينة إسكليستونا السويدية. في10/5/1944 فتحت عينيها للحياة في عائلة فلاحية وطنية في قرية (باخ) القريبة من قرية داري كه لي التابعة لناحية بازيان في السليمانية، وقرية داري كه لي ومنطقة بازيان هي منبع من منابع النضال السياسي، والكفاح المسّلح لملك كوردستان الأول الشيخ محمود الحفيد، وأشترك قادر والد المربية آمنة وعمّها نادر المعروفين بـ (قاله باخي و ناله باخي) في ثورة الشيخ الجليل ضد الإستعمار البريطاني، وهما (قاله وناله) من الشخصيات المقّربة للشيخ، وبصورة خاصة مساندتهما له ولثورته في الأيام السوداء، وأيام النضال القاسية التي مرّت على منطقة بازيان. توفي (قادر) والد آمنة، لتعيش وهي صغيرة مع عائلتها المكونة من (6) إخوان، وأختين، السيدة ماموستا شيرين، والسيدة فاطمة زوجة الرفيق الشيوعي المعروف العريف مجيد فرج. وقد ساهمت عائلة ماموستا آمينة في نضال الشعب، وفي نضال الطبقات الكادحة والمسحوقة، وبقت هي وإخوتها ملتصقين بالأحزاب والحركات الوطنية ضد الأنظمة الرجعية والدكتاتورية التي تعاقبت على حكم العراق. أنهت السيدة آمينه قادر عبدالله دراستها الإبتدائية والمتوسطة والإعدادية في مدينة السليمانية، ومن ثمّ دخلت دار المعلمات لتتخّرج في عام 1967، وتصبح معلمة لمدة (3) سنوات في مدرسة ماوه ت الإبتدائية. في حزيران عام 1971 تخطو خطوتها الأولى لبناء حياتها الأسرية بزواجها من الموظف المالي في ناحية شارزور الرفيق إبراهيم صوفي محمود، الشخصية الشيوعية، والنصير البيشمه ركة، والكادر الحزبي المعروف بـ (كاكه حمه ى آوايي) في منطقة قه ره داغ و شاره زور. وفي فترة قصيرة تخلق مناخاً رحباً للالفة والصداقة وتعزز مكانتها عند الرفاق الحزبيين والشخصيات السياسية، وتعمل على تقوية أواصر المحبة في العائلة وتوثيق الروابط مع المعارف والأقارب، وفي هذه الأجواء المبشرة بالخير تأتي إبنتها (تارا) إلى الحياة. وبينما هي مسرورة بإبنتها، تتعرض إلى نكبة نفسية جراء العمل الجبان من لدن الأعداء بمحاولة إغتيال وتصفية شريك حياتها الرفيق ابراهيم الذي نجا من المحاولة التي نفذت أمام الباب الرئيسي لبيتهم في ناحية سيد صادق، وهذا العمل المدان أدّى إلى إستشهاد النصير البيشمه ركة الوفي للحزب الشيوعي العراقي الرفيق مام درويش محمود كريزه يى، وخلق أجواء مشحونة وزعزعة الأمن في الناحية، وأنسحبت على إثره دوائر ومؤسسات وقطعات الجيش من المنطقة وقضاء حلبجة ومدينة بنجوين و شاره زور، وتتحّول المناضلة آمنه خان والعائلة إلى السليمانية، وفي هذا الوقت يأتي إبنها نه وروز إلى الحياة. تنتقل أم تارا إلى مدينة أربيل، لإناطة عمل سياسي جديد بزوجها ابراهيم صوفي محمود من قبل الحزب، وتصبح هي معلمة في إحدى مدارس أربيل، ويأتي ولدها آرام إلى الحياة. في أربيل تشارك بنشاط في الفعاليات الإجتماعية مع الأساتذة ومعلمي أربيل، ورابطة المرأة الكوردستانية، وتساهم بقسطها في احياء ذكرى جمهورية كوردستان في مهاباد، وتشارك بجدية في إحتفالات العيد القومي نه وروز، وعيد ميلاد الحزب الشيوعي العراقي ويوم الشهيد، وعيد المرأة العالمي التي كانت تقام في مقر الأقليم ومحلية محافظة أربيل، وبه ستوره، وبساتين أسكي كه له ك ودير المسيحيين بالقرب من عينكاوا وبساتين شقلاوه. تتعرض آمينه خان كواحدة من مثيلاتها من زوجات المناضلين وأمهات المدافعين عن أبناء الشعب وحقوق المواطنين، ونظراً لنضال زوجها إلى حملات الإعتقالات والإستدعاءات لدوائر الأمن والمخابرات، في أربيل، والضغط عليها للتوقيع على مطالبيهم ومراميهم التي تنصب في معاداة الجماهير والخضوع للبعث وتأييد الدكتاتور، ولكن رغم قساوة هؤلاء المجرمين، والوقفة البطولية لها تفشل محاولات الأعداء. في سنوات 1977 ــ 1979 شنت السلطات الدكتاتورية حملة جبانة في ملاحقة الشيوعيين والوطنيين وأنصارهم، وجرت إعتقالات واسعة لأبناء الشعب شملت كل العراق، ومن جديد تهدد هذه السلطات وتقوم بتهجير وإبعاد العناصر الشريفة والمناضلة إلى المناطق البعيدة في جنوب العراق، ووصلت حالات القمع والإرهاب إلى مديات لا تصدق، حيث شملت مدارس الأطفال والجامعات ومؤسسات الحكومة، فاعتقلت عشرات الألوف من المواطنين، وبالمقابل إلتحق عدد كبير منهم، من الذين حصلوا على فرص النجاة بقوات الأنصار في جبال كوردستان، او الأهوار في الجنوب، كما ترك عدد أكبر بيوتهم وممتلكاتهم للتوجه إلى البلدان المجاورة، والمصير المجهول، وكانت الغاية الأساسية للحملات القمعية في العراق تحجيم الحزب الشيوعي العراقي، وإيقاف مسيرته، وفي كوردستان حاول أصحاب الحملة البوليسية والعسكرية القذرة تخويف الجماهير ووقف نشاطاتها ودعمها للحركات التي تناهض حكمهم الأسود، ومن جراء الحملات اللا إنسانية، وهرباً من طيش النظام الدكتاتوري العروبي، ألتحقت أعداد واسعة بالأنصار البشمه ركة، والمقاتلين الذين فرضت عليهم عنجهية النظام الدموي حمل السلاح، من العرب والكورد والتركمان والكلدو آشور السريان والأرمن، مسلمين ومسيحيين، ومن المذاهب الإيزدية والصابئة المندائين، ومن البصرة والسماوة والحلة وبغداد ودهوك وكركوك والموصل وأربيل وبعقوبة والسليمانية ومن كافة المدن والقصبات والقرى العراقية والكوردستانية. مع تصاعد وتيرة الإرهاب وسياسة حكم البعث وحرق القرى والمزروعات وتهجير عشرات الألوف من الناس الأبرياء وتدمير القرى بالآلاف، وتصاعد المد الجماهيري وإلتحاق أبناء القوميات المتآخية بالحركات والأحزاب التي تقاوم الحكم الدموي، لجأت السلطات إلى تهجير المواطنين ومن أبناء الشعب الكوردستاني من مدنهم إلى مدن الجنوب، وجلب مواطنين عرب ليحلوا محلهم، وخاصةً إلى مدينة كركوك ومدينة خانقين وغيرها. عندما إزداد عدد أنصار ومقاتلي الأحزاب المناهضة للدكتاتورية، بدأ كل حزب تنظيم قواه العسكرية، ففي الحزب الشيوعي العراقي توزع الأنصار على المفارز والفصائل والسرايا والبتاليون (الأفواج) ومن ثم الملبند (القواطع). لم توقع المربية آمينه قادر عبدالله على صك العبودية والإذلال البعثي، وهي معلمة وتعمل ضمن مؤسسات وزارة التربية ألتي أرادها البعث أن تكون مغلقة لهم فقط، أي أن يكون جميع العاملين في الوزارة ومديرياتها ومدارسها (منتمين) للبعث العابث، وعلى إثر الملاحقة والإعتقال عادت آمينه إلى مدينتها السليمانية، وأستطاعت أن تجد مكاناً لها ولاولادها عند الأقارب والمعارف، وأن شريك حياتها ابراهيم قد ترك هو الآخر عمله كعضو في """المجلس التشريعي""" لمنطقة كوردستان، وأستطاع الخلاص والإلتحاق بمقر من مقرات الحزب في جبال كوردستان. في السليمانية لم تتوقف دوائر الأمن والإستخبارات في ملاحقة آمينه خان، بل بالعكس تواصلت متابعتها وإستدعاءها، والطلب منها هذه المرة هو العمل أن تعيد زوجها المطلوب إليهم، ولكنها، وأمام هذه الزمرة الدموية الجبانة، وكأي مناضلة من مناضلات شعبنا دافعت ببسالة عن زوجها وعن موقفه، وأصّرت بأنّها غير قادرة على إعادته والموت ينتظره، وكثرت الإستدعاءات الأمنية والمخابراتية، وفي كل مرة قاومتهم هذه المرأة، وهم يرجعون بخفي حنين، ويصابون بخيبة أمل، ولكن هؤلاء المهزومين فكروا بطريقة شوفينية وعنصرية بنقلها إلى مدينة جنوبية بعيدة عن أهلها وأقاربها ومعارفها. بعد (12) سنة من الخدمة في وزارة التربية كمعلمة في المدارس الابتدائية تم نقلها إلى {وزارة الصناعة والتصنيع العسكري} وإلى معمل {سمنت السماوة}، وهي لا تعرف أحداً يساعدها، ولأول مرة ترى مدينة عربية، بعيدة عن أطفالها، وحر الصحراء يزيد من شوقها لهم، كما يزيد من غضبها وسخطها على الحكام الدكتاتوريين، ويزيد من صبرها وشخصيتها، ووقوفها بوجه الأيتام وخونة الشعب، وبمرور الأيام تتعرف على بيوت المناضلين والشرفاء في السماوة، هذه المدينة البطلة التي رفدت الحركة الوطنية بالطاقات وقدمت التضحيات، وبالأخص بيوت وعوائل المعلمين والأساتذة : أبو سوزان، أبو فرهاد، أبو جبّار وآخرين، وبتعرفها على شرفاء المدينة تنسى الكثير من همومها. تصاب المربية آمينه خان بالمرض، وتساعدها الدكتور دارا توفيق، وتحصل على إجازة مرضية وتعود إلى أطفالها في السليمانية، وتستطيع الإتصال بزوجها في منطقة شاربازير في السليمانية مع أهل وأقارب الرفيق (جلال علي دولت)، وبعد فترة نفاذ إجازتها تعود إلى السماوة، وتنقل فيما بعد إلى معمل سمنت سرجنار في السليمانية، وتبقى في وظيفتها حتى الإنتفاضة الجماهيرية ضد الحكم الدكتاتوري عام1991. وبعد أن جمعت قوات الرئيس المقبور وحداتها وفيالقها هاجمت كوردستان بالدبابات والسمتيات والطائرات الحربية، ونتيجة لكثرة القوات الحكومية، وخوفاً من اللجوء إلى عاداتها القديمة بإستخدام السلاح الكيمياوي المحرم هرعت الجماهير وتركت المدن والقرى والممتلكات، وذهبت نحو الحدود الدولية لإيجاد ملاذ أمن بعيداً من الإرهاب السلطوي الهمجي، وفي إيران تحتضنها الأهل والأقارب هي وأولادها. عن طريق منظمات الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي تصل المناضلة آمينه خان السويد مع أولادها، ويلتقون مع الزوج والأب أبراهيم صوفي محمود الذي سبقهم بالوصول إلى السويد عند إصابته البالغة في كوردستان أيام مقارعة دكتاتورية نظام الرئيس المقبور صدام حسين، إذ إنخرط لأول مرة ضمن قوات الحزب في ثورة أيلول التحررية بين أعوام 1963 ـ 1969 مع زوجته الأولى وأولادها روناك وزيان وكوران، وألتحق ثانيةً نهاية عام 1978 وبقى مع قوات الحزب الشيوعي العراقي، إلى أن سافر إلى السويد بعد عمليات الأنفال القذرة والسيئة الصيت. كان عدد من أبناء وبنات هذه العائلة متواجدين في مدينة حلبجة عند الضربة الكيمياوية في 16/3/1988، وكان دورهم وبالأخص أحمد صوفي محمود وكوران وزيان إيجابياً في مساعدة الجرحى وأنتشالهم من موقع الضربة إلى مواقع آمنة. ومنذ دخولها السويد عام 1992 إرتبطت بقوة بواجباتها الوطنية والكوردستانية، وبقت وفية لعوائل المؤنفلين ولأولئك الذين ساعدوها أيام المحن والصعاب، وساهمت ضمن نشاطات الجمعية الكوردستانية في مدينتها، وإتحاد الجمعيات الكوردستانية (فيدراسيون) في السويد في المظاهرات ضد دخول الجيش التركي لأراضي كوردستان، وضد التهديدات الإيرانية لعرقلة المسيرة في الأقليم، كما شاركت في التبرع وجمع التبرعات مع الآخرين لبناء المنطقة كمساهمة رمزية في بناء مدرسة في ناحية خه له كان، وكان دورها بارزاً في نشاطات لجنة التضامن المنبثقة من الأحزاب والجمعيات العراقية والكوردستانية والسويدية، والتي تشكلت من (23) حزب وجمعية. إستطاعت خلال وجودها في السويد تربية ولديها وبنتها وحصولهم على شهادات في مختلف الإختصاصات، وأهتمت بأبناء زوجها من زوجته الأولى وأحتضنتهم، وشاركت في أفراحهم وحفلات زواجهم وتكوين عوائلهم. أصيبت السيدة آمينه قادر عبدالله بمرض مزمن في بداية عام 2001، وراجعت خيرة الأطباء في السليمانية ودمشق وألمانيا، والمراجعة الدائمة في مستشفيات السويد المختلفة، ولكن المرض كان أقوى وسيطر عليها بحيث أصبحت مشلولة كلياً، ولا تستطيع أن تمسك إستكان شاي على سبيل المثال، ورغم كل الآلام بقت بشوشة، تستقبل المعارف والأصدقاء والأقارب بإبتسامة، وبقت على حالها حتى وفاتها في 30/7/2007. كتبت أم تارا: أفتخر، بأنّي كنت أماً حنونة وعطوفة وناجحة، وأستطعت تربية أولادي في العائلة وتربية أبناء الناس عندما كنت معلمة بشكل صحيح، وقبل وفاتها أعتذرت من الجميع، وخصوصاً من أبناء زوجها من زوجته الأولى لكل ماحدث، ولو انّها عملت على تلطيف الجو العائلي، وأن لا يعكر شيء علاقاتها معهم.
|
||||
© حقوق الطبعوالنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |