|
تقنية إيران النووية وحتمية النزاع العسكري
د.محمد مسلم الحسيني أكاديمي عراقي/ بروكسل التعامل بالذرة في المشاريع السلمية والعسكرية يبقى حلما يراود أفكار السياسيين في كثير من دول العالم. كما أن إقتناء السلاح النووي لدولة ما يعني إستقرارا نفسيّا وإطمئنانا نسبيّا لتلك الدولة من التهديدات العسكرية الأجنبية واعتداءات الغير عليها. فضلا عن أن حيازة سلاح كهذا يعني زيادة في جبروت تلك الدولة واتساع في نفوذها وقوتها . ومهما كان الهدف المنشود من إقتناء السلاح النووي أو الذري فقد أصبح الوصول اليه هذا اليوم، وفي ظل وجود شرطيّ أوحد يراقب تحركات العالم، حكرا لدول في العالم دون غيرها! وأصبح التعامل بالذرة حصرا لإقوام دون غيرهم، إذ بات التعامل بهذه التقنية خطّا أحمرا لا يتجاوزه الآخرون!. وقد أدركت هذه الحقيقة معظم الدول التي كان لها طموح في إستخدام النشاط النووي بمشاريعها المختلفة وأسدلت ستار النسيان على هذا الطموح والى أجل غير مسمّى على أقل تقدير، وفضلت الإبتعاد عن النار دون اللعب بها والإكتواء بلهيبها! إلاّ أن هنالك من تمرد على هذه الحقيقة المرّة ورفض الإذعان القاهر واستمر باستخدام الذرة في مشاريعه وبرامجه، معتبرا ذلك حقا له وليس مأخذا عليه. فكان الإيرانيون مثلا حيّا لهذا التمرد على الإرادة الأمريكية والأوربية المزدوجة في هذا المجال . وقد إبتدأ السجال الإيراني الغربي ولعبة جر الحبل بين الطرفين منذ أن أعلنت إيران إستخدام الذرة في مشاريعها المدنية والى حد هذا اليوم. إلاّ أن نتائج هذه اللعبة لم تظهر بعد ، حيث أن الظروف التي مرّت بها الإدارة الأمريكية خلال الحقبة الأخيرة من الزمن ومأزقهم العويص في العراق قد لعب دورا هاما ورئيسيّا في تباطؤ الجانب الأمريكي عن إعلان ساعة الحسم وإنهاء الموقف. ومهما يكن فأن عجلة الزمن السائرة بغير إتجاه الإرادة الأمريكية سوف لن تؤدي الى إلغاء القرار الأمريكي أو التغافل عنه. بل سيبقى هذا القرار كالنقش في الحجر والذي يتلخص في أن تتوقف إيران عن مشروع تخصيب اليورانيوم والذي يستخدم عادة لإغراض مدنية أوعسكرية على حد سواء، ومن دون ذلك فستستخدم أمريكا كافة الوسائل بما فيها الخيار العسكري لإيقاف ذلك! أن الملف النووي الإيراني، من وجهة النظر الأمريكية، يجب أن يطوى ويغلق بالصمغ والشمع قبل أن يغلق بالحديد والنار. وعلى السياسيين الإيرانيين أن يدركوا بأن أمريكا لا تسمح بالمحرمات في قواميسها ، وأن حصول إيران على التسهيلات النووية والتي ربما تفضي للحصول على القنبلة النووية هو من أنكر المحرمات عند الأمريكيين وذلك طبقا لما يلي: 1- إقتناء إيران للقنبلة النووية يعني تهديدا حيّا ومباشرا لأمن إسرائيل ووجودها ، وهذا هو خط أحمر لا يمكن أن يتجاوزه أحد ولا يحتاج الى توضيح أو تفصيل أو تبرير! 2- حصول إيران على السلاح النووي يعني سقوط عامل التفوّق العسكري الأمريكي الكلاسيكي عليها . إذ لا يمكن لأمريكا أن توّجه ضربات عسكرية الى إيران في ظرف ما وهي تمتلك السلاح النووي . أي أن هذا السلاح يلعب دور الرادع لإي هجوم عسكري كلاسيكي أمريكي أو أوربي عليها. وهذا ما سيضعف حالة الموازنة والتفوق والسيطرة العسكرية الأمريكية على إيران، هذه "الدولة المارقة" وهي الدولة رقم واحد من بين دول" محور الشر" وحسب تصنيفات أمريكا ومفردات قواميسها! 3- سوف تشعرعموم دول المنطقة بالضيق والحرج من جراء وجودها ما بين طرفي كماشة نووية ذراعيها السلاح النووي الإيراني والإسرائيلي. كما أن إزدياد النفوذ والقوة لأي طرف في المنطقة ربما يؤدي الى مضاعفات تضر بمصلحة ومستقبل هذه المنطقة الستراتيجية والهامة من العالم. وأي إضطراب في أمن وإستقرار هذه المنطقة سوف يضرّ بالمصالح الأمريكية خاصة ومصالح معظم دول العالم بشكل عام. أن التمعن والتبصر في عمق وآثار هذه الأسباب لا يجعل للشك بابا مفتوح بشأن تردد أمريكا في ضرب إيران عسكريّا لمنعها عن مشروعها النووي إن فشلت كافة الأساليب السلمية في ذلك. فعلى إيران أن تتدبر بالحنكة والذكاء خطورة الموقف وحساسيته ، وأن تقتبس من التأريخ دروسا فلا تسلك نفس النهج الذي أنتهجه صدّام حسين في سيرته المتميزة بالعناد والتصلب، فيضيع الخيط والعصفور! لأن الذي سيحصل للإيرانيين لو تمسكت إيران بموقفها سوف لن يكون أقل سوءا لما حصل للعراقيين عبر تأريخ صدام حسين حيث لا يزال العراقيون يئنون من وطأة ذلك، وأستطيع تلخيص الخسائر الإيرانية المحتملة جراء رفضهم إيقاف تخصيب اليورانيوم بما يلي: 1- قد تهاجم أمريكا وفي الوقت المناسب وربما إسرائيل أيضا المنشآت النووية وغير النووية الإيرانية وستسويها بالأرض أو ستخرجها من تحت الأرض! وسيكون الدمار للبنية التحتية الإيرانية شديدا فضلا عن خراب البيئة الذي من الممكن أن يحصل من جرّاء تدمير المنشآت النووية . 2- ستمنح إيران للأمريكيين نصرا معنويا هاما بعد إذ طمست سمعتهم في المأزق العراقي وتدنت هيبتهم أمام العالم. إذ ستغطي أمريكا فشلها في العراق بغطاء نصرها على إيران وستطل على العالم بوجه المنقذ والمخلص من شر إيران النووي .وستعلن إنقاذها للإنسانية من الكارثة الجسيمة التي كادت أن تلم بها!. وسيصفق لها عند ذلك الكثيرون وسيباركون عملها! 3- ستضعف إيران أمام نفسها قبل أن تضعف أمام الآخرين! لأنها عندئذ تكون قد دخلت رهانا خاسرا ولم تتعض وتأخذ العبر. وهكذا فستضيع هيبتها ونفوذها أمام العالم وستكون معزولة ومنكسرة وتجر أذيال الخسارة والإنكسار. 4- ستفقد إيران كافة المنافع التي عرضت عليها من قبل الدول الأوربية وأمريكا كإنهاء العزلة الإقتصادية عنها وإدخالها الى منظومة التجارة العالمية وتمويل وتشغيل مشاريعها المدنية المزمع تشغيلها بالطاقة النووية، إضافة الى منحها قطع الغيار لطائراتها أمريكية الصنع وغير ذلك من التسهيلات الإقتصادية والتقنية الهامة الأخرى. يقول بعض المحللين السياسيين أن الخيار العسكري الأمريكي أو ضرب إيران عسكريا أمرا فيه مخاطر شديدة على المنطقة بشكل عام وعلى المصالح الأمريكية بشكل خاص، مما قد يردع الأمريكيين عن إتخاذ هكذا مسار. ان صحت هذه النظرية فسيكون الخيار الغربي المتبع، على الأرجح، هو محاصرة إيران سياسيا واقتصاديّا بحيث تفقد الكثير من قواها المطلوبة للتقدم والإنتعاش وستشجّع أمريكا بعض دول المنطقة على إستخدام التقنية النووية أيضا، مما يجعل المنطقة ساحة سباق نووي لا تحمد عقباه حيث تفقد إيران عندها ميزة التفوّق العسكري غير الكلاسيكي على الغير! يتوقع المراقب للأحداث أو المحلل السياسي بأن لإيران معرفة تامة بمعنى النزاع العسكري مع أمريكا وبحتمية وقوعه إن لم تتصرف بالوقت المناسب وبالفعل المناسب. حيث أن للمناورة وعملية كسب الوقت حدود ومدى وان خطوط الرجعة قد تكون مقطوعة أو مفقودة في بعض الأحيان!. فعلى السياسي الإيراني المناور أن يحسن التوقيت في إستغلال المواقف وأن لا يتطيّر في الأفكار الغريبة ويتفوّه بكلمات حجمها أكبر بكثير من حقيقتها وأن لا يجني على أهله ومستقبل وطنه كما جنت على أهلها براقش....!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |