|
يعتقد البعض ان تقرير بيترايوس والسفير الامريكي كروكرهو الذي فجر الخلافات داخل الحركة السياسيةالعراقية, وادى الى هذه الانسحابات و"تفليش" كيانات بعض القوائم, وبالذات قائمتي "الائتلاف" و"العراقية". وليس الصراع الدموي الذي رافق المسيرة السياسية طيلة الاربع سنوات الماضية, وما ارتكبته العصابات البعثية التي تحالفت مع "القاعدة" السنية من جرائم ارادت بها تأجيج الصراع الطائفي, وما تركته من آثار وخيمة بعد ان جرت خلفها بعض المليشيات الشيعية, وما ترتب على ذلك من سلبيات اثرت على نجاح سير العملية السياسية. والسؤال الذي وضع نفسه امام القيادات العراقية بعد توقف العملية السياسية, والفشل في ايجاد التواصل بين مختلف الاطر الطائفية والقومية التي اريد لها ان تكون الوعاء الذي يستوعب المكونات السياسية العراقية هو: هل ستستمر هذه القيادات في ركب الموجة الطائفية, وتصر على ان لاطريق غيرها, او تعيد النظر في وسائل عملها , وتتوجه بثقة لترميم العملية السياسية, وتشذيب الدستور, والعمل تحت راية المشروع الوطني؟ لاشك ان قائمة " الائتلاف" هي اكبر القوائم, وهي التي تقود السلطة, وتستند لأكبر قاعدة شعبية, وتحظى بمباركة المرجعيةالدينية في النجف وتأييدها, وكان يعول عليها في ايجاد الطرق الاكثر سلامة للنهوض بالعراق بعد صدام. الا ان الصراعات العائلية, والطموحات الشخصية للكثير من زعماء القائمة, والتسابق في البحث عن السلطة والجاه, وضعت توجهات القائمة تحت رحمة هذه النزوات, وأصبحت ساحة للصراع الدموي بين مكوناتها الرئيسية والذي حصد الكثير من الابرياء , وباتت تتعثر بخيبة الانسحابات منها , وآخرها التيار الصدري. وكان من المؤمل ان تتمكن القائمة "العراقية" من النهوض بالمشروع الوطني, لكونها الوحيدة التي شكلت على اساس برنامج سياسي خارج اطار الطائفية والقومية. الا ان رغبة بعض قياديها في الانفراد بالقرار, وبالذات رئيسها الدكتور اياد علاوي, وضع القائمة بعد فترة قصيرة من بداية تشكيلها في موضع قلق, وأعاق امكانية تقدم عملها على الساحة السياسية. ولعل رغبة علاوي الأخيرة للتنسيق مع القتلة من البعثيين, وضع القائمة امام مفترق طرق, ودفع بأثنين من اعضائها للأنسحاب بعد الانسحاب المبكر للدكتور مهدي الحافظ. والتصريحات الأخيرة للسيد حميد مجيد موسى رئيس الحزب الشيوعي العراقي- وهو المكون الرئيسي في القائمة "العراقية" – والتي اكد فيها على التزامهم ببرنامج القائمة, والذي يمنع الانجرار وراء اية مكاسب ذاتية على حساب برنامجها الوطني, وانهم غير ملزمين بأستمرار وحدة القائمة اذا خرج البعض عن مسارها. وكان التصويت على قانون الفيدرالية من قبل الشيوعيين واليساريين, وعدم انسحاب الوزير الشيوعي من حكومة المالكي مثلما اراد اياد علاوي, مؤشرات حقيقية لعدم توافق التوجهات, ويؤكد على ضرورة الانتهاء من الألتباس الذي اثاره التصرف الشخصي لعلاوي بتعامله مع القتلة من البعثيين, واراد به ان يكون بأسم القائمة. ان وضع القوائم الأخرى ليس احسن حالا, فقائمة "التوافق" لديها من الاسباب ما يجعلها اكثر القوائم عرضة للتمزق, وتتنازعها مصالح عدة. تقع بين قيادات تدين للسنة التكفيريين ومتطلبات تكفير الاخرين, وبين قيادات بعثية لايهمها سوى العودة الى السلطة, وتحاشي المحاسبة التي ستتعرض لها عن مشاركتها في جرائم النظام السابق, وتهويش التصريحات على لسان قادتها يؤكد فقدان وحدة توجهها. والقائمة "الكردستانية" امام استحقاقات جادة لاتقبل التأجيل, مثل توحيد الوزارات المتبقية– وهي الاهم في توحيد الادارة الحكومية, والتوافق على المتطلبات الدستورية في تغيير رئاسة الحكومة المستحقة مع نهاية العام الحالي. ويمكن القول– رغم بعض المؤاخذات- ان الاستمرار المرجو للقائمة "الكردستانية" هو الوحيد بين استمرار القوائم الاخرى الذي يدعم التوجهات العقلانية لسير العملية السياسية, ويصب اخيراً في ثبات المشروع الوطني. اما قائمة "الحوار" فهي الوحيدة المتماسكة, وهي الوحيدة التي تكاد ان تكون خارج مصلحة التوافق الوطني, لأنها بعثية بالكامل. مما لاشك فيه ان تغيير الخارطة السياسية, وانسلاخ مجموعات عن التشكيلات القديمة, وتشكيل اطارات جديدة هو في صالح العملية السياسية, طالما ان الاشكال القديمة اثبتت فشلها, وعجزها عن استمرار التقدم نحو التوافق والاستقرار, وعسى ان تتمكن الاصطفافات الجديدة, والتي تلوح في الافق من النهوض بهذا الواقع المزري, وأن لاتكون "جرخلة" جديدة في اليانصيب الوطني الذي لم يربح به احد غير الامريكان, والسراق , والقتلة الوحوش.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |