ما ذا يحدث داخل القائمة العراقية

 

محمد علي محيي الدين

abu.zahid@yahoo.com

مثلت القائمة الوطنية العراقية عند انبثاقها التيار العلماني بمختلف توجهاته الفكرية والسياسية، ضمت في صفوفها اليساريين واللبراليين والديمقراطيين ورجال الدين المتنورين، وأمل الجميع منها أن تكون الصوت العلماني البعيد عن التوجهات القومية والطائفية، وأن تكون لها هويتها العراقية الواضحة بما تحمل هذه الهوية من تنوع، وأن يكون لها صوتها المؤثر في الساحة العراقية بعد طغيان المد الطائفي – القومي البغيض، فبعد انهيار النظام البائد هيمنت القوى الفوضوية التي تمثل ركائز النظام البائد المعدة بإتقان لتتسيد الساحة العراقية تحت واجهات طائفية، لم يكن لها حضورها السياسي سابق، وكان للقوى الخارجية تأثيرها في تمرير هذا المخطط كل لأهدافه في صراع ممجوج كان ضحيته الشعب العراقي وطبقاته الفقيرة حصر، واستطاعت هذه القوى بما تمتلك من عصابات مسلحة، ودعم خارجي وتأييد من جهات هيمنت على التفكير العراقي، لغياب الفكر الوطني عن الساحة في ظل هيمنة البعث، وتمكنت هذه القوى من بناء ركائزها المدمرة في الأرض العراقية، بما تهيئ لها  من إمكانات لم تكن متوفرة للقوى الوطنية بعدد السقوط، وبفعل هيمنتها تمكنت من تمرير الانتخابات العراقية بالطريقة التي تريد في ظل غياب كامل للديمقراطية الحقيقية، فقد كان لهذه القوى هيمنتها المفرطة على اتخاذ القرار، والسيطرة الكاملة على صناديق الاقتراع ، مما جعلها تحصد أغلب مقاعد البرلمان، باستلاب معروف يقره الجميع، وبذلك استطاعت التأسيس لما يسمى بالمحاصصة الطائفية التي بنيت عليها العملية السياسية، وتمكنت من تشريع القوانين التي تصب في مصلحة هذا التأسيس وتكفل ديمومته،  في صراع مكشوف على المصالح الذاتية، واتفاق واضح بين الطائفتين في تحجيم التيار الوطني العلماني، فكانت القائمة الوطنية الأمل في إفشال هذه المخططات لما ضمت في صفوفها من عناصر وطنية لها ثقلها وحضورها السياسي الكبير.

وكان لتصرفات رئيس القائمة على شديد احترامنا له، أثر في أضعاف القائمة، وفقدانها لتأثيرها السياسي وحضورها البرلماني، بسبب تغيبه والكثير من أعضاء القائمة عن حضور جلسات البرلمان، وعدم اشتراكه في اجتماعات مجلس الأمن الوطني، لمحاولة البعض تهميشه، وحسر نفوذه، وساعدهم هو بمقاطعته غير المبررة لهذه الاجتماعات، وأبتعاده عن العمل السياسي داخل العراق، باعتماده على الأطراف الخارجية ورحلاته المكوكية بين الدول العربية والإسلامية والأجنبية، إذ أتخذ من الخارج مكانا للمناورات السياسية التي ثبت قصورها وفشلها لأسباب ذاتية وموضوعية، ظهر من خلالها التخبط في المواقف والفشل في التكتيكات  التي تتعارض ومتطلبات المرحلة، فالقائمة الكردستانية أقرب القوائم إلى التوجهات العلمانية لو أحسن التعامل معه، ولكن تصريحات السيد النجيفي الطائفية القومية، وغيره من شخصيات القائمة الذين حاولوا الوقوف بوجه أماني وتطلعات الشعب الكردي، وإظهار نزعاتهم القومية المتطرفة، وميلهم السافر إلى جانب القوى المعادية لتطلعات العراقيين من بعثيين وقوميين موتورين، جعلت القائمة الكردستانية تشيح بوجهها عن القائمة الوطنية، رغم أنها كانت الظهير الفاعل لها والمصرة على أشراكها في جميع الترتيبات السياسية لتشكيل الحكومة، رغم إن التوافق التي يحاول علاوي الاتفاق معها وقفت بالضد منه، وصرح رئيسها بأن علاوي لا يمثل أي واجهة عراقية، وبالتالي حرم من المنصب الذي كان مخصصا له في الحكومة وهو نائب رئيس الوزراء للشؤون الأمنية.

لقد كنا نرى في علاوي التوجه الوطني البعيد عن الطائفية والقومية، ولكن تحركاته العربية ، واتصالاته مع الدول العربية ومحاولة استمالتها للتدخل في الشأن العراقي بما يخدم تسلمه للسلطة، جعلته ينسى أن هناك جمهور عراقي عريض لو أحسن التعامل معه، لحصل على تأييده النافع بدلا من التأييد العربي الذي ليس له مكان في العراق، لآن غالبية الشعب العراقي لن تنسى المواقف البغيضة للحكام العرب، وبعض المغرر بهم من الشعوب العربية الذين وقفوا إلى جانب الدكتاتور في قمعه للشعب العراقي، بل أن الدول العربية لم تحاول في يوم من الأيام التخفيف عن معاناة العراقيين بقبولهم لاجئين لديه، وكانت إلى جانب النظام العراقي في محاربة العراقيين كما هو الحال في مصر ، التي أصدرت أوامرها القاضية بعدم السماح لأي عراقي بدخول أراضيها إذا كان معارضا للنظام، والمواقف العربية بعد سقوط النظام كانت لا تصب في صالح الشعب العراقي مما أفسح في المجال للقوى الأجنبية أن تعيث فسادا وتبني ركائزها داخل المجتمع العراقي، أضف لذلك توجهاته البعثية المفضوحة، وكلماته التي لا تصدر عن سياسي محنك عارف بطبيعة الشعب الذي يتعامل معه، عندما يترحم على عفلق أو البكر، وغيرهم من رموز البعث القذرة، ومعارضته لإعدام سلطان هاشم وزير الدفاع الذي كان الساعد الأيمن للرئيس العراقي في تنفيذ الجرائم البشعة بحق العراقيين، وهو على أتم العلم بأن الكثير من رموز القائمة لا يقرون له التفرد بأجراء الاتصالات مع البعث الذي ذاق على يديه هؤلاء الأعضاء الويلات في فترة حكمه الكارثية، ولا يمكن لهم في بيوم من الأيام مصافحة الأيدي القذرة الملطخة بدماء العراقيين، وليس من القبول على حامل لواء الوطنية مفاوضة القتلة من أتباع عزت الدوري، المجرم الذ1ي أقترف الجرائم الفظيعة بحق الشعب ولا يزال وراء الكثير من الأعمال القذرة التي طالت الأبرياء، وليس مما يشرف مؤيدي العراقية الوطنية أن تكون للقائمة توجهاتها البعثية، وأن يتمترس خلفها بعض البعثيين القتلة أمثال راسم العوادي القاتل المعروف في الفرات الأوسط والذي حكم عليه بالإعدام لممارسته القتل والاغتصاب بعد انقلاب تشرين 1963، وأطلق سراحه بوساطات على أعلا المستويات.

لقد بدأ الصراع في القائمة منذ أيامها الأولى فالكثير من أعضائها كانوا يحاولون التعامل الايجابي مع القوائم الأخرى ، وإيجاد الأرضية المناسبة للبناء الوطني والتغيير من داخل العملية السياسية، وعدم الاعتماد على العوامل الخارجية، وحدثت الكثير من التقاطعات التي كادت تعصف بوحدة القائمة، لوجود بعض الأعضاء الذين يتمترسون خلف التوجه الطائفي القومي، الذي ينأى الآخرون عن التعامل به، وكامن لانفراد الدكتور علاوي باتخاذ القرارات دون مشاورة شركائه أكثر من أن تحتمل، مما حدا بالدكتور الحافظ إلى الانسحاب والعمل كنائب مستقل، وكان أن حذا حذوه السيد حاجم الحسني والسيدة صفية السهيل، فيما صرح آخرون بعزمهم على الخروج عن القائمة وتشكيل قائمة جديدة، وكل هذه الأمور كان لها أن لا تحدث لو التزم علاوي ببنود الأـفاق بين الأطراف المشكلة للقائمة، وكانت تحركاته الأخيرة قد أثارت امتعاض الجميع واتخذوا منها قميص عثمان للإجهاز عليه، في ظل إعلانه بكل جرأة عن أجرائه لقاآت مع الدوري وزمرته، رغم أن جميع الأطراف لها لقاءاتها الخاصة بالبعث ورموزه المختلفة، إلا أن لقائها محاطة بالسرية الكاملة،  فيما يتباهى علاوي بهذه الاتصالات، ولا أدري ما الذي يهدف إليه من وراء الإعلان عنها، هل يتصور أن البعثيين  يقفون إلى جانبه، ويمنحوه أصواتهم؟ أو ينظرون إليه باحترام وروح رفاقية، كلا أن البعث هو البعث الدكتاتوري ولا يمكن له أن يلتقي  مع الآخرين، وأن التحالف مع البعث يعني الانتحار السياسي لأي جهة تفكر في أعادة سلطة البعث من جديد.

ولا أدري كيف سوغ لنفسه الإنفراد باتخاذ قرار خطير، الانسحاب من الحكومة دون الاستئناس برأي  شركائه، أو الاتفاق معهم، مما جعله في موقف صعب بسبب رفض وزراء قائمته الانسحاب، وشكل ذلك صفعة قوية، جعلته في وضع مهزوز في التعامل مع خصومه السياسيين، وأن تصريحات البعض من رموز القائمة بدكتاتوريته، وانفراده باتخاذ القرارات لا تصب في صالح مستقبله السياسي، وسيكون لها تأثيرها على تشظي القائمة وتمزقها وهو ما يجذر الطائفية ويرسخها في العمل السياسي في العراق.

 وأن قراءة علاوي للواقع العراقي للأسف الشديد كانت قراءة خاطئة، واعتماده على البعث وأنصاره ينم عن جهل واضح بطبيعة البعث وسلوكه الدكتاتوري وفكره الشمولي، وعدم أيمانه بالآخر، فالبعثيون لا ينظرون إلى علاوي نظرة الحليف أو الرفيق، رغم دعمه وإسناده لهم، ومحاولة أشراكهم بالعملية السياسية، فهو لا يعدوا في نظرهم غير عميل تعاون مع الأمريكان لإسقاط حكومتهم، وبذلك أضاع علاوي "الميشيتين"، فهو غير مقبول من البعث، ومرفوض من أعداء البعث، ولا أعتقد أن الوصول إلى السلطة يكون عن طريق الزعماء العرب لوجود تقاطع بين الشعب العراقي وهؤلاء الحكام، وعليه العودة إلى الشعب لأنه مصدر السلطات.

والآن أمام علاوي فرصة للتراجع عن أرائه المثيرة للجدل، والتراجع عن مواقفه المرفوضة من الكثيرين، والتخلص من النزعة الاستبدادية في التعامل مع الآخرين، فالذين ارتضوا قيادته للقائمة رموز لها تاريخها الوطني والنضالي الذي لا يمكن لعلاوي الارتقاء له، أو إنكاره، لذا عليه العمل بما يتناسب وروح التعامل الائتلافي، وأن يقصي المنافقين والانتهازيين والطائفيين والبعثيين، ويعيد للقائمة وجهها الوطني البعيد عن كل أشكال الطائفية والقومية قبل فوات الأوان.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com