الديمقراطية بين الشعار والممارسة

 

 

 

سناء صالح /هولندا

sanaelgerawy@hotmail.com

مشهد بسيط أعطاني إشارة الى موضوع مهم هو الديمقراطية كممارسة وما مكاننا نحن كعراقيين من هذه المفردة من زاويتها العملية, أثناء سيري في السوق المفتوح في مدينة لاهاي الهولندية التي تتميز بتنوع الأعراق التي تسكنها من مهاجرين فالأتراك والمغاربة والهنود وغيرهم إضافة الى جاليات أقل عددا ومنها الجالية العراقية.

وجدت على رصيفين متقابلين عند بوابة السوق الأمامية على أحد الأرصفة يقف رجال ملتحون أحدهم يحمل صندوقا صغيرا للتبرعات وآخر علق في عنقه صورة لجامع يرومون بناءه وهؤلاء يتحدثون مع السابلة حول التبرع, أما الطرف المقابل فيقف مجموعة أخرى من الرجال أيضا بجانبهم رفوف متحركة رصت عليها كراريس وكتب بمختلف اللغات وهؤلاء أيضا يتحدثون مع المستطرقين ليقدموا لهم الكراريس بدون مقابل عسى ولعل يقتنع القارئ بملتهم فينضم إليها كلا الطرفين يتحدث بأدب جم والمشاة أيضا أما أن يستجيبوا أو يمضون في سيرهم بتحريك الرأس رفضا, وقفت راقبت المشهد قفزت الى ذهني أفكارا وبدأت كعادتي, وكهم دائم لي العراق أين هو من الديمقراطية وما هي المسافة التي تبعده عنها وكم من الزمن يمكن أن يستغرق لنصل إليها !! هل أستطيع أن أرى مثل هذا المشهد في العراق أم لا! وأنا التي فات من عمري أكثر من الباقي, عمر قضيت أكثر من نصفه مؤمنة بالنضال من أجل الوصول الى مجتمع ديمقراطي ومعاصرة للأحداث من النجاحات الى الكبوات والخسائر والعراقيل التي كانت أحيانا تلون نظرتي الى القادم برمادية.

في المنظور القريب لاأعتقد, فعلى الرغم من أن الديمقراطية هو الشعار السائد والمفضل بين كل القوى والأحزاب, كيف لا وأن السيد بوش سوف لايرضى لو لم تردد أنا ديمقراطي عشر مرات في اليوم! وماذا تفعل الآلاف من العساكر من الجيش الأمريكي المتواجدة في العراق غير تعليمنا مفردة الديمقراطية.

فالمواطن البسيط الذي لم يذق طعم الديمقراطية لابالبيت ولا بالمدرسة ولا من الحكومة فتح عينه على أب متسيد مطاع وأم منكسرة (عدا حالات نادرة في مجتمعنا) وبين أخوة مباح لهم كل شيء وأخوات يعاملن على أساس (العورة), أما المدرسة فلم يتعلم منها سوى الولاء المطلق الواجبات دون الحقوق وتاريخ مزور يكتبه المنتصرون والمتجبرون ومثل عليا شخوص لاأرض لها على الواقع وإنما مجتثة من بطن التاريخ فالسيف والليل والبيداء, بعدها بدرجات يأتي القرطاس والقلم أي العلم يتعلم كيف يظلم ولا يعرف معنى العدالة, أما الدولة فتتلقفه بعد أن يتخرج لتزجه بحروب أو صراعات لم يصوت عليها ولم يؤخذ رأيه فيها, يفقد خلالها كل معارفه ومعلوماته في خضم الخوف والفزع والموت وقد يخرج أيضا بعاهة مستديمة.

بعد تغيير نيسان تفاجأ العراقي البسيط بأن كلمة ديمقراطية موجودة وباسمها دخلت الجيوش لكن أحدا من الداخلين أو ممن رافقهم من أحزاب وما تأسس من منظمات مجتمع مدني وجمعيات لكن أحدا من هؤلاء لم يلتفت بأن العراقي لم يفقه ماهي الديمقراطية فيأخذ بيده ويعلمه ولعل الجميع من محتلين وسياسيين لم يهمهم المواطن بقدر السلطة والخيرات التي تهطل عليهم من خلالها إذن لندع المواطن يفسرها كما يشاء فكان تفسيره لها أن كل شيء مباح فهذه هي الديمقراطية.

أما نظرة وفهم المسؤولين للديمقراطية فهي ليست بأفضل بكثير من مواطنهم العادي وأقدم من خلال تصريحات ومقابلات سمعتها من أفواههم أو قرأتها عنهم. ويحضرني لقاء مع أحد السادة السفراء العراقيين في بلد أوروبي في لقاء تلفزيون بثته قناة العراقية بمناسبة نجاح السفارة في لم شمل العراقيين في مهرجان رعته السفارة وموضوعنا ليس عن المهرجان بل أن السيد السفير وهو يحاول إثبات نشاط السفارة في خدمة الجالية بغض النظر عن الطائفة والعرق والدين!! واستنكاره لتصرفات وزارة الداخلية العراقية بإرسال ضابط من بغداد ليشرف على تسليم الجوازات أو تنفيذ المعاملات, قد يكون الرجل محقا فهذا يعني أن أزمة ثقة بين الوزارات التي يفترض أن تكون موجودة والتعاون من أجل خدمة المواطنين وتسهيل معاملاتهم, فاعتراضي ليس على وجهة نظره بل أنني أستغرب أن يطرح مثل هذا الرأي عن عمل الحكومة التي يفترض أن يكون ممثلا لها فالاعتراض هنا على أداء وزارة الداخلية من سفير هو وجه هذه الدولة التي تمثل وزارة الداخلية جزءا منها وهذا يعطي السامع شعورا بأن الحواجز الكونكريتية والجدران ليست بين المنطقة الخضراء والشارع العراقي ولا هي فقط عوازل بين نقاط التماس الملتهبة بل هي أيضا بين الوزارات ومؤسسات الدولة القائمة على المحاصصة العرقية والطائفية.

ويحضرني نموذج آخر لموقف المسؤولين تجاه القوى الأخرى التي يعتبرونها قوى صغيرة استنادا على صندوق الاقتراع والتعاطي مع ما يقدمونه من مشاريع ومقترحات لإنقاذ الوطن من الورطة والأزمة التي تعبث بمصير الوطن والشعب ومنها المشروع الوطني الذي قدمه الحزب الشيوعي العراقي وما تضمنه من حلول ناجعة لو تم تبنيها.

الكل يعرف أن القوى الكبرى الموجودة على الساحة تحاول كل جهدها وتبحث عن الحلول الناجعة وتظل في دوامة البحث وتطرق أبواب الأشخاص والدول وصولا الى مفتاح للمشاكل العاصفة ولكن دون جدوى, هذه القوى لاتريد أن تنظر حولها, وباستعلاء وغرور تحاول تهميش وتجاهل ما قدمه الحزب الشيوعي العراقي من حلّ ينطبق عليها المثل (غانية الحي لاتطرب) ولم أسمع أي تعليق من مسؤول معني بالوضع الأمني والسياسي وأعلن رأيه بإيجابية أو سلبية, عدا ما قرأته عن لقاء وفد من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي مع السيد جلال الطالباني.

لقد أشاد الطالباني بموقف الحزب الشيوعي العراقي ودوره الى هذا الحد جميل جدا إلاّأن رده ووعده بأنه سيطلع على المشروع الذي صدر ما يزيد على الأسبوعين وتناولته وسائل الأعلام. هكذا رد السيد الطالباني وهو رئيس جمهورية ورئيس حزب كبير لم يقرأ ولم يطّلع على أنشطة قوى هي جزء من العملية السياسية ومؤثّرة في الساحة وارتبطت لفترات طويلة مع حزبه بتحالفات ونضالات مشتركة.

لاأدري إن كان السيد الطالباني فعلا لم يقرأ المشروع وقد عرف عنه متابعا جيدا قارئا للصحف يقرأ كل شيء حتى آخر النكات التي تحبك عنه فعجبا! كيف لايقرأ مشروعا مهما فيه حلول للوضع المتأزم, أم أنه من باب التجاهل والتقليل من أهمية المشروع وهذه إن صدقت فهي مصيبة.

عل كل حال فإن العراقيين جميعا مسؤولين وعامة الناس, أحزابا وأفراد ا يحتاجون الى فهم الديمقراطية بالممارسة من خلال فعل بسيط أن نبدأ بالعائلة, بالمدرسة ومن ثم ننطلق الى الفضاء الواسع الى التطبيقات السياسية وفهم القوى المتضادة كل للآخر, فليس كافيا أن تسطر كلمة الديمقراطية كشعار لحزب أومفردة في دستور أو في خطبة عصماء لمسؤول كبير بل هي ببساطة أن نتقبّل من ينقدنا) كما يحق لنا أن ننتقد دونما إساءة وتشويه , أن تنتهي مساحة حريتنا حينما تبدأ حرية الغير وهذا يحتاج الى جهود كبيرة والى وقت...

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com