|
في أوائل أيام شهر يناير/ كانون الثاني عام 1980 عندما كنا معتقلين من قبل عناصر جهاز المخابرات العراقي نقلونا من الغرف الحمراء في الطابق الثاني إلى قاعات كبيرة في الطابق الثالث وكانت القاعة (58) البيضاء الأوسع في مساحتها مأواي بعد الغرفة المظلمة (8) وهناك تعرفت على خليط من المعتقلين عراقيين وعرب وأتراك وحتى أجانب. ولكل فرد من أولئك المعتقلين كانت قصة مثيرة وسبب تافه بموجبه أعتقل. ففي القاعة المعروفة والمشهورة لدى جميع العراقيين وحتى وغير العراقيين الذين نالوا شرف الاعتقال من قبل مجرمي مديرية المخابرات العراقية العامة آنذاك ومكثوا أيام أو أشهر أو حتى بعضهم سنوات، تعرفت على معتقلين اتهموا بالانتماء إلى أحزاب وتنظيمات إسلامية شيعية وسنية وآخرين اتهموا بالانتماء إلى أحزاب قومية عربية، كردية، تركمانية، كلدانية، آشورية ويزيدية، وآخرين اتهموا بالتجسس لصالح دول عربية وأجنبية. ومن تلكم الدول سوريا، إيران، تركيا، الأردن، عمان، كويت، الإمارات العربية، ليبيا، بريطانيا، إسرائيل، بلغاريا، يوغسلافيا وغيرها. وكان كاكا سالار بطل مقالي هذا معتقلا بتهمة انتماءه إلى الحزب الديمقراطي الكردي (البارتي) الذي يتزعمه السيد مسعود البارزاني. وقبل أن أتعرف به تعرفت على معتقل كردي آخر من أبناء مدينة أربيل أسمه دلير فتاح اتهم بالانتماء إلى حزب الاتحاد الوطني الكردي (اليكتي) والذي يتزعمه السيد جلال الطالباني. نصحني بدوره أن ابتعد عن كاكا سالار لعدم الثقة به لكونه أحد عملاء الأمن ولا مانع لديه من أجل تبرئته من التهمة الموجهة إليه، بأن يقوم بإيصال كافة المعلومات التي يحصل عليها إلى ضباط التحقيق. فكان كاكا سالار وكما تعرفت من المعتقل دلير فتاح، من أكراد سليمانية ولكنه يسكن في منطقة إمام قاسم بكركوك منذ طفولته، وكان من أنشط وكلاء دائرة أمن الكرامة بمنطقة أمام قاسم لسنوات عديدة وكانت لتقاريره التي يرفعها باستمرار ضد أبناء منطقته من الكرد دورا كبيرا في إرسال العشرات إلى الإعدامات والسجون، وترحيل عوائلهم من كركوك. ولكنه نسى بأن ضباط وعناصر الأجهزة الأمنية لن يثقوا بالذين يخونون شعوبهم وأقوامهم ويكونون سببا في إلحاق الضرر بأبناء جلدتهم ويعرفوا جيدا بأن الذي يخون ويبيع أبناء قومه ومنطقته لا مانع لديه من خيانة وبيع الآخرين. فوفاءه المتميز لعناصر الأمن في إمام قاسم لم يفده أبدا عندما رفع عنه كردي آخر بتقرير يتهمه بالانتماء إلى البارتي وإيواءه لعناصر الميليشيات الكردية التابعة للبارزاني في منزله. فاعتقلوه بالضرب المبرح والإهانة أمام أبناء منطقته وسحلوه الشارع إلى السيارة وأخذوه إلى أمن الكرامة في أمام قاسم وبعدها نقلوه إلى مديرية الأمن العامة ومنها إلى دائرة المخابرات العامة. ونتيجة التعذيب الكبير أعترف على نفسه التهمة الموجهة إليه وحكم عليه بالإعدام شنقا ونفذ في قسم الإعدامات من سجن أبو غريب ببغداد. اليوم التاريخ يعيد نفسه فهناك العشرات من الانتهازيين العراقيين الذين استغلوا الظروف السياسية العراقية الجديدة ليفتحوا صفحة جديدة في حياتهم مليئة بالخزي والعار والخيانة والعمالة ناسين بأن الخيانة لم يدم لأحد أبدا، وبدأت بعض الجهات والتيارات السياسية المشبوهة والعميلة للأجنبي في العراق تستعمل أولئك الانتهازيين لمصلحتهن الخاصة في الضغط على فئات وجماعات معينة أو إظهارهم كقياديي بعض الفئات أو الجماعات العراقية. ولا يخفى على أحد بأن قيادتي الحزبين الكرديين الكبيرين اليكتي والبارتي قامتا وحتى ومنذ قبل سقوط النظام العراقي السابق بتأسيس العديد من الأحزاب والتنظيمات الكارتونية التركمانية التي أسندوا إداراتها إلى أشخاص انتهازيين منبوذين في الأوساط التركمانية لا يهمهم الخيانة والعمالة وقدموهم كقيادي التركمان في المحافل العراقية ليمرروا مخططاتهم الشوفينية المشبوهة. واليوم وحسب المعلومات التي نحصل عليها من أبناء العراق المخلصين لبلدهم والمناضلين من أجل وحدة أرضه وشعبه وعدم السماح لتقسيمه بأي شكل من الأشكال، بأنه ونتيجة فشل أولئك الانتهازيين في إقناع التركمان في الانتماء إلى الإقليم الكردي، بدأت القيادات الكردية تفكر في تغيير أولئك الحثالى والانتهازيين بآخرين معروفين في الوسط التركماني يتمكنون من التأثير على الشارع التركماني وتغيير نظراتهم وأفكارهم حسبما تتطلب مصلحة تلك القيادات. فنهاية الانتهازيين من أمثال عبد القادر بازركان، وليد شريكة، سيف الدين دامرجي، سامي شبك والآخرون باتت معروفة وأسوء من نهاية كاكا سالار الذي نفذ فيه الإعدام. لأن كاكا سالار أعدم وانتقل إلى مثواه الأخير ولكن أولئك الخونة والانتهازيين حكموا بأن يعيشوا بالذل والهوان إلى مدى الحياة جزاء لخيانتهم لشعوبهم ووفاءهم للجهات الأخرى. فخلاصة الكلام الخيانة التي لم تدم لكاكا سالار وغيره في السابق لن تدوم لأحد لا اليوم ولا في الغد والويل كل الويل لأولئك المجرمين والخونة الانتهازيين الذين لا يهمهم غير الصعود على مصلحة الآخرين حتى ولو تخلوا عن ضمائرهم وأعراضهم وشرفهم وكرامتهم.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |