العراق بين غياب المشروع الوطني وصراع الآخرين

 

تقي الوزان

wz_1950@yahoo.com

تردد السؤال كثيراً, ولفترة زمنية ليست بالقصيرة: لماذا موقف الامريكان غير واضح, ومتماهل, في حسم الكثير من القضايا في العراق؟! وأهمها مسألة الأمن التي تكلفهم خسائر في الارواح, يجري حسابها في القنوات التلفزيونية الفضائية منذ بداية الحرب ولحد الآن, لغرض الايحاء بضخامتها, وهي لاتتجاوز في حقيقتها نسبة واحد على عشرة من حوادث المرور والدهس في بلداننا. ولماذا أستمرت دولة بهذه الأمكانيات  ومعها العالم الغربي بالسكوت, وفي بعض الأحيان الترجي وارسال الوساطات لأقناع النظام الايراني والسوري بالكف عن "ايذاء" قوات الاحتلال الامريكي, والتوقف عن ارسال الفدائيين العرب ودعم المليشيات السنية والشيعية. وهي– الادارة الامريكية– المعروفة بعنجهيتها, وعدم تحملها ل" تحرشات" اقل من هذا بكثير , وقرصنتها لبعض دول الكاريبي خير مثال .

ان الموضوع النووي الايراني ليس كافياً لوحده كمبرر لشن حرب ضد ايران, لشرعية ايران بأمتلاكها القوة النووية لأغراض سلمية اولاً, وثانياً التعامل مع هذه القضية يجري مع المنظمة الدولية للطاقة النووية,  صاحبة الحق الوحيدة في مراقبة الآخرين , ولم يجري الحسم, او التأكد من توجه ايران لأمتلاك السلاح النووي. ولهذا الحد فأن ايران هي صاحبة الحق القانوني , رغم كل التصريحات العنترية للرئيس الايراني احمدي نجاد.

ان الامريكان لم يعد بأمكانهم تلفيق المبررات كما حدث بالحرب على العراق, عندما وقف كولن باول وزير الخارجية الامريكي في وقتها, وهو يشرح امام الشاشات العملاقة في هيئة الامم المتحدة, ويؤشر بعصا المارشالية لباقي الوفود التي عليها ان تصدق ما يفترضه الامريكان. وبعد سقوط النظام الصدامي وأحتلال العراق, ظهر كذب الأدعاء الامريكي. ولايمكن تكرار ذات التلفيق في تهويل خطر المشروع النووي الايراني على السلم العالمي, وهو لايزال يبعد عن امتلاك القنبلة النووية عدة سنوات. 

ان الخطر الذي يشعره الامريكان من النظام الديني الايراني ليس من امتلاكه البرنامج النووي– رغم خطورته وتأثيره على توازن قوى المنطقة, بل من الطموح القومي الذي يريد ان يسيطر على المنطقة النفطية بالكامل, ويحبط المشروع الامبراطوري الامريكي. وفي احسن الاحوال الدخول مع الامريكان في مساومات اقتسام النفوذ, والطرفان استخدما المشروع النووي الايراني كواجهة لصراعهم الحقيقي.

وكان لابد للأمريكان من استمرار وضع العراق على عدم الاستقرار, واعادة اشعال النار كلما خمدت, واثارت النزاع الدموي الطائفي– وهذا ما تبغيه "القاعدة" والايرانيون ايضاً– ولكن بالنسبة للأمريكان للحد الذي يبقيه تحت سيطرة قوات الاحتلال, ولزيادة توريط الايرانيين فيه, وفسح المجال لمد نفوذهم اكثر. وانزلق الايرانيون حتى اقتنعوا بأن العراق اصبح "الجوكر" في لعبتهم, وتحدوا الامريكان به امام كل العالم. وحالهم حال صدام عندما صدق انه يمتلك رابع جيش في العالم. وطيلة السنوات الثلاث الماضية تمكن الامريكان من اقناع العالم بأن الخسائر الامريكية في العراق نتيجة جرائم المليشيات الشيعية والسنية الموجهة من ايران وحليفتها سورية, وهو سبب معقول لمواجهة ايران , كون الامريكان "يدافعون عن انفسهم". اضافة للمساعدة "السخية" التي قدمها النظام الايراني بأستعراض قوته في المناطق الساخنة "حزب الله" في لبنان, و"حماس" في فلسطين, وتأكيدات احمدي نجاد بضرورة انهاء اسرائيل. 

ان الامريكان لايهمهم امن العراق بقدر ما يهمهم استمرار الوضع الذي يخدم خططهم. ولعل ايقاف الشخص الايراني قبل ايام من قبل القوات الامريكية في السليمانية, واتهامه بأنه من قيادات جيش "القدس" الايراني, في الوقت الذي تقول فيه ايران انه تاجر من اهالي كرمنشاه واحتجت بشدة على احتجازه,  توضح ما يريده الامريكان. فليس المهم ان يكون هذا الشخص مسؤول عسكري او تاجر, المهم ادعاء الامريكان سيصدق في استمرار هذا الجو الملتبس والمتوتر. وستستمر الاوضاع في العراق على هذا المنوال لغاية ما يتم حسم الصراع مع النظام الايراني, والذي تتوقع الصحف الغربية الصادرة خلال الايام الماضية, بأنه سيكون اما في الربيع اوالصيف القادم.

وكل الذي يجري والقيادات السياسية العراقية لاعلاقة لها بالأمر, غير الاهتمام بأقتسام السلطة والنفوذ وسرقة المال العام, وتأمين تقاعدهم في البرلمان, او كمستشارين, كما في البدعة الاخيرة التي يجري نقاشها في البرلمان. والسؤال العاجز, الذي اصبح ممجوجاً لكثرة سائليه: هل بأمكان هذه القيادات من التوحد في المشروع الوطني الذي يستطيع ان يفرض اجندته على الطرفين الايراني والامريكي, وان لايبقى العراق عائماً بين مصالح الطرفين فقط؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com