بوش واخطبوط المافية المتعطشة للدم في العراق

 

صباح سعيد الزبيـدي

sabah@sezampro.yu

كشفت الحادثة الاجرامية الوحشية والجبانة والتي وقعت في ساحة النسور (بالقرب من حي المنصور غربي بغداد) يوم الاحد 16/09/2007.. الكثير عن طبيعة شركات المرتزقة الأمريكية والأجنبية في العراق، وتجاوز دورها لمهام توفير الأمن والحماية للشخصيات والمنشئات، هذه الشركات الدموية التي يفوق عددها المائة والتي تعمل خارج القوانين العراقية حيث شجعت إدارة بوش على تناميها، بهدف تلافي النقص في قواتها الغازية.

وجاءت فكرة شركات الحماية (المرتزقة) في زمن بول بريمر حيث أصدر مجلس الحكم العراقي آنذاك قرارا يسمح بجلب عدد أضافي من المرتزقة عن طريق شركة (Black Water بلاك وتر- الماء الاسود) الامريكية بعدد 20000 جندي من المرتزقة وقد أنصب العقد على أن تتولى فرق المرتزقة حماية السفارة الامريكية التي هي أكبر سفارة في الشرق الاوسط بموظفيها الامريكيين وغير الامريكيين وهم بالآلاف وكان العقد بمبلغ (120) مليون دولار.

ومنحت سلطة التحالف المؤقتة في العراق شركات المقاولات الامنية العاملة لحساب الحكومة الامريكية وغيرها حصانة مطلقة من المقاضاة امام القضاء العراقي بموجب قانون صدر عام 2003. وقد جدد العمل بهذا القانون قبل ايام قليلة فقط من حل سلطة التحالفCPA ) ) في شهر يونيو حزيران عام 2004.

وذكر تقرير نشره الصحفي الاستقصائي الأمريكي Jeremy Scahill "جيرمي سكاهيل" ان "القوات الامريكية في العراق اصدرت القرار رقم 17 عام 2007 والذي يمنح حصانة لهؤلاء المتعاقدين من الخضوع للادعاء في العراق". ونقل عن احد المتعاقدين انه اذا تسربت انباء عن احتمال الادعاء علي اي شخص منهم في العراق يتم تهريبه الى خارج البلاد فورا.

تأسست مشكلة "خصصة الحرب" لدي الإدارة الأمريكية التي تربط بين أرباح المقاولين الخاصين مع وجود حرب ، ولذلك فهي تعطى الحوافز للمقاولين لكى يضغطوا على الإدارة الحكومية والكونجرس لتوفير فرص ربح أكثر وهذه الفرص تعنى إشعال المزيد من الحروب ولهذا السبب يجب أن يتم كبح جماح المقاولين الخواص من قبل الكونجرس".

وحسب مصادر في مركز معلومات الدفاع في الحكومة الأمريكية، فإن خصصة مسؤوليات الأمن تأتي من رغبة إدارة بوش باستحضار المزيد من القوات إلى العراق

وغيره من الأماكن في مهمات لا تكفي القوات الأمريكية النظامية لتغطيتها بالكامل.

وتشير تقارير صحفية إلى أن ما نسبته 34 بالمائة من مبلغ 21 مليار دولار، خصصتها الولايات المتحدة لإعادة اعمار العراق، قد تم تحويلها للشركات الأمنية الخاصة. ما دعا صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" إلى القول : إن خصخصة الحرب الأمريكية في العراق قطعت شوطًاً كبيراً.

وتمثل "بلاك ووتر" نموذجا لصعود جيوش المرتزقة القوية، التي تتراوح من القوات المدرعة المتعطشة للدم كالتي قادت العمليات العسكرية في الفلوجة، إلى القتلة الأفراد الذين ينفذون الاغتيالات الخاصة عن سطوح المنازل كما في النجف.

ويشار الى ان الفيلم الوثائقي المعروض في 2006 (Iraq for Sale: The War Profiteers ) اتهم الشركة بالمسؤولية عما جرى في ابو غريب جزئيا.

وكان الصحافي الامريكي البارز "جيرمي سكاهيل" كتب في الاونة الاخيرة في صحيفة "لوس انجلس تايمز" تحت عنوان "مرتزقتنا في العراق"، ان المرتزقة يشكلون اليوم ثاني اكبر قوة في العراق، مضيفا "هناك نحو مئة الف في العراق، منهم 48 الفا يعملون كجنود خاصين، تبعا لتقرير صادر عن مكتب المحاسبة الامريكي".

وقبل مقاله هذا، كان "جيرمي سكاهيل" قد اصدر كتابا حمل عنوان "مرتزقة بلاك ووتر.. جيش بوش الخفي"، كشف فيه بعض الجوانب الخفية عن عملهم بالعراق حيث تصل اجرة الشخص الى 1500 دولار يوميا. ويروي في كتابه بداية انطلاق شركة او جيش "بلاك ووتر"، الذي وصفه بانه اقوى جيش للمرتزقة في العالم، بعد ان تبنى البنتاغون سياسة جيش القطاع الخاص التي وفرت له اكثر من مائة الف من المرتزقة يقاتلون في العراق لصالح الجيش الامريكي.

مؤسس "بلاك ووتر" هو ال"ميغا-مليونير" المتطرف اليميني الأصولي والضابط السابق في البحرية إيريك برينس، سليل أسرة غنية من المحافظين لطالما قامت بتمويل الحركات اليمينية المتطرفة.

وتعتبر منظمة "بلاك ووتر أمريكا" إحدى أكبر وأقوى منظمات المرتزقة السرية في العالم. ويقع مركزها في المناطق البرية المهجورة من شمال كارولينا، وتشكل الجيش الخاص الأكثر نموا على وجه الأرض، بقوات قادرة على القيام بعمليات قلب الأنظمة الحاكمة في أي بلد في العالم.

ويكشف الصحافي الامريكي البارز "جيرمي سكاهيل" في كتابه "بلاك ووتر" النقاب عن الحقائق التي تكتنف نشوء وتوسع شركة "بلاك ووتر" وجيشها الخصوصي القوي الذي تستأجره واشنطن في حروبها عبر العالم, ويسلط الاضواء على نشاطاتها ونشاطات الشركات المشابهة في العراق كما في افغانستان وعدد من دول امريكا اللاتينية.

انها حكاية جيوش المرتزقة الجديدة وعلاقتها باتجاهات الخصخصة العسكرية في امريكا واليمين المسيحي في العالم ومستقبل الديمقراطية في دول العالم الثالث وهي ايضا ادانة للجرائم والانتهاكات التي تمارسها تلك الجيوش بعيدا عن كل محاسبة ورقيب.

ويكشف المؤلف الصلة الدينية التي تجمع بين شركة "بلاك ووتر" وإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش قائلاً: من الصعب تخيل أن المحسوبية التي اصطبغت بها إدارة الرئيس الأمريكي بوش لم يكن لها دور في نجاح "بلاك ووتر"، فمؤسس الشركة وهو الملياردير إيريك برينس يتشارك مع بوش في اعتناق معتقدات اليمين المسيحي في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث جاء من عائلة جمهورية نافذة في ولاية ميتشيجان، وهي العائلة التي ساعدت تبرعاتها اليمين المسيحي في أمريكا على النهوض. كما أن والده إيدجار برينس دعم الجمهوري جيري بوير في إنشاء مركز أبحاث العائلة وهو مركز معني بمواجهة الإجهاض والزواج المثلي. كل الأوراق إذن تختلط والرابط الأكثر قوة وتأثيراً ونفوذاً هو الإيمان المشترك بمعتقدات المسيحية الأصولية حيث نجحت الشركة في توظيف شخصيات احتلت مكانة نافذة في دائرة صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية ليشكلوا مجلس إدارتها، حيث يشير سكيل إلى أن على رأس هؤلاء جيري بوير الذي يصفه سكيل بأنه "سياسي محافظ معروف بعلاقاته مع كثير من الجماعات المسيحية الإنجيلية، كما يعرف بتأييده غير المحدود لإسرائيل وإيمانه بضرورة استخدام القوة العسكرية لحماية مصالح الولايات المتحدة"، وهناك أيضاً الجنرال المتقاعد جوزيف شميتز الذي عمل مفتشاً عاماً في وزارة الدفاع الأمريكية في حقبة الرئيس الأمريكي السبق رونالد ريجان ثم انتقل للعمل كمستشار في مجموعة شركات برينس المالكة لشركة "بلاك ووتر". ويشير سكيل إلى أن شيمتز كان من أهم المقربين من الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب قبل أن يكون من بين أهم المقربين من الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش الابن ومن إدارته، كما أنه كان مسؤولاً عن رسم خريطة الشركات الأمنية الخاصة ومن بينها شركة بلاك ووتر في بدايات فترة الحرب الأمريكية على الإرهاب. وهناك أيضا الجنرال كوفر بلاك الرئيس السابق لإدارة مكافحة الإرهاب في وكالة المخابرات الأمريكية والذي اشتهر بمقولته "هناك قبل 11 سبتمبر وبعد 11 سبتمبر وسنخلع القفازات"، حيث يصفه سكيل في كتابه بأنه "قاد الفريق المسؤول عن مطاردة بن لادن في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر".

"شركة "بلاك ووتر" العاملة في العراق التي قامت بتدريب منتسبيها الذين ليسوا بالضرورة أن يكونوا أمريكيين بل هم خليط من مختلف الجنسيات فقط الهدف من عملهم هي المادة السخية وهم مدفوعي الثمن مقدما لتحقيق أي غرض يطيل فترة الاحتلال لمدة أطول في العراق .... وهؤلاء لا يخضعون للقانون العسكري الامريكي ولا لاي قانون آخر بعد أن يقوم الاحتلال بسلب الاهلية من السيادة القضائية العراقية وهكذا نجدهم كرجل الفضاء الذي يطوف في فراغ يفقد وزنه فيه..... من الناحية القانونية هو شبح واقف أمام القانون وشخص هولامي أمام أي مسائلة من الممكن أن توجه اليه لكنه لا يقل عن أي عضو مافية في ساردينية أو شيكاغو قاس القلب معدوم الضمير عنده قتل البشر كقتل الذباب ولكنه يأتمر بأمر الذي أتى به وهو الاحتلال".

وعلى الرغم من الدور الأساسى الذى تقوم به شركة "بلاك ووتر" فقد كانت تعمل فى الظل حتى 31 مارس 2004 عندما تعرض أربعة من جنودها فى الفلوجة للهجوم وقتلوا، حيث قامت الجماهير بجر جثثهم فى الشوارع وحرقتها وتعليق إثتنين منها على ضفاف نهر الفرات ، ومن هنا بدأ يحدث تحول فى الحرب على العراق حيث قامت بعد عدة أيام القوات الأمريكية بمحاصرة الفلوجة وقتل 100000 عراقي وتهجير 200000 ألف من ابناء الفلوجة ، مما أشعل مقاومة عراقية شرسة تستمر فى إصطياد أفراد قوات الإحتلال حتى اليوم .

قامت الشركة بأعمال خارقة لا تنسجم أي منها ضمن أحكام اتفاقية جنيف الرابعة فدمرت البيوت بيتا بيتا والمحلات محلة تلو محلة والشوارع والجسور وأجبرت معظم الاهالي بترك المنطقة ثم قامت بعمليات التدمير الجماعي ودفن الشهداء في مقابر جماعية ولم تنتهي هذه الحالة الا بعد أن ضج الرأي العام العراقي والعربي والاوربي من هذه الاعمال المشينة.

وذكرت صحيفة «نيوز أوبزرفر» الأمريكية أن مكتب المدعي العام الفيدرالي، يجري تحقيقاً حول قيام بعض موظفي شركة «بلاك ووتر» الأمنية الأمريكية الخاصة بشحن أسلحة أوتوماتيكية غير مرخصة ومعدات عسكرية إلي العراق.

وقالت الصحيفة الأمريكية إن ٢ من موظفي الشركة أدينا بتهريب أسلحة، وأنهما يتعاونان في الوقت الحالي مع سلطات التحقيق لكشف مزيد من التفاصيل. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تكشف عنها قولها إن الادعاء يحقق فيما إذا كانت شركة «بلاك ووتر»، شحنت أسلحة وأجهزة رؤية ليلية ومدرعات وبنادق ومعدات عسكرية أخري إلي العراق بدون التصاريح المطلوبة.

وهكذا نجد اليوم " بلاك ووتر" وإدارة بوش وبحجة مكافحة ما يسمى "الإرهاب العالمي" ونشر الديمقراطية والاصلاح يساهمون في تدهور الوضع الامني وإشاعة الفوضى و الاضطراب السياسي والاجتماعي في العراق ويلحقون المزيد من المآسي والتدمير والاجرام على الصعيد الانساني والبشري والحضاري لشعبنا العراقي المظلوم.

وبعد هذه الحادثة الهمجية والجرائم الوحشية والفضائع والانتهاكات التي ارتكبها مرتزقة هذه العصابات الدموية في عراقنا الجريح والمحتل ، تزايدت التساؤلات عن طبيعة المهام التي تقوم بها هذه القوات الكبيرة من المرتزقة المأجورين "جيش بوش الخفي" والذين يتمتعون بحصانة قانونية بحيث لا يستطيع القضاء العراقي ملاحقتهم لانهم فوق القانون."

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com