أبو غريب ـ الحلقة/ 32 ـ جواسيس وعملاء وخونة ..!!

 

 

جلال جرمكا/ كاتب وصحفي عراقي/ سويسرا

عضو ألأتحاد الدولي للصحافة وعضو منظمة العفو الدولية

tcharmaga@hotmail.com

من دفتر ذكرياتي في معتقل/ أبوغريب ـ الحلقة الثانية والثلاثين ـ عنوان الحلقة/ جواسيس وعملاء وخونة!!.

ياترى لماذا هذه التسمية..؟؟ وهذا العنوان العجيب؟؟.

القسم الذي كنت فيه أسمه/ قسم ألأحكام الخاصة، أي قسم السياسيون.. بأختصار كان هذا القسم من ألأقسام المنبوذة والمنبوذة جداً.. كل الموجودون كانوا قد أتهموا القيام بأعمال ضد (مسيرة الحزب والثورة!!) وكانوا قد حكم عليهم من قبل المحاكم الخاصة وفي المقدمة/ محكمة الثورة ـ سيئة الصيت ـ وغيرها من المحاكم!!.

قبل الدخول الى صلب الموضوع لابد من أن أحكي هذه الحقيقة:

أستلم / طاهر جليل حبوش/ منصب مدير ألأمن العام .

قام بزيارة الى معتقل/ أبوغريب.. تجول في كافة ألأقسام.. أخرقسم كان قسمنا

(قسم ألأحكام الخاصة).. أقترب من القسم ..سأل مدير أمن أبو غريب:

ـ ما هذا القسم..؟؟.

رد عليه المدير:

أنه قسم ألأحكام الخاصة سيدي!!.

ـ ماذا يعني؟؟.

يعني المحكومون لأسباب سياسية.

حينها قال بالحرف الواحد:

ـ لاء.. لننهي الجولة..لا أريد الدخول الى قسم ـ العملاء والجواسيس والخونة ـ أخاف لا نتلوث !!!.

نعم عادوا بسرعة من دون زيارة قسمنا.. هكذا كان هذا القسم المسكين منبوذ من قبل الجميع.. كان الله في عون النزلاء !!.

 في القسم المذكور كان العشرات محكومون بتهمة التجسس لصالح/ دول عربية وأجنبية.. وقد حكم عليهم بالمؤبدـ عشرون عام ـ وأكثرهم كانوا قد حكم عليهم بالأعدام.. دخلوا / قسم ألأعدام.. وأنتظروا دورهم في التنفيذ.. ولكنهم شملوا بعفو وخفضت المدة الى السجن المؤبد.. هؤلاء كانوا سعيدين بتلك العقوبة البسيطة، أي/ عشرون عام ـ من غير الشمول بأي عفوـ أطلاقاً.. هكذا كانت التعليمات.

هؤلاء ألأخوة كانوا متهمون بالتجسس لصالح الدول التالية :

سوريا، تركيا، أيران، السعودية، الكويت، عـُمان، ألأردن، أسرائيل، فرنسا، الجيك، فرنسا، يوغسلافيا...الخ من الدول!!.

 ـ المتهمون بالتجسس لصالح تركيا كانوا من ألأخوة التركمان من مختلف المدن/ كركوك، الموصل، تلعفر، طوز، تازة.. الخ.

 ـ المتهمون لصالح سوريا كانوا من ألأخوة اليزيدية وأهالي غرب العراق.

 ـ المتهمون لصالح أيران كانوا من أهالي الجنوب.

ألأكثرية كانوا متهمون بالتجسس لصالح سوريا وثم تركيا، وثم أيران.. وهكذا .. ولكن ياترى هل كانوا فعلاً جواسيس؟؟.

للرد أقول ومسؤل عن كلامي:

أن 85% منهم كانوا مظلومون عالأخر.. لم يكونوا جواسيس أطلاقا.. واليكم بعض ألأمثلة الموثوقة من خلال معايشتي معهم والجلوس لآف المرات والحديث الطويل عن مظلوميتهم!!.

على سبيل المثال:

أولاً التجسس لصالح/ تركيا:

كان ألأستاذ/ يشار ـ تركماني من أهالي كركوك ـ أستاذ في كلية آلآداب / قسم اللغة التركية .

بحكم عمله الرسمي كانت هنالك علاقة بين (القسم التركي) والملحقية الثقافية في السفارة التركية، حيث المناهج والكتب وألأشرطة تأتي من تركيا وتحت أشراف/ الملحقية الثقافية في السفارة الواقعة في منطقة/ الوزيرية القريبة من كلية آلآداب/ جامعة بغداد .

كان ألأستاذ/ يشار يسكن في بيت صغير بالقرب من الكلية والسفارة.. فكان الملحق الثقافي يتردد على بيت/ ألأستاذ يشار.. كصديق وكمسؤل عن التنسيق بين السفارة وكلية ألأداب.

في أحد ألأيام طلب الى المخابرات.. وجهوا اليه تهمة التجسس لصالح تركيا.. حكموا عليه بالمؤبد.. قضى أكثر من 17 عاماً في أبوغريب!!!.

هنا لست بصدد الدفاع عن الجواسيس.. معاذ الله.. ولكن في العراق كان كل من يثبت بتورطه في عملية تجسس كان يعدم فوراً، من غير أي تأخير... ألأمثلة بالمئات!!.

ثانياً:

التجسس لصالح/ سوريا:

المتهمون في التجسس لسوريا كانو نوعان :

آ / البعثيون، الذين كان يطلق عليهم ـ المنشقون، أي الجناح السوري:

حيث عاد عدد منهم خلال عفو عام.. ولكن في الحدود القي القبض عليهم وحكموا بالمؤبد، أتذكر منهم (عادل مخلف الدليمي، صارم الدليمي).

ب / ألأخوة اليزيدية وعدد من أهالي الجزيرة في غرب العراق:

هؤلاء كانوا من سكنة القرى القريبة من القرى والمدن السورية وكانت لهم مصاهرة مع السوريون.. لذلك ومنذ عقود وعقود يدخلون سوريا ويعودون من غير جواز ولا أوراق!!... الحكومة السورية كانت تتساهل من جانبها وتعرف تلك الحقيقة.

أما الحكومة العراقية كانت شديدة في هذا الجانب.. نعم، كل من يثبت أنه دخل ألأراضي السورية بتلك الطريقة وعاد يتهم بالتجسس.. ألأمثلة كانت بالعشرات!!.

يقال ـ شر البلية مايضحك:

كان أحد رعاة ألأبل ويدعى/ الحاج طلفاح.. من أهالي الجزيرة.. كان قد دخل مع قطيع ألأبل الى ألأراضي السورية وعاد في اليوم التالي.. مسكوه.. حجزوا ألأبل.. وحكموا عليه بالمؤبد!!.

في كل مرة كان يغني ألأبوذية ويقول مامعناه:

لا أعرف في حياتي ماهي الجاسوسية؟؟ ياترى هل هي مهنة خطرة؟؟ أم ماذا؟؟.

كان يملك حنجرة ذهبية.. كلما غنى، يسكت الجميع وينصتون لصوته الحزين.. حتى المسؤلون والحرس كانوا يستمعون اليه بخشوع!!!.

ثالثاَ/ التجسس لصالح أمريكا والدول ألأوربية:

كان البلوماسي/ نهاد القيسي أحد موظفي السفارة العراقية في العاصمة الجيكية/ براغ.. عن طريق الصدفة يلتقي مع أحدهم في أحدى المراقص الليلية  ويجلسان على طاولة واحدة ويحتسيان المشروب.. بعد جلسة مطولة يودع أحدهما ألأخر.. وبعد أسبوع تتكرر نفس الجلسة!!.

أثناء الجلسة الثانية يسأله/ القيسي عن عمل ذلك ألأجنبي.. يرد عليه بأنه موظف في السفارة ألأمريكية!!!.

ما أن سمع الرد.. حتى قام من مكانه.. دفع الحساب وخرج بسرعة عائداَ الى السفارة!!.

في اليوم التالي يقدم تقريراَ مفصلاَ عن لقائه بالأمريكي!!!.

ولكن على مايبدو أن تقريره قد وصل متأخراَ... طلبوه الى بغداد.. وحكموا عليه بالمؤبد... والتهمة ؟؟؟.

التهمة التجسس لصالح أمريكا...!!!.

في كل مرة كان يضحك ويقول:

ـ هساع لو قابضين من ألأمريكان كم الف دولار... ولكن الله وكيلكم حتى ثمن المشروبات دفعتها بنفسي!!!!.

نعم مع هذه الحقائق وعشرات الحقائق ألأخرى .. كانوا يعتبرونا ـ جواسيس وخونة وعملاء.. كان الله في عون أهلنا وعوائلنا..!!.

حكايات مريرة.. وأيام أمر.. لاتنسى!!.

هنالك حلقات أخرى بأذنه تعالى.

  

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com