|
نعتقد أن أي حل للخروج من الأزمة في العراق لايضع في أول متبنياته وقف سيل الدم الطاهر للأبرياء ووضع حد لعمليات الهدم والتدمير هو باطل، كما أن الحلول التي تتبنى مواقف طوباوية والتي تضع الأهداف السياسية في أولوياتها وتعبِّر عن مصالحها الذاتية حزبية كانت أو فئوية فإنها حلول لاتريد للعراق الخير وهي تسعى من خلال تلك التوجهات أن تضع الدم العراقي جانبا وتبقى تلهث وراء متبنيات تضمن لها البقاء في السلطة أو تؤمن لها مستقبلاً سياسيا وماديا على حساب غالبية الشعب العراقي الذي بلغ في معاناته حدودا لايمكن الصبر عليها سنين عجاف أخرى، هي حلول تنطوي على قدر كبير من الخيانة للإمة والتاريخ وللإنسانية. المشروع الأخير الذي تبنته مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي والذي يسعى الى حل لمشكلة العراق من خلال تقسيمه الى ثلاث أقاليم تتمتع بحرية واسعة علينا أن نناقشه بهدوء قبل أن نقذفه بثالثة الأثافي بعد أن نزبد ونعربد لنبدي للأخرين وطنية مزيفة وحرصاً مصطنعاً على وحدة العراق ، وخاصة أن الأمور الكبيرة والقضايا العظام دائما يتعامل معها المخلصون والعقلاء بتأن وروية عسى أن يجدو فيها حلولا أو بعض حلول لأزماتهم وخاصة أن العاطفة والشعور بالوطنية لايشكلان دائما ارضية مناسبة للخروج من الأزمات إذا لم يقترنا بالواقعية ومناقشة ما يحصل على الأرض ومقارنة مصالح الأمة مع عدمها. فالمشروع الذي رفضته الدول العربية وخاصة السعودية والتكتلات السياسية السنية برمتها في الداخل ثم طفق كل هؤلاء على التباكي على وحدة العراق التي تريد أمريكا أن تستبيحها وتحرم الشعب العراقي من نعمها وسعادة بقائها، هذا المشروع لم ينل قبول الإدارة الأمريكية وتم رفضه من قبل البيت الأبيض قبل مناقشته وهو بالتالي لم يكن مشروعا تتبناه جهة فاعلة في أمريكا وهي الحكومة وجناحيها المهمين الدفاع والمخابرات، إذن الذي تبنى المشروع هم مجموعة من أعضاء في مجلس الشيوخ لهم مواقع مرموقة ، من خلال هذا المشروع يبحثون عن مخرج لوقف سيل دماء جنودهم ونعتقد أن الحكمة أيضا من جانبنا كسياسيين يهمنا وقف سيل دماء أبناء شعبنا فنشاركهم مناقشة المشروع علنا نجد وإياهم بصيص أمل لإرجاع الأمل لشعبنا العراقي وللشعب الأمريكي ، وخاصة إذا أدركنا أن المشروع مجرد اقتراح قابل للمناقشة وليس عصا سحرية نضرب بها أرض العراق فيغدو ثلاث دول . إن أولئك الذين انتفخت أوداجهم غضبا لمشروع التقسيم في الداخل والخارج هم نفسهم الذين غضبوا وهددوا وتوعدوا إذا ما تم تطبيق الفيدرالية في العراق، وهم نفسهم الذين يدعمون الإرهاب في العراق بكل الصور والأشكال الشيطانية، فهم إذن يسعون الى إبقاء حالة النزف والتخريب ويعملون بجد من أجل تعميق مشاعر اليأس في قلوب العراقيين كي يرضخوا لمشاريعهم التي تعود بالعراق الى ما قبل يوم 9 نيسان 2003. ونعتقد أن تعامل الحكومات الطائفية العربية ومعها الأطراف السنية الداخلة في العملية السياسية ومن بقيت خارجها قد تبلورت مواقفهم بوضوح خلال السنوات الأربع الماضية والتي تهدف الى تحجيم الأغلبية الشيعية وإضعافها واستنزاف مقومات نفوذها ولم تعد هذه المواقف خافية ولم يك ثمة حياء لدى تلك الأطراف في الإفصاح عنها علنا على وسائل الإعلام وكلنا رأينا تصريحات العليان والمطلك والضاري وطارق الهاشمي ومن هم دونهم ممن يدعون تمثيل سنة العراق وقيادته، وهم فعلا قادة وممثلون لسنة العراق حيث استطاعوا بخبرتهم الطويلة في زمن البعث الصدامي أن يتصدوا ويزيحوا عن طريقهم غالبية العناصر السنية المعتدلة والمخلصة وكان اغتيال الشيخ عبد الستار ابو ريشه المخلص للعراق والمعتدل اقرب مثال على ذلك. سبق وأن أكدت في مقالي (مستقبل التعايش الإثني والطائفي في العراق) والذي استقرأت فيه مستقبل العراق على ضوء ماحصل ويحصل وقد نشر المقال قبل ما يقرب السنتين، أن النظام الصدامي البعثي السابق قد نجح خلال ثلاث عقود من حكمه أن يؤسس لهذه المرحلة (مرحلة مابعد سقوط نظامه) وأن يقضي بشكل كبير على كل الوشائج التي من الممكن أن تشكل قاعدة لتعايش الطوائف والإثنيات في العراق واستطاع أيضا ان يعمق مشاعر العداء لدى الجميع من خلال حروبه الداخلية ، فنحن مهما عملنا فلانستطيع أن نقنع الشعب الكردي على نسيان أكثر من نصف مليون إنسان بريء قد أبيدوا على يد العرب أغلبهم كان في زمن اانظام السابق، ونحن لايمكن لنا أن نجبر ذوي أكثر من ثلاث ملايين مسلم شيعي، قتلوا أو أبيدوا أو دفنوا أحياءا في مقابر جماعية على يد السنة، نعم في وسعنا أن نتمشدق بالمثالية السياسية والتي يعمل بها السياسيون اليوم ونتغنى بوحدة منشودة لكن الواقع النفسي والسياسي والاجتماعي الذي حفرته الأحقاد السابقة سوف يبقى هو المتحكم في مستقبل التعايش ونجاح أو فشل مشاريعنا الوحدوية السياسية والاجتماعية ، وأنا أعتقد أن أعضاء مجلس الشيوخ الذين تبنوا مشروع التقسيم قد قرأوا التاريخ السياسي العراقي الحديث قراءة متأنية وان قناعتهم في إستحالة إقامة دولة متوحدة بين طوائف لديها تاريخ دام أمر لايحتاج الى مزيد من النقاش، ولن يصلح الحداد ما أفسد الدهر، كما أن المشروع يهدف بالدرجة الأولى الى استنقاذ جنودهم وسمعتهم التي أوشكت أن تكون في مهب الريح بعد أن فقدوا ومعهم كامل الشعب العراقي أي أمل في تحسن الأوضاع ، فعلى الرغم من مرور أكثر من أربع سنوات والعراق مازال يسبح في بركة من الدم ،والحكومة بأدائها السيء فشلت في توفير أدنى الخدمات وهي الكهرباء أو الماء أو الوقود بل وفقدت حتى مصداقيتها كحكومة دولة من خلال الأداء السياسي للعدو والذي أجاد التعامل معها بالصورة التي تضعفها وتزيد من تخبطها بالإنسحابات وبالإداء الإعلامي المتطور والذي تفقده الحكومة وتفقد القدرة على تحسين أدائه. لقد أكدت أيضا في (مستقبل التعايش الإثني والطائفي في العراق) وانا ابحث عن حلول تنقذ دمنا وبلدنا الحبيب من الخراب أن الفيدرالية الجادة ذات الصلاحيات الكبيرة هي الحل الأمثل، وهو مايتضمنه المشروع الجديد، فهي على أقل تقدير تخلق نوعا من (فك الإرتباط) بين من تمرس على الإجرام وتعود على سفك الدم وبين ضحاياهم ، وهي أيضا تضع العراقيل أمام الوافدين من رسل الموت العربية من الوصول الى أهدافهم في الوسط والجنوب ، وتبقي على المنطقة الغربية السنية قاعدة للقاعدة ولبقايا البعث فقط وليس العراق بأكمله، وهي توفر فرصة لكل طرف في أن يعيد بناء منطقته بعيدا عن التفكير في الفتك بمن تعود أن يفتك به لقرن كامل، على أمل الإستحواذ من جديد على حكم كامل البلد ، كما أن الفيدرالية الحقيقية سوف تجبر الطائفية الإقليمية على الاعتراف بأن العراق السني الأموي والعباسي والعثماني والذي انتهى الى السني البعثي الصدامي قد أصبح عراقا شيعيا سنيا عربيا وكرديا وهم بذلك سوف يجدون انفسهم مجبرين على التخلي عن اجندتهم الطائفية والقبول بواقع جديد للعراق ، واقع مابعد 9 نيسان 2003. لقد أبدى البيت الأبيض تحفظه على مشروع مجلس الشيوخ، وأنا اعتقد أن القناعة بالمشروع سوف تجد لها موقعا في اهتمام الإدارة الأمريكية ، بعد أن تفشل في مفاوضاتها السرية مع رموز (البعث الصدامي)، وأن تبنيها لتسليح بعض عشائر المنطقة الغربية سوف يزيد من عذابها ومن قوة الإرهابيين فيها ، وتدرك جيدا أن من تتفاوض معهم هم رجال حرب وإرهاب وقتل وليس رجال سلام ، وأن التعويل عليهم في إيجاد حلول لها امر بعيد المنال ، وتدرك جيدا أن غالبية الشعب العراقي والتي اعطت الكثير من الدماء هي قادرة على تخطي هذه المرحلة وسوف تفرض الحلول التي تراها مناسبة لحاضرها ومستقبلها وهي حرة في اختيارها، كما أنها ترى في الفيدرالية الحقيقية ذات الصلاحيات الكبيرة الحل الأمثل لحقن دمها وضمان مستقبل أجيالها بعيدا عن أيدي الغدر والقتل والإرهاب والإلغاء ، فقد جربنا واكتفينا ولا يهمنا عراق موحد أو مقسم بقدر ما يهمنا كرامتنا والحفاظ على ماتبقى من مدننا ومن الأنفس، لقد كان العراق موحدا ، ولكن ما هي حصيلة هذه الوحدة وما هي النتائج التي خرجنا بها ، فلقد انهينا القرن الماضي ونحن نتقاتل مع الإخوة الكرد بحروب دامية بلا أسباب توجها النظام الصدام البعثي بحريمة حلبجة وبحملة الأنفال التي راح ضحيتها 180 ألف بريء، هذا ما كان يحصل بين العرب والكرد أما ماحصل بين الشيعة والسنة فلا يشرف أحد في هذا الكون عندما نعلم أن الغالبية الشيعية وطيلة القرن الماضي كانت مشاريع نحر وفتك وإالغاء توجها النظام الصدامي السني بملايين من القتلى والمفقودين وبمئات المقابر الجماعية. لقد آن الآوان لكل المخلصين في العراق أن يقولوا كلمتهم الشجاعة وأن يتجاوزوا العواطف والمواقف المثالية وان يقبلوا الحلول التي تنسجم مع واقعنا ، ونحن نعتقد أن الأطراف التي تقف بوجه التقسيم أو الفيدرالية تعلم جيدا أنها سوف تخسر الكثير، وهذا ما يدفعها الى موقفها، مصالحها الخاصة وليست مصالح الآخرين، إذن لماذا لاتكون لدينا الشجاعة على المطالبة بحقوقنا، لانريد بلدا موحدا وفي كل يوم نعطي المئات من الأبرياء ومن البنية التحتية ناهيك من الخوف الدائم الذي يتملكنا جميعا ، علما أن حالة القتل والتدمير أصبحت حالة مألوفة نعايشها وتعايشنا وهذا أمر في غاية الخطورة ، إذ خفت في دواخلنا قدسية دمنا ورخص في أعيننا ولم نكترث لشماتة أعدائنا وهم ينظرون إلينا ونحن ننحر في كل يوم ، فإذا كان الله يعتبر حرمة دم المؤمن أكرم من حرمة الكعبة فعلام لانقيم الدنيا ونقعدها ونحن نرى أبناء جلدتنا تتهاوي من بيننا، وإذا كان الله علمنا أن قتل النفس بلا ذنب هي قتل للناس جميعا ، هذا المبدأ الخطير لماذ لانعر له أهمية تنسجم وحجمه ورغبة الله فيه، هل هو قصور فينا كشعب أم في قادتنا التي أمست تفكر بإرضاء أعدائنا قبل أن تفكر بمصالحنا رغبة منها في عدم ضياع مواقع دنيوية زائفة. والله أن بلدا بحجم (سنغافورة) والتي يتمتع أهلها بالكرامة والسلام والأمن ومساحتها لاتتجاوز نصف مسساحة كربلاء، لهو أفضل عند الشرفاء من بلد مترامي الأطراف نهان وتسلب أرواحنا فيه ولا نستطيع أن ندفع عن أنفسنا وعن أهلنا ، بل يتوقف فيه الزمن على الموت والحرمان والخوف الدائم، كيف ولدينا بلد كبير بأهله وبثرواته وبمقدساته وما زلنا نزهد به ونسرع خلف من قتلنا دهرا وسقانا مراً .أهو ضعف فينا أم قوة في أعدائنا أم كليهما. إن المرحلة التي نعيشها لهي منعطف خطير في تاريخنا المعاصر وهو اختبار لنا ولمن تصدى قيادتنا لنثبت لله ولأمم العالم أننا شعب جدير بالحياة، وليميز الله من بيننا وهو القائل جل وعلى : ماكان الله ليذر المؤمنين على ماأنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب. صدق الله العلي العظيم.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |