|
هل سيغدو العراق الواحد، أرخبيل كيانات تمهيدا لإلغائه من الخارطة الدولية ـ أو أن عصرا "سلجوقيا جديدا" ستشهد ولادته العقود الاولى من الألفية الثالثة، تولد فيه دولة "الخروف الابيض" في الشمال، ودولة "الخروف الأسود" في الجنوب (على غرار ما كان عليه في الفترة السلجوقية) مع دولة هجينة ثالثة في الوسط؟ الوضع السياسي الداخلي ينبئ عن ذلك طالما بقيت النخب السياسية منشغلة بزيادة "حصصها" في السلطة.. والوضع الاقليمي لا يخلو من وجود لاعب ٍ ماهر ٍ وخبيث عدواني النزعة مغتصب يرى في تقسيم العراق هدفا استراتيجيا لتحقيق مشروعه النهائي بإقامة دولته الكبرى الممتدة من الفرات الى النيل (والتي يعبر عنها الخطان الأزرقان اللذان تتوسطهما نجمة داود في العَلـَم الرسمي الذي يرفرف في أكثر من فضاء عربي)... أما الوضع الدولي، فإن الأحادية القطبية قد منحت الولايات المتحدة الامريكية حق الاستهتار والعربدة والخروج على إرادة الأسرة الدولية لتنفيذ مخططاتها خدمة لمصالحها على حساب الشعوب، دون التفات الى القانون الدولي ووثيقة الشرعة الدولية لحقوق الانسان، متخذة من "حق القوة" بديلا عن "قوة الحق" ما دام أنها "قاضي العصر والمدعي العام والشاهد وشرطي التبليغات معا ً في محكمة العالم".. وإذا كان الأمر على مثل هذه الحال، فلماذا لا يتم تقسيم العراق ـ إذا كانت النخب السياسية العراقية ذاتها تقدم للإدارة الامريكية ما تحتاجه من ذرائع لتنفيذ المخطط الصهيو ـ امبريالي ؟ العراق ليس مجموعة "إمارات" متناثرة ليتم جمعها في اتحاد كونفدرالي تتوافر له مبررات الانفراط بعد حين من الدهر، في ظل حكومة مركزية شكلية.. القرار يهدف إلى تفتيت الموحَّد وليس إلى تجميع المُجزأ ـ وهنا تكمن خطورته .. إن القراءة الواعية لتاريخ السياسة الخارجية الامريكية، يكشف عن أن الكثير من مخططاتها التي نفذتها، قد بدأت بقرارات وتوصيات "غير ملزمة التنفيذ" قدمها مجلس الشيوخ أو بعض الأعضاء الحكوميين، أو مؤسسات استشارية كمؤسسة "إيباك" الصهيونية المختصة برسم السياسة الامريكية في منطقة الشرق الاوسط والأدنى.. بقدر تعلق الأمر بقرار مجلس الشيوخ الامريكي حول تقسيم العراق، فإنه ـ وإن كان غير ملزم ـ يبقى بالغ الخطورة.. فقرار احتلال العراق كان أيضا مجرد مقترح غير ملزم تقدم به عدد من المحافظين الجدد ليغدو بعد حين قرارا رئاسيا واجب التنفيذ. في بيانه الذي تلاه في مؤتمر صحافي يوم أمس، قال النائب" عزت الشابندر "أحد قياديي القائمة العراقية: "إن مجلس الشيوخ الامريكي اعتمد في أحسن الظن على قراءة خاطئة وتقديرات غير واقعية لتاريخ وحاضر العراق ومستقبله ويمثل سابقة خطيرة تؤسس لطبيعة العلاقات ين العراق والولايات المتحدة الامريكية"... ولا أدري عن أي حسن ظن وقراءة خاطئة وتقديرات غير واقعية يتحدث السيد عزت الشابندر؟ أم تراه يعتقد أن أعضاء مجلس الشيوخ الامريكي يشبهون في وعيهم وثقافتهم السياسية أعضاء برلماننا أو حكومتنا ممن جاءت بهم المحاصصة وليست مؤهلاتهم الفكرية والسياسية ؟ فمُقتـَرِح القرار السناتور "جوزف بايدن" مرشح لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية وليس لمنصب قس ٍ في كنيسة أو رئاسة متجر، ما يعني أنه يعرف ويعي ما يقترح ، وأن له مستشاريه ومؤسساته البحثية ـ بل ويعلم مسبقا أن جهات امريكية مختصة "وليست موريتانية أو بنغلاديشية" قد أجرت استطلاعا لمعرفة رأي الشعب العراقي حول بقاء العراق موحدا أو تقسيمه، فكانت النتيجة 61% مع بقاء العراق موحدا، ضد التقسيم الى دويلات مستقلة (وكانت النسبة ستكون أكثر بكثير لو اقتصر الاستطلاع على العراقيين العرب فقط).. لا وجود للمصادفات في السياسة.. إنها فن التخطيط المسبق الهادف الى نقل النظرية من فضاء الاحلام الى أرض التطبيق، وترويض الواقع خدمة للأهداف الاستراتيجية (المعلنة منها وغير المعلنة) فالمعلن من القرار، يزعم وضع الحلول للمعضلة الطائفية.. وغير المعلن يرمي إلى تفتيت العراق كخطوة إولى على طريق تفتيت النظام الاقليمي الراهن لإقامة البديل "نظام الشرق الأوسط الكبير" الذي وضع تفاصيله شيمون بيريز ومؤسسة "إيباك" الصهيونية باعتبارها أقوى مؤسسات الضغط الصهيوني في الولايات المتحد الامريكية.. في ظل المعطيات الراهنة وما يتهدد العراق من مخاطر جدية، فإن الحكومة العراقية ملزمة بسنِّ قانون يمنع التقسيم.. أو إجراء تعديل في الدستور يفضي إلى بقاء القسم العربي موحدا (لا أقول كل العراق، لأن القيادة الكردية سترفضه حتما، والدستورـ لغاية في نفس بريمرـ نص على أن من حق ثلاث محافظات نقض ما تتفق عليه خمس عشرة محافظة ـ مع قناعتي بأن للشعب الكردي الحق في تقرير مصيره واختيار شكل كيانه و نظامه السياسي) وعودا على بدء: هل سيشهد العراق عصرا سلجوقيا جديدا؟ المنطق يقول نعم ـ إذا لم تتم مصالحة وطنية حقيقية، ويتم ردم المستنقع الطائفي والتخلص من الأنانية الحزبية والمذهبية والقومية، ونبذ مبدأ المحاصصة، اوبقية الأمراض الخطيرة كالفساد المالي والاداري.. وعند ذلك لن يُخشى على العراق من سكاكين التقسيم وخناجر الطامعين ولصوص الأوطان .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |