تقاسيم على هيكلٍ عظميّ!

سامي العامري

alamiri60@yahoo.de

أراهم تناهبوا وطني الثريَّ او يكادون, عَرّوه, لطَّخوه بالأوحال وكأنْ ليس في العالم سوى وطني!

لماذا؟ هل إنَّ السبب يعود الى كون أرضهِ ثريّةً؟ لماذا لا ترسو سفُنُهم وأساطيلهم عند بحر الظلمات مثلاً حيث عالَم السِّحْرِ والكنوز الخرافية والجِنِّيات؟

لماذا لا يجرِّبون الذهابَ الى ما وراء البحار؟ فربَّما وجدوا هناك وطناً ما زالَ غيرَ مَرئيٍّ! او أرضاً ثريَّةً ولكنَّ شَعبها لا يزال في طَور التخَلُّق ! فيحتلّونها ويُقسِّمونها كما يطيب لهم ما دام هاجسُهم التأريخي هو التقسيم والذي عَنَّ لي اليومَ أنْ أُطلِقَ عليهِ تقاسيم؟ أم إنهم لا يريدون نسيان المثل الفظيع القائل: عصفورٌ في اليد خيرٌ من عشرةٍ على الشجر؟ هذا المثل الذي انتَبَهَ اليه المبدع جبران خليل فَدَحَضَهُ وسَخَرَ من طريقة صياغة الناس للأمثال بما عُرِفَ عنهُ من رهافةِ حِسٍّ ورِقَّةٍ قائلاً: [يقولون: عصفورٌ في اليد خيرٌ من عشرةٍ على الشجر . أمّا انا فأقول : الفُ عصفورٍ على الشجر خيرٌ من عصفورٍ في اليد] ولكنْ مِن أين لساسةِ العصر أن يملكوا شيئاً من رِقَّة جبران؟

لماذا لا يردمون أجزاءاً من البحر بالتراب كما تفعل هولندا اليوم مثلاً فيحصلون بذلك على وطنٍ صناعيٍّ يحفرون فيه آباراً صناعية يضخُّون فيها ما يشترونه او يسرقونه من نفط البلدان الأخرى ثُمَّ ليُقسِّموه كيفما شاؤوا طالما أنَّهم مصابون منذ بداية القرن الماضي بِلَوثة التقسيم!؟ بل لماذا لا يَعْمَدون الى تقسيم القمر هذا التابع الصغير الجميل بعد أنْ احتلّوه حيث ثَبتَ من خلال فحص عَيِّنات من صخور القمر وجودُ نفطٍ ومعادن ثمينة في باطنهِ سِيَّما وقد مَرَّتْ قبل أيامٍ الذكرى الخمسون على غزو الفضاء والمِلاحة الجوية

وحيث أصبحتْ لديهم خبراتٌ لا يُستهان بها في مجال الرحلات الى أعماق الفضاء حتى أنَّ شركة فنادق هيلتون تُخَطَّط لبناء فندقٍ من خمسة آلاف غرفة على سطح القمر بحلول عام 2020!؟

وبدلاً من الإعداد للرحلة القادمة الى كوكب المرِّيخ والتي ستستغرق سنتين وخُصِّصَ لها مليارات الدولارات بإمكانهم توظيف هذه المليارات في التنقيب المستمر والحفر وبعد الوصول الى منابع النفط في تربة القمر, سَميرِ العشاق ومُلْهِم الشعراء لن تُشَكِّل مشكلة نقل النفط الى الأرض بالسُّفُن الفضائية عائقاً جِدِّياً إذْ يكفي مَدُّ خراطيمَ أشبه بخراطيم المياه من القمر الى الأرض وتحديداً الى أمريكا وتُحَلُّ المُعضلة! 

 

لماذا وطني بالذات!؟

ثُمَّ إنَّ ابنَ البلد لو شَمَّ ثمنَ برميلٍ واحدٍ من نفطِ بلدهِ والذُي يُصَدَّر بطُرُقٍ غامضةٍ! منذ عشرات السنين او لو وُظِّفَتْ رُبعُ عائداتهِ لرفع مستوى دخل الفرد او للتنمية الحقيقية والنهوض ببعض القطاعات الرئيسية كالتعليم والصحة والصناعة فربَّما رَضيَ هذا المواطن بالتقسيم! او لو يُصار الى تعويض عوائل ضحايا النظام المجرم السابق وتخفيف معاناة المُهَجَّرين بل والمتسوّلين لكان هناك حديثٌ عن التقسيم ولكنَّ النفط بالنسبة لإنساننا أشبه بالسِّعلاة يَسمع به ولا يراه!

ما معنى التقسيم بعد أن ذابتْ وتلاشتْ الحدود الجغرافية بين البلدان بالمفهوم العملي والسياسي ولم تبقَ إلاّ اصطلاحا؟ وإذا كانت ثمة حدودٌ للدول في هذا العصر فهي التي أحَقُّ أنْ تُسمّى بالسعلاة حيث نسمع بها ولا وجودَ لها!

أليس من المُشين أن لا يستطيعَ سُنيٌّ السُّكنى الى جوار شيعيٍّ او بالعكس؟ او كرديٌّ الى جانب عربيٍّ او تركماني والجميع من دينٍ واحدٍ ووطنٍ واحد؟ او مسلمٌ الى جانب مسيحي او أيزيديٍّ او صابئيٍّ وهم من بلدٍ واحدٍ وتأريخٍ واحد؟

وحتى هذه الفيدرالية (المُطَوَّرة) المُقْتَرَحة – اذا استثنينا إقليم كردستان - سنفهمها خطأً منذ يومها الأوّل ذلك أنها لن تفعل شيئاً سوى تكريس الشعور بنجاعةِ وجدوى (نضال) زعماء الطوائف! وبأنهم جَنوا ثمار مُفَخَّخاتهم وقتلهم آلافَ الأبرياء!

إننا لو كانت لدينا بُنْية إجتماعية ناضجة ورجالُ سياسةٍ وقادةُ أحزابٍ حريصون مَهَرة بما يكفي لقلنا: هنيئاً لهذا الشعب على هذا الحلِّ لأنه سوف لا يكون أبعد من تقسيمٍ إداريٍّ إجرائي يُراد منه الصالح العام ولكنه وفقَ المطروح من برامج او نوايا يُراد منه الشرُّ فهنا ستُفتَح الأبواب للهيمنة والعلاقات المنفردة سِرَّاً او علناً وعبثِ دول الجوار باستقرار البلد او التدخّل بسياسته وحتى بواقع اقتصاده وتفصيلاته.

إننا بكلمةٍ أخرى ما زلنا غير مؤهَّلين لمثل هكذا إجراءٍ لا يَحَسب حساب الأجيال القادمة ومصالحها وسيادتها على وطنها, أمّا اذا أثبتْنا أننا أهلٌ لمثل هذا الفعل الخطير وأننا من أجل هذه المُهمّة النبيلة أعددنا أنفسَنا واستخدمنا سياسةَ حرقِ المراحل فأصبحنا تبعاً لذلك ديمقراطيين علمانيين وعندنا نظامُ حكمٍ ومؤسَّساتٌ أشبه بنظام سويسرا ومؤسّساتها هكذا وبكلِّ ثقةٍ فسيعتذر العالَمُ لنا حتى لا يعود في قوس العتاب مَنزع!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com