نَحْنُ وَهُمْ

 

 

 علاء مهدي- سدني

(دعوة للحوار الذاتي بيننا وبينهم)

 في حفل تأبين لمالك مجموعة من الشركات الإعلامية الإسترالية الذي توفي عن عمر تجاوزالثمانين عاماً أثناء ممارسته لهواية الترحال السنوية عبر العالم، التقيت صديقاً له هو الآخر تجاوز العقد الثامن من عمره. هذا الشخص كان زميلاً للفقيد منذ أكثر من ستين عاماً وقد أوصى به أن يكون رئيساً لمجلس إدارة إحدى شركاته الإعلامية الكبرى بعد مماته.

 كنت قلقاً من فكرة حضوري الحفل خاصة وأنني عملت مع الفقيد في مجموعة شركاته الإعلامية منذ أن قدمت أستراليا قبل أكثر من عشرين عاماً وكنت قريباً منه إلى درجة الصداقة رغم فارق العمر بيننا. مصدر قلقي كان ربما بسبب  جهلي بالعادات الإسترالية في مثل هذه المناسبات. لذلك، وتحسبا من المحظور، دسست بعض المناديل في جيوبي أحتياطاً من المحظور خاصة وأننا معشر العراقيين أعتدنا البكاء لسبب أو بدونه على مر العصور!

قال لي الشيخ الجليل، يا علاء، لقد فقدنا السيد جفريس لكننا سعداء بأن نهايته كانت مريحة وسعيدة، فالرجل أمضى أكثر من ستين عاماً في خدمة مواطنيه وعملائه والمجتمع الإسترالي ، فحقق أهدافه في بناء إمبراطورية إعلامية عُرِفَتْ على المستوى العالمي. قلت للشيخ الجليل: أنت على حق سيدي الكريم. قال: أنا أعلم أنك من بلد يختلف في تقاليده وعاداته عنا نحن الأستراليين ويهمني أن أعلم رأيك بمراسيم التأبين التي حضرتها اليوم. ترى ما مدى التشابه بيننا وبينكم؟

فاجأني الرجل بسؤاله، فشعرت للحظة بأنني غير قادر على الإجابة، ارتبكت فتعثرت الكلمات في فمي، تسارعت الأفكار في مخيلتي، فوجدتي أستعيد ذكريات عمري الذي قارب نهاية العقد السادس محاولاً استحضار ذكرياتي ومقارنتها مع حفل التأبين الذي كاد أن يكون حفلاً تبارت فيه السيدات بإرتداء احلى الثياب وأكثرها بريقاً تنافساً مع أربطة  أعناق الرجال التي بدت وكأنها لوحات عرس ملونة خلت من الألوان الغامقة فيما عدا ربطة عنقي التي حرصت على أن تكون غامقة اللون!

قلت: لا أعتقد أن هنالك فارقاً كبيراً بين حفلات التأبين بيننا وبينكم عدا بعض الأمور الحضارية  والعادات الإجتماعية التي فرضتها الظروف الحياتية في بلداننا الشرق أوسطية، وفيما عدا ذلك لا أرى أي أختلاف بيننا. شعرت للحظة أنني قد أجبت الرجل بدبلوماسية غمرتني بفرحة عارمة وكأنني قد خرجت للتو من أمتحان عسير ربما بمستوى الإمتحانات التي فرضتها حكومتنا الفدرالية على المهاجرين الجدد!

أبتسم الشيخ الجليل وشكرني على حضوري الحفل وتركني غارقاً في دوامة المقارنة.... المؤلمة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com