|
ليس من المفاجئ أن يقر الكونغرس الأمريكي قرار غير ملزم بتقسيم العراق إلى دويلات متناثرة على أسس طائفية – قومية، فهذا الهدف ليس بجديد على الأجندة الأمريكية الرامية لتقسيم الشرق الأوسط إلى كيانات هزيلة وضعيفة، ليس لها في المستقبل تأثيرات الدولة الموحدة القوية، وبالتالي سيكون لهذه الدول حاجتها للحماية الأجنبية التي يوفرها لها القطب الأوحد، ولو حاولنا دراسة الموضوع من جوانبه المختلفة، لوجدنا أن هذا السيناريو وأهداف أخرى، قد يكون التقسيم ليس هدفها الأساس، ومن الاحتمالات الواردة في هذا الجانب: 1- تهديد وإنذار لدول الجوار بأن استمرار التدخل الإقليمي في شؤون العراق سيدفع باتجاه تقسيمه إلى كيانات طائفية وقومية، مما يكون مبررا لظهور حركات انفصالية في تلك الدول، لما تحويه تركيبتها السكانية من مذاهب وقوميات وأديان غير متجانسة، وهيمنة طرف ما على السلطة وتهميش الآخرين، مما يخلق أرضية صلبة لتحرك هذه الأطراف والمطالبة بحقوقها أسوة بما حصلت عليه تلك القوميات والمذاهب في العراق، ومعلوم ما تعانيه تلك الدول من مشاكل داخلية في هذا المجال، كما هو الحال في أتراك تركيا وإيران، ووضع العرب في ذات الدولتين، وكذلك السعودية والبحرين والكويت وسوري، وما تحمل تلك الدول في داخلها من بوادر على انفجار للأوضاع. 2- تحذير للطائفة السنية– رغم عدم أيماني بهذه المسميات- بالتخفيف من زخم مطالبها ومحاولة الاتفاق مع الأطراف العراقية الأخرى، بدلا من التقسيم الذي لا يصب في مصلحتهم لافتقار مناطقهم إلى الثروات الطبيعة التي تكفل متطلبات الإقليم، وإقامة الدولة ذات الاقتصاد المتكامل، وهو تهديد للإطراف الأخرى الرافضة للفيدرالية ، والتي لا تؤيد مشروع المصالحة الوطنية حسب الاتفاق الرباعي بين الكتل البرلمانية الكبيرة، مما يجعلها أمام الأمر الواقع، أما الإنهاء وهو ما يخطط له في حسر نفوذ التيار الصدري والقضاء على مرتكزاته العسكرية وحزب الفضيلة ذي النفوذ الواسع في البصرة، أو السير في طريق المصالحة والتنازل عن المطالب المتشددة التي يواجهون بها الكتلة الرباعية والمؤيدين لها. 3- أتفاق أمريكي أيراني على دور أكبر لإيران في المنطقة ، واقتسام العراق معه، بما يضمن حصول الأمريكان على النفط العراقي، مقابل السماح لإيران بتطبيق أجندته، لتأخذ دور الشاه السابق في حماية المصالح الأمريكية، رغم أن هذا الاحتمال ضعيف لأطماع إيران التوسعية، وخشية الأمريكان على حلفائهم الآخرين، وربما في ذلك تلويح للدول الأخرى للارتماء أكثر في أحضان الأمريكان والاعتماد عليهم لاستمرار بقائهم في السلطة. 4- عجز أمريكي عن حل للمشكلة العراقية في ظل التقاطعات الداخلية للقوى العراقية، بوضعهم أمام الأمر الواقع، لتصفية أمورهم أو تمزيق بلادهم، وسحب جزء كبير من القوات الأمريكية، وإبقاء قوات خاصة لحماية المصالح الأمريكية، مما قد يدفع لا سمح الله، إلى نشوب حرب داخلية بين الطوائف المختلفة، أو بين الطوائف نفسه، مما يضعف الجميع وبالتالي يبقى النفوذ الأمريكي هو الفاعل في العراق، في ظل الضعف الواضح للكانتونات الجديدة، دون أن تقدم أميركا خسائر بشرية لحل الخلافات العراقية – العراقية التي يبدوا أنها أخذت أبعاد جديدة قد تنذر بما لا يحمد عقباه. 5- من المثير أن الأطراف الأربعة أو الكتلة الرباعية رحبت بالمشروع الأمريكي وقرار التقسيم، مما يعني أن هناك تنسيق بين هذه الكتلة والإدارة الأمريكية، وقد يؤدي إلى حدوث حراك سياسي يسهم في حل الأزمة أو تفاقمها وإيصالها إلى طريق مسدود، وقد رحب التحالف الكردستاني بالقرار وأعتبره ينسجم مع الدستور العراقي، فيما أنكر السيد عمار الحكيم علاقتهم بصدور القرار رغم أنه يتلاءم وما أقره الدستور. 6- يجب أن لا يغيب عن البال أن الأمريكان لهم رؤيتهم ومصالحهم الخاصة في العراق، فإذا كان التقسيم يصب في مصلحتهم، ويخدم أهدافهم وخططهم المستقبلية، فقد هيئوا الأرضية المناسبة له بعمليات الفصل الطائفي والقومي الجارية في العراق، ومهدوا الطريق لهذا التقسيم من خلال عمليات التهجير التي طالت الأقليات الدينية في المناطق التي تغلب عليها هيمنة طائفة أو قومية م، وربما نشهد في الأيام المقبلة تبادل اضطراري بين الأحياء البغدادية، ليكون لكل منطقة طابعها الطائفي الخاص، وهو ما مهد له بإنشاء الجدران العازلة في أماكن مختلفة من بغداد. 7- مهدت القوى المهيمنة على مقاليد السلطة لهذا التقسيم من خلال عمليات التهجير المنظمة التي طالت جميع المدن العراقية، وإفراغها من الأقليات الموجودة فيه، كما هو الحال في جنوب ووسط وغرب العراق، فيما نشهد نزوحا للأقليات الدينية إلى كردستان، أو دول الجوار، مما يجعل لهم ملاذات آمنة بحماية الحكومة الكردستانية، مقابل التنازل عن كركوك وإعادة إلحاقها به لتكون ملاذا لهذه الأقليات، وهو ما يحدث في الموصل وديالى وكركوك وإلحاق بعض المدن المستلبة من كردستان . 8- نلاحظ أن القوى التي وقفت ضد هذا القرار وأبدت تحفظاتها حوله، هي خارج السلطة التنفيذية في العراق، في الوقت الذي تؤيد الأحزاب الممسكة بزمام السلطة هذا التقسيم، مما يدفعنا للاعتقاد أن التقسيم سيحدث حتى لو أدى الأمر لاستعمال القوة في تنفيذه، مما سيؤدي إلى حرب مدمرة بين الطوائف. ويبقى السوآل الكبير، هل يوافق الرئيس بوش والمحيطين به على تنفيذ هذا القرار، أم أنه مجرد احتمال يكون موضع التنفيذ في حالة فشل الإستراتيجية الأمريكية في العراق، وهل تلقي معركة الرئاسة بظلالها على الوضع العراقي ليكون العراق ضحية صراع أمريكي داخلي، وهل تستطيع القوى العراقية ألاتفاق فيما بينها للخروج من الأزمة بما يفشل المخطط الأمريكي، هذا ما أشك فيه لوجود نوايا لدى بعض الجهات لتكوين أمارات تتحكم فيها كأقطاعات موروثة له، مما يمهد لنشوء دكتاتوريات جديدة للقوى الممسكة بزمام السلطة، وربما نشهد صراعا داخليا ينحو بالبلاد نحو كارثة حقيقية ليست كوسوفا ودار فور إلا جزء من صورتها التي ستكون أشد قتامه في العراق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |