|
كيف للمرء المكتوي بنار العذاب العراقي وحتى المراقب من بعيد أن يعدد الكوارث والويلات والمحن والمكابدات التي تعرض لها العراقيون وعاشوا أوجاعها وبلاويها أيام الحكم ألبعثي الفاشي حين عاشت الأجيال حالات مريرة من التشرد والعذاب والخوف والمطاردات التي تؤدي إلى المحو المؤكد ولأتفه الأسباب، خيمت عليهم كوابيس الخوف اليومي لحظة بلحظة، ولا أظن شريحة دون غيرها قد سلمت من البطش الأرعن لمجرمي العصر وأنجاس البشر العفالقة الأشرار، ولا يمكننا أن نحصي حجم الكوارث المخيفة التي ما زال العراقيون، أيتام العصر، يعانون من تبعاتها. هذه الكوارث أدمت قلوب البعيدين عن المحرقة، اؤلئك المتألمين لما كان يجري للعراقي من عراقيين وعرب منصفين ومن شرفاء العالم، فما أحراك بالعراقي الذي كان يشوى على سفود البعث المرعب وناره الحارقة، وكل من يدعي انه كان بعيدا عن طقوس الدم والقتل المجاني والملاحقات القذرة حتى وان كان خارج العراق حيث كانت تزوره كوابيس الرعب وهو في فراشه، كل من يدعي عكس ذلك فهو إما كان من أدوات الجريمة أو من المتواطئين في التخطيط والفعل لها. وجاء التغيير وتنفس الناس الصعداء وتخلصوا من اعتي ماكنة للموت في تاريخ البشرية، فخرج الضحايا القابعون تحت جلودهم والمعذبون والمهاجرون والمطاردون وغيرهم من شرائح العراقيين المظلومين، إلى أمل جديد، منهم من تسيد دفة الحكم ومنهم من ظل في ذات الفلك القاسي والعازة، متحملا النتائج الكارثية التي خلفها له نظام صدام الأجرب الذي ترك وراءه القبور الجماعية وتركات مغامراته الكارثية من حروب رعناء من قتلى ومشوهين وأسرى ومعوقين وأرامل ومشردين ومعطوبين ومنفيين وبشر يعانون العاهات والتشوهات الجسمانية والعقلية وترك كذلك الأيتام وهذه هي أم المعضلات والكوارث. فحين نتكلم عن ظاهرة الأيتام من الأطفال العراقيين نجد أنفسنا أمام كارثة اجتماعية في غاية التعقيد لما لها من تبعات قد تظل تلاحق العراقيين لعقود قادمة إذا لم توضع لها الحلول السريعة لأنها لا تحتمل التأجيل أو إدارة ظهر المسوؤلين لخطورتها على المجتمع العراقي الذي يسعى إلى إعادة ترتيب بيته دونما حالات شاذة قد تشكل عقبات خطيرة في بناء العراق الجديد بعد أن يتخلص من هذه الظواهر التي تشكل الآن ملامح مجتمع ينتقل من محنة إلى أخرى. ومما يؤسف له ويحز في نفوسنا ان المسؤولين لا يولون هذه الظاهرة الخطيرة ما تستحقه من الاهتمام. إن أطفال العراق جميعا ضحايا لحروب وأهوال وهزات عنيفة دكت المجتمع العراقي وما زالت منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما، فمنهم من تيتم عن الأبوين ومنهم عن الأب أو الأم ومنهم من ضاع نسبه حيث لم يعد يعرف ابن من هو، ومن ولده، وكيف جاء إلى هذه الدنيا، حين فتح عينيه وجد نفسه في خضم الفوضى والضياع والحيرة تأكله وهو ما يزال فتيا لا يقوى على مقارعة الكوارث العراقية التي سحقت الكبار فما أحراك بطفل رضيع أو فتى يافع وجد نفسه ملقى في شوارع المدن الحزينة والمنكوبة، هل من المعقول أن نطالب هذه الشريحة بل وكل العراقيين المبتلين بهذه المحن أن يثبتوا نسبهم وعائديتهم ومن أي أب أو أم هم، أم أن من الموضوعية الاعتراف بان كل العراقيين دونما استثناء باتوا أيتاما للأوضاع الرهيبة التي مرت بهم ومازالوا يعانون قسوتها لحظة بلحظة. إن من المعيب والمخجل أن يتعامل إداريو العراق ومسؤوليه وساسته مع أطفال العراق بهذه الطريقة البشعة والمهينة والتي لا تخلوا من السذاجة حين يصنفونهم إلى لقطاء أو أبناء شرعيين، وهم يعرفون أن هذا التصنيف تجن كبير وموقف غير مسؤول، وإذا ما شاءت الإحداث أن يبتلون هم بهذه الكارثة ان لم يكونوا كذلك، لأصبحوا هم أول المتضررين منها، فمن منا يا ترى أن يعرف اللقيط عن غيره، إذا كان المجتمع يعيش في دوامة الخراب اليومي؟ من يعرف من؟ في ظل القتل والمفخخات والقبور الجماعية والحروب الرعناء وتصفية الحسابات بين المليشيات المجرمة ومفخخات القاعدة وتفجير الأسواق والشاحنات الملغمة وقتل الأبرياء على الهوية ودخول قوى الاحتلال على الخط لتنحر الناس وتهدم البيوت على ساكنيها والحبل على الجرار. هل من المعقول بالنسبة للعراقي الذي يملك ذرة من الحكمة والتعقل أن يسمح لنفسه أن يصنف الناس ويميز الاصطلاء عن غيرهم؟ قليلا من الحياء والرجوع إلى الضمير والاعتراف بأننا جميعا ضحايا لا ذنب لنا في ما آلت إليه حالنا من ضيم وتيتم وخراب. كيف لمسؤول يدعي أنه يعيش في وضع جديد ودولة جديدة خرجت من ركامات الزلزال، أن يطالب مجموعة من الأطفال العراقيين الموهوبين وقد يكون ذات المسؤول لا يحتكم على ذات الموهبة، كيف له أن يطالبهم بإثبات نسبهم ويدعي أنهم لقطاء ويبيح لنفسه أن يثبت هذا التوصيف الأبله في وثائقهم الثبوتية. إن كوارث العراق المخيفة قد حولت العراقيين جميعا إلى أيتام ولقطاء، ومشردين ودون مأوى، الغني منهم والفقير على حد سواء، ولا يمكن لأي عراقي سيما إذا كان مسؤولا، وهنا تكمن الكارثة، أن يسمح لنفسه ولو بذكر كلمة لقيط التي قد تفسر في الظروف العادية بأنها معيبة ومقززة، لان نتاج هذه الحالة هو الطفل غير الشرعي، ولكن في ظروف العراق من أنتج هذه الحالة؟ وما ذنب هذا الطفل العراقي الذي أنتجته الكوارث ورمته الأقدار في هذا الوضع المأساوي، لنحاسبه على ذنب لم يقترفه؟ ثم انه لقيط من من؟ وكيف دفعت الظروف بأمه لان تقذفه إلى هذه المتاهة؟ ومن واقعها؟ وتحت أي ظرف؟ وغيرها من الطلاسم العراقية التي يعجز المرء أن يجد لها تفسيرا لأننا جميعا عشنا ذات الهم ونفس المحنة وذات الحيرة من مآسينا العراقية التي حرقت الأخضر واليابس، فما أحراك بطفل غض لا يعرف من أتى به إلى هذه الدوامة لنطالبه بإثبات نسبه أليس هذا السلوك ضربا من التعجيز ولا يخلوا من الغرابة والسطحية؟ كيف يسمح موظف الحالة المدنية أن يدون في هوية الأحوال المدنية كلمة لقيط كتوصيف للطفل المجهول الأبوين وبالتالي الامتناع عن تزويد هذه الشريحة جواز سفر لغرض المشاركة في العاب السباحة المتفوقين بامتياز فيها وربما ينالون تتويجا يرفعون به اسم العراق ورايته في المحافل الرياضية العربية والدولية، كما حاء في فضائية الفرات، هل يستطيع هذا الموظف الأصيل النسب، أن يحقق ذات الانجاز؟ أم انه أصيل على الورق فقط؟.أظن شخصيا أن من دون هذا التوصيف على هؤلاء الفتية، هم ذاتهم من تسبب في محنتهم كأطفال مجهولي النسب وليسوا لقطاء، وإذا ما حققنا في هوية هذا الموظف أو المشرع أو أي طرف ساهم في هذا التوصيف، لوجدناه من تبعات نظام صدام المنهار، وهنا نشدد على تنظيف المؤسسات الحكومية من هذه العينات الشاذة وكل من يقف وراءها، إذا ما أردنا أن نبني عراقا جديدا خال من قذارات النظام السابق وتبعاته المتسخة وإعادة الاعتبار لكل العراقيين دون تمييز ومنح كل الوثائق دون تمحيصات دونية من هذا القبيل، إذ ما معنى أن يمنحوا جوازات سفر لمجرمين يساهمون بتخريب العراق وسرقته على -عينك يا تاجر- ويقفون حائلا دون منح المتميزين من العراقيين وثيقة السفر التي هي حق مشروع دون وضع العراقيل لأسباب نوجزها بالتخلف والضبابية والارتشاء وروتين دوائر صدام المقبور، وهكذا سلوكات من شانها أن تعيق النهوض الحقيقي للعراق عن طريق أبنائه المتميزين وهذا هو الحقد ألبعثي بعينه والسلوك غير السوي للمسؤولين الجدد. واللقيط هو من يخون بلده ويبيح لنفسه ان يسرق قوت الناس ويهدر دمهم ويحول دون استقرار العراق ليخرج العراقيون من قمقم البعثيين والتكفيريين ومليشيا القتل الأرعن إلى بناء العراق العظيم وتبا لمن لا يساهم بخلق بصيص ضوء في نفق العراق المظلم.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |