|
الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة بصورة عامة وفي العراق بصورة خاصة تبنى على أساس ضمان المصالح الأمريكية بعيدة الأمد والتي من المفترض تؤمن لها ولحلفائها في جزء مهم من العالم من يتحكم فيه يتحكم في مصادر الطاقة والقوة المادية بالإضافة إلى الموقع الإستراتيجي، وعلى هذا الأساس جاءت الجيوش الأمريكية لتقطع آلاف الأميال عبر البحار والمحيطات لتصل الخليج وتستقر في العراق. وعلى مدى السنوات الأربعة الماضية وضعت الإدارة الأمريكية العديد من الخطط لإيجاد وضع عراقي يضمن لها مصالحها الخاصة، فمن مشروع مجلس الحكم والذي تم بنائه على أساس طائفي وعرقي، مروراً بمشاريع بعض الساسة الأمريكان والداعية إلى تدويل المسألة العراقية، وصولاً إلى إصدار مشروع قانون غير ملزم لتقسيم العراق على أسس عرقية وطائفية بعد أن تم تعقب تنظيم القاعدة وإفشال جميع مخططاته من قبل أبناء العشائر العراقية. ومن الملاحظ أن قرار تقسيم العراق جاء هذه المرة من مجلس الشيوخ والذي لم يفاجئ الكثير من المتتبعين للشأن السياسي العراقي، وبمجرد صدوره توالت ردود الأفعال في كل مكان ومن بينها البيت الأبيض الذي رفض المشروع وأعتبره بوابه لمزيد من الدماء والحرب الأهلية داخل العراق –بحسب السفارة الأمريكية في بغداد- وعلى الرغم من تأكيد الإدارة الأمريكية على وحدة العراق ووحدة أراضه وشعبه، فإن المشروع الصادر من مجلس الشيوخ يعبر عن وجهة نظر الديمقراطيين الإستراتيجية والمستقبلية التي يسعون لها في العراق وتأيدهم لكل من يتبنى مشروع داخل العراق على الأسس التي يخططون لها داخل أروقة السياسة الأمريكية. وبذلك فإن الشيوخ في مجلسهم ليسوا على درجة من الغباء بأن يقوموا بالتصويت على مثل هكذا مشروع دون أن يعرفوا ان هناك من يبارك ويرحب بهذه الخطة الأمريكية لحل المشاكل القائمة في العراق، بل ولا يعد ذلك خطأ فادحا كما في نظر البعض ممن شجب واستنكر قرار مجلس الشيوخ. الأمر الذي يجعل منا أن نتأمل مواقف الكتل والشخصيات السياسية التي قامت بشجب واستنكار ورفض مشروع –التقسيم-، وهذا التأمل يعود بنا إلى مراجعة مواقف الأحزاب وتصريحات السياسيين حول موضوع الفدرالية وتصورات كل حزب أو كتلة سياسية لرسم خارطة- العراق الفدرالي- ونوع الفدرالية التي يرغب بها كل مكون من المكونات. فمن كان يرسم لفدرالية على أساس عرقي حتماً أنه مرحب بهذا المشروع ويعتبره من الضروريات لحل جميع المشاكل في العراق ولا يتعارض مع مبدأ الفدرالية، ومن كان يرسم للفدرالية على أنها يجب أن تشمل مناطق تحمل صفة المواطنين الذين يتمذهبون بمذهب معين فلا أعتقد انه صادق في رفضه لمشروع مجلس الشيوخ، أما الذي نعتقد بأنه فعلاً هو معارض لهذا المشروع في السر والعلانية هو من يريد تطبيق الفدرالية على أساس جغرافي أو اللامركزية الإدارية للمحافظات أو إقليم لكل ثلاث محافظات ليكون للحكومة الاتحادية– المركزية- قرار مؤثر على حكومة الإقليم في حال التفكير بالانفصال عن الجسد العراقي. والسؤال المطروح هنا هو، هل هذا المشروع خطأ آخر ترتكبه الولايات المتحدة في العراق مضافاً إلى أخطائها السابقة التي أعترف بها القادة السياسيون والعسكريون؟ أم هو خطة لتقسيم العراق وسهولة السيطرة عليه وعلى موارده؟ إن المتتبعين للتقارير الرسمية وغير الرسمية التي كانت تصدر عن الأمريكان قبل إحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت جميعها تؤكد قلقهم الكبير من العبارات التي تتضمنها خطابات الإسلاميين المتشددين الرافضين للهيمنة الأميركية على المنطقة والداعين للتصدي لها والتي كانت يرد فيها ذكر إقامة -الدولة الإسلامية- ولم يكن غائبا عن بال احد بان العراق هو مركز الإشعاع الفكري للإسلام وهو محط أنظار الكثير من قادة الإسلام عبر التاريخ وهو مصدر ضخم من مصادر الثروة والطاقة في العالم، وهذه الأفكار كانت تؤرق الأمريكان وحلفائهم وتجعلهم يستشعرون خطورتها، لذا فإنهم استبقوا الأمر واتخذوا قرارهم مباشرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالقضاء التام على العراق بكيانه التاريخي المعروف، بحيث يجب تحويله إلى كيان آخر غير الذي هو عليه الآن لأنهم على قناعة إن هذه البلد يشكل خطر عليهم باعتباره يمثل الثقل الأساسي في موقع استراتيجي من العالم. وكان لابد لهذا الهدف من محتوى اقتصادي يحقق لهم أسس الهيمنة على العالم وهو المال الذي يمنح القوة والديمومة للتفرد الأمريكي، وهذا الأمر ليس جديدا فان جميع الساسة الأمريكان يركزون على أمر النفط، وقد قالها صراحة الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر في آخر خطاب له كرئيس بان أي محاولة تقوم بها قوى خارجية للسيطرة على منطقة الخليج ستعتبر تحديا على المصالح الحيوية للولايات المتحدة وتستلزم مواجهتها بكافة الوسائل بما في ذلك القوة العسكرية. وعليه فإن المسألة هي سياسية واقتصادية وعسكرية في آن واحد حيث إن الإدارة الأمريكية لديها معلومات تفصيلية عن النفط العراقي وأهميته لذا فأن مخططو الحرب الأمريكيون ركزوا على أهمية السيطرة على حقول النفط العراقي في الشمال والجنوب -كركوك والرميلة- بأي ثمن لأنهما يضخان ثلاثة أرباع الإنتاج الحالي من النفط العراقي، ومثل هذا الهدف قد يتطلب تقسيم العراق بأي شكل من الأشكال، وهكذا فان أهداف احتلال العراق لا يمكن أن يدانيها أية أهداف أخرى من ناحية الجدوى الاقتصادية والإستراتيجية. إن تحقيق مثل هذه الأهداف الحيوية ليس من السهولة بمكان فلابد أن تكون صفحاتها عديدة ومتنوعة ولابد وان يتم انجازها حتى لو كان الثمن دماء الأبرياء من العراقيين وتمزيق وحدة شعبهم وأرضهم. قد تكون السياسة الأمريكية صاحبة التوجه الداعي إلى سحب القوات الأمريكية من العراق هي صاحبة هذا المشروع، باعتباره خطة لضمان عدم الاستمرار في المزيد من الخسائر المادية أو العسكرية التي تتكبدها الولايات المتحدة، أو الخوف مما يسميه بعض الساسة الأمريكان بـ(مأزق فيتنام)، ولكن الخطأ الكبير الذي قد ينتج من مثل هكذا مشروع هو إن العراق سوف يتحول إلى محميات من قبل دول إقليمية ما عدى إقليم الأكراد فسوف يبقى بحاجة الحماية الأمريكية، وبالتالي فإن الولايات المتحدة فقدت الهدف الأكبر الذي جاءت من أجله وهو الحفاظ إلى تأمين مصادر الطاقة في العالم وعدم ترك المتشددين –بحسب وصفها- من يتحكم بأهم مورد للطاقة في العالم، وعليه فإن الولايات المتحدة لم تجن من مشروع (تحرير العراق) سوى الكراهية من شعوب المنطقة والخسائر المادية والعسكرية والسمعة السيئة بين شعوب العالم.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |