|
طالعت ما كتبه الأخ الفاضل ذياب مهدي محسن عن مدينة الشامية ودورها النضالي في الحزب الشيوعي العراقي، هذه المدينة العريقة بعبق نضالها وتاريخها الحافل بالأمجاد، لما أتسم به أهلها من وعي طبقي لا تزال آثاره ماثلة حتى اليوم، وقد تميز أهلها ب(الحسجه) التي تنبئ عن النباهة والوعي، لذلك كانت في طليعة مدن الفرات الأوسط، تتصدر النضال الوطني لعقود، وتستحق أن يفرد لها تأريخ خاص لجمع ما تناثر من تاريخها الوطني الحافل بالكثير مما يستحق الإشادة والتسجيل، وكان لأريافها المعروفة بالروح الوطنية والشجاعة والاندفاع أثر كبير في محطات الحزب الشيوعي العراقي، وأنجبت الكثير من المناضلين الذين تميزوا بعطائهم الثر، ومبدئيتهم العالية، وصلابتهم في المواقف العصيبة، فكان للحزب ركائزه القوية فيه، وقد تمكن الحزب من الولوج في الأوساط الفلاحية، من خلال تبنيه لمطالبهم التي كانت ضمن الحق الأدنى لحقوق الفلاحين، وهي قضية المحاصصة أو قسمة الحاصلات بين المالك والفلاح، فكان الملاكين يستولون على النسبة الكبرى من الإنتاج الزراعي، فيما يحرم الفلاح من حقوقه تحت أبواب عديدة لجأ إليها الملاكين والمرابين وأصحاب مضخات المياه، فكان لهؤلاء النسبة الكبيرة من الإيرادات ، وما أضيف لها من العكر والشحنة وحق السادة وحصة المضيف والكيل والبذور وغير ذلك مما تعارف عليه الناس تلك الأيام، فكان الفلاح لا يحصل على ما يقيم أوده، ويبقى مدانا للمالك والتاجر الذي يتعامل معهم بما يسمى(على الأخضر) أي شراء الحاصل بثمن بخس قبل حصاده، مما جعل الكثير من الفلاحين يضطرون إلى ترك الريف والهجرة إلى المدينة، فكان أن نظر الحزب في أوضاع الريف وأـخذ خططه اللازمة للإسهام بالمطالبة بحقوقهم وتوعيتهم بواقعهم ومدى الاستغلال الذي يتعرضون له، فأستطاع الحزب الامتداد في أوساط الفلاحين وبعض صغار الملاكين، وتمكن بفترة وجيزة من بناء ركائزه التنظيمية في أعماق الريف، حتى ندر أن تخلوا قرية من شيوعي أو أكثر، بفضل الرفاق الذين واصلوا الليل بالنهار، وبذلوا جهودا استثنائية في هذا المجال، وأسهم هؤلاء في بث الوعي في أوساط الفلاحين وتبصيرهم بواقعهم، فكان التجاوب كبيرا بين الفلاحين وحزبهم المجيد، فشكلت المنظمات الديمقراطية التي أخذت على عاتقها المطالبة بحقوق الفلاحين، الجمعيات الفلاحية، وجمعيات أصدقاء الفلاح، والملاكين الأحرار في بابل التي تولى رئاستها الشيخ الوطني خليف العبد على رئيس عشيرة بني طيف، وكان لشيخ الكرد المرحوم عباس علوان في الشامية مواقفه الرائعة حيث أعطى المثل الأعلى لما يكون عليه المناضل الصادق، وقام بالقسمة العادلة بينه وبين الفلاحين، بتأثير من أبنه الشيوعي عدنان عباس، وكان للملاك الوطني الحاج محسن غلام مبادرته الرائعة في توقيع عقد مع الفلاحين بتقسيم إيرادات أراضيه بالمناصفة معهم وهذا العقد مصدق في المحكمة وهذه بتأثير الأفكار اليسارية التي يؤمن بها هؤلاء، وما كان للشيوعيين من تأثير في نشر وبلورة هذه التصورات، وكان لهؤلاء أسهامهم في تبني قضايا الفلاحين والمطالبة بحقوقهم، في تعديل القسمة وتخفيض بدل الملاكية، والمطالبة بتوزيع الأراضي الأميرية على الفلاحين، ومنع تجاوزات الإقطاعيين، وإلغاء قانون دعاوى العشائر، وعدم مصادرة المحاصيل، ولم يكن ذلك بمعزل عن السياسة الجديدة التي أنتهجها الحزب في ميثاقه، وأصدر جريدة تعنى بمشاكل الفلاحين وقضاياهم، وكان للشهيد سلام عادل أثره على الحركة الفلاحية، منذ استلامه المسؤولية في الفرات الأوسط، فقد أستطاع مد الجسور وتعميق الوعي والعمل في الوسط الفلاحي منذ عام 1954، وكان للفرات الأوسط أثره في النهضة الفلاحية لكثرة المشاكل ووجود الملكيات الصغيرة، ولأن فلاحي هذه المناطق أكثر وعي، قياسا لفلاحي المناطق الأخرى، لتنامي الوعي الثقافي لهذه المدن، ووجود العتبات المقدسة فيه، والوعي الفكري لسكانه، وقد تمكنت لجنة الفرات الأوسط من إصدار نشرة أو جريدة تعالج هموم الفلاحين، إلى جانب صوت الفرات الصادرة عن لجنة الفرات الأوسط، وأصبحت للحزب قاعدته العريضة في الأوساط الفلاحية، وكانت انتفاضة الشامية عام 1954، وانتفاضة آل بدير عام1955، وبني أزريج والبو حسان في الرميثة عام 1955، وبني عارض في الحمزة الشرقي، وتحركات فلاحي الديوانية التي استمرت حتى عام 1958 ، وعند تشكيل الجمعيات الفلاحية في الفرات الأوسط، كان ريف المشخاب أول المبادرين لتشكيله، تلاه ريف الشامية الذي شكلت فيه جمعية أصدقاء الفلاح، فيما شكلت في بابل جمعية الملاكين الأحرار، فكان لهذه الجمعيات أثرها في بلورة الوعي الطبقي بين جماهير الفلاحين، واستطاعت الحصول على بعض المكاسب لهم، وصار لها تأثيرها الكبير بعد ثورة تموز. وقد أورد حادثة إلقاء القبض على الرفاق أعضاء منطقة الفرات الأوسط في دار محمد الحياوي، وكان ضمن المقبوض عليهم الرفاق باقر إبراهيم وعدنان عباس وعبد الرزاق حياوي ومحمد موسى، ثم القي القبض على حسين سلطان صباح اليوم التالي لحضوره بناء على موعد مسبق لاجتماع لجنة المنطق، فيما تمكن الرفيق صالح الرازقي من الهروب بعد أن أستلم أشارة من الجيران، وعندما توجه إلى النجف ألقى القبض عليه أحد أفراد الأمن الذي كان معه في باص المصلحة، وأحيلوا إلى المحكمة التي أصدرت حكمها بالسجن لمدة سنتين مع المراقبة، وأطلق سراحهم بعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة، فيما تمكن الحزب من أخبار باقي الرفاق المدعوين لحضور الاجتماع كالرفيق كاظم الجاسم والرفيق أنيس ناجي. أما الوفد الفلاحي الذي سافر إلى بغداد فكان يضم في عضويته الرفيق معن جواد أبو حاتم إضافة لمن ذكرتهم، وقام الوفد بتسليم نسخ من المذكرة إلى الصحف الوطنية التي قامت بنشرها. وهناك جانب مهم من تاريخ هذه المدينة الباسلة، كان على الأستاذ الكاتب الإشارة إليه وإشباعه درس، ذلك أنها المهد الأول للكفاح المسلح وحركة الأنصار الشيوعيين، وقد شكلت فيها أولى فصائل المقاومة الشيوعية بعد انقلاب شباط الأسود، وقد لعب دورا فاعلا في أنشاء خلايا المقاومة المناضل الشيوعي حسين أبو خبط، عضو مرشح لمنطقة الفرات الأوسط، الذي كان من رموز التنظيم ألفلاحي في المنطقة ومن أوائل المبادرين لرفع السلاح بوجه الانقلابيين لما تميز به من بسالة وأقدام، وروح مفعمة بالتضحية والفداء، ولولا بعض الأمور الجانبية ومحاولة البعض الحد من انتشار التنظيم المسلح لأخذت الأمور أبعاد أخرى، وكان لأبنائها النشامى أثرهم في مقاومة الانقلابيين، حيث شكلت الجماعات المسلحة لمهاجمة مقرات الحرس القومي، وتأديب الرجعيين الذين كانوا وراء الوشايات العديدة على مخابئ الرفاق الفاعلين في التنظيم السري، وقد انتقلت قيادة الحزب إلى المنطقة لقيادة التنظيم والحركة المسلحة انطلاقا من ريف الشامية العصي على الحكومة، والذي لا يستطيع غربان الحرس القومي اقتحامه لما تميز به أهالي المنطقة من شجاعة وأقدام، ولعل في أستذكارات الرفيق في المستقبل أسهام في بيان هذا الجانب المهم من نضال الحزب، عندما كان في الصميم فيها ومشاركا في أحداثه، عاملا في فصائله، وهو ما نحتاج إليه في توثيق تاريخ الكفاح المسلح في مسيرة الحزب الشيوعي، وفي المنعطفات التاريخية المهمة التي تتطلب التعامل بلغة السلاح، والتي يجب أن تكون في مقدمة العمل السياسي للأحزاب الثورية الساعية لتغيير مسارات الحياة، لأن الجانب السلمي على بليغ أثره يحتاج إلى الفصائل المسلحة التي تدعمه وتعمق فاعليته في التغيير المنشود، وقد تحرك الرفيق باقر إبراهيم عضو ل م والرفيق عدنان عباس عضو منطقة الفرات الأوسط، إلى ريف الشامية، واجتمعوا في بيت سيد عبد زيد عضو لجنة الشامية، وكان معهم الرفاق صالح الرازقي ومعن جواد وحسين أبو خبط، ولم يحضر زكي خيري المكلف بإدارة الاجتماع لبعد منطقته عن مكان الاجتماع، وتم توزيع العمل في الريف وإعادة الصلات في منطقة الفرات الأوسط، ونسب صالح الرازقي للعمل في بابل مع الرفاق أبو حاتم وكاظم الجاسم وناظم كاظم مسئول محلية بابل، وقام محسن البديري بإيصالهم بواسطة المشحوف إلى ريف القاسم، حيث التقوا بالرفاق في بابل، وهناك تفاصيل أخرى أترك للرفاق في الشامية استذكاره، وما جرى من تحركات في المنطقة بعد أن التحق بهم بعض الكوادر، وجرى تشكيل الفصائل الأنصارية، تمهيدا لتعميم التجربة على باقي المحافظات، وما رافق ذلك من عقبات حالت دون المضي في طريق الكفاح المسلح. وقد أورد الكاتب أنه أعتمد بكتابتها على رفيق من الشامية وأسمه في السفر الشيوعي، وهذا الرفيق هو أبو تانيا عدنان عباس، الذي تحتم عليه الأمانة التاريخية أن ينشر مذكراته ليسهم في كتابة تاريخ الحزب، على أن يراعي الأمانة والدقة وتجنب الأمور الجانبية التي تسيء إلى بعض الرفاق، حيث لاحظت للأسف الشديد وجود الكثير من الأمور التي أرى – ولعلي مخطئا- ضرورة تجنب الإشارة إليه، لما فيها من تأثيرات تفرح الأعداء، وتحزن الأصدقاء، كان على كاتبي المذكرات تجنب الإشارة إلى ما يثير المواجع، وعدم جعلها ساحة للصراع وتصفية الحسابات، وكيل الاتهامات، ونشر الغسيل، وتبادل التهم بين رفاق جمعهم هدف واحد، وفكر واعد، رغم أن الأمانة التاريخية توجب وضع الأمور في نصابه، إلا أن ذلك يجب أن يكون بمنأى عن التجريح، وإثارة البغضاء والعداء بين رفاق قدموا أجمل سنين حياتهم قربان على مذبح التضحيات الشيوعية النقية، وأفنوا زهرة شبابهم في النضال دون أن يتمتعوا بمباهج الحياة كما تمتع أقرانهم ممن تعاملوا مع الأمور بلا مبالاة، والخلاف الفكري بين العاملين لا يفسد في الود قضية، ولا يدعوا لإشاعة أمور خاصة، على الجميع تجنب الإشارة إليه، ومحاولة الابتعاد عنه، لما فيها من التأثيرات السلبية على مسيرة الحزب اللاحقة، التي نريد لها النماء والازدهار وخشية اطلاع الجيل الجديد على ما كان عليه قادة الحزب من خلافات لم تكن معروفة لقواعد الحزب، مما يعطي انطباعا عن هشاشة الروح الرفاقية التي ينادي بها الجميع، فقد كان في مذكرات أحدهم ما يخجل القلم عن إيراده لما فيه من خصوصية لا يجوز الأجهار بها رغم ما بينهم من خلاف، وتصلح أن تكون سمة للفكر البرجوازي، لا فكر الطبقة العاملة التي كان يوما من الأيام أحد القياديين في حزبها المجيد. تحياتي لكل من أسهم ولا يزال يسهم في بناء الحزب، وسطر حرفا في تاريخه، وعمل في منظماته، ودعوتي لهم أن يكونوا ضمن المستوى الراقي الذي وصلوا إليه في قيادة الحزب، وعدم الانجرار إلى المهاترات والاتهامات التي تسيء إليهم قبل غيرهم، لأن الكلام صفة المتكلم كما يقال، وعسى أن يكون خلقهم الشيوعي مانعا لما يسيء لرفاق دربهم، وأن يظلوا تلك الهالة المضيئة في مسيرة الحزب الشيوعي العريق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |