|
الفدرالية: بين خلط الأوراق ودق الأعناق..!؟
باقر الفضلي سأل أحد الحكماء يوماّ بعضاّ من جلسائه؛ إن كان بإمكان أحد منهم أن يسكت طفلاّ يجهش بالبكاء لسبب غير معروف؛ فتنادى القوم كل بطريقته الخاصة، وتباينت الحلول وكثرت الأجوبة؛ ظل الحكيم منصتاّ غير مقتنع، وإنتهى الرأي أن يبحث القوم عن طفل باك، وأخيراّ أحضروه... سأل الحكيم الطفل عن سبب بكاءه فأجاب؛ بأنه يريد سمناّ؛ أحضروا له السمن، سكت هنيهة، ثم عاد للصراخ؛ أعاد الحكيم عليه السؤال؛ فقال أريد دبساّ؛ جلبوا له الدبس، فإنقطع عويه، ولم تمض لحظات، حتى أجهش بالصراخ من جديد؛ فقيل له وما ظنك تريد..؟! أريد أن تخلطوا الإثنين..! خلطوهما؛ فأستقر الحال وكف قليلا عن الصياح، وأخذ يأكل بإرتياح؛ وما هي إلا برهة، حتى أثقل على القوم بصراخه، ووقر آذانهم نواحه؛ صرخ به الجميع؛ وماذا تريد الآن..؟!
إفصلوهما من بعض..!!؟ إضطرب القوم قي أمر هذا الطفل البكاء.. وسادتهم جلبة وإرتباك، حتى قطع ضجيجهم، صوت الحكيم وهو يقول: هل فيكم أيها القوم من يقدر على فك الإختلاط ويرضي هذا الطفل المسكين..! ولا من مجيب..! أطرق الحكيم قليلاّ وقال: ألم أقل لكم أن فك الأشياء المخلوطة ليس مثل خلطها..! وها نحن جميعاّ قد تعذر علينا إسكات هذا الطفل البكاء عندما طلب المستحيل..!! ***** ونحن نقول، وبمناسبة قرار مجلس الشيوخ الأمريكي الأخير بشأن العراق، إن معامل الفبركة والخلط في البيت الأبيض هي اليوم أكبر قدرة وأكثر تمرساّ في عمليات خلط الأوراق من هذا الطفل البريء، الذي لم يدر بخلده غير الدبس والسمن، أما النفط فلم يعد في وقته قد ظهر للوجود، وإلا لكان ضمن الخليط، والله أعلم يوم تبلى السرائر..! القرار الأمريكي الذي طبخه السيد جوزيف بايدن ومساعديه في معامل الخلط الإحترافية، لا يخلو في جوهره من مأرب واضح المعالم ولا يحتاج لكل هذا الجهد الذي بذله المراقبون والمعلقون والساسة والقياديون والكتاب وغيرهم من المهتمين بالشأن العراقي. وإن عملية خلط الأوراق كانت من الوضوح أكثر مما كانت عليه عملية خلط الدبس بالسمن الطفوليين، وجمع المتضادات قد فضح ما هو مستور من خفايا اللعبة السياسية البايدينية..! فالإنتهازية المقصودة من التعكز على بعض نصوص الدستور العراقي بشأن الفدرالية، وهو أمر تعسفي وتدخل شائن في الشأن العراقي الداخلي، إنما هو كمن يخلط السم بالعسل، وكلمة حق يراد بها باطل، وإيحاء للآخرين والعراقيين منهم بالذات؛ أن الرجل لا يهدف إلا إلى خير العراق وإشاعة السلم في ربوعه، بعد أن تفجرت براكين الدم و إحترق الأخضر واليابس، ودقت أعناق وإنتهكت حرمات، وعم ربوع الرافدين الخراب، وكأنه غير ذي علم بمن وقف ويقف اليوم وراء كل ذلك..!! التقسيم والفدرالية نقيضان لا يجتمعان، فإن كان الهدف من القرار هو دعم الفدرالية التي ثبتها الدستور في المادة الأولى منه، فما هي دوافع التقسيم الكانتوني الطائفي الذي يعتمده القرار كأساس لذلك يا ترى..؟ ، وهل لدى أصحاب القرار المذكور (فلاتر) ضخمة يمكنها أن تفلتر الشعب العراقي ذا الملايين، طبقاّ للتقسيم البايديني الطائفي سيء الصيت، وما هو شأن الفدرالية في كل ذلك، ولماذا يجري قحمها في الأمر بهذه الطريقة الفجة..؟! وهل كان مشرعوا القرار، مدركين لتفسير نصوص الدستور العراقي بشأن الفدرالية..؟! الجواب عل هذا، لعمري، سيفضح اللعبة وما ورائها من أهداف، أقل ما يقال فيها؛ أنها تستهدف تقسيم العراق شعباّ وكياناّ جغرافياّ موحداّ..!؟؟ أليس هناك من وضوح الرؤية ما يفيد؛ بأن هذا القحم المفضوح للفدرالية إنما هو مجرد عملية تضليل لإستخدامها غطاء ليخفي تحته الهدف الواضح للتقسيم، لتبدو العملية وكأنها دعم لمبدأ الفدرالية، التي أقرها العراقيون طبقاّ لفهمهم الخاص، وليس لما خطط له، سيء الصيت، السيد بريمر صاحب الباع الطويل في التخطيط لكل هذا الخراب الذي لحق بالعراق..؟! فليس هناك من فهم مدرك يرى في الفدرالية التي أسس لها الدستور ووضع أسسها وآلياتها في تشكيلة الأقاليم، بأنها ستبنى على أسس مذهبية طائفية، إلا من إلتبس عليه الأمر أو من له فيها مآرب أخرى تحرفها عن الإتجاه الصحيح الذي دفع ملايين العراقيين، للتصويت بقبولها على غرار ما بنيت عليه أسس الفدرالية في إقليم كوردستان..! لقد دفعت عملية الخلط المذكورة الى تشويه الصورة الحقيقية لمبدأ الفدرالية، ودفعت حتى الأخوة في القيادة الكوردستانية، الى إتخاذ موقف التأييد لقرار مجلس الشيوخ البايديني، وإعتباره صادراّ طبقاّ للدستور العراقي، تصوراّ منها؛ بأن موقف الرفض والإنتقاد الذي قوبل به القرار المذكور من قبل فئات واسعة من العراقيين بمن فيهم قيادات سياسية ضن العملية السياسية، إن هذه المواقف تستهدف جوهر الفدرالية متناسية انهم من صوت على إقرارها في الدستور..! إن المستهدف من وراء رفض قرار مجلس الشيوخ الأمريكي، ليس هو الفدرالية بعينها وحسب، بل هو تقسيم العراق الى كانتونات مذهبية طائفية، وما وراءه من نتائج كارثية بالنسبة للعراقيين بكافة قومياتهم وأطيافهم الدينية والإثنية، تحت واجهة الفدرالية، ولا أظن أن الأخوة في إقليم كوردستان تنطلي عليهم لعبة الخلط البايدينية، التي أساءت إستخدام (الفدرالية) لهدف تمرير اللعية التقسيمية، ودق الأسافين في التربة العراقية، وشق صفوف الشعب لتسهيل أمر قيادته وإستغلال ثرواته..!؟ أما عدم إلزامية القرار للإدارة الأمريكية الحالية، فهو أمر وإن بدى سلساّ بعض الشيء، ولا يعني شيئاّ للإدارة الحالية، إلا أن القادم من الأيام يبطن الكثير من المفاجئات، إذا ما علمنا بأن السيد جوزيف بايدن هو المرشح القادم للرئاسة الأمريكية، ولا بد للديمقراطيين من مخرج من المستنقع العراقي، بأقل التكاليف..!؟(1) لقد تناولت هذا الموضوع في مقالة سابقة، كما وقد تناول العديد من الباحثين والمتخصصين ، ومنهم على سبيل المثال؛ الأساتذة الأفاضل: كل من الدكتور كاظم حبيب والدكتور سيار الجميل والدكتور كامل العضاض وعدد غير قليل من الكتاب العراقيين، تفاصيل هذا القرار وإغنوه بالبحث والتدقيق وأظهروا جوانبه السلبية ومخاطره الجسيمة على مستقبل العراق، ناهيك عن كشف حقيقة الذرائع التي إعتمدها القرار المذكور..! أما الفدرالية نفسها، فقد تناولتها في عدد آخر من المقالات المتنوعة الجوانب، وأخص بالذكر منها المقالة أدناه (الفدرالية: الأقاليم ودستورية تأسيسها..!) والتي وضعت فيها النقاط على الحروف حول مدلولات الفدرالية التي نص عليها الدستور، وما يخططه الآخرون \"للفدرالية\" التي يبتغون، وهي ما توخاها قرار مجلس الشيوخ الأمريكي الأخير..!(2) ولا أريد الآن إلا أن أؤكد ؛ بأن قرار مجلس الشيوخ الأمريكي هذا، لا يعبر إلا عن عملية خلط لأوراق اللعبة السياسية في المنطقة؛ طبخت وصيغت في مطابخ خلط الأوراق الإحترافية لدى الإدارة الأمريكية؛ الهدف منها التظليل وغسل الأدمغة لتمرير مشروع التقسيم تحت واجهات من الديماغوغية المخادعة، أستغلت فيها الفدرالية أسوء إستغلال، لدرجة خلقت مناخاّ من البلبلة والإضطراب والقلق بين أوساط الشعب والقيادات السياسية، مما ينبغي معه من العراقيين، الإنتباه الى بواطن الأمور ، وتوحيد الفهم لجوهر ومحتوى القرار المذكور وأبعاده ومخاطره البعيدة، لتفويت الفرصة على المخططين، وإفشال مشروع التقسيم هذا، ذي النوايا المدمرة للعراق..!
السؤال اليوم.. أليس بين الساسة العراقيين من حكيم..؟؟! __________________________________ (1) http://www.bab.com/news/full_news.cfm?id=92609&cat_id_cache=26
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |