|
تزعم مقدمة الكتاب المزعوم لمخابرات العصابة الصدامية المعدومة في العراق، بأن مرتزقة تلك العصابة المدانة والمقبورة كانت تكثف الجهود للتغلب على الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة، التي خلفتها حرب الخليج الثانية في تسعينات القرن الماضي، وكذلك أيجاد المنافذ المناسبة للسيطرة على التضخم المالي الذي بات يهدد الاقتصاد العراقي ويثقل كاهل المواطن، وتتدارك في نفس الوقت وقوع حرب خليج ثالثة تجهز لها وتقودها أميركا بإتجاه العراق مباشرةً وبمعاونة الدولة الحليفة لها والمستفيدة من هذا التصعيد. إستغلت المخابرات الإيرانية الفرصة لتكثف من جانبها حملة طائفية كبيرة مجهز لها مسبقاً ومدروسة بعناية ومخطط لها كي تكون المسمار الأول والأخير في نعش اللحمة العراقية، من خلال تبنيها لديماغوجية مذهبية تعتمد العمل الدعائي والسياسي لإثارة الجماهير وكسب تأييدها وذلك بمخاطبة عواطفها المذهبية بأفكار جديدة مبطنة، كانت عبارة عن حرب سرية شنتها المخابرات الإيرانية بإشراف مباشر من القيادات السياسية، وبمباركة ودعم أميركي وغربي، بهدف التقليب الشعبي ضد الدولة العراقية، وخلق فجوة كبيرة بين المكونات الأساسية للشعب العراقي، ومن جانب آخر محاولة كسب ود أكبر عدد من الشيعة العرب وعزلهم عن المجتمع العراقي.
المشروع الإيراني الطائفي لقد خضع المشروع الإيراني الطائفي لدراسة مكثفة وتحضيرات سبقت العاصفة بوقت طويل، تمخضت بتشكيل إدارة خاصة بهذا المشروع تديرها المخابرات الإيرانية، تعمل على تقييم الوضع في العراق ودراسة المستجدات وتحليل النتائج وإيجاد الثغرات المناسبة وصياغة الحدث وتجهيزه وزرعه، وقد تم الإستعانة بمتخصصين في الأيدلوجيا الدينية ورجال دين لهم القدرة على تحريف وتدليس الحقائق وتشويهها، وقد أنشئت جبهة كبيرة لبث تلك الأفكار الطائفية، ضمت العديد من رجال دين وأحزاب وحركات يتخذون من إيران ملجأ لهم تحت ذريعة معارضتهم لنظام الحكم في العراق معظمهم من أصول فارسية، ولهم أتباع ونفوذ داخل العراق تبنوا ترويج أفكار هذا المشروع الطائفي الإيراني، من خلال تسريب ونشر الكثير من الكتب والمنشورات والتسجيلات والإشاعات والمحاضرات الدينية المحرضة والمحملة بأفكار ومفاهيم جديدة ذات طابع مذهبي بحت، تتناول سيناريوهات مختلفة جديدة وقديمة صيغت بشكل تتناسب مع أهداف الفتنة المنشودة وتحقق الغاية. وقد ركزت بشكل أساس على رسم صورة جديدة لإيران تظهرها بشكل منقذ وحامي للشيعة (المظلومين) والمطالبة بحقوقهم بالإضافة إلى أنها الأرض المختارة لظهور المصلحين من خلال سيناريو جديد يحاكي ظهور المهدي المنتظر من إيران، وليس من الحجاز كما صورته المطبوعات القديمة. وقد تزامنت مع هذا الطرح الحيوي الجديد صيحات وتحذيرات للشيعة من قبل عملاء إيران من خلال محاضرات دينية مسجلة أو من خلال منشورات تعلن وتنادي بقرب ظهور المهدي المنتظر وإقامة الحد على السفياني الذي دنس الكوفة (السفياني شخصية وهمية يحاكون بها عدو المهدي والشيعة على حد سواء!)، ويطالبون أتباع المهدي التهيؤ لملاقاته قرب المشخاب ومساندته بعد دخوله من الجهة الشرقية للحدود العراقية قادماً من إيران برفقته جيش مسلح يدعمه من القوات الإيرانية، وقد أخذ هذا الطرح مكانه بين العقول الخاوية حتى طفق البعض مصدقا بتجهيز الرايات السوداء وإخفاءها تحسباً لظهوره المفاجئ(عج)، وتبنى هذا المشروع خلق فجوة بين السنة والشيعة من خلال توسيع الإختلاف الفقهي بين الطائفتين وجعله محور المحاضرات الدينية التي يتبناها عملائهم، لتعزيز الخلاف الذي حاولوا إيجاده، ثم صياغة أحداث تتبنى هذا الجانب من أهمها أسطورة وهمية تسمى"مؤتمر بغداد"، تحاكي عمق وقدم الخلاف بين السنة والشيعة من خلال تصوير مباهلة وهمية حدثت في بغداد إبان الحكم السلجوقي ليمنحوا طرحهم أفق تاريخي قديم. تبنى المشروع الإيراني صياغة سيناريوهات هدامة تحاكي فكر الطائفتين بإستخدام مصطلحي(الروافض والنواصب) لتعميق الخلاف وزرع الفتنة، فضلا عن رسم صورة مغايرة للإختلاف العقائدي بين الطائفتين وجعله خلافا تاريخيا لا يمكن نسيانه أو تجاهله، كونه يدخل في صميم إيمان الفرد وإسلامه، وقد حاولوا بشتى الطرق تعزيز الفكر الجديد مستغلين قضايا تاريخية قديمه وأحيائها وترويجها بشكل يؤدي إلى شق الصف الواحد وزرع النفور بين المسلمين. بشكل عام يهدف الطرح الإيراني إلى خلق أزمة بين السنة والشيعة من خلال توسيع هوة الإختلاف العقائدي الذي يؤدي في النهاية إلى صدامات محتملة، وزعزعة الأمن القومي للعراق وإغراقه بلغو وبلبلة يؤدي بالنتيجة إلى ضعف تماسكه، وتحميل قيادة البعث ثقل قد يوهن كاهلها، وبالتالي فهي ممارسة لها الأثر الفاعل في تزايد نفوذهم داخل العراق. كل ذاك يحدث بدعم وموافقة من CIA و M16 و والموساد بالإضافة إلى تمويل مالي إلى شبكة العملاء العاملين بالمشروع الإيراني(ما يسمى بالمعارضة العراقية في إيران) من قبل حكومة آل صباح في الكويت.
البداية كانت البداية عندما تسلم الخميني مقاليد الحكم في إيران وإعلان الجمهورية الإسلامية، وتبنيه مبدأ تصدير الثورة الإيرانية للدول المجاورة، حيث وضع الخميني خارطة جديدة تهدف لإقامة حزام شيعي للسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي، بحيث يتألف هذا الحزام من إيران والعراق وسوريا ولبنان، وكانت البداية مع العراق باعتباره الدولة الأقرب لإيران وذات الأغلبية الشيعية ومركز الحوزة العلمية التي تقود العالم الشيعي، وقد حاول الإيرانيون على مدى سنوات أن يجعلوا من قم مركزاً للحوزة العلمية ومستقراً للمرجعية الدينية تقود الشيعة من هناك لجهة إضعافها في النجف، من خلال فتح الباب لرجال الدين وإحتضانهم وترهيب المخالف وإغتياله إن دعت الحاجة، كما حدث للكثير من رجال دين في العراق ولبنان وفي إيران نفسها ممن رفضوا هذا المشروع، وبعد فشل تحقيق مشروع السيطرة على العراق عسكرياً رغم الدعم الذي تلقوه من الولايات المتحدة وإسرائيل (وكما يتبين من فضيحة إيران كونترا)، بدأ الإيرانيون بالتخطيط لمشروعهم الطائفي الذي يهدف إلى خلق فجوة في المجتمع العراقي، مستغلين الخطاب المذهبي لكسب ود المتعاطفين معهم، وكانت أكبر خطواتهم أحداث 2 آذار 1991م.
أحداث 2 آذار 1991م ونتائجها لقد أحدثت أعمال التخريب التي قادتها إيران في العام 1991م منعطفاً في السياسة الطائفية التي تبنتها المخابرات الإيرانية ودعمتها المخابرات الغربية، فالقيادة الإيرانية ومخابراتها وعملائها كانوا على علم مسبق بفشل أي تحرك شعبي مدعوم من إيران آنذاك، وعليه فإن القيادة الإيرانية استعانت بمجموعة من المرتزقة الذين يحملون الجنسيات الأفغانية والباكستانية مع 50 ألف عنصر من الحرس الثوري الإيراني وعناصر من مخابراتها، لمساندة عملائها (قوات بدر) التي تسللت إلى العراق قبل انسحاب القوات العراقية من الكويت بأيام قليلة وتمركزوا داخل المدن للتحضير لنفير عام لإثارة الشغب بنعرة طائفية وزرع بذرة فتنة داخل العراق. وقد قاد هذه العملية بشكل مباشر المخابرات الإيرانية مستعينة بأكبر عملائها محمد باقر الحكيم(من أصول فارسية) كواجهة إعلامية، إذ كان يشغل منصب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى للثورة(الإسلامية في العراق كتشكيل أسس في إيران عام 1982م)، إتخذ من إيران ملجأ له، سبق وأن قامت مجموعته بعمليات تفجير وإغتيال داخل العراق، وأشرف مباشرة على تعذيب الأسرى العراقيين في إيران، وروج لمشروع مظلومية الشيعة في العراق وإثارة النعرة الطائفية من خلال خطاباته ذات الطابع الطائفي، وقد كانت نتائج العمليات التي قادتها إيران في 2 آذار 1991م قتل أكثر من 60 ألف عراقي، وإعدام العديد من الجنود والضباط العزل المنسحبين من الكويت ودفنهم في مقابر جماعية، وتدمير وإحراق مؤسسات الدولة والإستيلاء على بعض الوثائق من دوائر المخابرات والأمن العام والسجل المدني والعقاري، وبعد أن تحقق هدفهم وأشعلوا النار التي جوبهت من قبل قوات الحرس الجمهوري التي بدأت تسيطر على المناطق وتطهرها، إنسحب قادة المؤامرة من ضباط مخابرات وعناصر الحرس الثوري الإيراني بعد أن قتل عدد منهم وقبض على آخرين، وكان أول الهاربين إلى إيران محمد باقر الحكيم تاركاً بعض الزمر تلاقي حتفها على يد الجيش العراقي القديم، حيث كان على مقربة من الحدود العراقية الإيرانية في منطقة شط العرب(التنومة) في البصرة، وقد تركوا خلفهم آلاف الجثث لأتباعهم وللعراقيين الذين قتلتهم البنادق الإيرانية في شوارع المدن العراقية. وقد أفرزت نتائج أحداث 2 آذار 1991م تقييم جديد للوضع، وسياسة جديدة طرحتها المخابرات الإيرانية، بنيت على أساس فشل الإثارة الشعبية، حيث أن عدد الفئات التي شاركت من داخل العراق في أحداث التخريب هي 4 فئات هم: عملاء المخابرات الإيرانية داخل العراق، والمتعاطفين مع ما يسمى بالمعارضة الإسلامية، والمتعاطفين مع الطرح الطائفي الذي جاءت به زمر التخريب، والمستغلين للوضع من(اللصوص والسراق!) وأصحاب الثأر وهم العدد الأكبر بين الفئات، وعلى هذا الأساس فإن هذي الفئات لم تشكل نسبة كبيرة يمكن الركون إليها في إقامة ثورة عارمة تطيح بنظام حكم مدعوم بجيش قوي. فأوصت المخابرات الإيرانية بزيادة الحملة الأيدلوجية الطائفية والتوسع فيها أكثر، لتترك أثرا واضحا في أكبر شرائح المجتمع العراقي، ولنفس الحدث قيمت المخابرات الغربية على ضوء النتائج الحاصلة بعدم نجاح أي ثورة داخلية لإسقاط النظام الحاكم ما لم يتم الحشد بصورة أكبر. في غرة شهر رمضان 1415هـ،(شهيد المحراب) آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم، يصرح للصحافة لدى زيارته الكويت وإستقبال أميرها الراحل و ولي عهده السابق(المريض) له:"إن حدوث إنتفاضة شعبية وعسكرية تطيح(نظام) صدام أمر وارد هذا العام..إن هناك فرصة حقيقية أمام الشعب العراقي لإطاحة صدام هذا العام وهناك مؤشرات مهمة على أن الجيش العراقي سيتجاوب مع أي تحرك عام لتغيير(النظام). وأن(النظام) غير قادر على مواجهة تحرك عام من الجيش العراقي". وبعد إجتماع سماحته بأعضاء(لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأمة الكويتي) قال:" إن التقارير تأتينا من داخل العراق وتتضمن معلومات عن الأسرى الكويتيين ونزود الخارجية الكويتية بها لمتابعتها.. إن نوابا أبدوا إستعدادهم للمساهمة في تخفيف آلام الشعب العراقي إدراكا منهم بأن(النظام) يقف وراء هذه المأساة.. لقد أكدنا لنواب اللجنة أن العلاقات مع الكويت يتعين لها أن تستند الى حسن الجوار والمحبة والإحترام المتبادل.. لابد من الوضوح تجاه سيادة الكويت وإحترام حقوق شعبها.. لقد شددنا في حديثنا مع النواب على أنه من الضروري كشف الحقائق أمام المجتمع العربي إذ أن بعض الحقائق مشوهة وغائبة وتحتاج الى الشرح. إن من يتحدث بأن المعارضة لم تتوحد لا يعرف الحقائق الموجودة داخل العراق. والمعارضة مستمرة في المقاومة حتى الآن علما بأن(النظام) يحاول أن يصفيها بكل الوسائل". أيضا يصرح سماحته للصحافة في الكويت بعد ثلاثة أيام:" لسنا بحاجة لكي نطلب المساعدة من(وكالة الإستخبارات الأميركية CIA).. إن المجلس(الإسلامي الأعلى العراقي) طلب مساعدة الأمم المتحدة فقط .. إن شمال العراق منطقة لا ندري هل هي تحت حكم فدرالي يتبع بغداد أم أنها محمية من قبل الأمم المتحدة .. الطاقات التي تكتنزها المعارضة العراقية في هذه المنطقة لا يسمح لها بالتحرك بإتجاه إسقاط(حكومة البعث).. ولا توجد في هذه المنطقة موارد إقتصادية تؤمن للمنطقة أمورها.. إنها تعتمد موارد جمركية غير معترف بها رسميا وهي تؤخذ من خلال الشاحنات التي تدخل العراق.. وهي السبب في الخلافات التي نشبت بين الحزبين الكرديين.. نرفض قيام نظام إسلامي طائفي أو عنصري في العراق سواء كان طائفيا بتسلط الأقلية السنية على الشيعة أو الأكثرية الشيعية على السنة.. نريد نظاما سياسيا يقوم على العدل والإستفادة من الطاقات ويقيم علاقات متينة على حسن الجوار خاصة مع(دولة) الكويت.. إن الحكومة الكويتية أبدت تفهمها لظروف الشعب العراقي في هذه المرحلة من نضاله ضد الدكتاتورية والظلم وتمت دراسة إمكانيات الإستفادة وتطوير قرار مجلس الأمن(الدولي) رقم 949 .. إن الثورة الإسلامية العراقية مستقلة في تاريخها وهي موجودة قبل الثورة الإيرانية بسنوات وكان قائدها مرجع الشيعة السابق السيد محسن الحكيم.. لذلك فنحن لنا إستقلالنا في الحركة الإسلامية وكذلك في الإرادة والطرح السياسي.. إن الأدباء والمفكرين يرددون كلمات عن الحصار، إن الحصار الحقيقي هو الذي تفرضه حكومة بغداد على الشعب العراقي.. لماذا لايتحدثون عن هذا الحصار ؟!".
تائج الفتنة بعد أن لعبت الفتنة والدسيسة دورها، وتزايدت الحملة الطائفية التي خلقتها وقادتها المخابرات الإيرانية وعملائها، ظهرت النتائج بصورة سريعة في الشارع العراقي، حيث برزت آثار فتنة آذار بين أفراد المجتمع وانتشرت كالنار في الهشيم وإن كانت بشكل مكبوت نوعما، ولاحت بوادر التعاطف مع الطرح الإيراني الجديد من قبل الكثيرين، بسبب إنتشار الكتب والمنشورات والتسجيلات الصوتية التي أضحت متداولة بين المواطنين بصورة شبه جلية، وقد أدت هذه الحملة الإيرانية إلى ظهور ممارسات جديدة وغريبة دخلت إلى المجتمع العراقي كزواج المتعة الذي روج له الفكر الإيراني الجديد، راح ضحيتها الكثير من النسوة بقضايا غسل العار، وكذلك عمليات إغتيال طالت بعض رجال الدين على خلفياتهم ومواقفهم المناهضة للفكر الجديد، بالإضافة إلى عمليات تخريبية لمحال بيع الخمور و التسجيلات الصوتية والصورية، خصوصاً في المناطق الجنوبية من العراق، بالإضافة إلى التطرف الديني الفكري الذي أصبح هاجس يهدد بإجتياح المجتمع بجميع طبقاته، خصوصا وأن الفتوى الإيرانية قد بدأت تجد لها رواجا داخل العراق خاصة ما يعنى بالمناسبات الدينية كالأعياد، وقد باتت هذه الأحداث تمثل خطرا حقيقيا على الأمن القومي العراقي وتثقل كاهل القيادة العراقية، وكان لابد من أن تتخذ الإجراءات الكفيلة بردع هذه المؤامرة الطائفية، خصوصا وأن إيران فتحت الباب على مصراعيه لإحتضان العراقيين كلاجئين على أراضيها بعد أن وفرت لهم سبل الخروج من العراق بشكل غير شرعي للإستفادة منهم كقاعدة شعبية تدعم مشروعهم الطائفي. في كتاب د . قاسم البريسم "الشرارة والرماد"(الناشر دار الكنوز الأدبية) حول إنتفاضة شعبان الشعبية المغدورة في آذار 1991م، وشرارتها الأولى إنطلقت من عاصمة العراق الجنوبي، حاضرة البصرة الطيبة الخربة الحلوب، ليبدأ فرار صدام وحزبه المخزي من إقليم شمال العراق و لاحقا من كل العراق في ذكرى ميلادهما في نيسان المخاض المؤلم 2003م . مؤلف هذا الكتاب شاهد عيان تعذيب المنتفضين في البصرة حتى الموت يروي . التمهيد 24 صفحة قبل عودة الفرع الكويت الى الأصل العراق، وحتى جهود دفع صدام المعدوم للإنسحاب من الكويت لترسيم حدود مجحفة بالعراق لأول مرة بعد هوان البعث بالإعتراف بالكويت أول مرة إثر نكبة 8 شباط الأسود 1963م، في مخطط مرسوم منذ نحو 45 سنة، إستهدف قيادة وسيادة العراق الوطنية، ووحدة أراضيه من شماله الى جنوبه، ومن هان سهل الهوان عليه ليخلف حلفاء صدام بالأمس حاضره المر، والحصاد رهن مقدرات الوطن وضياع أحراره في المنفى المنسى بين الإختلال و الإحتلال حتى اليوم !. إحتراق إكسير نعمته النقمة عيون آبار نفطه المضيع كثروته الوطنية- بنيه الأحرار- حتى اليوم !. الأمر الذي زاد من كآبة البصرة الثكلى في خرابها المتواتر الذي يترى. في فاتح آذار تجمع مئات الآلاف من الجيش القديم الفار بعجلاتهم وسلاحهم المهان، في ساحة القائد"سعد بن أبي وقاص"، حيث ينتصب نصبه كأنه يأسف على هذا الهوان البعثي، عند مفترق طرق مغادرة البصرة. وعندما أجن ليل البصرة تعالى إطلاق النار في حي الحسين القريب من ساحة سعد ومن مناطق الجمهورية والجمعيات والبصرة القديمة، وباب الزبير والعالية وشقق الفاو، فاندفعت جماهير البصرة الغاضبة من شارع التربية في حي الحسين الساعة 6 صباحا في 2 آذار 1991م، فسيطر المنتفضون على جل البصرة عند منتصف النهار، سيما في مناطق الكثافة السكانية والمركز، فتهاوت مؤسسات الدولة الكارتونية إيذانا بتهاوي دعاوى البعث الجوفاء بحماية عصابته الجافية المعدومة إثر فرارها المشهود المعهود من شرف المسؤولية بالغنم دون الغرم عندما جد الجد كما هوشأنها منذ 18 تشرين الثاني 1963م، وتهاوى البعث المهترىء، ومخابراته الجبانة ومرتزقة مديرية أمن البعث قبال جسر السيمر بالبصرة، ودوائر الشرطة ومبنى المحافظة. بدأ البعث الرث ينشط بعد خيمة سفوان التي جمعته بحلفاء الأمس الأميركان، كما نشط فارسه الخائب صدامه المصدوم بالرعب المعدوم بعد جريمة فراره الى حفرته الحقيرة كطبعه الجلف الأجوف، عندما شعر بدفء حضن أسياده المهتوك بعد طول دعاية مدفوعة في الداخل والخارج من حر مالنا، فأخذت قوات الفيلق الثاني بقيادة المجرم السافل علي حسن مجيد ابن عم الوغد صدام ، تفتك بأبناء البصرة الصابرة، وتملأ الشوارع بدم الإعدامات، وقد أعدم العشرات ممن كان يبحث عن الماء الشحيح على شط العرب والطعام لأهله الغرثى في أرض الفراتين والخيرات التي سال لها لعاب العرب والعجم، كما ساق المقبور المئات الى السجون والمطامير تحت الأرض، ليواجهوا العذاب الطويل والإعدام صبرا ثم المقابر السرية الجماعية بين الواقع والخيال. أسباب توقف الإنتفاضة: سياسة بوش الأب الطامع بنفط المنطقة ،وأهداف دول الجوار، وعلاقة الإنتفاضة بإيران وظهور الشعار الشيعي الذي أرعب الجار الجنب في الإنتفاضة الشعبية فاستحث الحليف الأميركي. والعوامل الداخلية المثبطة عفوية وتشكيل الإنتفاضة وفقدانها قيادتها وأهداف القائمين عليها كما يتكرر اليوم في إنتفاضة المهجر السلمية بوجه إرهاب البدعة الباطنية الوهابية، وطبيعة عصابة صدام الإجرامية، ضد الطفل والشيخ والمرأة، كما هو دين وديدن السلفية السعودية. وكان من بين ممارسات البعثفاشية حليفة السلفية النازية السفلية الجبانة، إجبار المنتفضين على شرب البانزين ثم إطلاق النار عليهم أوشدهم بين سيارتين أوشد الصخور بين أرجلهم ثم رميهم في الأنهار. إستخدم العدو البعثي الأسلحة الثقيلة كالدروع والراجمات في قصف المناطق الآهلة بالسكان قبل إقتحامها كما يفعل العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة لا ضد شعبه، حتى إمتلأت الأنهار بأجساد المواطنين العراقيين وتفسخت على أرصفة الشوارع وأكلتها الكلاب السائبة. دس لانظام البعث العبثي العدمي عملائه الأرذلين في صفوف الإنتفاضة، كما هو الحال اليوم في إنتفاضة المهجر، يعيثون فسادا بأثاث ومذاخر أدوية المستشفيات، مما جعل الناس تنفض عن الإنتفاضة كما هو الحال اليوم في إنتفاضة المهجر . في سجن الرضوانية زبانية مالك سادن الجحيم!، لا رضوان ملك الجنان!، سجن كأنه كوكب منفلت من جاذبية الأرض!. على مقربة من ساحة التحقيق كومة من ضحايا حكومة طاعون البعث، من الأجساد البشرية لم تدفن، كل جثة كأنها عملة ذات وجهين، كومة مرتدة في حساب حكومة خائنة عميلة جددت بيعتها للأجنبي سقيفة سفوان، كومة تحولت الى جبل من الأجساد والجماجم البشرية.
موقف رجال الدين في النجف لم يحرك رجال الدين في النجف ساكناً لردع هذه الفتنة، ولم يظهروا موقفاً واضحاً من المؤامرة الطائفية، وعلى العكس فقد أيدوا قراءة إيران الجديدة وروجوها بالخفاء مستعينين بوكلائهم والمقربين منهم لإعلان تأييدهم، كونهم متعاطفين مع إيران وأفكارها الهدامة ومنغمسين في الفكر المتطرف الذي تتبناه إيران ومرجعيتها الدينية، خصوصاً وأنه يتبنى فكرة الغلو في طاعة المرجع الديني الأعلى ومنحه صفة الدكتاتورية الدينية الواجب تقبلها كجزء من الفلسفة المذهبية التي تدخل في صميم العبادة!، وتلبية أوامره بحكم أنه ولي الأمر الواجب إتباعه وعدم مناقشته فيما يرتئيه أو محاسبته كونه الأعلم في الحياة الدنيا، الأمر الذي يصب في النهاية بمصلحة رجال الدين الذين أصبحت لهم حسابات مصرفية عملاقة تضاهي ميزانية بعض الدول جمعوها مما يتقاضونه من أتباعهم من إحدى الواجبات الدينية المسماة بالخمس، ومن جانب آخر فإن المخابرات الإيرانية مسيطرة على هذه الدائرة الضيقة، إذ يخضع إختيار المرجع الديني الأعلى اللاحق لسياسة النص والتعيين من قبل المرجع الديني الأعلى الحالي، والتي تخضع لتوجيهات المخابرات الإيرانية في كل الأحوال، وهي سياسة جعلت المراجع من غير العرب ومسيطر عليها من قبل إيران منذ زمن بعيد، فقد إحتلت العنصرية القومية والولاء لإيران المكان الأول في الإختيار والتعيين بغض النظر عن مؤهلاته أو أعلميته كما يجب أن يمتاز بالمرجع الديني الأعلى.
مظلومية الشيعة في العراق ودعم أجهزة المخابرات لها عمل ما يسمى بالمعارضة العراقية في الخارج بجهد، تحت شعار مظلومية الشيعة في العراق، ليثيروا الرأي العام العالمي من خلال ندوات ومؤتمرات وكتابة مقالات في الصحف والإنترنت لتعلو صيحات الغارقين في المشروع الطائفي وصرخاتهم في فضاء العالم الرحب، مدعومين من قبل الـ CIA و M16 و المخابرات الإيرانية بصورة مباشرة(بالإضافة إلى دعم وتعاون خاص من الموساد الإسرائيلي وحكومة الكويت)، حيث كانت للمخابرات الأميركية وجهة نظر بهذا الموضوع تدخل في مشروع الحرب المستقبلية المزمع شنها على العراق وهذا الأمر يثير الكيان الإسرائيلي ويدفع باتجاهه منذ زمن كان العراق يمثل الخطر الحقيقي عليه. كذلك الكويتيون الذين يرغبون بالتخلص من عراق يرعبهم. لقد دعمت الولايات المتحدة هذا المشروع الطائفي المتبنى من قبل إيران لأسباب سياسية تخص منطقة الخليج العربي، أما المخابرات الإيرانية فإن هذا الشعار يدعم مشروعها الطائفي ومحاولة لإثارة حماس المواطن العراقي الشيعي لدعمه والتعاطف معه، ورغم محدودية المعلومات الحاصل عليها المواطن العراقي عن هذه المؤتمرات والندوات الداعمة للشعار الطائفي، إلا أن ذلك لم يمنع من تسلل الأخبار إلى داخل العراق بصورة سريعة وكبيرة وفي بعض الأحيان بصورة دقيقة، مما زاد من هول الحملة الطائفية وثقل كلكلها على كاهل العراق، خصوصاً وأن الشائعات التي كانت تنتشر في الشارع تتحدث عن قتل جماعي للشيعة وتطهير مذهبي تمارسه الدولة.
الحملة الإيمانية إتخذت قيادة البعث تدابير مواجهة هذا المشروع، من خلال رد الفتنة وتوعية المواطنين بصورة غير مباشرة وتفويت الفرصة على المؤججين، حيث تبنت سياسة جديدة أطلقت عليها الحملة الإيمانية، تهدف إلى تقويم الأفكار التي جاء بها المشروع الإيراني، من خلال زج موظفي الدولة والكادر البعثي بدورات دينية تثقيفية يديرها رجال دين، وفتح باب نشر بعض المطبوعات التي تحمل الأفكار المناقضة للفكر الإيراني، ودعم المؤلفين والناشرين، وفسح المجال أمام الشيعة لممارسة طقوسهم الدينية في عاشوراء داخل الحسينيات والمساجد وغض النظر عن بعض التصرفات التي كانت ممنوعة آنذاك، وتأمين الحماية لزوار العتبات المقدسة وحفظ النظام، حرصاً على عدم حدوث ما تخطط له المخابرات الإيرانية، خصوصا وإن السلطات الأمنية أفشلت الكثير من المخططات الإرهابية التي كانت تستهدف الأبرياء والمخطط لها من قبل المخابرات الإيرانية، كما ألقت القبض على خلية تابعة لحزب الدعوة كانت تخطط لوضع متفجرات بين زوار العتبات في الزيارة الشعبانية عام 1992م، وقد خصصت الدولة مبالغ مالية لإقامة الولائم في عاشوراء، أسوة بما كان يقام في هذه المناسبات، وقد طالت هذه الحملة محال بيع الخمور والنوادي الليلية، حيث تم تحديد عملها بقانون جديد يتناسب مع هذا الطرح، ومن جانب آخر ركزت الجامعات والمعاهد الحكومية على تدريس مادة الثقافة القومية لينال الطلبة جزء من حملة التوعية والتثقيف التي مارستها الدولة، وركزت الدولة بشكل كبير على بناء المساجد ودعم القديمة منها بالأثاث وزع على القائمين عليها وشملت هذه العملية الحسينيات والمقامات مع التوجه الجديد للدولة إلا أن الفتنة كانت تسري بالجسد العراقي كالسرطان، وبدأ حزب الدعوة بتشكيل تنظيم خيطي جديد للشباب داخل العراق ألقي القبض على عدد كبير منه حتى نهاية عام 1999م.
الهجوم أفضل وسيلة للدفاع إتخذت المخابرات العراقية التدابير اللازمة لتبني الموضوع والتصدي لهذا المشروع الطائفي منذ البداية، ومن خلال دراسة مكثفة للوضع وتقييم للواقع، فقد توصل جهاز المخابرات القديمة إلى أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، وقد تم وضع الإمكانات المتاحة والمطلوبة لتنفيذ خطة الدفاع والتصدي لهذه الحرب الديماغوجية التي باتت تشغل الكيان العراقي أكثر من أي شيء آخر، حيث أنها بدأت تصدع الرابط الإجتماعي داخل العراق وتثير الرأي العام العالمي وتسيره بإتجاه المصالح الإيرانية وعملائها، وكان على رجال المخابرات أن يضعوا نصب أعينهم حجم هذه الحرب العدوانية وأن يحسبوا حساب أدق تفاصيلها، ليتسنى لهم العمل وفق إستراتيجية دقيقة غير قابلة للخطأ في أي جانب من جوانبها، خصوصاً وأن العمل يتشعب بعدة إتجاهات مختلفة، وحسب ما تقتضيه وسيلة الدفاع القومي التي تبناها ووضع قواعدها رجال من المخابرات متمرسين ومحترفين في شؤون الأمن القومي والوطني للبلد.
إختراق العدو والحصول على المعلومات أن عملية الحصول على المعلومات من مصدرها لم يكن بالأمر الهين، لكن مع جهاز مخابرات محترف كجهاز المخابرات العراقية لديه منازلات عديدة مع الجانب الإيراني وهو الخطر الأكبر لقربه من العراق، فإن الوصول إلى مصدر المعلومات لم يشكل عائق أمام تنفيذ الإستراتيجية الموضوعة من قبل الجهاز، خاصة وأن إيران تتعامل مع العديد من الدوائر في هذا القطاع الهام في الدولة العراقية، كالشعبة الإيرانية والتجسس .....الخ، ورغم أن رأس الفتنة وقائدها العميل محمد باقر الحكيم كان يختفي داخل قلعة محصنة في إيران، وتحيط به المخابرات الإيرانية وتحرسه عناصر الحرس الثوري الإيراني وقوات بدر، إلا أن ذلك لم يمنع من اختراق جهاز المخابرات العراقية للحلقة الضيقة التي تحيط به وزرع أحد عملائها الذي زودها بالكثير من المعلومات والبيانات الهامة التي لها صلة مباشرة بإحداث الفتنة داخل العراق ونشاطات عملائهم وتحركاتهم وعملياتهم التخريبية. ومع أن محمد باقر الحكيم لم يكن سوى دمية ينفذ أوامر تصله من مرؤوسيه في المخابرات الإيرانية، إلا أن أغلب المعلومات كان على جانب كبير من الأهمية تصل إلى جهاز المخابرات العراقية حال ورودها إلى محمد باقر الحكيم، ويتم تحليلها ودراستها بعناية ويتخذ ما يلزم بخصوصها بفترة قياسية، رغم أن بعض المعلومات الواردة منقوصة وغير كاملة مما جعل بعض الدراسات تعتمد بشكل أساس على التخمين والإستنتاج.
تحجيم القاعدة الشعبية للمعارضة تحتاج الأطراف المعارضة إلى قاعدة شعبية كبيرة كركيزة تدعمها وتمنحها الثقة وتعكس صورتها، وبالنسبة لما يسمى بالمعارضة العراقية الإسلامية في إيران فأنها تستمد قاعدتها الشعبية من مجموعة العراقيين اللاجئين في إيران، والمتعاطفين مع الفكر الإسلامي المتطرف الذي تبنته أفكارهم، مما جعل تفتيت هذه القاعدة وتحجيمها من أولويات المنازلة التي سيعمل عليها جهاز المخابرات العراقية، وعليه فإن أفضل طريقة لتحجيم القاعدة هي تسهيل عملية خروج اللاجئين من إيران، التي ستمنحهم في نفس الوقت متنفس لفضح حقيقة ما كان يدور داخل إيران وعملائها أمام المخدوعين بأصوات عملاء إيران، أي فضح حقيقة ما يسمى بالمعارضة عن طريق قاعدتها، وعلى هذا الأساس تم تقسيم اللاجئين إلى ثلاث فئات تعتمد على رغبة الفرد بالخروج من إيران، فالفئة الأولى ضمت الجماعات القريبة من الرؤوس الكبيرة والتي تفضل البقاء في إيران، أما الفئة الثانية فهي مجموعة العراقيين الراغبين بالخروج من إيران دون العودة للعراق، والفئة الثالثة هي التي ترغب بالعودة للعراق مع ضمانات بعدم ملاحقتهم من قبل سلطات البعث، مع منح عفو عام عن الراغبين بالعودة للعراق مع ضمانات تحفز الكثيرين للعودة، ولضمان عدم تحرك الجانب الإيراني وعملائه باتجاه العائدين ومنعهم من دخول الأراضي العراقية، سربت المخابرات العراقية معلومات إلى الجانب الإيراني مفادها أن السلطات العراقية ستلاحق العائدين وتضعهم تحت طائلة القانون، الأمر الذي تراقص له الإيرانيون وعملائهم كونه يصب بمصلحتهم من عدة جوانب، كالإستفادة من الحدث للتباكي وتحريك الرأي العام، فهم يتصيدون بالماء العكر وكما يقال(مصائب قوم عند قوم فوائد)، كذلك لزعزعة الثقة بقيادة البعث، الأمر بالنهاية سهل تدفق العائدين دون ممانعة من الجانب الإيراني وعملائهم، وقد حصل العائدون على ضمانات عدم ملاحقة سلطات البعث لهم، أما مجموعة الراغبين بالخروج من إيران دون العودة للعراق فأكثر، وقد عمل جهاز المخابرات العراقية بصورة غير مباشرة على تهيئة الظروف والمستلزمات الممكنة لتسهيل خروجهم من إيران، من خلال دعم لوجستي كامل لا تظهر فيه أي بصمة للمخابرات العراقية، كتسهيل مرور جزء منهم إلى منطقة كردستان العراق وتوفير ودعم المهربين، دعم وتسهيل عمليات نقل جزء آخر إلى الأراضي التركية أو عن طريق البحر باتجاه الكويت، كما حصل بعض اللاجئين على جوازات سفر مزورة مختلفة الجنسيات عبر وسطاء يعملون مع المخابرات العراقية لتمنحهم حرية التحرك والتنقل عن طريق البوابات الحدودية في إيران، وقد حفزت المخابرات العراقية بصورة غير مباشرة المنظمات الإنسانية كالصليب الأحمر بتسجيل الخارجين من إيران لضمان عدم إعادتهم من قبل سلطات الدول المستضيفة، وقد أوعزت المخابرات الإيرانية لعملائها بالتحرك لوقف هذه العمليات وإعادة الفارين من الدول المجاورة. وهناك أمر آخر كان يدفع العميل محمد باقر الحكيم وأعوانه للتمسك باللاجئين هي المساعدات الضخمة التي تمنح لهم ويقوم بالإستيلاء عليها، وتقلصت مع تقلص عدد اللاجئين.
التحرك بإتجاه الفئة المؤيدة المجموعة العاملة بالمشروع الإيراني الطائفي من العراقيين داخل إيران وخارجها، تم تقسيمهم إلى فئتين (متعاطفين، ومتواطئين)، فالفئة الأولى المتطرفون والمؤيدون للفكر الجديد والجادون في تبنيه ونشره، أما المتواطئون فهم غير مستسلمين له أو حتى مقتنعين به، بل أن دافعهم الرئيس هو المردود المادي الذي يحصلون عليه نتيجة تواطئهم والوعود التي تنبئهم بمستقبل زاهر فيما لو تحقق المبتغى، وهذه الفئة أثارت المخابرات العراقية فدرست إمكانية إحتوائها، وقد تم التحرك بإتجاهها وإحتواء عدد منها وتم منحها الأموال التي أودعت في حسابات مصرفية لها في بيروت وعمان وبريطانيا ...الخ، وقد تلقى البعض الآخر القطوعات النفطية كجزء من أتعابه، لا لغرض إسكاته أو لإحتوائه أو الإستفادة من المعلومات التي قدمها كما فهم بل لغرض تكبيلهم بصفة متعاونين مع المخابرات العراقية وفضحهم عند اللزوم لزرع الفرقة بينهم وزعزعة الثقة، ومن أهم اللقاءات التي حدثت كانت في فرنسا، فقد تم التعامل مع أحد الأعضاء البارزين في التيار الإسلامي المعارض في إيران(وهو حاليا من كبار المسؤولين في ما يسمى الحكومة العراقية الحالية)، وكذلك تم التعامل مع عدد كان يقيم في بريطانيا والنروج وهولندا والسويد و الدنمارك وسوريا ولبنان وقد حصلوا جميعهم على منح مالية أودعت في حساباتهم، أما المتخذين من إيران مقرا لهم، فقد تم التواصل معهم عبر الوسطاء وحصل اللقاء لأغلبهم خارج إيران ليكونوا بمأمن من أنظار المخابرات الإيرانية، وقد تم احتواء أعضاء بارزين في المجلس الأعلى وحزب الدعوة وحركة الدعوة الإسلامية وحزب الله(يشغلون اليوم مناصب في الحكومة والبرلمان) وأحد أبرز الذين تعامل مع جهاز المخابرات العراقية تم اللقاء معه في إحدى نوادي شارع الحمراء الليلية في بيروت، وأنتقل مع أحد ضباط المخابرات العراقية إلى ديار بكر في تركيا، بجواز سفر بريطاني، وحدث اللقاء في Save haws التابع للمخابرات العراقية، وقد زود المخابرات العراقية بمعلومات على مدى طويل. وكان لكل واحد من هؤلاء المتعاونين ضابط ارتباط يكون مسؤولا عنه، ويتم الإتصال بينهما عن طريق قنوات سرية، والمعلومات التي حصل عليها جهاز المخابرات من الذين تعاونوا معه كانت على جانب كبير من الأهمية لكنها لم تكن نقية، كون المصدر كان حذر من نقل أدق التفاصيل خوفاً من كشف أمره، وقد تم تصفية بعض هؤلاء المتعاونين من قبل المخابرات الإيرانية بعد انكشاف أمرهم.
توسيع الدعم لعرب الأحواز وأكراد إيران وإشغال الكويتيين كان جهاز المخابرات العراقية يتحين الفرص لإشغال الجهات المعادية بمشاكل داخلية، يستخدمها كوسيلة ضغط في الوقت المحدد، وبالنسبة للكويتيين كان دعمهم ماديا أكثر مما هو مخابراتيا لما يسمى بالمعارضة العراقية المتورطين في المؤامرة الإيرانية، وقد وضعت المخابرات العراقية الكويتيين أمام أزمتين داخليتين، وهي غض النظر عن المهربين وعدم ملاحقتهم، وإثارة مسألة البدون ودعمهم. أما ما يخص إيران فإن توسيع الدعم لمعارضيها في الداخل والخارج شكل أزمة داخلية خصوصاً وأنها شملت جميع الأطراف المعارضة العرب منهم والكورد، بالإضافة إلى فتح الباب على مصراعيه أمام منظمة مجاهدي خلق لمزاولة نشاطها داخل الأراضي الإيرانية. ومن المؤكد أن هذه العمليات لم تحد من نشاط الدول المعادية إلا أنها شكلت ضغطاً على مخابراتها.
إحتواء مرجعية النجف وتعريب الحوزة العلمية كانت المرجعية الدينية في النجف يغلفها التحزب القومي، وتسيطر عليها المخابرات الإيرانية، ويعتمد صعود رجل الدين إلى منصة القيادة الدينية بشكل أساس على الإختيار والتعيين بغض النظر عن مدى أعلميته، وهذا ما جعل المسألة خاضعة للإحتواء العرقي والسيطرة من قبل قومية واحدة، وهذه المسألة بحد ذاتها مؤشر خطير على إبعاد المراجع من الأصول العربية، وقد كانت للمخابرات الإيرانية خطوة جريئة يقدمون عليها لتصفية المراجع ليضربوا عصفورين بحجر واحد، وهو توجه المقلدين نحو إيران للتقليد الديني بعد إفراغ الساحة منهم، وزرع فتنة قد تحدث تحرك شعبي كبير بإتجاه الدولة بعد أن يوهموا بأن الفاعل هو المخابرات العراقية، لكن الأخيرة اكتشفت هذه المؤامرة وألقت القبض على شبكة كانت تعمل على تنفيذ المخطط واتخذت الدولة العراقية التدابير اللازمة لحماية المراجع الموالين أصلا إلى إيران رغم نوايا الفرس الخبيثة، لتفويت الفرصة على إيران. كانت المخابرات العراقية تدرس إمكانية إحتواء المرجعية الشيعية ووضعها تحت الغطاء الوطني وإيجاد الرجل المناسب الذي يكون ولائه للوطن أكثر مما هو للمذهب، وينهض بالمدرسة الدينية في النجف ويحررها من السيطرة الإيرانية وجعلها عربية اللغة والمفهوم والرسالة، وقد تبين أن هذه الأمور تحتاج إلى رجل دين عربي عراقي موال للوطن يقرب من المذاهب ويعمل على رد الفكر الطائفي الإيراني إلى نحره ويقلب السحر على الساحر، وقد تجسدت هذه الأفكار بشخصية رجل الدين محمد محمد صادق الصدر الذي تصدر المرجعية الدينية في النجف عن إستحقاق كمرجع ديني عربي عراقي يعود تاريخ أسرته إلى بداية تأسيس الدولة العراقية. لهذا الرجل مقدرة هائلة على سحب البساط من تحت أقدام المراجع الموالين لإيران، رغم أنه قريب لمؤسس حزب الدعوة في العراق محمد باقر الصدر الذي أعدم بتهمة الخيانة والتعامل مع إيران مع شقيقته(آمنة) في نيسان 1980م، إلا أن ذلك لم يمنع الدولة العراقية من أن تضع ثقتها في قريبه محمد محمد صادق الصدر الذي منح دعم غير محدود من الدولة.
محمد باقر الصدر
دور محمد محمد صادق الصدر برد الفتنة إستطاع هذا الرجل شق طريقه بسرعة كبيرة ليتربع على عرش المرجعية الدينية الشيعية ويصنع له شعبية قل نظيرها رغم ما جوبه به من تحزب مناهض من قبل جماعة رجل إيران الكبير علي حسين السيستاني(مرجع ديني إيراني الأصل يحمل الجنسية الإيرانية مقيم في العراق قبل مولد قيادته يرفض الجنسية العراقية التي يستحقها قانونا)، وقد منح محمد محمد صادق الصدر مقلديه فكر جديد جوبه بإنتقادات لاذعة من قبل منافسيه، وحقق لأتباعه ما عجزت عنه باقي المراجع كإقامة صلاة الجمعة التي كانت محرمة على الشيعة حسب رؤية مراجعهم بعدم إكتمال أركان إقامتها لعدم وجود الحاكم العادل (بالإشارة إلى صدام وحزبه البعث)!. وهذه إحدى البدع التي يحاولون من خلالها شق الصف وتشويه صورة صدام وحزبه. كما عمل رجل الدين محمد محمد صادق الصدر على التقريب بين السنة والشيعة من خلال حثه على إقامة الصلاة خلف السنة والعمل بالعكس، وكان لهذه المبادرة الجبارة أثر واضح على المشروع الطائفي الإيراني وتفتيت سننه الحادة الممزقة للوحدة العراقية بوجه خاص والإسلامية بوجه عام. بالمقابل منح مقلديه الثقة وأصبح أتباعه لهم ثقلهم في الشارع الشيعي ولهم فكرهم الخاص الجديد الذي أزهق روح المؤامرة الإيرانية وعملائها، وكان نفسهم هذا لم يناسب الطرح الطائفي المرسوم من المخابرات الإيرانية المدعوم غربياً، خصوصاً وأن أفكار رجل الدين الجديد على ساحة المرجعية قد أخذت طريقها نحو الإنتشار بشكل واسع شملت حتى داخل إيران نفسها عن طريق كتبه ومنشوراته وتسجيلاته الصوتية. إن هذا الرجل صنع معجزة لم تعجب الكثيرين!.
سياسة رجل الدين محمد محمد صادق الصدر لم يكن من السهل أن يجد رجل الدين محمد محمد صادق الصدر طريقة وسط الكتل المتآمرة على الدولة والمدعومة من إيران، إلا أن السياسة التي أتبعها كانت مجدية إذ سهل مفهوم الدين ونزل إلى مستوى غير المتعلمين لتنويرهم بالفكر الديني المخالف للفكر السياسي الديني الإيراني المطروح في الشارع الشيعي وخاطب أتباعه بخطاب جديد مفهوم لديهم ينبع من قاعدة يشترك فيها مع أتباعه ألا وهي إنتمائهم للقومية العربية والجنسية العراقية. ومن مزايا ما قام به هذا الرجل الروحي هو مخاطبة أتباعه وجها لوجه خلافا للسيستاني دون أن يكون هناك وسيط أو وكيل ينقل أفكاره ويكون حاجزاً بينه وبين مرديه، وهذه الحالة أختلف بها مع باقي المراجع التي لم ير صورهم الكثير من أتباعهم، وشملت فلسفته الدينية المرونة في واجبات الدين والتخلي عن التعصب الديني من خلال تبني فكرة لا يكلف الله نفسا إلا وسعها!. فقد طرح مفهوم إعمل على قدر ما تستطيع!!(ومن ذلك جاءت نظرية"إبن عابدين": جواز التدخين أثناء الصوم المطروحة في شهر رمضان 1428هـ)، وكثير من الأفكار الجديدة التي طرحها هذا الرجل الروحي ليعطي مفهوماً واضحا وبسيطاً عن الدين لكل شرائح المجتمع، وبالتالي فإن ما طرحه وجد من يتلقاه. على هذا الأساس إستطاع أن يسحب البساط من تحت أقدام منافسيه المدعومين من إيران، خصوصاً وأن أفكاره وجدت ضالتها بشارع متعطش لمثل هذه الخطوات الجريئة التي أقدم عليها وخالف بها مرجعية سياسية تنفذ الأوامر أكثر مما هي دينية، وقد قرب بين المذاهب التي طالما حرمت من قبل غيره.
دعم الدولة لرجل الدين الجديد لقد وجدت المخابرات العراقية ضالتها بهذا الرجل الديني القادر على تحريك الشارع الشيعي بوجه التآمر الإيراني، وكان لابد من دعمه بشتى الطرق ليصل إلى مقدمة ركب المرجعية الشيعية في النجف، وقد عملت الدولة على منحه الحرية الكاملة في التصرف، وتذليل جميع العقبات التي تحول دون تقدمه، بما في ذلك التركيز على إقامة صلاة الجمعة وتسهيل وتنظيم ودعم مراسم عاشوراء وما يتبعها، وتزويده بالمعلومات التي يحتاجها لمواجهة المتصدين له، وقد نالت أفكاره دعماً كبيراً من لدو الدولة وترويجها من خلال توسيع منافذ النشر والتوزيع لمؤلفاته حتى أحرزت المخابرات العراقية نجاحاً كبيراً في توزيعها داخل إيران نفسها، ودعمت أيضاً المدرسة الدينية(الحوزة العلمية الناطقة!) التي يقودها محمد محمد صادق الصدر وإعفاء طلابه من الخدمة العسكرية، الأمر الذي زاد من عدد المتقدمين إليها، فضلا عن توجيه شيوخ عشائر العراق الشيعية إلى منح الخمس إلى هذا المرجع حصرا دون غيره. ومع صعود هذا الرجل والدعم الذي بات يشكل خطراً حقيقياً على المشروع الإيراني الذي تدعمه المخابرات الغربية، أفصحت المخابرات العراقية له عن تخوفها من قيام أعداء العراق بالتخلص منه كونه أصبح الشوكة التي تؤرقهم، ولمح هو بدوره لأتباعه بأن موته سيفرح أميركا وإسرائيل.
موقف محمد محمد باقر الصدر من باقي المراجع أن الدعم الكبير الذي حصل عليه السيد الصدر من الدولة، وإطلاعه على خفايا مخططات المخابرات الإيرانية والغربية المعادية للعراق، جعله يعمل بإندفاع كبير كان أوله إرسال مبعوث لرجال دين لهم ثقلهم بالنجف كالسيستاني والنجفي والفياض(مقيمين في العراق لا يحملون الجنسية العراقية) يطلب منهم مغادرة العراق بأسرع وقت ممكن، مما جعلهم يستنجدون بقيادة البعث لحمايتهم وتمديد إقامتهم في العراق، وحصل هذا عن طريق تقديم طلبات معنونة إلى صدام، الذي أمن لهم إقامتهم رغم أنهم جزء من المخطط الطائفي الذي توغل في العراق. كانت فكرة الصدر تنحصر بتوليه مهام المرجع الديني الوحيد الموجود في العراق بعد إفراغ الساحة من المتواطئين مع الفكر الطائفي الجديد، لكن كانت للمخابرات العراقية نظرة مخالفة بهذا الشأن.
أثر ظهور المرجع الجديد ترك ظهور المرجع الجديد أثرا واضحاً في الشارع العراقي، فقد تباينت آراء ومواقف العراقيين بين مؤيد له ومقلد لفكره، وبين معارض له ومنافس لتياره الجديد الذي وقف بوجه الفتنة، وقد بدأت تنمو خلافات شيعية – شيعية، بررت عهد الصدر– الحكيم(الوطني) المطروح(في شهر رمضان 1428هـ) فيما يخص أعلمية(الصدر الأب) وإقتداره على قيادة الحوزة العلمية وإمكانياته في قيادة المرجعية، وتحدث البعض عن صلاته بالمخابرات العراقية والدعم الذي تلقاه من الدولة لتحجيم دوره الفعال في جذب الإنتباه نحوه وتوجيه السهم الطائفي لصدر مطلقيه، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على نجاح رجل الدين محمد محمد صادق الصدر في مسعاه.
الموقف الإيراني والغربي من محمد محمد صادق الصدر لم يكن ظهور رجل الدين محمد محمد صادق الصدر في الوسط الشيعي يخدم مصالح أجهزة المخابرات الداعمة للمخطط التآمري خصوصاً المخابرات الإيرانية، وقد بات وجوده يهدد مشروعها الطائفي ويحجم وجود رجل إيران المتواطئ علي السيستاني، وقد حاولت تلك الأجهزة أن تنال من هذا الرجل من خلال شن هجمات عن طريق أتباعها للتشكيك في أعلميته وقدرته الدينية، ومن جانب آخر بحثت أجهزة المخابرات المعادية عن ثغرات وردت في مؤلفاته تخالف مفهوم المذهب الجعفري الفقهي لإثبات عدم أهليته كمرجع معتمد، وقد قام أحد رجال الدين المسمى حسن الكوفي(أحد المقربين من السيستاني ومتواطئ مع المخابرات الإيرانية) بمحاولات عديدة لجر الصدر إلى مناظرة علنية يثبت من خلالها عدم كفاءة الأخير، إلا أن كل تلك المحاولات بالتنكيل قد ذهبت أدراج الرياح وواصل الصدر مسيرته بدعم كامل من قبل الدولة العراقية، مما جعل أمر اغتياله من أولويات ما ستفعله المخابرات الإيرانية بمساعدة عملائهم.
وفد يحمل رسالة إلى السيد الصدر بعد مواقف هذا الرجل من الفتنة الطائفية، والعمل على تحجيمها، مؤازراً بذلك وطنه وحكومته بدافع وطني، فقد أرسل رئيس الجمهورية وفداً مؤلفاً من وزير الأوقاف ومحافظ النجف ومدير مرور المحافظة ومسؤول تنظيمات الفرات لحزب البعث وأمين سر فرع الحزب في النجف يرافقهم ضابط في المخابرات العراقية، يحملون رسالة من رئيس الجمهورية يثني بمواقفه الوطنية تجاه الفتنة الطائفية وتعزيز دور الدولة في النهوض بالحوزة العلمية من جديد، وقد طلب السيد الصدر حينها تخصيص مبلغ مالي لتشييد وبناء الحوزة العلمية بكافة فروعها من سكن للطلاب ومركز صحي ومكتبات ويشمل هذا تطوير المنهج التدريسي بتخصيص الحاسبات وكافة المستلزمات للقيام بحوزة متقدمة ومتطورة، وقد حضر اللقاء مع السيد محمد محمد صادق الصدر كل من أولاده الثلاث(مصطفى، مؤمل، والفتى مقتدى)، وقد كانت المقابلة في ديوان عربي إنتقل بعدها إلى ديوان آخر فيه مقاعد.
المخابرات الإيرانية تقيم الوضع الجديد بعد أن تمكنت المخابرات العراقية من إيجاد السلاح الفتاك الذي يردع المشروع الإيراني الطائفي أصبح من الصعب على المخابرات الإيرانية النهوض بمشروعها من جديد خصوصاً بوجود السيد الصدر في ساحة المرجعية وهو يتمتع بشعبية كبيرة ودعم حكومي، رغم محاولات تحجيم دور السيد الصدر من قبل إيران وعملائها والتشكيك بمكانته العلمية إلا أن ذلك لم يترك أثرا واضحا في نفوس مريديه أو حتى في الشارع الشيعي. لهذا فبقاء الصدر قد يؤدي إلى إنتحار كامل للمشروع الطائفي، وعلى هذا الأساس تم تشكيل لجنة داخل المخابرات الإيرانية برئاسة ضابط كبير في المخابرات الإيرانية(عمل سنوات عدة في السافاك) لدراسة المستجدات وتقييم الوضع ورفع التوصيات لإتخاذ ما يلزم، وقد رفعت هذه اللجنة توصيات تتلخص باغتيال السيد الصدر وتغيير المخططات الطائفية بشكل يضمن كسب مقلدي الصدر وأتباعه لجانبهم وإدخالهم في أجندتهم الجديدة.
إغتيال محمد محمد صادق الصدر إتخذت المخابرات الإيرانية القرار بالتخلص من السيد الصدر بترحيب ومباركة من المخابرات الغربية، وقد وضعت جميع التدابير اللازمة لتنفيذ المهمة التي أسندت إلى مجموعة من عناصر ينتمون لقوات بدر التي يرأسها محمد باقر الحكيم، تلقوا تدريبهم على يد المخابرات الإيرانية داخل معسكرات الحرس الثوري الإيراني، وقد تم دعمهم لوجستياً حيث عبروا الحدود العراقية عن طريق منافذ الأهوار على شكل مجموعات إستقرت أولا في محافظة ذي قار، ثم توجهت إلى النجف بعد أن وفر لهم حسن الكوفي(رجل دين يعمل لحساب المخابرات الإيرانية) المكان الآمن، وبعد مراقبة دقيقة للوضع ودراسة لكافة الإحتمالات تم تجهيز المجموعة بالأسلحة الرشاشة والمسدسات التي كانت مخفية بإحدى سراديب مقبرة النجف وشراء السيارات اللازمة لتنفيذ المهمة وتوزيع المهام كما مخطط ومدربين عليها و تفرقوا إلى ثلاث فرق تقوم مجموعتان منها بالمساندة فيما الثالثة تقوم بالتنفيذ، وقد تم تنفيذ العملية كما خطط لها وذهب ضحيتها رجل الدين محمد محمد صادق الصدر وولديه مؤمل ومصطفى الذين كانا رفقته بسيارتهم الخاصة بطريقهم إلى منزلهم.
ما بعد الإغتيال تشكلت لجنة للتحقيق بقضية الإغتيال وتوصلت إلى كشف كافة الملابسات التي أدت في النهاية إلى القبض على المنفذين ومعهم حسن الكوفي وأصبحوا تحت طائلة القانون، وقد كانت المؤشرات واضحة منذ البداية بضلوع المخابرات الإيرانية في مؤامرة الإغتيال، خصوصاً لأتباع رجل الدين الصدر إلى درجة أن بعض مجالس العزاء التي أقيمت في إيران طرد من أحدها محمد باقر الحكيم(زعيم أكبر تجمع يتعامل مع المخابرات الإيرانية وينفذ أوامرها) وضرب بالأحذية والحجارة من قبل أتباع الصدر، وكان من المفروض أن تكون الطريق مفتوحة أمام عودة المشروع الطائفي من جديد إلا أن ذاك أصبح مستحيلا، خصوصاً أن إيران أصبحت مكشوفة أمام أتباع الصدر، الأمر الذي حسب له من الجانب الإيراني وعلى هذا الأساس فإن المخابرات الإيرانية وعملائها أعدوا العدة لما بعد إغتيال الصدر ليضربوا عصفورين بحجر واحد، أولا: توجيه أصابع الإتهام إلى المخابرات العراقية من خلال ردة فعل تصدر من بعض أتباع الصدر تجاه الدولة كانت المخابرات الإيرانية قد جهزت له قبل التنفيذ، وثانيا: إستغلال الحدث ودمجه بالمشروع الطائفي بإعتماد أتباع الصدر وضمهم إلى صفهم، كما أوصت اللجنة المشكلة داخل المخابرات الإيرانية.
التحرك الإيراني وأحداث 17 آذار 1991م قبل تنفيذ عملية الإغتيال جندت المخابرات الإيرانية مجموعة من أتباع رجل الدين الصدر والمتواجدين أصلاً في إيران للقيام بعمل لاحق، وكذلك سربت معلومات مفادها أن المخابرات العراقية على وشك وضع مخطط للتخلص من السيد الصدر، وبعد تنفيذ الإغتيال أناطت بثلاث شخصيات دينية في مدينة البصرة كان أحدهم وكيلا سرياً لمديرية أمن البصرة يدعى"عبد الستار البهادلي" والثاني يدعى"صالح الجيزاني" أما الثالث فهو"أحمد المالكي" مهمة التحشيد الشعبي لأخذ ثأر رجل الدين الصدر وذلك من خلال مهاجمة مؤسسات الدولة في مدينة البصرة والتي حددتها لهم المخابرات الإيرانية حسب خطة مرسومة سابقاً، وقد وضعت المخابرات الإيرانية الخطة بشكل لا يؤثر سلباً على الدولة العراقية ويسمح بالنتيجة للسلطات العراقية بإعتقال المهاجمين، وذلك من خلال تسريب معلومات أولية للمخابرات العراقية عن موعد حدوث أعمال شغب حدد موعدها بثلاث أيام قبل ساعة الصفر، وإناطة المهمة برجال دين غير مؤتمنين من قبل المخابرات الإيرانية فهم على علم مسبق بإرتباط عبد الستار البهادلي بمديرية الأمن، والذي قام بدوره بنقل كافة المعلومات إلى ضابط إرتباطه (ولمحاولة التمويه سجن لمدة ستة أشهر)، كذلك حددت المخابرات الإيرانية الأهداف للمهاجمين بالإعتماد على ضيق المكان وصعوبة إنسحاب المهاجمين بعد تنفيذ العملية أو عند محاصرتهم، والنتيجة كانت كما خططت لها المخابرات الإيرانية، إعتقال معظم المنفذين والمتورطين بأحداث ليلة 17-18 آذار 1991م التي بدأت في الساعة 11 ليلا بتوقيت البصرة وانتهت في الساعة 2 فجرا لآخر مهاجم بقي صامداً، وقد حققت إيران بذلك هدفها على حساب الذين جندتهم، فقد استغلت الحدث كثورة عارمة ضد(النظام) راح ضحيته مئات من العراقيين خدمة للماكنة الإعلامية لعملائهم المدعين المعارضة، وتوجيه أصابع الإتهام لمقتل الصدر إلى الدولة من خلال ذوي الضحايا الذين جندتهم المخابرات الإيرانية لأحداث 17 آذار، وبالتالي اتجاه الأنظار نحو المخابرات العراقية كجهة منفذة لإغتيال الصدر.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |