رغم عدم أيماني بمثل هذه المسميات وابتعادي عنها إلا أنها تفرض نفسها فيما نتناول من أحداث لذلك نتطرق إليها على مضض وأستيحاء،وأعتذر مقدما عن انزلاقي إلى هذا المستنقع، فقد طفت على السطح الكثير من المسميات البغيضة، وكان لها دورها في تدجين العقول،وتحريك المشاعر، لأهداف بعيدة لا علاقة لها فيما يدعون إليه من أفكار،فبعد انحسار المد القومي البغيض بما حمل في طياته من فكر شوفوني مقيت،وخلاص العالم من التوجهات القومية الرامية إلى إذابة الآخرين وإنهاء وجودهم،وما فعلته الأنظمة القومية من أعمال قتل وانتهاك في عالمنا العربي،وبعد أن أفل نجم الفكر القومي، وأنحسر  تأثيره عن الشعوب،تفتقت أذهان المتصيدين في الماء العكر،على المذهبية والطائفية والدين،فكان للمد الديني انتشاره السريع الذي جلب الكوارث بما يخفي في طياته من تعامل مع المشاعر والأحاسيس للكثير من الناس،وما يهدف إليه من إلغاء للعقل والوعي،فكان يحمل في جيناته أبشع أساليب القتل التي زادت في قسوتها  على كل ما مارسه الطغاة عبر التاريخ،فكان القتل والإبادة الجماعية تحت مسميات دينية، بعيدة في أفكارها وتصوراتها عن جوهر الأديان،وأخذ بالامتداد ليصل إلى أماكن بعيدة عنه وعن تصوراته ومثله، وأصبح مصدر قلق للإنسانية جمعاء،وكان لدعاة القومية وجلهم من نهازي الفرص - الذين  يختبؤن خلف أي واجهة لإدامة وجودهم-أن ارتدوا الزى الجديد،وغيروا من واجهاتهم العقائدية ليكونوا في مقدمة اللاهثين وراء نشر الفكر الديني الجديد،فأصبح للكثير من الدول واجهاتها المؤطرة بأطر دينية،وهي في  حقيقتها لا تمثل أي شكل من أشكال الدين،ولإدامة الصراع وإعطائه أبعاد أكثر خطورة،تفتق عقلهم عن مسميات جديدة، أخذت أطرها العقائدية وتتصدر واجهة الأحداث،وما يعنينا من اللبوس الجديد ما تخندق خلفه النظام السوري،الذي أتخذ مواقف جديدة لا تتناسب والفكر القومي الذي يدعيه، فكان لسوريا توجهاتها الدينية والطائفية،فارتدت لبوس الدين في تحالفها مع إيران في الحرب العراقية الإيرانية، لتحكم الأقلية النصيرية فيها والتي تدعي التشيع المتطرف المغالي الذي يرفضه أكثر الشيعة،ودخلت الحرب  تحت واجهة العداء للبعث العراقي الذي لا يختلف في جوهره عن بعثها في دمويته واستبداده، وأخذت جانب المعارضة العراقية التي اتخذت من سوريا ملاذا لها، لتعمل على إسقاط النظام ألبعثي الفاشي في العراق،وكان عدائها للعراق وراء زج قواتها المسلحة في حرب الخليج إلى جانب القوات الأمريكية والغربية تحت ذريعة تحرير الكويت،مقابل امتدادها غير المشروع في لبنان، وتثبيت احتلالها بحجة حمايته من الأعتداآت الصهيونية.

وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق،واستلام حلفاء سوريا واللاجئين إليها سابقا من المعارضة  للسلطة العراقية،كان المتوقع أن تكون سوريا من أوائل المستفيدين من هذا التحول،ولكن خشيتها من الوافد الجديد جعلها تقف في المعسكر المعادي للعراق ،فارتدت لبوس العداء لترسل المقاتلين العرب والأجانب لقتل العراقيين،وتتخلى عن فكرها القومي العروبي لترتدي اللباس الإسلامي،وتتخذ من الصراع الطائفي طريقا للتدخل في الشأن العراقي،فكانت إلى جانب العرب السنة في صراعهم مع الشيعة والكرد،رغم العلاقات المتميزة التي كانت تربطهم بأعداء اليوم،وكان ضحية تدخلاتها الشعب العراقي بمختلف طوائفه، الذي اكتوى بنار حرب ضروس أزهقت الأرواح وشردت ملايين العراقيين،بفضل التدخل السافر لدول الجوار العراقي،التي اتخذت من الوجود الأمريكي مبررا لاستباحة العراق ونهب ثرواته.

ورغم الوفود المتبادلة بين البلدين للتعاون في المجال الأمني،وإيقاف تسلل المسلحين، إلا أنها لم تغير من سياستها في هذا المجال،بل تمادت أكثر وجعلت من بلدها ملاذا للإرهابيين ورموز السلطة البعثية ومن يحمل العداء للعراق،لتكون الأراضي السورية نقطة الانطلاق في إبادة الشعب العراقي،تحت ذرائع لا علاقة للعراقيين بها،فإذا كانت سوريا تحاول محاربة أمريكا وتحرير العراق من المحتلين فما أحراها أن تحرر أراضيها من الصهاينة المجرمين،أو تتخذ خطوات واضحة في الرد على الأعتداآت الأسرائلية المتوالية على أراضيها،ولكن يبدوا أن البطولة السورية تقف ذليلة خانعة أمام العنجهية الأسرائلية،وتتحول إلى قوة خارقة في مواجهة العراقيين،وليس ذلك بغريب على حكام سوريا الذين كانوا وراء إسقاط الجمهورية الخالدة وتعاونهم مع أوباش البعث في 1963 لإسقاط حكومة عبد الكريم قاسم،وتواطئهم المخزي مع حثالات الرجعية في مؤامرة الشواف،وما قاموا به من قتل وانتهاك واستباحة للمدينة من قبل زمرهم الإرهابية التي ارتدت اللبوس القومي لمحاربة العراق.

وآخر الأدوار التي تلعبها سوريا حاليا،هي محاولة جمع شتات البعثيين وأنصارهم التكفيريين في مؤتمر بمنتجع صحارى في دمشق،شاركت فيه بعض الفصائل الإرهابية، مثل كتائب ثورة العشرين،وأنصار السنة،وغيرهم من الزمر الخبيثة التي استمرأت القتل والإبادة، وقد سبق لسوريا عقد مؤتمرات ضمت البعثيين والمتأسلمين المتطرفين،ويبدوا أن سوريا حزمت أمرها في دعم جناح الأحمد الذي يتمتع بحظوة في سوريا،حيث تشير الأنباء إلى أنه أستطاع التنسيق مع المخابرات السورية في منح أقامات وتخصيص إعانات إلى البعثيين القتلة المطلوبين للشعب العراقي،لما يمتلك من أمال طائلة سرقها من ثروات الشعب العراقي ليتمتع بها اللقطاء السوريين والعراقيين،أعداء الشعب العراقي عبر التاريخ.

أن الهدف السوري من وراء هذه التحركات هو استعراض القوة، وبيان تأثيرها الحاسم في المسألة العراقية،لابتزاز الحكومة العراقية ،والأمريكية مقابل الحصول على امتيازات اقتصادية من العراقيين، وضمان بقائهم في السلطة من الأمريكيين،وأشعار الأمريكان بأنها لاعب أساسي في العراق تستطيع التأثير على المسلحين والبعثيين،الذين لا تمانع سوريا من تسليمهم للحكومة العراقية ،مقابل صفقة، كما فعلت في العام الماضي عندما سلمت للجانب الأمريكي بعض المطلوبين، وتحاول الإيحاء لحلفائها بأنها قادرة على تغيير المسارات في العراق بما يسيء لحلفائهم التقليدين،وهذا الابتزاز السوري يستحق من العراقيين وقفة جديدة إذا عادت المياه إلى مجاريها،بأن يكيلوا للسوريين الصاع صاعين جراء مواقفهم المعادية للعراق عبر التاريخ.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com