|
في الثلاثين من تشرين الأول 1918م وقَّعت االدول الخاسرة للحرب العالمية الاولى الهدنة مع الحلفاء، في حين كان انعقاد مؤتمر فرساي في اليوم الأول من كانون الثاني 1919م باشتراك ممثلين عن جميع الدول التي قاتلت في صف الحلفاء. حيث تم اتخاذ قرارات علنية لاعادة تقسيم اوربا والشرق الاوسط ، وقرارات اخرى سرية لتلافي اسباب حدوث حرب شاملة اخرى. ومن اهم تلك القرارات السرية عدم تمكين العنصر التركي أينما وجد في الرقعة الجغرافية الممتدة من مندلي جنوبا الى القرم شمالا، ومن تتارستان شرقا الى البوسنة غربا من التحرر السياسي ، ومحاوله حبسه داخل قوقعة مظلمه، واشغاله بمشاكل مفتعله، واهدار فرص تقدمه، وحبسه جغرافيا ، واذا امكن احتلال اراضيه، وتسليم اموره الى قيادات فاشلة أو خائنة، واستنزاف طاقاته بصورة مستديمة عن طريق ادخاله في دوامات سياسية أو حروب اهلية مستمرة وذلك لمنعه من التقاط انفاسه، وعدم تركه يعيش بمفرده لكي ينغلق على نفسه فيستجمع قواه ويعيد ترتيب صفوفه ويوحد اراضيه ويستنهض افراده ويحقق معجزة اقتصادية يحمله مرة اخرى الى مقدمة صفوف الدول التي تقود العالم ويكون لها الراي والمشورة في اموره. ولقد بدأت المنظمات الدولية والمحافل السياسية الخفية التي تدير شؤون العالم في الخفاء ، والتي تنصب رؤساء وملوك الدول وتزيحهم اينما شاءت، وتخطط للانقلابات العسكرية بيضاء أم حمراء، وتدعم الانقلابين، ثم تزيحهم عن السلطة بعد ان يكملوا مهماتهم في الحاق اقصى الضرر ببلدانهم وجيرانهم، ومن يأبى الطاعة تدبر لهم حوادث سقوط الطائرات، أو تغتالهم امام كاميرات التلفزيون، أو تعلق المشانق في رقابهم في اول ايام العيد! لقد بدأت هذه المحافل كما قلنا بتطبيق تلك المقررات السرية، فعندما التفت المنتصرون في حرب التحرير التركية من الكماليين الى الوراء ليروا ماذا حل ببقية الدولة العثمانية في ولاية الموصل رأوا الانكليز وقد خرقوا بنود اتفاقية وقف الحرب التي ابقت الولاية في عهدة الامبراطورية العثمانية، وباتوا وهم (الانكليز) سادة العالم انذاك يناورون ويخادعون بضعة من العسكريين الاتراك المنهكين من حرب طويلة وقد لبسوا لباس السياسة وهم عنها بعيدون، فخدعوهم تارة بعرض السليمانية الفقيرة بالنفط عليهم دون كركوك والموصل، وتارة بتعويضهم بايرادت النفط لسنين طويلة، الا أن تحقق مرادهم بأقتطاع تلك الولاية العثمانية واحتلالها، ومن هناك بدأ تاريخ التركمان السياس في العراق يرسم ضمن مقرارات فرساي الخفية، بل وفي اقسى اشكالها. ولقد كانت اولى الخطوات تلك المحافل بعد ان (تتقنعت بقناع الدولة العراقية الوطنية) احتلال توركمن ايلي تدريجيا ، وذلك بتوطين عشائر كاملة من العرب من مناطق الدليم واسكانهم في اخصب اراضيها واحاطة القرى التركمانية بهم، ثم تشجيع تسلل القرويين الاكراد الى المدن التركمانية واحدة واحدة ، وذلك لمنع التركمان من العيش وحدهم، وبالتالي ادامة وتطوير ثقافتهم القومية عبر الاجيال، فضلا عن استغلال هولاء لكي يكونوا على دراية مفصلة بما يحدث هناك، فلا يبقى للتركمان من فرصة سانحة لاستجماع القوى، والتقاط الانفاس، والتخلص من صدمة الوقوع الى مرتبة الاقلية لدولة كانوا هم قادتها الى وقت قريب. ولقد استمرت هذه الاستراتيجية الخاصة بحبس التركمان في ديارهم توركمن ايلي وتضييق الخناق الجغرافي عليهم يوما بعد اخر، وحصرهم سياسيا في معادلة سياسية تقليدية عقيمة، الا وهي التحالف والتعاطف مع القوميين الاكراد عندما تحكم العراق سياسة قومية عربية شوفينية، والتحالف مع القوميين العرب ضد الاكراد عنما ينتقل القوميين الاكراد الى صفوف الحكم(1958-1962، 2003-؟) ، فضلا عن تشتيت القدرات التركمانية الثقافية والعسكرية وتطويقها وابعادها واغتيالها وتهجريها، وتزييف انتماتهم التركمانية أو وضعهم دائما في موضع الاتهام بالخيانة والعمالة لمنعهم من التفرغ للشؤون التركمانية السياسية والاجتماعية والثقافية، والخروج من العزلة المقيتة وتعريف أنفسهم للعراقيين وللعالم. ولقد تحقق لهم المراد فباتت المدن والقصبات التركمانية في توركمن ايلي تسقط واحدة اثر اخرى بيد الاكراد القرويين الذين خبروا اساليب اسقاط المدن واشغالها وأضفاء معالم ثقافتهم عليها ، حيث يتولى السياسيون والمثقفون منهم حياكة قصص خيالية كردستانية عن ماضي تلك المدن. ان اكبر واقسى ضربة تلقاها التركمان في توركمن ايلي كانت من البعثيين مع بداية العهد البعثي 1968 والذين تولوا تطبيق مقررات مؤتمر فرساي على التركمان، من تشتيت واعدام للقيادين من الوطنيين التركمان وتوطين مئات الالاف من العرب في كركوك بعد ان تقاسموااربيل مع الاكراد فتركت اربيل لهم مقابل كركوك. ثم بدأواحملة جديدة بممارسة الضغط النفسي على التركمان ، واشغالهم المستمر، لانتزاع المبادرة منهم، وعدم افساح المجال لهم للتعرف على تاريخيهم وتعلم لغتهم. فبدأت حملات منظمة لتغيير معالم توركمن ايلي من تغيير للاسماء التركمانية للمدن والقصبات والقرى والشوارع والازقة التركمانية الى العربية، والى ماهو معروف من ممارسات تعسفية احالت العيش في العراق على التركمان جحيما لايطاق، الى ان وصل بهم الظلم والتعسف الى اجبار التركمان على تغيير انتمائهم القومي وتغيير اسمائهم مما لايرضى به انس في ارض ولاملك في السماء . وبسقوط أواسقاط الطاغية بعد أن أكمل مهمة تحويل العراق الى كومة من التراب والدخان( كما وعد سابقا) ، وبعد ان وضع العصي في عجلة تقدم ايران الاسلامية، واحال العراقيين الى ملايين من المتسولين تطردهم تلك الدولة وتجيرهم تلك. وبعد أن فرغت الدولة العراقية من عقل وماكنة تقود أو تكمل مهمة تخريب العراق العزيز، وقتل ابناءه وتهجير عقوله، وجدت في بعض القياديين الاكراد خير الخلف لنظام صدام الدموي الشوفيني، فبادروا هولاء وقد تيقنوا بأن الدنيا دارت لهم، وابتسم حظ العراق لهم الى الهجوم أولا على توركمن ايلي ، فنصبوا الخيام، واستقدموا اكراد سوريا وتركيا اليها، فأحتلوا الملاعب والمزارع، والمتنزهات، وبدؤا بأكمال ماانتهى عنده صدام حسين من محاصرة التركمان وممارسة الضغط النفسي عليه، ومراقبة واحصاء انفاسهم، فلا تجد زقاقا تركمانيا واحدا الا وقد زرعوا فيه بيتا كرديا، ولا مقرا لحزب تركماني، في كركوك أو في بغداد أو غيره ألا وقد افتتحوا امامه مقرا لحزب او جمعية أو مركزا للاستخبارات الكردية ، لكي لايسمحوا لهم بالعمل بحرية فيستجمعوا قواهم ، فيبادروا للخروج من تلك القوقعة التي حبسوا فيها منذ قيام الدولة العراقية. أو يمارسوا من تلك المقرات الكردية اساليب استفزازية من قبيل رفع اصوات المسجلات التي تصدح بالاغاني الكردية! ولقد كتبت في ما مضى عن تفاصيل تلك المنغصات الكردية اليومية والتي تهدف الى اشغالنا افراد وقيادات في معالجة مواضيع فرعية مفتعلة تبدو تافهة في شكلها ولكنها مهمة في محتواها واهدافها، فأن اخترنا السكوت والتغاضي عنها فأن تلك الخسارات أوالتراجعات سوف تتحول انتصارات تضاف الى خانة الاكراد ضمن سياسة فرض الامر الواقع، وان لم نسكت عنها ،وحولنا جل اهتمامنا نحوها تحقق لهم ما أرادوا من توفيت الفرص علينا واشغالنا عن رؤية مؤامرة اكبر اكثر شمولا ، وأخطر وقعا علينا. واخر هذه المؤامرات الفرعية ، ولنقل التقليعات الكردية استصدار بطاقة تموينية تعتمد التقسيم العرقي(وهو ابداع غفل صدام حسين عنه وللاسف الشديد) تهمل هذه البطاقة أو تخلو من ذكر التركمان كقومية عراقية فيها! (مديرية المواد الغذائية كانت من ضمن الدوائر التي سيطرت عليها الاحزاب الكردية بعد سقوط النظام البائد حيث تعمل هذه المديرية مثل باقي دوائر الدولة بأمحاء الوجود التركماني في محافظة تركمانية الا وهي محافظة كركوك وهنا اسأل الدكتور محمد احسان وزير مناطق الشؤون الخارجية في ادارة المحلية لشمال العراق والسيد عبد السلام برواري رئيس مركز البحوث والدراسات الديمقراطية وحقوق الانسان في ادارة الشمال والسيد محافظ كركوك والسيد نائب محافظ كركوك الاستاذ احسان كلي الامر متروك لكم لبيان تنديدكم لهذا القرار ان لم تكن تصريحاتكم في الفضائيات للاستهلاك المحلي كما كنا نسمعها في نظام العهد البائد) ان هذه التقليعة التي دبرت عن قصد لادخالنا في دوامة جديدة ، هم على يقين بأننا سوف لن نسكت عنها هي غطاء لمؤامرة اكبر تحاك في الخفاء لاريب اريد من هذه السطور لفت انظار التركمان والعالم اليها!!!… والى ان نجد مخرجا من دوامة المنطق الاحراجي الذي تم حبسنا فيه ، سوف نضل نهدر حبر اقلامنا ، ونتعب اعيننا في الكتابة بها.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |