تركيا: عود على بدأ..!؟

 

باقر الفضلي

لا مغالاة في العجب، عندما ينصرف الذهن الى مسلسل تطور الأحداث على التخوم التركية العراقية، وعندما تتحول التهديدات التركية بإجتياح الأراضي العراقية، الى مسألة تضفي عليها الحكومة التركية الشرعية القانونية، بعد إقرار البرلمان التركي لحق الحكومة بغزو العراق، وإستباحة أراضيه وإنتهاك سيادته ، وتعريض شعبه لخطر القتل المتعمد، وتدمير حواضره من مدن وقرى حدودية، وتهجير سكانها وإبادة مواشيها، وإنزال الخراب بالحرث والنسل، وإشاعة الخوف والهلع بين الناس، وإشاعة كل ما له علاقة بأهوال الحروب ومآسيها، كل هذا في وقت يصمت فيه الجميع، وتتحشد فيه الدبابات والمدرعات وكل آلة الحرب المدمرة على الحدود، وتستغرق الإدارة الأمريكية في سبات وتأمل ودغدغات لعواطف الدولة التركية الجارة الشمالية للعراق، بضبط النفس وعدم زيادة التأزم في العراق، فالحال لا يحتمل أكثر مما هو عليه الآن، وأن هذه الإدارة سوف تقف الى جانب الحكومة التركية في حل مشكلتها مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني في جميع الأحوال..! 

لا عجب في كل ذلك، فمشروع الغزو التركي الذي إكتملت  حلقاته الآن، ليس إبن يومه، وجذوره تغور عميقاّ في التأريخ، إلا أن أهميته بالنسبة الى تركيا اليوم، وبالذات بعد نجاح تجربة إقليم كوردستان في العراق، تبدو إستثنائية بما يفوق التصور، وهي في غاية الإستعداد الى التضحية بكثير من الإمتيازات التي تمنحها لها علاقاتها في المنطقة، من إجل تقويض هذه التجربة أو عل أقل تقدير إعاقة تطورها بالإتجاه الديمقراطي الذي أصبح مطمح الشعب الكوردي في كل من تركيا وإيران وسوريا..! 

قبل عام ونيف من اليوم، كنت قد حذرت في مقالة محددة من مغبة ما قد تقدم عليه تركيا  من إجتياح العراق، (1) وأشرت الى أن الأمر يتعدى عن كونه متعلقاّ بما يدعى بمكافحة الإرهاب، وإن أصبح هذا الأمر اليوم من المبررات القوية بيد السلطات التركية، بسبب من السياسة اليسارية المغامرة التي ينتهجها الحزب الديمقراطي الكوردستاني التركي (PKK)، دون مراعاة الى طبيعة الظروف التي تمر بها المنطقة؛ مقدماّ بذلك ما يعزز توجهات القوى العسكرية اليمينية التركية ويمنحها من وسائل الضغط ما يكفي للتأثير على الحكومة بالسير بهذا الإتجاه، ومن جانب آخر، يضع كلا من الحكومة العراقية وحكومة إقليم كوردستان في وضع لا يحسدان عليه، مما يزيد من مخاطر الإجتياح وتبعاته المدمرة، خاصة إذا ما أدرك المراقب ما في الأجندة التركية من مآرب أخرى، تمنحها سلوكية الحزب المذكور، فرصة أكبر للتلويح والتهديد بالتدخل بالشأن العراقي في وقت، لم تعد فيه الحكومتان في وضع من الإستقرار، وهذا ما يمنح الفرص أمام المتصيدين في المياه العكرة،  لتمرير سياستهم التمزيقية لوحدة الشعب العراقي، كما ويعطي من المبررات ما يكفي للدول الإقليمية الأخرى، للتدخل في الشأن العراقي وتمرير أجنداتها الخاصة وتصفية حساباتها مع الآخرين، على حساب مصالح الشعب العراقي..! 

إن منطق التعقل والعدل يتطلب من جميع الأطراف وفي مقدمتها الحكومة التركية، الإبتعاد عن نهج التلويح بالقوة، وعدم النزوع لحل ما تواجهه من مشاكل داخلية عن طريق نقلها الى دول الجوار، وهي مطالبة بإحترام سيادتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، فالنزوع الى طريق السلام والحوار هو في تقديرنا الحل الأسلم لما يواجه الحكومة التركية، خاصة وأن الحكومة العراقية الإتحادية على لسان السيد رئيس الوزراء الأستاذ عدنان المالكي وكذلك على لسان السيد رئيس إقليم كردستان الأستاذ مسعود البرزاني، كانا من المبادرين الأوائل  لخيار السلم والحوار وتطويق الأزمة، ودرأ الأخطار المحتملة وتداعياتها المأساوية على الجميع..! (أنظر مقالتنا في أدناه لعلاقتها بالموضوع)

(1)  http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=98826

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com