|
لقد تغيير كل شيء هذه الأيام، وانقلبت الأمور رأسا على عقب، ولم يعد الكثيرون يحفلون بالعادات والتقاليد الاجتماعية، التي تعارف عليها الناس عبر السنين، وبفعل التطورات الحديثة في بنية المجتمع العراقي، تجاوز البعض الأعراف الاجتماعية التي كان عليها الناس سابق، عندما كان يطلق علينا المجتمعات المتخلفة، ومع تطورنا تناسى الناس العلاقات الحميمة التي كانت مصدر قوة لمجتمعاتنا ذات التقاليد الأصيلة والنبيلة، التي تشح أن لم تنعدم في المجتمعات الأخرى، على ما أرى في الأفلام، لأني لم أتشرف بالهجرة أو التغرب في المنافي التي أجبر عليها العراقيون، وبقيت بين المطرقة والسندان، أموت في اليوم(سبع موتات) وأعاني من شظف العيش، ومرارة العوز والحرمان. لقد كنا أيام زمان، تلك الأيام الخوالي التي ذهبت بحلوها ومره، نعيش في مجتمعات بسيطة، لم تغيرها التقليعات الجديدة، وظلت على نقاءها الإنساني، تتمتع بالعلاقات الحميمة، والروابط الاجتماعية المتينة، وكنا كالجسد الواحد، إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، نتشارك بالأفراح والمسرات، ونقتسم لقمة الخبز على أحسن ما يكون عليه الإخاء، إلى أن وفدت إلين، الأفكار الشيطانية الجديدة، فمزقتنا طرائق قدد، وأصبح كل منا يعيش لنفسه، ولا يتفاعل مع الآخرين، بل أصبح البعض ينظر للآخر، وكأنه قادم من عالم آخر، واتسعت الفوارق، وتمزق ذالك النسيج الاجتماعي المتلاحم، بفضل الأفكار الواردة من وراء الحدود، ولكن أن يتغير الجميع فهذا أمر مقبول، أما أن يتغير سوادي الناطور، الذي عايشته ورافقته عشرات السنين، فهذا بعيد عن التصديق، ولا يتخيله العقل، لقد كان الروح في زمن بلا روح، والقلب في عالم بلا قلب، والنسمة البليلة في القيظ الهاجر، والضحكة المجلجلة بين الوجوه التي علاها الحزن. ولأبدأ من النهاية، فقد زرته قبل يومين، بعد غيبة تجاوزت الأسبوعين، لأجد الناس قائمين قاعدين، وقد أقتعد داره كأنه في عرس، لقد فوجئت بالأمر ، فأنا صاحبه في السراء والضراء، ورفيقه أيام العسر والرخاء، فما حدا مما بدا حتى أكون آخر من يعلم، سلمت عليه وفي وجهي تساؤلات صارخة تحتاج إلى أجابات لا يسع لها المقام، وجلست بين من حضر من أخوته وأصحابه، وكأنه لاحظ تساؤلاتي فأطرق إلى الأرض قليلا ثم قال: حقك وألف حقك، لكن ألما يجي وياك تعال آوياه، وآنه مقصر وياك من السما للگاع، وحگك لو ردت تگول التگوله، لن سافرت وما أنطيتك خبر، لكن يخوي صار لي أسبوعين غايب وأنته لا سألت لا نشدت، لا گلت صاحبي أخوي، وهسه أحنه متعادلين، وحر التعذر وحر القبل العذر. ولكن إلى أين سافرت ، وعهدي بك لم تسافر منذ أعوام؟ فقال وروح أبوك أحچايه لا بالبال ولا بالخاطر، صار لي أكثر من عشر سنين ، كل سنه أقدم ويه الوادم أرد أروح المكه، حتى أنته وغيرك يگلولي حجي سوادي، لكن ألقسمه ما تصير، وسقط النظام وگلت صار إلها فرج، وقدمت، ووصلت ألشغله للحلگ، لكن تدري ذبولنه رجل ألما يخافون من الله، وخلونه معلگين لا أحنه للسمة ولا أحنه للگاع، وضليت أربع تيام بالمطار، كل ساعه يگولون بعد شويه، وتاليه ردينه أيد من وره وأيد من جدام، "لا حضت برجيلها ولا خذت سيد علي" ثاري الوادم وصلت السعودية قچغ، وأحنه مشتولين بالمطار، ألسنه گالولي الوادم، چن ما عندك بخت بالحجة، ما تروح للعمرة، صدگ قدمت بآخر يوم، ورحت وما صار لي فراغ حتى أخبرك، وهسه آنه صرت نص حجي، ضحكت وضحك الجميع، وسارعت لتقبيله مجددا احتراما لسنه، وقلت له ممازحا: أنشا لله ألسنه تروح المكه وي الحجاج، وتصير حجي ونص...!!!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |