|
جاءت التطورات المتسارعة بما يخص تركيا وإعلانها عن نيتها غزو شمال العراق, لتكشف وتؤكد حقائق سياسية على أرض الواقع. منها القيادة القوية والصلبة لحكومة اردوغان والتي رغم شعبيتها الكبيرة في المناطق الكردية والتي ظهرت جلية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلا أنها لا تتوانى ولا تتردد في اتخاذ المواقف الحاسمة والصارمة حين يتعلق الأمر بمصالح تركيا وأمنها وسيادتها. موقف حكومة اردوغان من المسألة الكردية عزز مكانتها محليا وشعبيا أمام الجيش التركي وتهديداته المبطنة بحماية العلمانية وعلى خلفية نجاح غول في الوصول للرئاسة البلاد. كما أن الموقف التركي وتصريحات القيادة التركية وانتقاداتها الحادة للولايات المتحدة تظهر مدى تأثير المستنقع العراقي المتزايد على مكانة أمريكيا وعلى هيبتها دوليا وإقليميا. التخبط الأمريكي والتدهور جراء ضربات المقاومة العراقية والخسائر الأمريكية المتزايدة في العراق, تبدو واضحة في تصريح لمدير العمليات في رئاسة أركان الجيوش الأمريكية اللفتنانت جنرال كارتر هام ,في نفس السياق, والذي حذر فيه من أن العراق سيدافع عن سيادته الوطنية "بجدية" إذا حصل توغل عسكري تركي في شمال البلاد، وذلك وفقا لما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وقال المسئول العسكري الأمريكي الكبير إنه لا يعني بذلك أن القوات الأمريكية في العراق ستساعد القوات العراقية في الدفاع عن أراضيها إذا عبرت القوات التركية الحدود ضد الانفصاليين الأكراد. وأضاف أن الولايات المتحدة حليفة وثيقة لتركيا وتسعى للتوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة. وقال كارتر هام "من المهم القول إن العراق بلد يتمتع بالسيادة وسيدافعون عن سيادتهم وأرضهم بجدية". وأضاف "إذا فشلت الدبلوماسية سنقوّم الوضع ونقرر على المستوى السياسي الطريقة الأفضل لمعالجته". كنت أتصور أن الحديث الممجوج عن سيادة العراق المحتل -والذي يعاني إضافة إلى الاحتلال العسكري الأمريكي إلى تدخل إيراني سافر بشؤونه وأموره- هو حكر على سياسي الاحتلال وصنائعه ممن جاؤوا على دباباته أو خرجوا من محاضنه, أما أن يتحدث مسئول أمريكي عسكري رفيع عن سيادة العراق وعن استعداداته للدفاع عن أرضه بجدية فالأمر يثير السخرية المرة. العراق والذي لا تسيطر حكومته حتى على المنطقة الخضراء حيث يتعرض أعضاؤها لتفتيش الكلاب البوليسية الأمريكية قبل دخولهم إليها, العراق والذي تتعالى أصوات الساسة الأمريكيين لتقسيمه وتفتيته, العراق المحتل والذي لا تتوقف مؤتمرات دول الجوار المنعقدة لمساعدته المزعومة في محاربة الإرهاب, العراق الذي حل الاحتلال جيشه الوطني وفكك مؤسساته, يصبح في عشية وضحاها قادر على الدفاع –حسب المسئول الأمريكي- عن أرضه وسيادته بجدية. بطبيعة الحال لا يريد مدير العمليات في رئاسة أركان الجيوش الأمريكية أن يفهم من كلامه بأن القوات الأمريكية ستساعد القوات العراقية في الدفاع عن أراضيها إذا عبرت القوات التركية الحدود كما عبر عن ذلك بصراحة في سياق تصريحه, فالقوات الأمريكية منهكة تماما وهي من يحتاج إلى يد العون والمساعدة. جاء تصريح اللفتنانت هام متزامنا مع قرار لمجلس النواب الأمريكي وافق فيه بأغلبية ساحقة على توبيخ حكومة الرئيس جورج بوش على إخفائها معلومات عن مدى تفشي الفساد في العراق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |