|
من مميزات الفترة التي حكمنا فيها الاستبداد البعثي وخاصة في السنوات المتاخرة التي سبقت السقوط هي ظاهرة تعدد الحكومات ..ولا اعني بالحكومات المعنى الشائع للكلمة من تعدد الحكومات التي تتغير بصورة ديمقراطية او غير ديمقراطية ولكنه يعني وجود سلطة مركزية واحدة وسلطات ظل اخرى ...ففي الوقت الذي يوجد فيه الرمز الضرورة المحاط بالكثير من الاجهزة الامنية الاخطبوطية كحاكم اول للعراق ..كان هناك عدد من المتنفذين الاخرين الذين حاول كل منهم ان يوجد لنفسه حكومة ظل داخل الحكومة تلك ..أو بالاصح جهازا قمعيا او اكثر لان مفهوم القيادة والسلطة كان يعني قبضة النار والحديد التي يتم بواسطتها تركيع الخصوم واخافة الرعية.. وعلى هذا المنوال كنا نعرف ان المطلوب من الشعب هو ان يجيد لغة الخوف من السلطة او بالاصح منظومة السلطات التي تقبع في قصور بغداد وتملك مفاتيح الخزائن والسجون ...عندما سقط ذلك النظام الذي جثم على صدورنا طيلة تلك الاعوام الطوال هللنا ورقصنا لاننا لم نتخلص من طاغية واحد بل من عائلة من الطغاة التي تتصارع بينها في الخفاء و تفوح فضائح صراعها الى العلن .مايميز تلك الفترة من هيمنة نظام العائلة الواحدة ان الجميع متشابهون في كل شيء الا في الاسم ..نفس الاستبداد ونفس الروحية بل نفس اللهجة والوقفة التي تعاملوا فيها مع الناس لاشيء مختلف ولافرق بين ان تكون في أمبراطورية كيمياوي او عدي ..لاشيء البتة ..والميزة الاخرى ان الزعيم الكبير ظل يمسك بالارض بقبضة من حديد حتى اللحظة الاخيرة من لحظات السقوط وظلت كل انظمة الظل انظمة ظل خائفة من المركز بل انها في الحقيقة كانت تستمد قوتها منه بعد اربعة اعوام من التغيير الذي غير معه نظام وشكل الحكم في العراق لا يمكننا الا ان نبكي عندما نقف لنعدد حكومات العلن وليس الظل والتي تحكم عراق اليوم .الحكومات التي تتخذ من العنف فلسفة لها وتستمد شرعيتها من ضعف الحكومة المركزية وعشوائية الاحتلال وطريقته الفوضوية في التعامل مع الحدث على الارض..في الماضي ايام الزي الموحد الذي فرضه البعث على العراق كان من الممكن ان ننجو من البطش اذا ابتعدنا عن مجموعة محددة من الممنوعات وتملقنا ذلك النظام وحاشيته وابتعدنا عن شعارات التحرر وحقوق الانسان التي تقود الى التصادم مع السلطة ..في بلد المليون اقليم ومنطقة .من الكوارث الاخلاقية التي يبعث على القلق والبؤس ان الحكومة المركزية تتغافل عن التعامل مع مئات من السلطات الخفية والعلنية التي اعطت لنفسها صلاحيات تتفوق بواسطتها على سلطة الحاكم وتقترب من سلطة الاله في التحكم بالعباد وفرض الانظمة والقوانين التي ترغب بها ..لأيمكن الا ان يصيبنا فصام الشخصية المتعدد ونحن نحاول ان نستوعب الجميع المتناقض في العراق ..حكومات الظل لم تعد حكومات ظل بل صارت حكومات شمس لانها لاتخشى من حكومة المركز شيئا ولا تستمد شرعيتها من قوة تلك الحكومة بل من ضعفها
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |