تداعيات ألقيود الطائفية للقائمة الموحدة

 

عزيز العراقي

ziziiraqi@yahoo.se

اذا اردنا ان نضع نموذجاً مصغراً للمأزق العراقي الحالي, فلا نجد افضل من مأزق قائمة "الائتلاف" تجسد مأساته, ونوعية الصراع الذي يكتنفه, والرغبات المجنونة في التسلط واغتصاب المواقع المؤثرة سواء في مؤسسات الدولة, او بفرض سيطرة مليشياتها, والأستحواذ على المال العام والخاص. دون الألتفات لأية مسؤولية تجاه وحدة وسلامة الوطن والأهتمام بباقي مكونات المجتمع. وكان لغياب المشروع الوطني التأثير المباشر في تشتت التوجه العام للقائمة, ووضع اوراقها القوية بيد النظام الايراني, وكل تنظيم يسير وفق مصلحته الذاتية, ولا تأثير لمن وجه بتشكيل القائمة واراد لم وحدة الشيعة لحفظ حقوقهم آية الله العظمى السيد علي السيستاني, الا اذا احتاجوا لدعمه في قضية تخص تنظيماتهم . ولعل المهزلة الأخيرة في توقيع السيد عبد العزيز الحكيم والسيد مقتدى الصدر وثيقة "الشرف" بحقن دماء التنظيمين الشيعيين المتصارعين "المجلس الاعلى" و"التيار الصدري" وبأشراف النظام الايراني, وعودة المعارك في الديوانية بعد يومين من توقيعها, توضح الحالة المزرية لفشل السياسيين العراقيين , والشيعة بالذات في الوصول الى هذا الدرك.

الأشهر الأخيرة كشفت بشكل اوضح عن توجهات مكونات القائمة, واظهر حزب "الفضيلة" الاسلامي عن عدم استجابته ومعارضته للنهج الطائفي الموالي لايران, واعلن انسحابه من القائمة تحت رفع الراية العراقية, والرغبة المبطنة بالاستئثار في سلطة البصرة وما جاورها. وتبعه في الانسحاب "التيار الصدري" الذي لاتعرف له لحد الآن ملامح سياسية محددة, مما وضعه في رأس قائمة الحراك السياسي المشاغب, وقد تمكنت العصابات المنضوية تحت اسم التيار من فرض اجندتها على نمط حياة الكثير من احياء ومدن الجنوب, فصادرت حرياتها وسقط الكثير من الشهداء على ايدي هذه العصابات, التي وجدت في استمرار الصراع الدموي وغياب القانون البيئة النموذجية التي يمكن ان تستمر فيها . والمستقلون لايستطيعوا ان يفعلوا شيئاً مؤثراً في سير "الائتلاف" لقلة عددهم , فبعضهم يتألم لما وصلت اليه الامور, والآخر متورط ولا يعرف اي الطرق يسلك , والقليل استفادوا وأخذوا يدافعون عن الفشل بحمية مثل الدكتور علي الدباغ الناطق الرسمي للحكومة.

 وحزب "الدعوة" الذي يتمظهر بكونه اكثر موضوعية من باقي الاطراف, وتحاول قياداته ان تقنع الآخرين بأنها لاتزال مخلصة لتاريخه النضالي المجيد وشهدائه الابرار, ولم تقع لحد الآن تحت تأثير الأستئثار بالمناصب الرسمية. الا ان اداء قيادييه في رئاسة الوزراء الدكتور ابراهيم الجعفري والسيد المالكي تؤكد على ان الحفاظ على هذا المنصب و"مستشاريه" هي الاهم في اولوياتهم. فالدكتور الجعفري استنفذ كل الوسائل للأحتفاظ بمنصب رئيس الوزراء بعد الفشل الكبير الذي رافق ادائه, والذي اسس لأختراق المليشيات الشيعية المتطرفة لأجهزة الأمن والشرطة , وهو المسؤول الاول ومعه وزير داخليته من "المجلس الاعلى" بيان جبر عن هذه الجريمة التي اعاقت اي تقدم للحالة الامنية . ولولا تدخل الامريكان في ازاحته , وترشيح المالكي بدله لأستمر في عناده الذي أخر تشكيل الحكومة الحالية لأكثر من ثلاثة اشهر. ورئيس الوزراء الحالي السيد المالكي لايعرف اين يضع رجليه, ولم يحسم االتوجه في اغلب القضايا الرئيسية مثل اعادة تشكيل الحكومة , والمصالحة الوطنية, او انجاز القوانين التي لها مساس بأستقرار الوضع .

 ان "المجلس الاعلى" بما يمثله من ثقل نوعي , وقوة تنظيم, يبقى المؤثر الاقوى في سير وتوجيه قائمة "الائتلاف", وفشله في اقناع باقي اطراف القائمة لتبني شعار فيدرالية "الوسط والجنوب" على اساس طائفي, هو الذي دفع السيد عمار الحكيم للقيام بحركته غير المعقولة بالذهاب الى الرمادي لأقناع العرب السنة بضرورة اقامة الاقاليم الطائفية , وهم الرافضين اصلاً لمبدء الفيدرالية  

و"المجلس الاعلى" التنظيم السياسي العربي الوحيد من الشيعة والسنة الذي ايد مشروع التقسيم للشيوخ الامريكان , ولهذا التأييد والحماسة التي اظهرها السيد عمار الحكيم شكك الكثيرون بوطنية عمار والمجلس .

ومن المعروف ان "المجلس الاعلى" تشكل بأشراف ايراني في السنوات الاولى للحرب العراقية الايرانية , وكان هدف النظام الايراني لم شمل جهود التنظيمات الشيعية العراقية وحشدها مع الجهد الايراني في محاربة النظام الصدامي. وكان حجر الاساس للمجلس قوات بدر التي شكل اغلبها من الاسرى العراقيين في ايران, والذين آثروا ان يكونوا ظهير للجيش الايراني في حربه مع العراق على ذل الأسر وهوانه, وقد انسحب الكثير من الشخصيات والتنظيمات بما فيها حزب الدعوة من المجلس بعد ان وجدوا ان الارادة الايرانية هي الفاعلة.

وبعد فترة ليست بالطويلة استلم رئاسة المجلس الشهيد محمد باقر الحكيم رحمه الله, وكان معروفاً في ايامه الأخيرة بمواقفه المنحازة للقضية العراقية, وبعد حادثة استشهاده الدامي ومعه اكثر من ثمانين شهيدا, تم انتخاب شقيقه السيد عبد العزيز الحكيم لرئاسة المجلس, ويقول البعض من الشيعة ان الانتخاب تم برغبة النظام الايراني, ويدعمون رأيهم بأن السيد عبد العزيز الحكيم طالب من اول يوم رئاسته لمجلس الحكم في دورته الشهرية بتعويض النظام الايراني مئة مليار دولار عن اضرار الحرب التي شنها صدام على ايران. وبعد المرض الذي الم بالسيد عبد العزيز الحكيم, برزت مشكلة رئاسة المجلس من جديد , وحاول السيد عمار نجل السيد عبد العزيز الحكيم بحركته الأخيرة الظهور بمظهر القائد الفعلي للمجلس, ولقب ب" السيد النائب" من قبل الموالين لبيت الحكيم والراغبين بأستيراث رئاسة المجلس, وهذا سيؤدي الى استفحال الصراع بين بيت الحكيم والشخصيات القيادية الأخرى المعروفة بوطنيتها وتاريخها النضالي الطويل مع النظام الصدامي والذي يزيد على عمر عمار الحقيقي. وحتى لو تدخل النظام الايراني لصالح بيت الحكيم, فلن يكون تدخله اكثر نجاح من اتفاق السيد عبد العزيز الحكيم والسيد مقتدى الصدر .

ان فشل قائمة "الائتلاف" انعكس بتعجيز السير في العملية السياسية برمتها, وان الكثير من الشيعة يدركون اليوم الخطأ الكبير في ضم كل اطراف الشيعة في قائمة واحدة. وكان من الأفضل ان يتوزعوا على عدة قوائم لتسهيل الخيارات الحرة بين من يلتزم الجانب الايراني, او الامريكي, او العراقي .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com