|
من حق كائن من كان أن ينتقد أي معارضة عربية رسمية كانت, أم غير شرعية بمقاييس أنظمة حكم دكتاتورية. فليس من المعقول أن نطلب من الحكومات وهي منتشية بخمرة السلطة أن تتقبل الانتقاد والاعتراض ثم نرضى على المعارضة أن ترفضهم, فالمناصحة والانتقاد وإن كان قاسيا ثقافة يجب علينا أن نتقبلها وأن نتربى عليها ونتعايش معها. وبما أن الإخوان المسلمين يشكلون في غالبية الدول العربية المعارضة الأكبر حجما والأوسع انتشارا, فليس من المستغرب أن يكون لهم نصيب الأسد من النقد والانتقاد والاحتجاج إن كان على أساليبهم أو مواقفهم أو حتى مناهجهم. شخصيا أعترض وبشدة على التجربة الإخوانية في عراق ما بعد الاحتلال وأعتبرها كارثة ونكسة فكرية وانتكاسة منهجية تصل إلى حد الخطيئة السياسية والكبيرة الفكرية. غير أن الانتقاد وأن قسا شيء والتطاول والتهجم غير المنطقي شيء آخر. فلقد قرأت باستغراب كبير مقال للكاتب السعودي حسين شبكشي في "الشرق الأوسط"- والتي عودنا كتابها الأساسيين على الهجوم المتواصل على مشروع المقاومة في وجه الهيمنة الأمريكية والصهيونية وعلى رموزه ورجالاته- يتطاول فيه على حركة الإخوان المسلمين ويشن عليها هجوما لاذعا, يرفع الكثير من علامات الاستفهام حول توقيته ومحتواه. يقول شبكشي "يتفق الكثيرون أن مشروع وفكرة حزب «الإخوان المسلمين» هو حركة فتنة لصفوف المسلمين، وخلط خطير وخبيث بين السياسة والدين، والمحصلة لمشروع الإخوان السياسي حتى اليوم هي تعصب وتفتيت وتشدد، ووصل في بعض المراحل للقتل وسفك الدماء (مع الاعتراف التام بوجود حالات لا يمكن فهمها، وبالتالي قبولها، من الاستبداد والعنف السياسي الرسمي في أكثر من دولة)", أليس غريبا من كاتب سعودي يكتب في صحيفة سعودية أن يتكلم عن الخلط الخطير والخبيث بين السياسية والدين, فماذا يقول كاتبنا عن التجربة السعودية المعاصرة والتي تتحدث عن تحكيم الشرع الإسلامي وبأن القرآن هو دستور الدولة ومنهاجها. ثم ألم يقرأ الكاتب عن تاريخ الإخوان وجهادهم في فلسطين في أواسط القرن الماضي ضد المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين, وعن تجربتهم البرلمانية الثرية في سورية مصطفى السباعي وعصام العطار ومحمد المبارك وحين كان وزراء الإخوان يشاركون بفعالية ووطنية بحكومة يرأسها الوطني المسيحي فارس الخوري. على الكاتب والذي يطلق أحكاما خطيرة أن يخبرنا أين كان سفك الدماء في التاريخ الإخواني مع اعترافه بالاستبداد والعنف السياسي الرسمي, ربما كان أبرز صدامات الإخوان منذ تأسيسهم كان مع النظام السوري والذي عانت الكثير من الدول العربية وشعوبها من سياساته وتحالفاته. وما تصريحات الشرع وانتقاده للمواقف السعودية عنا ببعيد. يتحدث الكاتب السعودي باستهجان عن سعي الإخوان المسلمين «لتطوير» مشروعهم السياسي بتطوير البرنامج المعلن في مصر كبالون اختبار عام، الذي أبدى استعداده لإنشاء «هيئة علماء» لتكون مستشارة للبرلمان. ويضيف "وقد أدرك الكثير من المراقبين -لا أدري من هولاء المراقبين وأين هم - أن هذا المشروع يتشابه (إن لم يكن يقلد تماماً) المشروع الموجود في الثورة الإيرانية ونظامها القائم، وتحديدا «هيئة الخبراء» ودوره الفعال والمؤثر على سائر مؤسسات الحكم هناك" ويتحدث بعد ذلك عن التشابه مع الاتحاد السوفيتي. ولست أدري أين وجه الشبه بين السوفييت و هيئة علماء؟ كما أنني أستغرب من أن خيال الكاتب الواسع -والذي جال بإيران ووصل إلى الاتحاد السوفيتي- لم يصل إلى أن يشبه هيئة علماء الإخوان المقترحة بهيئة كبار العلماء في المملكة السعودية. الكاتب والذي عنون مقاله ب"الفتنة" وصف الإصلاح والتطوير اللذان تنشدهما حركة الإخوان المسلمين بكونهما ترجمة لتخبط وحيرة شديدتين، أصابتا قلب الحركة والتي بدأ بعض قيادتها في الإدراك أنهم قد يكونون خارج إطار الزمن، وأن خطابهم المطروح بات لا ينسجم ولا يتوافق مع الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للدول والأوطان والناس ومجتمعاتها حسب الكاتب. ولا أدري من أين وكيف وصل الكاتب إلى هذه ألاستنتاجات القاطعة والحاسمة لحركة لها أكبر وجود لحزب أو حركة سياسية معارضة في البرلمان المصري, وتسيطر وتهيمن انتخابيا على أندية الجامعات والتي تحوي زبدة العقول المصرية كما أن الحركة تستقطب قطاعا واسعا من المثقفين والجامعين والمحاميين. ومع التأكيد مرة أخرى بأن حركة الإخوان ليست معصومة عن الخطأ في الممارسة أو ألاجتهاد أو حتى في سلوكيات بعض قياداتها, غير أن الأنظمة والتي تقمع المعارضة عموما والإخوان خصوصا في غير بلد عربي قد أوصلت البلاد والعباد إلى قيعان الفقر والبؤس الاجتماعي محليا وإلى تبعية مهينة سياسيا إقليميا ودوليا. وإذا كان من الصعب تفهم الدوافع والمبررات والتي دعت الكاتب السعودي إلى أن يهاجم حركة الإخوان بهذا العنف وأن يتطاول عليها بهذه القسوة. إلا أنه من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر الإخوان المسلمين – مع كل مواقفهم المعتدلة والمتطرفة في الاعتدال أحيانا- عقبة كئودة وحاجز فكري وعقدي كبير في مشروعها في الهيمنة والاستبداد في المنطقة وفي رسم الشرق أوسطها الجديد والذي كانت أول محطاته تدمير العراق والفتك بأهله. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لن يغفرا لحركة الإخوان المسلمين أنها الحركة الأم والتي خرجت من رحمها حركة حماس والتي تشكل عنوانا لمشروع مقاومة الهيمنة الأمريكية-الصهيونية وشوكة في حلقها.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |