كشفت التهديدات التركية باجتياح شمال العراق "إقليم كردستان"، لمطاردة وتعقب حزب العمال الكردستاني الذي يشن عمليات عسكرية ضد القوات التركية ويتخذ من جبال كردستان ملاذاً آمنا ومنطلقا لشن هجماته، كشفت تلك التهديدات التركية عن حقائق كثيرة بدت واضحة في أجلى صورها ومشوشة في أحيان أخرى، كما تلبست تلك الحقائق بأسئلة مجاب عليها سلفاً من قبل بديهة الفرد العراقي ووعيه تجاه الوضع الراهن !

 كان أولها ما صرح به مستشار رئيس الوزراء العراقي سامي العسكري، الذي اعتبر "أن الأكراد لا يتذكرون العراق إلا في وقت الأزمات والمصائب"،  ما أثاره هذا التصريح من ردود فعل حادة و قاسية من رجالات حكومة إقليم كردستان و رجالات الحكومة العراقية المركزية من الكورد، والتي صمت على إثرها سامي العسكري صمتاً مطبقاً غير نادم أو معتذر وفي الوقت نفسه غير مؤكد ومدافع عن وجهة نظره التي أبداها في تلك التصريحات، و كعادة الائتلاف ورجالات الشيعة تركوا الرجل يتحمل المواجهة لوحده بغض النظر عن ميلهم أو عدمه من تصريحات العسكري، و هذا ما ذكرنا بالجدل الذي ألجم لسان النائبة مريم الريس أو مستشارة رئيس الوزراء المالكي، حين تجرأت لإبداء وجهة نظر قانونية مفسرة فيها مادة دستورية بشان صلاحيات رئيس الجمهورية أو مجلس الرئاسة العراقي وقالت إنها مجرد "صلاحيات تشريفية" حتى انبرت ضدها سيوف جميع "أشاوس الكلمة وجهابذة الفقه القانوني".

 وبعيداً عن مضمون و مدى صحة ادعاءات سامي العسكري بشان الأكراد، إلا انه أكد مرة أخرى على أنانية الرؤى و قلة حيلة و حرفة رجال "الدولة العراقية"، فبتصريحه هذا أعطى إيحاءا من حيث يدري ولا يدري بأنه مع دولة أجنبية ضد أبناء وطنه وأن وجهة نظر الحكومة المركزية قريبة من وجهة نظر الحكومة التركية أو في أحسن صورها فان حكومته المركزية متململة من تصرفات إقليم كردستان و شامتة على موقفها من تلك التهديدات، وهو ما يعزز روح الانفصال عند الجانب الكردي الذي انتقد بصراحة و على لسان رئيس إقليمه مسعود بارزاني حكومة بغداد بقيادة المالكي وذلك بقوله "إن حكومة الإقليم غير راضية على تعامل الحكومة المركزية مع التهديدات التركية الأخيرة".

 صحيح أن هناك تحركات حصلت لتطويق الأزمة من الجانب العربي العراقي، فقد توجه نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي إلى تركيا لحلحلة الموضوع، لكن الزيارة كانت في قيمتها الحقيقية مكملة لسلسلة تحركات قام بها الهاشمي مؤخراً منها تفقده للسجون العراقية و طرحه مشاريع المصاهرة الوطنية ولقائه المرجع السيستاني و زيارته العربية السعودية و من ثم تركيا، و في الوقت نفسه مزايدة ومنافسة وتعزيزاً وتأكيدا لدوري التصفية والتسقيط الإعلامي بينه وبين رئيس الوزراء المالكي وعلاقة الشد والجذب التي أصبحت اللعبة المفضلة لديهما أمام استمرار مسلسل إراقة الدم العراقي الذي أصبح مملاً أكثر منه مؤلماً!

 كما أن ردود فعل رئيس الوزراء المالكي و الناطق باسم الحكومة علي الدباغ كانت ردود فعل دبلوماسية أكثر منها ردود فعل جادة و حقيقية لتطويق الأزمة، و النتيجة باتت واضحة للكرد "لا يؤلم الجرح إلا من به الألم" فأنهم وحدهم من يشعرون بجرحهم و أنهم على يقين بان العرب من سنة وشيعة داخل العراق أبعد ما يكونون معاضدين لأخوتهم الكرد أبناء بلدهم "الواحد" و هذا ما أكدته الأزمة و راح القادة الكرد يتصرفون على أساسه من خلال مؤتمرات صحفية و لقاءات مع قادة الدول و تعبئة جماهيرية فكانوا وحدهم! على الرغم من إصدار قرار تنديد ضد التهديدات التركية من قبل مجلس النواب العراقي الذي فقد مصداقيته أمام الشعب بعد أن أدار معظم نوابه ظهورهم إلى معاناة الوطن و آلام أبنائه، و بات نفاقهم و كذبهم لا ينطلي على بائع "جنبر" وانطبق عليهم قول الشاعر "ثوب الرياء يشفُّ عمّا تحته .. فإذا التحفت به، فانك عاري".

 وبعيداً عن إلقاء التهم أو الوقوف إلى جانب ضد آخر، فالمقصود هو خيار القادة السياسيين الحاليين الذي بات واضحاً في أجلى صوره وهو الخيار الطائفي والعنصري والقومي وبعدهم عن حب ذرات تراب الوطن وعشق نخيله وجباله وصحرائه وعدم وجود رؤيا واضحة عن هؤلاء لزرع المحبة والارتقاء بهذا البلد الذي بات مرتعاً للحروب والجهل والموت والمرض.

 والسؤال: كم مرة زار طالباني و بارزاني الناصرية ؟ كم مرة زارا البصرة أو العمارة أو الكوت أو الحلة أو الديوانية أو كربلاء أو النجف من غير لقاءات (المرجعية)، كم مرة زارا الانبار؟

انه سؤال غير موجه للعتب بقدر ما هو موجه لتقصي الحقائق، هل يتحجج القادة الكرد بالوضع الأمني المتردي، و الجواب سؤال آخر، فهل يعرف القادة الكرد بان رؤساء دول عظمى زاروا تلك المحافظات العراقية، فرئيس الوزراء الايطالي زار جنوده في الناصرية ورئيس الوزراء البريطاني زار جنوده في البصرة والرئيس الأمريكي زار جنوده و العراقيين في الانبار واستدعى رؤسائنا وقادتنا للقائه هناك!

 معظم القادة السياسيين من سنة وشيعة زاروا كردستان وعاشوا فيها فترة النضال ضد الدكتاتورية ولحد الآن يزورونها (مفاوضين، مستجمين، منفتحين، متاجرين...) صحيح أن هذا ما فرضته عليهم ظروف القتال والتحالفات السياسية والمناطق الآمنة لكنهم تفقدوا وعرفوا الطريق إلى كردستان، لكن زعماء كردستان لم يبادروا يوماً للتفقد والتعرف على بقية البلاد "المتفدرلين" معها!

والسؤال الآخر: هل وجه عبد العزيز الحكيم أو الجعفري أو المالكي أو زعماء و قادة الأحزاب الشيعية الدعوة إلى القادة الكرد لزيارة الجنوب العراقي والجلوس في أحد المضايف وأكل الرز العنبر مع اللحم على طريقة "المفطّح" ورشف فناجين من القهوة العربية أو حتى لمجرد التقاط صورة تذكارية تدلل على عمق العلاقة بين أبناء "البلد الواحد"، وهل كان لقادة الشيعة الهاجس الحقيقي للارتقاء بجنوبهم و الترويج له والتعريف بعاداته و تقاليده ؟!

 بات راجحاً أن الوطنية ليست هي ما تقود ألسن السياسيين العراقيين إلى التصريح بأنهم ضد مشروع الكونغرس الأمريكي الرامي إلى تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم شيعي وسني وكردي، لكنه النفاق والضعف الذي سينقلب في اقرب وقت إلى وجه آخر يقرر ويبتعد مؤكداً  تجذر الاختلاف وكاشفاً عن عمق الهوة بين أبناء بلاد ما بين النهرين ؟!!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com