|
لم تحظ عقوبة من العقوبات المختلفة بالقدر من النقاش الذي حظيت به عقوبة الاعدام, وهو نقاش ليس على الصعيد المختصين في العلوم الجنائية بل يتعداه الى دوائر الادباء والفلاسفة والكتاب ورجال الدين, واكتسب النقاش في كثير من الاحيان طابعا سياسيا, وحتى دينيا. اليوم عالمنا يتوجه وبتسارع نحو إلغاء عقوبة الاعدام يوم بعد أخر ولايفوتنا ذكر آخر تقرير صدر من منظمة العفو الدولية الذي اشار الى أرتفاع عدد الدول التي اتجه المشرع فيها الى إلغاء عقوبة الاعدام من قوانينها العقابية تماشيا مع الاتجاه الدولي المتزايد لالغاء عقوبة الاعدام وأضفاء طابع إنساني على معاملة المجرمين, والتخلي عن سياسة الثأر والانتقام منهم. ودار صراع كبيرفي منطقتنا بين الاتجاه المؤيد لالغاء عقوبة الاعدام وبين الاتجاه المناهض لها ولو ان حركة مناهضة العقوبة لازالت في طور بسيط وليست مؤثرة بالشكل الكافي لمناهضة التوجه السائد في منطقتنا المؤيد بشدة لعقوبة الاعدام لاسباب سياسية, أو دينية, أو إجتماعية .أن تاريخا طويلا من ثقافة تؤيد عقوبة الاعدام تحتاج جهودا كبيرة ليس على مستوى الاشخاص بل المنظمات والاعلام والتشريعات ورجال الدين ورجال القانون والسياسين والكتاب, للتوجه نحو ثقافة جديدة تروج لحق جميع أفراد الجماعة الانسانية في الحق في الحياة. رغم التوجه الدولي المتزايد نحو ألغاء عقوبة الاعدام, أو التضييق من حالات تطبيقها ولكننا مع الاسف في العراق نسلك أتجاها مغايرا نحو الاصرار على تطبيق على عقوبة الاعدام بل وزيادة عدد الا فعال الجرمية التي تطبق فيها عقوبة الاعدام حتى وصل الى اكثر من 42 مادة قانونية يحكم القاضي بمقتضاها بالاعدام على أشكال متعددة من الافعال المخالفة للقانون وأغلبها لاعتبارات سياسية أكثر منها حالات أجرامية رغم أن الدستور العراقي أكد في كثير من مواده على أحترام حق الاختلاف والرأي. وقد أورد كلا الجانبين المؤيد للعقوبة والمطالب للالغائها بحججه, فالجانب المؤيد يرى أن عقوبة الاعدام ضرورية لاستئصال طائفة من المجرمين يستحيل أصلاحهم, وأنها عقوبة تحقق الكثير من الردع العام (أننا لانصلح الشخص الذي نشنقه بل نصلح به الاخرين), وأن إلغاء عقوبة الاعدام وخصوصا في مثل مجتمعاتنا العربية والمسلمة ذات الارث القبلي والعشائري الذي يمجد الثأر ويتغنى به سيولد نوع من رد ود الافعال الانتقامية من قبل ذوي المجني عليه وهو ما يؤدي للاخلال بالنظام العام, وأخيرا أن عقوبة الاعدام ليست مكلفة كما هو حال مع العقوبات السالبة للحرية كالسجن مدى الحياة أو المؤبد التي تكلف الدول الكثير من الاعباء المالية لبناء السجون وإداراتها وحراستها وإطعام النزلاء وإكسائهم وتشغيلهم في السجون. وإنها لاغنى عنها في تحقيق العدالة كوظيفة أخلاقية للعقوبة, وأن عقوبة السجن المؤبد أو مدى الحياة وخصوصا أذا كان حبسا أنفراديا لن يكون أقل قسوة من عقوبة الاعدام فهو سيمثل نوع من الموت البطيء. أما المطالبين بالغائها ومنهم الكاتبة يرى أن عقوبة الاعدام لاتحقق الغرض من العقوبة وهو أصلاح المجرمين, ويجب عدم الخلط بين التوبة الدينية والاصلاح بالمفهوم الجنائي الذي يتحقق بإعادة تكيف المحكوم عليهم مع المجتمع وهذا لايتحقق بمن ينفذ بهم حكم الاعدام, أما القول ان عقوبة الاعدام تنقذ المجتمع من شرور المجرمين هذا قول فيه كثير من التجني لان من تتوفر فيهم الخطورة الاجرامية أحد شخصين إما مجانين أو يعانون من ظروف أجتماعية وهؤلاء اليوم اتجه النظام العقابي الحديث الى عدم إيقاع عقوبة الاعدام بهم وهناك حالات كثيرة تستبدل عقوبة الاعدام فيها لاسباب وظروف اجتماعية أو نفسية كالقتل للشرف ودوما أعتبرت هذه الظروف سببا لتخفيف العقوبة ,أثبتت الدراسات النفسية لطوائف كثيرة من المجرمين أن عقوبة الاعدام ليس من شأنها تحقيق الردع العام لهم, منهم المجرمين بالمصادفة وهؤلاء لاحاجة لتطبيق عقوبات صارمة ضدهم فهم يرتدعون بمجرد مباشرة الاجراءات الجنائية ضدهم, إما مرتكبوا جرائم العاطفة فأن التلويح بالاعدام لن يردعهم عن أرتكاب جرائمهم, أما المجرمون بالعادة فهم في الغالب مغامرون يقدمون على ارتكاب جرائمهم على وقد خططوا للافلات من العقاب. والاحصائيات في الدول التي ألغت عقوبة الاعدام لاتشير الى زيادة كبيرة في نسب الجرائم المرتكبة مقارنة بالفترة ما قبل الالغاء , وكثيرا ما تنفذ عقوبة الاعدام في غرفة مغلقة لايحضرها الا عدد قليل من الناس وبالتالي لايتحقق منها الردع العام الذي يفترض ان يكون تنفيذ العقوبة علنيا ويشعر به الناس ويشكل أنذارا لهم, أما القول ان عقوبة الاعدام تشكل كلفة مالية أقل فهو أمر غير مقبول لان المحكوم بالاعدام لن ينفذ به قبل استكمال كافة الاجراءات القانونية وهي غالبا ما تأخذ وقتا طويلا, وهو أيضا لايقوم بعمل منتج كالمحكوم عليه بالسجن وبالتالي يشكل عبء مالي أضافي .أن العدالة الكاملة ليست مبررا كافيا للتضحية بحياة أنسان, فالوجود الانساني له قيمة كبرى سواء دينية, أم اخلاقية,وقد تكون طريقة تنفيذها تفوق قسوة الجاني ذاته في ارتكاب الجريمة. أن القبول بأستمرار الاخذ بعقوبة الاعدام هو مجاملة للغرائز الدنيا لدى البشر والتي يمثل الثأر والانتقام عنوانا لها .قد يحدث أحيانا عند الحكم بعقوبة الاعدام أخطاء وتجاوزات قضائية أو من أجهزة الدولة المعنية القائمة على تشريع وتنفيذ وتطبيق عقوبة الاعدام فمع عقوبة الاعدام لن يكون هناك مجال مطلقا لتصحيح هذه الاخطاء , أن الاعتراف للدولة بالحق قي إيقاع عقوبة الاعدام بالمحكوم عليهم كثيرا ما يساء أستخدامه من قبلها للايقاع بخصومها السياسين لانهاء حياتهم بعد محاكمات صورية سريعة في محاكم وقوانين أستثنائية أعدت خصيصا لهم, لم يحصل المتهمين فيها على الضمانات القانونية الكافية لتحقيق العدالة وتطبيق القانون تطبيقا سليما . أما القول أن الشرائع السماوية أقرت مبدأ عقوبة الاعدام لا أريد الدخول في نقاش بيزنطي هنا ولكن سأورد شواهد تاريخية ربما تقنع البعض ,تذكر كتب المؤرخين أن رجلا أ دخل على الامام علي (رض) وكان أميرا للمؤمنين وقد قام بسرقة وأعترف بأرتكابها فطلب الامام من ولده الامام الحسن عليه السلام بإيقاع الحد عليه وهو قطع يده فخرج الامام الحسن وعاد وفي يده صرة نقود من بيت مال المسلمين سلمها للسارق للقيام بمعيشته بعدما برر السارق فعله بالحاجة فقطع الامام يده عن السرقة بإعطائه المال, النصوص القرآنية الالهية هي نصوص لايمكن الجدل فيها ولكن الامام وهو باب مدينة العلم رأى في النص الالهي ما لا يراه رجال الدين اليوم. من عظمة هذا الدين الذي اعتبر الحياة والجسد الانساني منحة الهية لايجوز المساس بها, وبالتالي يمكن أن نقطع دابر الجريمة بوسائل أخرى كما فعل أمير المؤمنين من قبل. وأمر أخر الرق لايشكل جريمة ولم يتم النهي عنه في القرآن فهل يستطيع أي مشرع اليوم أن يقول الرق لايشكل جريمة ولايجرمه في القانون الذي يصدره.بالاضافة الى أن الاديان ضيقّت جدا من عقوبة الموت في نصوصها ولم تصل الى ما وصل اليه مشرعونا من عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالاعدام . أننا اليوم في مجتمعاتنا بحاجة الى دعم كافة الجهود الرامية الى للالغاء عقوبة الاعدام والبدء بحركة متنامية للتغيير سواء في الرأي العام بالدعوة بمختلف الوسائل لتغيير من ثقافة العنف والثأر والانتقام وأحترام حق الانسان في الحياة . والتركيز على الجانب الداعم لحق الانسان في الحياة في الديانات والثقافات والموروثات الاجتماعية, والوقت لم يفت كثيرا لتأسيس منظمات وحركات مناهضة لعقوبة الاعدام من رجال الدين والناشطين في مجال حقوق الانسان ,ورجال القانون, وكتاب وأعلاميين , وسياسين, ومنظمات المجتمع المدني, وجهد رائع لناشطين مصريين في تأسيس أول تحالف وطني في منطقتنا مناهض للاحتلال بحاجة للدعم وأن يكون حافزا في كل بلدان منطقتنا للبدء بالحركة المناهضة لعقوبة الاعدام بأسرع وقت.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |