|
تداولت وسائل ألأعلام المختلفة قضية إعدام وزير الدفاع العراقي السابق سلطان هاشم، وكأنها قضية العراق المركزية، التي يتوقف عليها مصير العراق ومستقبله، وأخذ الموضوع اهتماما واسعا ليس بمستوى الحدث، وتباينت الآراء بين داعيا لإعدامه ومدافعا عنه، وتضاربت آراء القادة السياسيين والدينيين حول تنفيذ الحكم من عدمه، فقد حذر معالي الأستاذ طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية، الحكومة العراقية من مغبة إعدامه، دون الحصول على مصادقة الرئاسة، في حين رفض رئيس الجمهورية فكرة الإعدام أصل، وطالب بصوت عال بضرورة إلغاء الحكم دعما للمصالحة الوطنية، ولتعاون وزير الدفاع السابق مع المعارضة واتصاله بالولايات المتحدة الأمريكية قبل احتلال العراق، فيما دعا القادة الأمريكيين إلى أعادة النظر في الحكم وعدم تنفيذه، وفي بيان غير مسبوق دعا المرجع الديني السيد علي السيستاني الى أيجاد الطريقة القانونية لتغيير الحكم حفاظا على الوحدة الوطنية ونجاح مشروع المصالحة، وكانت طلبات الكتل البرلمانية لا تخرج عن هذا الإطار، فكان الائتلاف العراقي الموحد الى جانب تنفيذ الحكم، استنادا للشرعية القانونية للمحكمة التي أصدرت القرار، وعدم جواز التدخل في قراراته، وضرورة محاسبة المسئولين عن جرائم النظام البائد، وما اقترفوا من تجاوزات ومظالم بحق العراقيين، فيما أخذت الأطراف الأخرى تدعوا لألغاءه والإفراج عن وزير الدفاع أو تخفيف الحكم ، فيما زيد في الطنبور نغمة بالمطالبة بإعفاء جميع العسكريين من الجرائم المنسوبة أليهم لأنهم مهنيين ومكلفين بواجبات تفرض عليهم التنفيذ حسب السياقات المعروفة في جيوش العالم، وبالتالي يتحمل أركان النظام السابق والقيادة السياسية السابقة مسؤولية الجرائم المرتكبة بحق العراقيين، فيما يعتبر الآخرين منفذين للأوامر، ويحاول رئيس الوزراء بشتى السبل أرضاء المعارضين لحكومته، وتنفيذ رغباتهم حفاظا على حكومته من الانهيار، وتنفيذا لوعوده السابقة بانجاز مشروع المصالحة وقانون المسائلة والعدالة. ولكن الشعب العراقي لم يقل كلمته في الأمر، رغم أنه الوحيد الذي ناء بأعباء ممارسات النظام السابق وتحمل الكثير من الظلم والاضطهاد، إلا إذا أعتبر قادة العراق أنفسهم الممثلين للإرادة الشعبية، فتكون قراراتهم معبرة بشكل أو آخر عن أرادة الشعب، ويبدوا أن الجميع تناسى المهم في القضية، وهو هل أن وزير الدفاع السابق مجرم أم بريء، ومن يقرر براءته من عدمه، هل يقررها السياسيون أم القضاء، وهل المطالبة بإلغاء الحكم أو تخفيفه تبرئة للنظام من جرائمه، فإذا كان وزير الدفاع بحكم مسؤوليته القانونية بريئا من الأعمال التي ارتكبت من قبل القوات المسلحة، فالأحرى أن يبرأ جميع منتسبي الجيش السابق والقوى الأمنية وباقي القيادات، وحصر التهم في القيادة الفعلية التي كانت تقود البلاد ممثلة بصدام وعائلته والمحيطين به من أبناء القرية والأنصار والأصهار، وأصحابه المؤثرين في صناعة القرار، وإلغاء التهم الموجهة للعاملين في دوائر الدولة وبالذات الجيش المنحل، وجيش المتقاعدين العسكريين الذين قاتلتهم الحكومة الحالية وقطعت أرزاقهم بقراراتها المجحفة الموجهة إليهم بالذات، ونالهم غبن لا مثيل له في التاريخ، وخصوصا في رواتبهم التقاعدية التي أقرت في قانون التقاعد الجديد، وكانت في الحد الأدنى من سلم الرواتب ولا توازي ما يستلمه أقرانهم في الخدمة حالي، في الوقت الذي كانت الحكومات السابقة منذ بدايات الحكم الوطني وحتى الآن تمنح للعسكريين امتيازات خاصة لطبيعة عملهم وما يتطلبه من دوام دائم لا علاقة له بدوام الموظفين المدنيين، وفي الوقت الذي يكون الدوام الرسمي لموظفي الإدارة المدنية ثمانية ساعات يكون دوام القوات المسلحة مستمرا دون انقطاع، وقد يضطرون لترك عوائلهم لشهور بسبب الحركات والإنذار وما تستدعيه طبيعة الحياة العسكرية، فكانت الحكومات السابقة تسن لهم قانونا خاصا يضمن لهم زيادة الراتب جزاء ما قدموا من خدمات، ، وهذا الإجحاف الذي سكت عنه الجميع عندما أقر القانون الجديد، إعدام لأكثر من مليون عائلة من المتقاعدين العسكريين، ومن الغرائب التي لا تحدث إلا في العراق الجديد، عراق الديمقراطية والشفافية وحقوق الإنسان، فكان الأولى بالمدافعين عن وزير الدفاع العراقي الفرد، أن يرفعوا أصواتهم للدفاع عن متقاعدي الجيش السابق الذين لحقهم الظلم والإجحاف بصورة خاصة لأسباب غير خافية على الجميع، رغم أنهم يستحقون أكثر من هذا الظلم لعدم اهتمامهم بمصالحهم وانتخابهم لمن يطالبون بقطع أرزاقهم من النواب الحالين، الذين يسنون القوانين التي ترفع من مستواهم بما يجعل رواتبهم تعادل راتب الوزير وينسون الأغبياء الذين أوصلوهم الى هذا المكان. وهناك أمر آخر قد أخالف فيه الجميع، وقد يبدوا نشازا بين آراء المدافعين عنه والداعين لإعدامه، ذلك أن وزير الدفاع يستحق الإعدام ليس بسبب جرائمه بحق العراقيين وتنفيذه أوامر النظام البائد فقط، وإنما لخيانته العظمى لشرف العسكرية بتواطئه مع الاحتلال وعمله مع المخابرات الأمريكية كما أعترف بذلك أحد الضباط الأمريكيين، ويصرح به بعض القادة العراقيين، واتصاله بالأمريكيين وتقديم العون لهم باحتلال العراق رغم الفضل الكبير بخلاص العراقيين من النظام السابق، فهذه الخيانة المهنية يستحق عليها أكثر من الإعدام، إضافة لما أرتكب من جرائم بشعة بحق العراقيين، وقيامه بتهجير الأكراد، وقتل الأبرياء، في الحروب العبثية التي كان يقودها لتنفيذ أوامر سيده المهزوم. ولا أدري كيف لضباط الجيش العراقي السابق، الذين خرجوا عبر وسائل الأعلام للدفاع عنه، أن يرتضوا لأنفسهم الدفاع عن خائن للتقاليد العسكرية مهما كانت الأسباب والمبررات، وكان من الشرف له أن يموت دفاعا عن العراق وشرفه العسكري، وليس دفاعا عن نظام مقيت أرتكب الكثير من الجرائم بحق العراقيين، ويبدوا أن أطراف الصراع في العراق جعلت من وزير الدفاع السابق بيضة القبان في صراعها وفرض أرادتها رغم عدم أهميته السياسية والشعبية سابقا ولاحق، فلم يكن غير إمعة في زمن النظام المقبور، وجبانا رعديدا بعد انهياره، ولكن الصراع ليس على رأس وزير الدفاع وإنما صراع من أجل فرض الإرادة ولي الذراع، وسنرى لمن يكون الانتصار في هذه المعركة التي تخفي وراءها الكثير من الأسرار الضائعة خلف الكواليس.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |