|
تصاعدت وتيرة التهديدات التركية باجتياح كردستان العراق، على خلفية العمليات العسكرية لحزب العمال الكردستاني التركي، وأدى هذا التصعيد إلى ردود أفعال متباينة للأطراف الداخلية والخارجية، وكان الموقف الدولي بشكل عام يدعوا إلى التهدئة وضبط النفس، واللجوء للوسائل السلمية في حل النزاع وإنهاء المشكلة، فيما كان للعراق مواقفه المتباينة لتعدد مراكز القرار فيه، فقد وقع وزير الداخلية العراقية، اتفاقية مع الحكومة التركية منحها الحق باللجوء للخيار العسكري لمطاردة الثوار الكورد، فيما كان للتحالف الكردستاني موقفه الرافض للاتفاقية والمطالبة بمسائلة وزير الداخلية واستجوابه في البرلمان، والدعوة لأجراء حوار مع الحكومة التركية، في الوقت الذي رفضت تركيا الاعتراف بالحكومة الكردية، مما جعل الإقليم يعلن التعبئة والتصدي للعدوان في حالة الاجتياح التركي، وكانت المواقف الرسمية متناقضة اتجاه القضية، ففي الوقت الذي تدعوا فيه الحكومة العراقية إلى عدم اللجوء للخيار العسكري، تعطيها الإذن بدخول الأراضي العراقية ، وتعلن عن عزمها على منع حزب العمال من اتخاذ الأراضي العراقية مقرا لمهاجمة الجيش التركي، رغم أنها عاجزة عن اتخاذ أي أجراء عسكري لمطاردة المعارضة الكردية، وعندما يزور نائب الرئيس العراقي تركيا بزيارة وصفت بالشخصية، توحي تصريحاته بالوقوف إلى الجانب التركي في العدوان على كردستان، كما أن لجبهة التوافق موقفها المهادن للترك بالضد من الحكومة الكردية، وكان للأطراف العراقية الأخرى ذات المواقف المتباينة التي تعبر عن عمق الاختلاف في الأهداف والتصورات. وقد صعد حزب العمال الكردستاني من لهجته، رغم موقفه الداعي للحل السلمي والاستعداد لوقف القتال واللجوء إلى المفاوضات، ولكن العنت التركي وعدم اعترافه بالمقاومة الكردية، دفع الحزب للقيام بأعمال عسكرية في العمق التركي أدت إلى قتل وإصابة بعض الجنود الأتراك، فيما هدد بالقيام بعمليات تفجير أنابيب النفط المارة بالأراضي العراقية باتجاه الأراضي التركية، وهذا ما أثار حفيظة حكومة الإقليم التي قررت مواجهة مثل هذه الأعمال والتصدي له، مما يجعل الوضع ينحدر باتجاه مواجهة شاملة قد تعصف بالأمن والاستقرار في إقليم كردستان. ويبدوا أن الرئيس السوري بشار الأسد يتحين الفرص للأضرار بالعراق وشعبه في موقفه المؤيد للعدوان التركي واجتياح الأراضي العراقية، وهي سابقة خطيرة توحي بمدى الحقد الدفين للحكومة السورية على العراقيين، والحقد التاريخي الذي جعل العراق عبر الكثير من الحقب التاريخية عرضة للمؤامرات السورية الرامية إلى زعزعة الاستقرار ، وهذا العداء التاريخي يخفي وراءه الكثير من الأهداف والغايات، ويعبر عن الأطماع السورية في العراق، واعتباره العمق الاستراتيجي لسوريا والمكمل لوجودها لما فيه من ثروات هائلة يسيل لها اللعاب. وفي ضوء التصعيد من قبل الأطراف المختلفة، واحتمالات المواجهة العسكرية التي تضر بجميع الأطراف، كان على الأمم المتحدة ومجلس الأمن عقد اجتماع طارئ لمناقشة الصراع في المنطقة قبل نشوب الحرب، وإراقة الدماء، وإلزام الحكومة التركية، بضرورة مراعاة حقوق الإنسان وإعطاء الكورد القاطنين في تركيا حقوقهم القومية المشروعة التي أقرتها المعاهدات الدولية في حق الشعوب في تقرير المصير، فالشعب الكوردي في تركيا لا يزال يعامل بعنجهية وازدراء رغم الأدعاآت الديمقراطية للحكومة التركية، ولا يزال المواطن الكوردي ممنوعا من ممارسة أنشطته الثقافية والادعاء بانتسابه القومي واعتباره مواطنا من الدرجة صفر، وليس له من الحقوق ما يجعله على قدم المساواة مع المواطن التركي، ولا يحق له التكلم بلغته أو ارتداء زيه القومي، ناهيك عن الاعتراف بالكورد كقومية لها حقها القومي في تقرير مصيرها وتكوين إقليمها الخاص الذي يحفظ لها مقوماتها القومية أسوة بالقوميات الأخرى المعترف بها في الدول الديمقراطية، وهذه الشوفونية التركية المقيتة سبق للترك أن مارسوها مع الشعوب المستعمرة التي كانت تحت احتلالها أو هيمنته، وما تعاملوا به مع تلك القوميات من ظلم واضطهاد ومحاولات لمسخ أرومتهم وتتريكهم بالقوة، مما يجعل العالم المتمدن أمام مسؤولياته في ضرورة أقرار الحكومة التركية بالحق القومي للأكراد، في أقامة الحكم الذاتي على الأراضي الكردستانية التي تناهبتها دول المنطقة في مؤامرة دولية كبرى لتمزيق الأمة الكردية ذات الأصالة المعروفة عبر التاريخ، وعلى مجلس الأمن تحمل مسئوليته التاريخية لإيقاف التداعيات في المنطقة، وأجراء استفتاء عام تحت أشراف دولي لتقرير مصير الشعب الكوردي الرازح تحت نير الأنظمة الدكتاتورية التي تسومه القهر والتنكيل عبر عقود من السنين، والتخلص من الهيمنة المقرفة للحكومة التركية التي تحاول الدخول في الإتحاد الأوربي، رغم ممارساتها التعسفية البعيدة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. أن الحركة الكردية المسلحة في تركيا ، حركة تحررية تنزع للخلاص من حكم جائر، ولا يمكن اعتبارها إرهابية، والدفاع المشروع عن النفس أو للحصول على حقوق مشروعة لا يمكن أدراجه تحت قائمة الإرهاب.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |