|
قرأت قبل أيام مضت وصارت هباء منثورا ولن ينفع الندم عليها ولن تعود أبدا، مقالا للكاتب صلاح مهدي عبد الكريم منشور في صحيفة صوت الأهالي ذي العدد (168) وقد تناول فيه قضية هي من اخطر وأعظم القضايا اهتماما من قبل الشعوب والمجتمعات والأفراد نساء ورجالا كبار وصغارا شيوخا وأطفالا ألا وهي مسالة الحب، وقد استعرض الكاتب في مقاله أنواع الحب حسب تصنيف مجموعة من الباحثين في هذا الشأن. وقد ذكروا ان هناك خمسة أنواع فقط للحب وهي الحب الفطري الذي يخلق مع الإنسان كحب الله وحب الوالدين وحب الأهل وبعده حب الأصدقاء بعد الظفر بهم بصعوبة والثالث هو الحب العاطفي أي حب الحبيب الذي يأتي بغتة ودون أن نشعر به أما الحب الرابع فهو حب الإخوة وفسره بأنه يعني الحب الأخوي وليس حب الإخوان حصرا واختتم الأنواع بحب الروح والعقل ووضعه بالمرتبة الخامسة وسماه مسكا ويقول الكاتب إننا بحاجة ماسة إليه وضرب مثلا إننا حينما نحب كاتبا فلعقله وروحه وطروحاته وليس لونه وشكله وطائفته ويضيف ان هذا الحب هو أقوى من حب الإخوة . أريد هنا أن اعلق على تلك الأنواع بصورة موجزة ومن ثم أضيف نوعين آخرين نسيهما أو تناساهما الإخوة الباحثون. فلا اعتقد ان كل البشر يمتلكون سمة حب الله وحب الوالدين وحب الأهل وهو ما اسماه بحب الفطرة فكثير من الناس لا يعترفون بالله ربا ولا بالوالدين رحمة ولا بالأهل عشيرة ، أما الأصدقاء فإننا لا نحبهم وإنما هي حاجة في النفس ومصلحة معينة تجعلنا نتقرب لهذا الصديق ونبتعد عن ذاك حسب الظروف وحسب الفائدة المرجوة فليت شعري متى رأينا صداقة خالدة إلا ما ندر كندرة الفسفور الأحمر! إذن فعلاقتنا بالأصدقاء ليست حبا وإنما هي رغبة وحاجة ، وبخصوص الحب العاطفي فهو نوع لا يستطيع أي إنسان في الوجود أن يتجاهله فهو اصدق من أن نرفضه ولا نعترف به لأنه يأتي على حين غفلة ودون موعد وإذا استوطن القلوب أسرها وأبكاها ودمرها وأعماها فهو كالقدر المقدر لا سلطان عليه إنما هو السلطان على الجميع واعتقد إن من لا يمتلك حبا لا يمتلك قلبا والحديث حوله يطول ولنذهب إلى النوع الرابع وهو حب الإخوان واعتقد ان الكلام عن الأهل والوالدين ينطبق عليه تماما ولا داعي للإعادة ، أما النوع الخامس –المسك- فهو حب الروح والعقل وهذا لعمري من الواضح انه ليس حبا وإنما إعجابا لأنني حينما أحببت علي الوردي وأنت حينما أحببت المتنبي وذاك حينما عشق شكسبير فإننا لم نعش معهم ولم نجربهم في الشدائد والملمات وإنما أعجبتنا كتاباتهم ولو اطلعت على صفاتهم الشخصية وتقربت منهم فاحتمال أن نولي منهم فرار ونملأ منهم رعبا. أما النوعين الذين نسيهما الباحثون فالأول هو حب الوطن الذي لا يستطيع إنكاره ناكر أو تجاهله جاهل فكل أبطالنا الخالدين في ذاكرة الشعوب ماتوا حبا بوطنهم وقتلا في سبيله والعراق من أكثر الدول التي تقدم القرابين المقدسة على مذابح الحرية ، أما اشد وأشرس واخطر أنواع الحب وهو الذي ابتلينا سابقا ونبتلي به في الوقت الحاضر فهو حب النفس الأمّارة بالسوء فإنها من أعدى أعدائنا وامكر شياطيننا فإذا ما تعلقنا بها فالويل لنا والويل لمن يقف بوجهنا في أي أمر وأية مسالة، فرب الأسرة إذا ما أحب نفسه وكانت الأنانية قرينه فيا حسرة على عائلته وأطفاله منه ، سيريهم الويل والثبور ويستعبدهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون، والشيء عينه ينطبق على الحاكم والرئيس والوزير والنائب في البرلمان ، فإذا ما تحكمت به نفسه وصار يطيعها في الصغيرة والكبيرة ولا يرى ولا يسمع لعقله فسيدمر شعبا كاملا لا أفراد وسيذيقهم المرار والألم والدموع لأنه فضّل نفسه وأطاعها تلبية لرغبات وغرائز وشهوات حيوانية على مصالح الآخرين وقد رأينا ذلك سابقا ونعاني منه في الوقت الحاضر. فهل يستطيع احد أن يقول لي ان هناك حبا اشد واخطر وافضع من هذا الحب!!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |