|
يبدوا أن الصراع السياسي في العراق الذي أتخذ الفكر الطائفي منهجا له، بدء يأخذ مسارات جديدة، ليدخل في مسارب الحياة المختلفة، ويلج في أبسط دقائقه، وبعد أن كان لا يتجاوز طبقة الفقهاء واجتهاداتهم في استنباط الأحكام وتفسير القرآن ورواية الحديث، اخذ بالتطور مع الزمن ليلج الأوساط الشعبية والعلمية والسياسية والثقافية، ويمتد في مفاصل التربية والتعليم، بشقيه الواطي والعالي، وفي مجالات المناهج والتعليم، وبدء التقاسم في هذين الجانبين بإسناد وزارة التربية لجهة والتعليم العالي للجهة الأخرى، فكان الصراع بين الجانبين لا هوادة فيه أخذ أبعادا مختلفة حتى وصل للعمل المسلح، والخروج على التعليمات، وانحدر إلى الجانب العلمي منه، وتحت ستار أخفاقات وزارة التربية في تأمين الحماية للمراكز الأمتحانية، وسرية الأسئلة وما دار من أخبار تسربها إلى الأسواق المحلية، وهيمنت بعض الجماعات المسلحة على المركز الأمتحانية تحت واجهات عقائدية مختلفة، وهو أمر تنفيه وزارة التربية نفيا قاطعا وتصر على عدم حدوثه، مما جعل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تتخذ قرارا غريبا في أبعاده، بحجة ضمان المستوى العلمي للطلبة المقبولين في الجامعات، فدعت لأجراء امتحان شامل لطلاب الكليات العلمية في المجموعتين الطبية والهندسية، لفرز الطلاب الذين حصلوا على نتائج عالية دون وجه حق، بواسطة التسهيلات التي أشرنا إليها سابق، وقد تناست الوزارة الكريمة أن من حصلوا على الدرجات العليا بطرق غير مشروعة ، قادرين على اجتياز الامتحان بالطرق ذاته، وربما تفوق من كان منهم بمعدل أدنى لا يؤهله الدخول إلى هذه الكليات بما سيمنح له من درجات اعتباطية نتيجة رأي لجنة مشرفة من ذات الطينة التي باعت الأسئلة أو سربته، أو استعملت وسائل رخيصة في تصحيح الدفاتر والأشراف على الامتحانات، تحت أعذار سخيفة لا علاقة لها بالعلم، ولكي يكون لهذه الجماعة أو تلك مكانها المتميز في هذه الكليات في سباق طائفي محموم ليس له مثيل في العالم القديم والجديد، وسيكون للمحسوبية والمنسوبية والعلاقات الجانبية، وتأثيرات كبار المسئولين أثرها في نتائج هذا الامتحان التي لا تخضع للمعايير العلمية السليمة في منح الدرجة، مثل مفهوم نسبة الذكاء التي منح أمر تمييزها لشخص لا يتمتع بأي ذكاء، وحشر بين أساتذة العلم بشهادة غير علمية ، بل شهادة سياسية كانت تمنح لمن كان سائرا في ركاب الحاكمين، إضافة لمن قدموا بشهادات مزورة من جامعات وهمية واستحوذوا على المراكز العلمية بطرق بعيدة عن العلم، وهذا الأمر سيزيد الطين بله ويحرم الكثير من فقراء الطلبة ممن حصلوا على درجاتهم بجدارة واستحقاق، لتذهب أماكنهم إلى أبناء الطبقة الجديدة والنفعيين والانتهازيين وأصحاب الأموال، وسيؤدي إلى ظلم كبير لطلبة متميزين أهلهم جدهم واجتهادهم للحصول على أعلا الدرجات، وهذه اللجان مهما بلغت درجة نزاهتها – رغم فقدان النزاهة – فستكون عونا للقوي على الضعيف في بلد للسلاح فيه كلمته التي لا تقبل النقض والتأجيل، وهذا القرار سيودى بالتعليم العالي إلى أدنى مستوياته لعدم ارتكازه على أسس سليمة تسهم في البناء الجديد للعراق، وسيكون للصراع الطائفي تأثيراته المميتة على المستوى العلمي للطلبة، لذلك نرى أن يكون للتعليم حياده الواضح وإيكال أمر هذه الوزارات لقيادات بعيدة عن جميع أوجه الصراع الدائر في العراق، وتسنمها من كفاآت من غير اللاعبين في الساحة العراقية، حتى لا ينسحب الصراع إلى معاهد العلم، وما يعقبه من نتائج وخيمة على مستقبل الأجيال اللاحقة في العراق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |