تركيا: هل أزفت الساعة..؟!

 

باقر الفضلي

حبست الأنفاس، وإشرأبت الأعناق نحو السماء، وزاغت الأبصار، وإهتزت الجدران الطينية، وإلتصقت أجساد الأطفال بأحضان الأمهات.. إنها الطائرات من جديد..

إنه الكابوس يخيم على الرؤوس، ودوي القنابل يزلزل الأرض تحت الأقدام، ويقض مضاجع الآمنين..

الطائرات التركية تحلق كالصقور الكاسرة، زارعة الخوف والهلع في قلوب النساء والأطفال والشيوخ في ذرى ووديان كوردستان، في وقت كان فيه الساسة الأتراك والعراقيون يجتمعون على طاولة المباحثات في أنقرة، أملاّ في إيجاد صيغة سلمية لحل إشكالية تواجد المفارز المسلحة لحزب العمال الكوردستاني PKK في التخوم الحدودية..!؟

إنه بحق، موقف تراجيدي آخذ بالعصف بالمنطقة، إن لم تنزل معجزة من السماء، ويعود أصحاب القرار الى رشدهم، بعد أن أصبحت الصورة أكثر وضوحاّ وبانت الخطط العسكرية التركية جلية على أرض الواقع، رغم كل الدعوات والتمنيات التي أطلقها محبي السلام من جميع أرجاء العالم..!

إعلان فشل المباحثات في أنقرة بسبب رفض الجانب التركي للمقترحات العراقية، وبغض النظر عما تكون عليه هذه المقترحات، وعودة الوفد العراقي الى بغداد، يضع الجميع، من أنصار الحل السلمي للأزمة التركية - العراقية، ناهيك عن الموقف الصعب الذي سيواجه الحكومتين الإتحادية وحكومة إقليم كوردستان، أمام حالة من التحدي والتعقيد؛ حالة أوصلت جميع محاولات التشبث بالحل السلمي الى طريق شبه مسدود، أو هكذا يلوح به أصحاب الحل العسكري، لما إتسمت به من موقف الإصرار على التمسك بالنهج العسكري لحل الأزمة بإعتباره النهج المفضل لدى الجانب التركي..!؟

إن ما سيترتب على فشل المباحثات من جهة، وإصرار الجانب التركي على التمسك بالحل العسكري لحل الأزمة من جهة أخرى، سيكون من الخطورة ما يصعب على التصور؛ وسوف تنسحب تداعياته ليس على التنظيمات العسكرية لحزب العمال الكوردستاني، كما تعلنه الأوساط العسكرية التركية حسب، بل ستشمل هذه التداعيات بنتائجها المدمرة، مديات أوسع من السكان و مساحات أكبر من الأراضي والأقاليم، و ستكون أبعادها على الصعيد السياسي، أكثر شمولاّ وستجر الى أتون الصراع أطرافاّ أخرى من دول الجوار، أما على الصعيد الإقتصادي، فحصادها سيكون خراباّ ودماراّ للحرث والنسل لا يحصيان..!

لا جدال في الأمر، فإن الحل العسكري للأزمة القائمة، وطبقاّ لوجهة النظر التركية " بعد أن نفذ صبرها" هو من أسرع الحلول، ولكنه في عين الوقت، من أسوئها إطلاقاّ، وإن اللجوء اليه لا يعبر عن بعد نظر عقلاني أو حكمة سياسية، بل هو العكس بعينه؛ أو على حد تعبير المثل العراقي الشهير: " إجه يكحلها عماها" ..!

 فالموقف السياسي والميداني الذي يواجه حكومة السيد رجب طيب أردوغان هو من التعقيد والتشابك على الصعيدين الداخلي والإقليمي وكذلك على الصعيد الدولي، ما يتطلب معه المزيد من الدراسة والتدقيق وحساب النتائج المحتملة للعمل العسكري المقترح من قبل أركان حربه، وما سيأتي به حساب تكاليف النتائج التي ستترتب على ذلك. ومن الحكمة القول؛ أن في ردود الفعل الأوروبية السلبية على النوايا التركية بالإجتياح ما يغني عن البيان..!(1)

 لا أظن أن مستشاري السيد أردوغان السياسيين بغافلين عن كل ذلك، ولا أعتقد أيضاّ، أن الدولة التركية الحديثة راغبة أن تمهد الى دخولها منظمة الإتحاد الأوروبي، من خلال بوابة مضرجة بدماء الأطفال والنساء والشيوخ وكل الأبرياء من أبناء الشعب الكوردستاني، سواء من كان منهم في تركيا أم في العراق، في وقت لم تعدم فيه الحلول السلمية، ولم تغلق فيه الطرق اليها، حينما تتوفر حسن النية لدى الجميع ويجري تفهم موضوعي لأبعاد الأزمة وإحتمالات منزلقاتها الخطرة ، فالجنوح الى السلم هو أسلم الحلول..!

(1)http://ara.today.reuters.com/news/NewsArticle.aspx?type=topNews&storyID=2007-10-27T145217Z_01_OLR753293_RTRIDST_0_OEGTP-TURK-IRAQ-REBELS-MM1.XML

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com