|
في صبيحة 8 شباط المشئوم /1963 كان الرفيق أبو حاتم في منزل الرفيق محمد الحكيم عضو محلية النجف،مسئول الكوفة،وإذا بطرق على الباب،ودخل الفقيد صالح ألرازقي وهو يصيح بصوت مرتفع "انقلاب فاشي وعلينا التهيئة لمواجهة الانقلابيين"،خرج والرفيق معن بصحبته وأتصل بالرفاق في منظمة النجف،وأرسل موفد إلى الكوفة،وأتصل بالرفيق علي النوري مسئول كربلاء وعضو محليتها،وأتصل بالمدن الأخرى بواسطة الهاتف برموز متفق عليها،وبدء بالتحشيد لمظاهرة كبرى أضطلع الرفيق الشهيد البطل محمد موسى بقيادتها وهيأ لها وبذل جهدا استثنائيا في تحشيد المتظاهرين للسير باتجاه ساحة الميدان في النجف،وكانت الهتافات المدوية تركز على الموت للانقلابين والاندحار للانقلاب الفاشي،والتركيز على كذب أدعاتهم بمقتل عبد الكريم قاسم من قبيل(زعيمنا سلامات موتوا يبعثية)أو (موتوا يرجعية)وكانت المظاهرة سلمية لم يعبأ لها الإسناد المسلح،وهذا من الأخطاء الفادحة التي أرتكبها الحزب في تلك الفترة،بعدم التهيئة لتكوين فصائل مسلحة تأخذ على عاتقها مواجهة التطورات المحتملة في العمل السياسي،لأن لكل ظرف طبيعته وآلية التعامل معه،والعمل وفق الظرف الطارئ،وهذه الأخطاء المميتة وراء النكبة التي أحاقت بالحزب بعد الانقلاب،إذ انتشرت عصابات الحرس القومي،التي رغم ضآلتها العددية إلا أنها تحمل الأسلحة الرشاشة وتحضا بدعم بعض الأوساط الرجعية والدينية التي منحتها الشرعية باستباحة المناوئين لهم،وما جرى من أعمال جبانة وقتل وانتهاكات،وقد أحكمت هذه العصابات سيطرتها لعدم وجود القوى المسلحة القادرة على إيقافها،رغم الكثرة العددية للمناوئين للانقلاب،بسبب ضعف القيادات المكلفة بالعمل العسكري،وتكليف الجبناء بقيادتها أمثال هادي هاشم ألأعظمي،الذي أستسلم وأنهار ووشى برفاقه وأرشد الأمن والحرس القومي إلى الأوكار الحزبية ومخابئ الرفاق ودور الطباعة،وهذا ما حذر بعض الرفاق منه،وطالبوا بالعمل الحاسم وضرورة انتهاج سياسة جديدة تلاءم المرحلة بسبب تراجع عبد الكريم قاسم وارتمائه في أحضان الرجعيين وميله إليهم لأسباب عديدة ليس هذا محل تناولها،ولكن ما جرى قد جرى ،ويجب تلافي الأخطاء والعمل للخروج من هذه الكارثة بأقل الخسائر،لذلك جرى التشاور لتشكيل فرق صغيرة للقيام بأعمال المقاومة،وفي اليوم التالي وردت الأخبار من قيادة المنطقة بوجود تحرك عسكري في الديوانية،،فتهيأ الرفاق لتنفيذ الخطط المتفق عليها،وعند التحرك الفعلي تلكأ الرفاق العسكريين بالتحرك وأخذت الأوضاع تزداد سوءا في اليوم الثالث ،وانتشرت عصابات الحرس القومي في المدينة،والقي القبض على الرفيق محمد موسى بوشاية من خالته التي تعرف مخبأه ،وقد قاومهم بضراوة الثوري البطل إلا أن الكثرة تغلب الشجاعة،فالقي القبض عليه وعذب تعذيبا وحشيا،فقد وضع رأسه في (المنكنة) وقام البعثيين الأوباش بدق مسمار في رأسه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يلعن البعث ويهتف بحياة حزبه المجيد وشعبه البطل،وكان استشهاده البطولي مبعث عزم للآخرين للمقاومة الباسلة حتى النهاية. وقد أعطى الشيوعيين الأبطال دروس رائعة في الشجاعة والتضحية والأقدام ومقاومة الجلادين،وقتل المئات منهم تحت التعذيب البشع لأزلام البعث في قصر النهاية والمعتقلات الأخرى،وقدموا دروسا رائعة في الصمود والمبدئية العالية لا تمحوها الأيام ولا زالت ماثلة في أذهان الشعب العراقي،الذي خبر البعث ومن سانده،وعرف مواقفهم الجبانة وأعمالهم الإجرامية التي يندى لها الجبين،وما قاموا به من أفعال لا تنسجم مع القيم الشريفة،رغم مساندتهم من أطراف تدعي الإنسانية والدين،وكان الموقف البطولي لقيادة الحزب وسكرتيره العام سلام عادل،وصموده البطولي في قصر النهاية وما قام به الجلاد محسن الشيخ راضي ألبعثي القذر من أعمال بشعة،جعلت الشيوعيين الآخرين يندفعون أكثر في المقاومة وعدم الاستسلام،والصمود حتى النهاية،وتشكيل الفصائل المسلحة التي أخذت على عاتقها القيام بأعمال بطولية في قتل عناصر الحرس القومي ومهاجمة المقرات. في ظل هذا الوضع،واشتداد المطاردة،وعنف البعث وجلاوزته،أضطر للتنقل من مكان إلى آخر لضرورات الصيانة،وما يتطلبه العمل السري من يقظة وحذر،وتمكن من الاتصال برفاق كربلاء والكوفة بواسطة أحدى الرفيقات،التي قامت بالمهمة خير قيام،لما تتحلى به من الشجاعة والبسالة والاستعداد للتضحية والبذل،ومن خلالها تمكن من أعادة الصلة ببعض الرفاق في النجف،وقررت لجنة المنطقة في وقتها ذهاب الرفاق صالح ألرازقي وزكي خيري إلى أبو صخير بالتنسيق مع منظمة الريف،والتقى بالرفيق باقر إبراهيم والرفيق عدنان عباس عضو منطقة الفرات الأوسط آنذاك،وطلب منه البقاء في النجف لإعادة الصلات التنظيمية بالرفاق والخلايا المبعثرة،فقام بالمهمة خير قيام رغم صعوبات العمل في تلك الفترة بسبب الأوضاع الأمنية المضطربة،وبعد فترة ورده أمر من الرفيق أبو خولة بالتوجه إلى الريف وتسليم منظمة النجف،فتوجه إلى ريف الشامية بدلالة الرفيق عبد العظيم عضو هيئة قضاء الشامية،وواصلو مسيرهم باتجاه منطقة الحفر،وعند وصولهم إلى المكان المثبت في الرسالة،رفض صاحب الدار استقبالهم،أو تقديم المساعدة لهم،فطلب منه إحضار شخص أسمه(علوان)وأسمه الحزبي فيصل وهو عضو لجنة قاعدية،وعندما جاء علوان أستقبله بحرارة فأخبره بالأمر،فرتب له الانتقال إلى بيت سيد جعفر الذي يرتبط بمعن بعلاقة قديمة،وهناك وجد الرفيق عدنان عباس،فأخبره بما جرى في الحفر،ثم تناولوا ما تيسر من طعام،وأنتقل ليلا مع أبو تانيا رغم برودة الجو وهم حفاة إلى منطقة (الجدية)التابعة لقضاء الكوفة،وظل في تلك المنطقة يومان،ثم أنتقل مع الرفيق حسين أبو خبط مرشح منطقة آنذاك،بواسطة مشحوف عبروا به شط الشامية،وأنتقل إلى منطقة(غضيب) في منزل السيد عبد زيد عضو لجنة الشامية – أبو صخير،وهناك تناهى إلى أسماعه خبر المعركة التي خاضها الشيوعي البطل(عباس أبو اللول)مع مسئول الحرس القومي المجرم محمد رضا الشيخ راضي،شقيق المجرم محسن الشيخ راضي،وكان أبو اللول يحمل بندقية صيد فأطلق عليه محمد الشيخ راضي النار وجرحه جرحا بليغا،فما كان من الشهيد عباس إلا أن وجه إليه بندقيته وأطلق عليه النار فأرداه قتيلا غير مأسوف عليه،وأخلي أبو اللول إلى المستشفى وقتل هناك بعد أن رفض الإرشاد على مخابئ الرفاق،أو الإدلاء بأي معلومات تعيين الأجلاف في الانتقام من الشيوعيين،وكانت خسارة الحزب كبيرة باستشهاد الرفيق البطل المعروف ببسالته وإخلاصه وتفانيه في الدفاع عن المبادئ الشيوعية النبيلة. كان في بيت السيد عبد زيد الرفاق باقر إبراهيم وصالح ألرازقي وعدنان عباس،فعقدوا اجتماعا تدارسوا فيه الموقف وكيفية أعادة الارتباط بالمركز،وتوزيع العمل التنظيمي،وتقرر حينها ذهابه مع صالح ألرازقي إلى بابل،والاتصال بالرفاق هناك،وكان أبو حاتم غير مقتنع بذهابه للعمل في تنظيمات بابل لكونه معروفا في المنطقة ومطلوبا من قبل السلطة،وكذلك كان رأي الرفيق أبو تانيا،ولكن لم يجد بدا من تنفيذ الأمر رغم عدم قناعته به،وتوجه مع صالح ألرازقي بدلالة أحد رفاق الشامية،وبعد مسيرة طويلة وصلوا إلى بيت أحد الرفاق وناموا لديه تلك الليلة،وفي الصباح طلب منهم مغادرة البيت لخوفه من انتقام السلطة،وعندها توجهوا بواسطة المشحوف إلى بيت الرفيق سلمان الذي أستقبلهم بحرارة بالغة ،وهيأ لهم وجبة عشاء دسمة بعد يومين من الجوع،وطلبوا منه الاتصال بالرفيق (محسن البديري) المعروف في المنطقة بوصفه من رجال الليل المشهورين،وعندما جاء سلم عليهم وسلموه رسالة أبو تانيا التي يطلب فيها مساعدتهم في الوصول إلى قرية البو شناوة(قرية كاظم الجاسم)وفي الصباح انتقلوا إلى الصوب الثاني من الهور(الصليجية) وبعد أن استقروا لساعات ركبوا المشحوف ثانية وتوجهوا إلى ريف القاسم،وناموا في أحد البيوت،ومنه إلى قرية البو شناوة ووصلوها مساءا فترك رفاقه في البستان وذهب لأخبار أبو قيود فوجد زوجته ووالدته وهو معروف لديهم،فطلبت منه الذهاب إلى البستان،وأنتظار ه هناك،وبعد ساعة جاءهم فذهبوا إلى حيث اختبأ الرفاق في المخابئ والتقوا بالرفاق ناظم كاظم وآخرين،وباتوا تلك الليلة في المخابئ التي أعدها الرفيق أبو قيود لإخفاء المطلوبين،وفي صباح اليوم التالي عقد اجتماع للموجودين أداره الرفيق صالح ألرازقي،جرى خلاله توزيع العمل بين الرفاق،فأنيط مسؤولية ريف الكفل بالرفيق أبو قيود،وإسكان الرفيق صالح ألرازقي في بيت أبو حسين في منطقة البو طيف،ومعن وناظم يتوجهون إلى ريف المدحتية والهاشمية والقاسم ومشروع المسيب،ولعدم أمكانية الرفيق ناظم على الحركة في الأرياف لأنه من أبناء المدن الذين لم يعتادوا حياة الريف وما فيها من مشاكل،أستقر في بيت أحد الرفاق،والتقى أبو حاتم بالرفيق (حسين أبو جمهورية) وطلب منه مرافقته لكونه من المعروفين في المنطقة،ويحضا باحترام أهاليها،وأتصل بالرفاق في الكصيرات وعقد اجتماع لهم وزع بموجبه العمل بينهم وضرورة تشكيل فرق لشن هجمات على مقرات الحرس القومي،والعناصر الرجعية التي كانت تساعد البعثيين بإرشادهم إلى مخابئ الرفاق،وقام بزيارة عدة مناطق لتوزيع الأعمال وتحديد الواجبات،وتمكن من أعادة الصلة بقيادة الحزب في بغداد التي كانت بقيادة الرفاق جمال الحيدري وأبو سعيد وصالح العبلي،وبعد توطيد الصلة أستلم رسالة من الرفيق أبو خولة بالذهاب لاستقبال الرفاق الثلاثة،وتم تشخيص قوة مسلحة لاستصحاب الرفاق في المكان والموعد المحدد، وتأمين الحماية لهم ،وسمعوا من الراديو خبر إلقاء القبض عليهم،في الوقت الذي كانوا يعولون كثيرا عليهم في أعادة بناء الحزب،والعمل ضد الانقلابيين،وتنشيط الحركة المسلحة لما تتطلبه الظروف من عمل بعيد عن السياقات التقليدية للعمل السياسي،وكانت ضربة موجعة للحزب،على أثر الضربة الكبرى باعتقال قيادته السابقة وتصفيتها،ومداهمة أوكاره السرية ومراكز الطباعة،ولكن الحزب لا يموت،فسرعان ما تبرز قيادات جديدة تتولى المهمة وتعيد البناء،ليعود الحزب كما كان قويا يهزأ بعاصفات الرياح. بعد ذلك بأيام تمكنت لجنة الفرات الأوسط من أعادة الصلة بالمنطقة الجنوبية عن طريق منظمة الناصرية والكوت ومعسكر أبي غريب،ونظمت المراسلة معهم وتمحورت مواضيع الاجتماعات على دراسة وأعداد الخطط الكفيلة بمحاربة الانقلابيين،ودراسة قصيدة ألجواهري التي أذيعت من براغ،وما فيها من أفكار ثورية تدعوا للنهوض ومواجهة الانقلاب الفاشي وجماعات البعث وحرسه القذر. وأخذ العمل التنظيمي مجراه الطبيعي رغم قيام الحرس القومي والأمن بتضييق الخناق على تحركات الشيوعيين،والقيام بمداهمات كثيرة لأصدقائهم بحثا عن المطلوبين وإلقاء القبض عليهم والتنكيل بهم وإسقاطهم سياسيا أو تصفيتهم جسديا،وفي أحدى جولاته في ريف القاسم وكان يرافقه حسين أبو جمهورية،وقد شعرا بالتعب وأمض بهم الجوع،وكان الناس تلك الأيام يعملون بفطرتهم ويتمسكون بعاداتهم وتقاليدهم ،فليس غريبا أن تدخل أي بيت لتناول الطعام دون معرفة مسبقة،لذلك دخلوا إلى أحد البيوت،وسلموا على صاحبه،وقدم لهم ما تيسر من طعام،وسألهم عن أصلهم كما هي العادة الجارية للتعرف على الآخرين من خلال عشائرهم،فأخبره حسين أنهم من (البو سلطان)وبعد أن ارتاحوا قليلا جاء شخص إلى المضيف وسأل صاحب الدار،هل اليوم حراسة فلان وفلان،يعني الحرس القومي،فأشار إلى أبو جمهورية بضرورة الخروج،فاستأذنوا منه وخرجوا بكل هدوء،وبعد ابتعادهم غيروا مسارهم إلى جهة أخرى خشية تعقب أثارهم وعدم الاستدلال إليهم،وعندما وصلوا إلى المكان المقصود لعقد اجتماع مع خلية هناك،طلب منهم صاحب الدار التريث لحين تبليغ الآخرين بالاجتماع،وبعد ساعتين طوق البيت من الحرس القومي والقي القبض عليهم بوشاية رخيصة من أهل القرية،وقد عومل بقسوة من قبل الحرس القومي الذين يعرفونه وغطت الدماء رأسه ووجهه وسائر بدنه وسيق مخفورا إلى مقر الحرس القومي في الحلة بتاريخ18/9/1963،وهناك جرى له استقبال حافل مورست فيه أبشع أنواع التعذيب وأغمي عليه،وظل تحت التعذيب لمدة أسبوعين حتى تحول إلى جثة هامدة،وعندما جاء وفد سوري لزيارة المقر قال لهم المجرم المقبور(حبيب الأسود) هذا من أنشط الشيوعيين في المحافظة وقد القينا القبض عليه قبل أسبوعين،وعندما تردت صحته أكثر طلبوا من الدكتور طارق الحلي زيارته،وكان من الشخصيات الديمقراطية،وعندما شاهده قال لهم لا فائدة من علاجه أنه شبه ميت،وقد أشيع نبأ موته وتداوله الناس على أنه حقيقة مسلم بها،إلى أن واجهه أهله بعد أسبوعين،ثم نقل إلى سجن آخر،وبعد أن تماثل للشفاء أرسل مخفورا إلى بغداد لمحاكمته من قبل محكمة البعث الفاشي،وأودع في مركز شرطة الفضل مع المعتقلين،وفي صباح اليوم التالي 18/ت2/1963 سمع أصوات القذائف والأطلاقات النارية،وإذا بأفراد الحرس القومي يهربون كالجرذان المذعورة بعد أن القوا بأسلحتهم ونزعوا ملابسهم الخاكية،وذلك بعد انقلاب عبد السلام عارف على حلفائه البعثيين،وقام الشرطة باعتقال قسم منهم وفر الباقون،ومن محاسن الصدف أن يكون ضابط المركز من معارفه وكان يعمل في شرطة المحاويل سابقا،فأرسل وراءه وجلب له الفطور والشاي وأعاده إلى السجن،وقد تقرر تسفيره إلى سجن خلف السدة،وتشاء الصدف أن يكون بين المفوضين شاب من أهالي الإسكندرية له به معرفة وعلاقة سابقة،وعندما شاهد ملابسه الرثة المغطاة بالدماء ذهب وأحضر له ملابس جديدة،وعند وصوله إلى سجن خلف السدة التقى هناك بالكثير من الرفاق الذين عمل معهم سابقا والمعروف بينهم بكنيته(أبو حاتم) ولا يعرفون أسمه الحقيقي.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |