|
عند إرساله إلى سجن خلف السدة بعد انقلاب تشرين، أودع في القاعة رقم(5) وفي السجن شكلت هيئة للإدارة أنيط به مسئوليته، وقد صدرت بحقه ثلاثة أحكام غيابية، ولأنه غير معروف باسمه الحقيقي الذي صدرت به الأحكام، فقد ظل الأمر سرا إلى أن جاء في بداية شباط 1964 شخص يعرف أسمه الحقيقي فأبلغ الشرطة بوجوده في السجن ، فأستدعي من قبل المجلس العرفي، وهناك التقى بالرفيق نعيم بدوي، وآخر أسمه محمود السامرائي من البعث، حكم على بدوي بالسجن عشر سنوات وستة أِشهر بتهمة استيراد سكر أحمر من كوبا!!! لأنه كان مديرا للتجارة العامة، والتهمة الأخرى توقيعه على مذكرة تطالب بالسلم في كردستان والديمقراطية للعراق، وحكم على ألبعثي بسبع سنوات لإطلاقه النار على أحد الشرطة وأصابته في ساقه عندما حاولوا إلقاء القبض عليه!!!، وحكم على معن بالسجن عشرة سنوات وستة أشهر، مع اعتداء بالضرب والركل من العيار الثقيل من قبل الانضباط العسكري، ومن هناك رحل إلى سجن الحلة، حيث أمضى هناك خمسة أيام نقل بعدها إلى سجن الديوانية لإرساله من هناك إلى سجن نقرة السلمان، ثم سفر إلى السماوة ومنها إلى سجن النقرة، ومن المفارقات أنه التقى في سجن الديوانية بمأمور المركز، وكان أحد طلابه، وعندما رآه جلب له الطعام والشاي وأكل معه في غرفته، فطلب منه أخبار أهله بتسفيره إلى نقرة السلمان، وعند وصولهم إلى معتقل نكرة السلمان الصحراوي ، أودع مع رفاقه الشيوعيين فيما أعيد السجين ألبعثي لإرساله إلى سجن بعقوبة مع البعثيين. في نقرة السلمان كان على علاقة سابقة بغالبية السجناء لأنهم "أبناء صنف" وسبق أن عمل مع أكثرهم في سنين سابقة، وفي السجن أتصل به سامي أحمد بوصفه الرجل الثاني في السجن وأخبره بوصول ترحيله إلى السجن، وأصبح مسئول للفلاحين البالغ عددهم 45 سجين، وكلف بعضوية تحرير نشرة السجن، وهناك طلب منه أعداد دراسة عن ثورة العشرين، فاستعان بالرفاق عبد الواحد كرم وطعمه مرداس وعبد القادر إسماعيل وعزيز الشيخ ومكرم الطالباني وفلاحين آخرين لديهم خزين من الوقائع الميدانية للثورة بما سمعوا عنه أو شاركوا فيه، ونالت الدراسة بعد أكمالها استحسان الجميع. وكان سجن السلمان مدرسة للمناضلين، وقد جرى أعداده من قبل الرفاق الشيوعيين لتخريج الكوادر الحزبية المسلحة بالثقافة الثورية ، والمؤهلة لقيادة التنظيم والإبداع في العمل السري الذي يتطلب طرق فنية ومبتكرة في التنكر والتخفي والتخلص من المطاردة والرقابة، وكانت دروس محو الأمية لمن لا يجيدون القراءة والكتابة، والدورات التثقيفية التي أشرف عليها كوادر متقدمة في الحزب لها الإلمام الكافي بشتى فنون المعرفة، كالاقتصاد السياسي ، وتاريخ الحزب في الاتحاد السوفيتي، ورأس المال، والمادية التاريخية والمادية الديالكتيكية، بموجب برامج مكثفة أعدت من اللجنة الثقافية، وشكلت لجان مختلفة لإدارة السجن، ولجنة الألعاب، وأخرى للأدب والفنون، وأسست فرق رياضية للفلاحين والعمال والطلبة، وكانت تقدم بعض المسرحيات، وتقام الاحتفالات في المناسبات الوطنية والأممية، وكان للشعراء موقعهم في النشاط ألسجني فقد كان النواب ينشد ويغني، وفائز الزبيدي يحي الأمسيات الشعرية، وكان الشاعر والفنان سعدي ألحديثي يحي حفلاته الغنائية الرائعة يشاركه فيها شاعر العراق الكبير مظفر النواب، وفي السجن أعدت دورات لتعليم اللغات وتدريس الفيزياء والكيمياء والرياضيات، وتوجد عيادة طبية وغرفة للحلاقة، وأخرى للخياطة، وحانوت لبيع المواد، تكون أرباحه ضمن مالية اللجنة، تستخدم لإقامة الاحتفاليات ومساعدة المحتاجين من الرفاق، وكانت الحياة بفضل الإدارة الشيوعية الواعية أكثر من طبيعية في السجن، وتفوق في تنظيمها ما تستطيع الدولة تقديمه. وفي عام 1965 بدء بنقل السجناء على شكل وجبات من سجن السلمان إلى سجن الحلة، وكان معن ضمن الوجبة الأولى، فقام بتسليم ما بعهدته إلى اللجنة الجديدة، وبعد وصوله سجن الحلة بشهرين جرى اختيار لجنة لإدارة السجن فأنتخب في عضويته، إلى جانب عدنان الدوري وجميل منير ونصيف الحجاج ، وأنتخب الأخير رئيسا له، وقد أوجدوا صلة مع منظمة الفرات الأوسط، وأنتخب الرفيق شاطي عودة ممثلا للسجناء، وتقرر إصدار نشرة يومية كلف بإدارته، وعندما جاء حسين سلطان إلى السجن وكان عضو لجنة مركزية، أستلم مسئولية اللجنة، وفي هذه الفترة نظمت عملية هروب حامد مكصود الضابط المهدد بالحكم بالإعدام، وبعده عملية هروب الضابط الطيار عبد النبي جميل، وعملية الهروب الكبرى التي تمت بعد نقله من السجن. في آذار 1968 أطلق سراحه بكفالة، وبعد ذلك بعشرة أسام جاءه الشهيد محمد حسين أبو العيس وهنئه بخروجه من السجن، وأخبره أن أحد الرفاق سيلتقي به في ريف الكفل وعين له المكان والزمان، وذهب إلى هناك في الموعد المحدد والتقى بالرفيق أبو شروق جاسم الحلوائي بعد عشر سنوات من الفراق، وكان وقتها عضو لجنة مركزية، وسكرتير لجنة منطقة الفرات الوسط، وأخبره بقرار الحزب بتكليفه لقيادة محلية النجف لخبرته وعمله فيها سابق، وتكون صلته بمسئول المنطقة أو لجنة الفرات الأوسط مباشرة، لما لمحلية النجف من أهمية ولوجود خلل في عمله، سافر إلى النجف والتقى بأحد الرفاق الذين يعرفهم هناك وطلب منه تبليغ الرفاق لحضور اجتماع المحلية، وتدارسوا في الاجتماع أسلوب العمل وإعادة الاتصال بالمنقطعين، وتقرر عقد اجتماع أخر بعد أسبوع من تاريخه وطرح فيه برنامج عمل المنظمة ونوقش مناقشة جادة من قبل الرفاق، وبدء العمل بهدوء، والاتصال بالرفاق القدامى وأصدقاء الحزب لإعادة التنظيم وبناءه على أسس متينة، وبعد ثلاثة أشهر من العمل الجاد المتواصل أخبره مسئول المنطقة بالتهيوء للسفر إلى كردستان بمهمة حزبية، وزوده برسالة إلى مكتب في راوندوز وزوده بمبلغ من المال، ، وعند وصوله إلى هناك نام في أحد الفنادق، وذهب صباحا للقاء حسب العنوان المتفق عليه، وسلمهم الرسالة ثم أستقل سيارة لنقله إلى (برسلين) حيث مقر الرفاق، وعند وصوله سلمهم الرسالة وظل في القاعدة للتدريب على استعمال الأسلحة، وبعد عشرة أيام نقل إلى معمل تصليح الأسلحة وصناعة القنابل والألغام، وجرى تدريبه على استعمال مختلف أنواع الأسلحة، واستمرت الدورة ثلاثة أشهر، وعند عودته إلى بغداد التقى بالرفيق جاسم الحلوائي، فأخبره بوجوب تدريب الرفاق على استعمال الأسلحة في منطقة الفرات الوسط، وتم تهيئة الأعداد حسب المنظمات، وفعلا وصل ريف الشامية وبدء بتدريب الرفاق، وبعد عشرون يوما من التدريب المتواصل، وصلت التعليمات بإنهاء التدريب والعودة للنجف، وفي النجف بلغه الرفيق بقرار اللجنة المركزية بإيقاف الكفاح المسلح لوجود حوار مع البعث. بعد ذلك طلب منه الرفيق تقديم طلب للعودة إلى الوظيفة، وقدم الطلب فعلا وتقرر أعادته إلى التعليم واحتساب الفترة السابقة خدمة لأغراض التقاعد، ونسب للعمل في قرية من قرى كركوك، وفي أواسط سنة 1970 القي القبض عليه عند زيارته عائلته في المحاويل، لاتهامه بالعمل في الكفاح المسلح، وبسرعة فائقة أتصل الرفيقين عامر عبد الله ومكرم الطالباني ، بالسلطة وبقي أسبوعين أطلق سراحه بكفالة بعده، وأتصل به في حينها الرفيق عدنان عباس عضو اللجنة المركزية، وطلب منه الذهاب إلى كردستان لقيام السلطة باعتقال الرفيق توفيق أحمد مسئول منطقة بغداد واعترافه على العديد من الكوادر، والتقى بالرفيق الحلوائي وسلمه الرسالة، وبقي في بيته ثلاثة أيام، ونسب إلى أحد الفصائل، وعقد آنذاك اجتماع اللجنة المركزية لتدارس الحوار مع البعث وأتخذ قرار بهذا الخصوص، وبعد شهر بلغه الرفيق الحلوائي بالعودة إلى بغداد والاتصال بالرفيق مكرم الطالباني، وبعد لقائه به طلب منه الذهاب إلى الحلة والالتقاء بالرفاق هناك، وعند وصوله الحلة توجه لعائلته فوجد أبنه البكر حاتما يزحف وكان غريبا عليه لأنه لم يراه منذ شهور، وبعد ذلك أنس به وأنسجم معه، وفي شباط 1971 بدأت التهيئة لانتخابات نقابة المعلمين على أساس جبهوي، فتقرر أن يمثل المنظمة إلى جانب حسين الأعرجي، وانتخبت الهيئة الإدارية، جرى بعد ذلك تبديل الاعرجي بالرفيق الشهيد مهدي كامل، ثم كلف بتمثيل المنظمة للتنسيق مع البعث، ونسب ممثلا للحزب في لجنة الصمود والتصدي لدعم قرار تأميم النفط، والتقى بالرفيق عدنان عباس لوضع خطة لإعادة لملمة الصفوف بعد الضربات المتلاحقة الموجهة للحزب، وجرى تشكيل لجنة لجرد العناصر الديمقراطية في المركز والأقضية والنواحي، تكونت من الشهيد فاضل وتوت، وحسين الاعرجي، وقاسم سلمان، وتقسيم العمل بينهم في صفوف الطلبة والشباب والمعلمين وتشكلت حلقات لإعادة علاقات الصداقة مع الكسبة وفئات الشعب الأخرى، وباشرت اللجنة أعمالها ، وكانت النتائج جيدة، وزار اللجنة الرفاق باقر إبراهيم وماجد عبد الرض، وأطلعا على أعمالها وعلق الرفيق باقر بضرورة تعميم هذه التجربة على المحافظات الأخرى، وفعلا نشرت في مناضل الحزب دون الإشارة إلى المحافظة لأسباب أمنية. ومن خلال النشاط الدائب للرفيق قاسم سلمان في المجال الشبابي والطلابي عقد كونفرنس للطلبة والشباب حضره ممثلون عن محافظات الفرات الأوسط، كان بينهم الرفيق كاظم حبيب ومحمد حسين مبارك، وخرج الكونفرنس بنتائج طيبة وتقرر تشكيل اتحاد للشبيبة في الفرات الأوسط تولى مسئوليته الرفيق قاسم، واتحاد الطلبة تولى مسئوليته حسن رفيق، وتمكن الرفاق من التغلغل في دور الثقافة الجماهيرية رغم تولي مسئوليتها من قبل البعثيين، وكانت نشاطاتها ذات نكهة شيوعية خالصة، فكان جل الأدباء والشعراء والفنانين المشاركين في أحياء أماسيها من الشيوعيين أو أصدقائهم لافتقار البعثيين إلى الطبقة المثقفة القادرة على أنجاح أي مشروع أدبي أو ثقافي.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |