الإمام جعفر الصادق في فكر الصدر الصادق

 

غفار العراقي

gaffar_1370@yahoo.com

الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام أجمعين) هو الإمام الثالث من ذرية سيد الشهداء والذي ترجع تسمية أتباع أهل البيت بالجعفرية نسبة إلى اسمه الشريف وقد مر هذا الإمام الهمام بظروف ضعف ونهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية التي جاءت منادية بإرجاع الحق المغتصب إلى أهله مستغلة البسطاء من الناس موهمة إياهم بشعارات يا لثارات الحسين ففازوا في تلك المعركة مع الأمويين واستحوذوا على مقاليد الحكم كما فعل ويفعل أسلافهم بإيهام الناس بالشعارات الرنانة التي تعدهم بجنات من تحتها الأنهار حتى إذا استلموا الحكم غرقوا في الفساد الإداري والمالي وتركوا هؤلاء الفقراء بلا مأوى ولا رحمة!

استغل إمامنا الصادق (ع) تلك الظروف التي مرت بها الدولة الأموية وهي تحاول التشبث بكراسي الحكم أطول فترة ممكنة وهي طبعا لا تقوم بأعمال تثير فيها حنق الشارع لأنها بأمس الحاجة إلى أصوات الفقراء البسطاء! وتماما فعل العباسيون مثل ذلك حيث كانوا يتزلفون ويتقربون للإمام الصادق وأتباعه لكي يحصلوا على مرادهم وغايتهم الحقيقية (وهي الفوز في الانتخابات)، فبدأ سلام الله عليه بنشر علومه وعلوم آباءه وأجداده في فرصة ذهبية لم تتوفر لسواه فكان أكثر من نقل عنه الحديث عن آبائه عليهم السلام وكان الإمام الأكثر شعبية بين جميع الأئمة خلا أمير المؤمنين (ع) ، ويقول الشهيد الصدر في إحدى خطب الجمعة التي ألقاها في مسجد الكوفة المعظّم ان زمان الإمام الصادق (ع) اقترن بالرغبة العامة من قبل أفراد المجتمع من مختلف مذاهب الإسلام بتلقي العلم ، ودفع الشبهات عن الدين بسبب تصاعد الجدل والشبهات التي كانت تحصل من قبل الدهريين والملحدين وعملاء المستعمرين (يقصد بالعملاء  البعث وحاكمه صدام فانتبه عزيزي القارئ لأسلوب الشهيد إياك اعني واسمعي يا جارة)! ويضيف (قدس) ان الفرصة كانت متاحة فقد كثر طلابه وتزايد قاصديه للتعلم وللسؤال والاستفسار حتى ان تسعمائة شيخ في مسجد الكوفة –حيث كان مدرسة آنذاك- يقول حدثني  جعفر بن محمد فكيف بغير مسجد الكوفة من مناطق الإسلام؟ وقد رأينا ان الناس تسمى بأسماء قادتها فيقال ناصريين لأصحاب جمال عبد الناصر وسيستانيين لأصحاب السيد السيستاني وصدريين لأصحاب السيد محمد الصدر ، فكذلك قال المجتمع يومئذ عن أصحاب الإمام جعفر الصادق انهم جعفريون لأنه –كما أسلفنا– اشهر ألائمة وأقوى علماء الإسلام كله حتى ان أبا حنيفة يفخر بأنه من طلابه وقوله (لولا السنتان لهلك النعمان) وهما عامين قضاهما في التلمذة على الإمام الصادق (ع).

وينبه الشهيد الصدر إلى نقطة مهمة وهي  انه نسبة الجعفرية إلى الإمام الصادق ليس كعقيدة مستقلة أو دين مستقل ولا يوجد اختلاف بين مذهب الجعفرية والإسلام بل ان تعليم الإمام الصادق هو الإسلام بعينه وهو الإسلام الحق ولا قيمة لأي مذهب ما لم يكن في ضمن الإسلام.

ثم يوضح السيد الصدر أمرا وهو ان ما اشتهر عن الإمام يمكن تلخيصه في جانبين (الفقه والعقائد) أو قل فروع الدين، وأصول الدين، فكان هو المعلم الرئيسي منذ زمانه والى العصر الحاضر في كل الحقول، ومن الواضح ان هذه الشهرة غطّت اجتماعيا على جانب آخر كان يتصف به (ع) وهو الزهد والعبادة، فهو ليس اقل من آبائه (ع) لكنه اختص بتلك الصفات لظروفه هو وإلا فإننا لا نستطيع أن نقلل من عبادته أو زهده لأنه كان فقيها، كما لا يحتمل أن يقل صبره وتقل هدايته أو شجاعته أو غيرها من صفاتهم سلام الله عليهم أجمعين، كل ما في الأمر ان الجانب الاجتماعي والإعلامي جعل السنة الشريفة الواردة عن علومه هي التي تشكّل النسبة الأعلى جدا مما ورد عنه، ونورد خبرين فقط عن زهده وعبادته، الاول عن سفيان الثوري حيث يقول: دخلت على جعفر بن محمد وعليه جبّة دكناء، وكساء خز –وكان غاليا آنذاك- فجعلت انظر إليه تعجبا فقال لي يا ثوري ما لك تنظر إلينا ، لعلك تعجب مما ترى؟ فقلت يا ابن رسول الله ليس هذا من لباسك ولباس آبائك ، قال يا ثوري كان ذلك زمان اقتتار وافتقار وكانوا يعملون على قدر إقتاره وافتقاره، وهذا زمان قد أكمل كل شيء عزالية – وهو المطر – ثم حسر ردن جبته، فإذا تحتها جبة صوف بيضاء، يقصر الذيل عن الذيل، و الردن عن الردن، وقال يا ثوري لبسنا هذا لله تعالى، وهذا لكم ، فما كان لله أخفيناه، وما كان لكم أبديناه. وفي رواية أخرى إن أبو حنيفة قال له ذات يوم يا أبا عبد الله ما أصبرك على الصلاة – يتعجب من صبره وتحمله على كثرة صلاته – فقال (ع) ويحك يا نعمان أما علمت ان الصلاة قربان كل تقي، وان الحج جهاد كل ضعيف، ولكل شيء زكاة وزكاة البدن الصيام، والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، فاحفظ هذه الكلمات يا نعمان ، استنزلوا الرزق بالصدقة، وحصّنوا المال بالزكاة،  والتودد نصف العقل، والهم نصف الهرم، وقلة العيال احد اليسارين، ومن احزن والديه فقد عقّهما، ومن ضرب يده على فخذه عند المصيبة فقد أحبط أجره، والله ينزل الرزق على قدر المؤونة، وينزل الصبر على قدر المصيبة .

فالسلام عليك سيدي ومولاي يا إمام الجعفرية وعالم الإسلام وسيد الفقهاء ورحمة الله وبركاته ولعنة الله على من اغتصب حقكم وأيد أعدائكم والسلام على حفيدك الصدر الذي بيّن علومكم للناس بعد الاندراس واستغل نهايات حكم البعث فنشر علومكم وانتصر لحقكم وحارب أعداءكم والسلام على من اتبع نهجه ونصره بالأيدي والألسن والأقلام ورحمة الله وبركاته واللعن الدائم على من ظلمه في حياته واستمر في ظلمه بعد استشهاده. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com