أوقفوا قرع طبول الحرب..!

 

باقر الفضلي

سأقولها مثنى وثلاث ورباع ، وما قدر لي ذلك...

 *****

 عندما تقرع طبول الحرب، وتعلن نذرها،

 عندما يبلغ وجيف القلوب الحناجر، ويخفت بريق العيون البريئة، عندما يكون الخوف هو الغذاء والدواء، عندما تحرث جنازير الدبابات الأرض، وتدك خراطيمها بيوت الفلاحين على الرؤوس، يوم تختلط أشلاء الأطفال والأمهات والشيوخ ويعفر تراب الأرض المقدسة الدماء الزكية، يوم تعز المسالك، ويفقد الأمل بالنجاة، وتسلم الروح مكرهة الى بارئها..

 

يومذاك يبدأ العويل ويعلو الصراخ:

 أوقفوا الجريمة..أوقفوا الكارثة.. أوقفوا قتل الأبرياء..أوقفوا الحرب الظالمة..أوقفوا..اوقفوا..

أوقفوا الموت ياجنرالات البؤس العباقرة..! ولسان الحال يقول:

 

أي نصر حققتموه..أي عدو هزمتموه.. وأي سلام صنعتموه..؟؟!!!

إنه الخراب بكل ما في هذه الكلمة من معنى.. وإذا كان مفهوم السياسة يعني الحرب، وإذا كانت الجيوش أسست بقصد القتل والخراب فهي إذن، الكوليرا أو الطاعون.. وليس أمام البشرية والعقل الإنساني، غير درء مثل هذا الخطر الذي قد يدهمها في أي يوم كالح عاصف، وإذا كان حزب العمال الكوردستاني القشة التي ستقصم ظهر البعير، والتي ستعصف بالأخضر واليابس، فإدرؤا الخطر الأكبر بالخطر الأصغر، وأمنحوا السياسة فرصتها ومعناها اللين، فالسياسة ليست الحرب؛ وإذا ما ندمنا فلات حين مندم..!

الكل يدرك بما فيهم السيد أوردغان رئيس وزراء تركيا نفسه، بأن حجم الضغوط التي تمارسها المؤسسة العسكرية عليه، بما فيها تجييش الشارع التركي من أجل الإنتقام، هي أكبر مما يتصوره المراقب؛ فحكومة أوردغان، والحق يقال، مضغوطة بين رحى المطرقة والسندان، بين مناوشات المفارز المسلحة لحزب العمال الكوردستاني وكمائنها الإستفزازية ضد قطعات الجيش التركي من جهة، وبين ردود فعل المؤسسة العسكرية، التي وجدت في هذه الإستفزازات، ما يعطيها زخما جديدا ّّللتمسك بسياستها المتصلبة، ويذكي فيها روح التحدي والتعصب والكبرياء البيروقراطي، ويمنحها مزيداّ من قوة ومبررات التشبث بمقولة \"حماية النظام العلماني\" من جهة أخرى..!

ومهما بدت تطلعات حكومة السيد أوردغان وحزب العدالة التركي، نحو بناء مجتمع علماني ديمقراطي متحضر، تشده أواصر التقارب مع العولمة الحديثة والإنفتاح على الإتحاد الأوروبي، مهما بدت أكثر قبولاّ، ومهما تقاطعت هذه التطلعات من حيث ما هو معلن، مع منطلقات المؤسسة العسكرية التركية، فإنه رغم كل ذلك، وجدت نفسها، في تقاطع حاد مع ما تفرضه حقائق الواقع القائم على الأرض، ويبدو أن لا مناص أمامها، إلا حني القامة أمام هدير الجحافل العسكرية التي تجوب تخوم البلدين الجارين..!

فما تصبه عوامل الضغط في الشارع التركي من زيت لإذكاء النار، وما يلعبه الإعلام من دور سلبي في تأجيجها، ما يدفع بالمؤسسة العسكرية بالإتجاه المسدود، كل ذلك معزز بما أسفرت وتسفر عنه نتائج تكتيك حزب العمال الكوردستاني، التي تلتقي في خطوطها العامة، وإن تقاطعات النيات وإختلفت الأهداف ، مع ما تصبو اليه مخططات هذه المؤسسة في المحصلة النهائية للأحداث، وبما يجر بإتجاه تأزيم الموقف وتوتير حبال الربط، بإنتظار شرارة التفجير..!

فمهما كانت مشروعية الأهداف، فإن لرومانسية التكتيك دورها في تحديد مصيرها، ونسبية التعاطف والتجاوب معها؛ فرومانسية الكفاح المسلح والتمسك به كتكتيك، أمر لن تقرره حكمة وقدرة القيادات حسب، بل مدى ملائمة هذا الإسلوب في ظل ظروف معينة للتطبيق، ومدى حدود مسؤولية هذه القيادة في تحمل النتائج..!

فكيف سيقرأ الحزب، ما ستؤول اليه، النتائج الكارثية لإجتياح لا آخر له إن كان له أول، إذا ما سارت الأحداث بهذا الإتجاه، وإحتمالات ذلك أقرب للعين من الحاجب، وأين ستنتهي مسيرة عشرين عام من النضال من أجل قضية عادلة، في ظل ظروف غير عادلة، وبأساليب خاطئة، إن لم تكن غير ملائمة..؟

أما الجانب العراقي، وإن حمل بحق أو بدون حق مسؤولية تواجد PKK على أراضيه؛ فإن العراقيين ليسوا بحال أفضل مما يرتجى، وما يحيط بهم من مشاكل ما يكفيهم، وليس أمامهم غير طريق واحد، وهم متمسكون به بإقتناع..!

إنه طريق السلام؛ الطريق، الأكثر وعورة من طريق المغامرة أو الإنجرار ورائها في أضعف الإيمان، لما يشترطه السلام من التضحيات، ما قد يصل حد الثوابت في بعض الأحيان؛ خاصة إذا ما كان الطرف الثاني يبحث عن مبررات وحجج لدعم أهدافه من وراء كل هذا التصعيد..!

ففي الوضع الحالي، يصبح الموقف من طبيعة العلاقة مع حزب العمال الكوردستاني بكل أبعادها القومية والإنسانية وعمق الشعور الإثني للأمة الكوردية، هو المرشح لما قد يصيبه من متغيرات، في وقت ترتبط فيه أية نتائج إيجابية لهذا التغيير على مدي حصافة وواقعية القرار الذي سيقدم عليه هذا الحزب في درء تفجر الواقع المأزوم، وهذا هو بيت الفرس كما يقال، وما يقابله من حنكة سياسية وواقعية من قبل الجانب العراقي...! 

فليس من الحكمة بمكان، أن يجري تغليب التكتيك على حساب الهدف، والتفريط بالكل من أجل الجزء، دون إعتبار لما قد تسفر عنه نتائج اللعب بالنار، ومراعاة لما قد تؤول اليه التجربة الفتية في إقليم كوردستان..!

إن مدى تفهم ما عليه الأوضاع في تركيا وعموم المنطقة وطبيعة تشابك العلاقات الإقليمية والدولية، سيكون له أثر كبير في التوصل الى حلول أكثر نجاعة وأقرب الى الواقع..!

إن أية مبادرة عربية أو إقليمية أو دولية أو من أي طرف كان، تسهم في نزع فتيل الحرب، إنما هي جهد يصب في خدمة السلم ويجنب آلاف الإبرياء من جحيم الحرب والشقاء..!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com