يبد وان الفوضى التي تعم الساحة العراقية بمختلف توصيفاتها السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية والقيمية بلغت مبلغا اوصل البعض الى مراحل متقدمة من الانغماس في هذه الفوضى ومحاولة ركوب موجتها ونجد ذلك متجليا باوضح صوره لدى القيادات الكردية التي وجدت في هذه البيئة الشاذة والمشوهة التي خيمت على العراق متنفسا لاحلامها المريضة والبعيدة عن الواقع والحق والحقيقة واصول المعرفة الرصينة , فاطل علينا مؤخرا المدع وملا بختيار معلنا للعالم المتحضر عموما وللعراقيين بشكل خاص ان ما يختزنونه من رصيد حضاري وهوياتي ومعرفي وما عرفته الانسانية على مدى قرون ه ومجرد وهم فطرح علينا مقولة مستندة الى منظومة قيمية وفكرية تستمد مفرداتها من شريعة الغاب التي تمثل بالنسبة للقيادات الكردية محيطا مثاليا لتزدهر فيه, فقال هذا الشخص ما نصه: "المعروف ان الشعوب لها الحق القانوني في اعلان اقليمها ودولتها اذا كان لديها ارض تاريخية وجغرافية, لكن التركمان والكلدواشور (هكذال وردت على لسانه) هم مقيمون في كر..... ولهم حق المواطنة الكاملة فيها, ولكن ليست لهم اي ارض تركمانية وكلدواشورية (حسب ما ورد) في كر..... والعراق" انتهى الاقتباس.

وهنا سارد على هذه الاكاذيب كآشوري واترك للاخوة التركمان ان يردوا على هذه التخرصات, لثقتي بقدرتهم النابعة من انتمائهم وايمانهم بعراقيتهم .

ان المتامل في دوافع هذا الشخص والاسباب التي ادت به الى مثل هذه الاقاويل قد يفترض كون المدع وملا بختيار جاهلا بحقائق التاريخ العراقي والانساني والواقع العراقي الجغرافي والسكاني والديمغرافي, بل جهله بالف باء الانتماء الى العراق وفي هذه الحالة ادعوه للبحث والتمحيص في حقيقة انتمائه فمن لا يعرف وطنا لا يمكن ان ينتمي اليه, كما ادعوه الى توسيع مداركه ومقاربة الواقع بطريقة اكثر علمية وفي هذا السياق اتمنى ان تكون هذه المقالة ذات فائدة له ولامثاله ليتعلموا شيئا عن تاريخهم وعن تاريخ العراق.

ان من يبحث في اصل الاكراد الذين نزحوا الى بلاد اشور واحتلوها ونسبوها لانفسهم, سيلاقي صعوبات جمة في تحديد اصلهم ومنابعهم , فمن ضمن ما قيل عنهم انهم قبائل نزحت من هضبة القفقاس (1), كما قيل ان البعض منهم تعود اصوله الى الجزيرة العربية مثل (البرزنجية) و(الطالبانية) وقد جاءوا الى المنطقة لاسباب دينية مثل الدعوة والتوعية والارشاد الديني (2). ولكن ما يمكن ان نقوله بثقة عن اصولهم وما ه ومثبت تاريخيا ه وان نزوح الاكراد الى العراق كان نتيجة لتحالفهم مع الدولة العثمانية التي استخدمتهم لمحاربة الصفويين, وكان لمعركة جالديران الاثر الحاسم في ظهور اعداد كبيرة من الاكراد في الوديان الواقعة شمال شرقي العراق على خط الحدود مع ايران وتوطينهم في السليمانية (3).

ان القيادات الكردية تحاول وبكل طاقتها ان تزور تاريخ المنطقة وتغير صورتها من الناحية البشرية والتاريخية وتعمل على خلق تاريخ مزور غير موجود , وعن ذلك يقول الاستاذ الدكتور عمر ميران " يحاول البعض ان يقنع نفسه بحضارة كردية وهمية كانت في زمن من الازمنة" (4) ويضيف قائلا "باختصار ليس هناك طريقة شعرية متميزة , وليس هناك طراز معماري متميز, وليس هناك لغة متكاملة, وليس هناك تراث شعبي تتميز به الاقوام الكردية." (5), وعند الحديث عن اللغة نجد ان من الجدير بالذكر ان لغة الاكراد كانت لغة محكية فقط ولم يكن لديهم حروف , بل انهم اقتبسوا حروفهم من لغات اخرى فنجدهم يستخدمون ثلاث ابجديات وهي اللاتينية في تركيا والعربية في العراق وايران والكيريلية في ارمينيا واذربيجان (7).

من هذه الاستشهادات يمكن ان نصل الى النتيجة المنطقية بان الاكراد هم وافدون على المنطقة وانهم عبارة عن مجتمعات بدائية بسيطة (8), وفدت الى العراق كحليف للدولة العثمانية لمحاربة الصفويين ومنذ ذلك الحين بدأوا بالتوسع على حساب اصحاب الارض الاصليين, وهم الاشوريون واطلقوا على بلاد اشور تسمية (كر.....) (9), وهذا يقودنا الى الحديث عن مفردة (كر....) التي اوردها بختيار في حديثه وحمّلها معنى الدولة وعلى الاقل كيان معنى كيان سياسي ذ وسيادة ومواطنون وهذا امر فرضته ظروف شاذة, فما الذي يمكن قوله عن هذه المفردة المشوهة التي تم اقحامها في اللغة السياسية العراقية.

لقد تم استخدام (كر....) لاول مرة في القرن الرابع عشر اثناء الحكم السلجوقي (10) وذلك سنة 1157م , حيث قام السلاجقة بتكوين مقاطعة محاذية لاذربيجان الايرانية تحت اسم (كر....) مركزها بهاء شمال غرب همذان (11), ومن ذلك يتضح لنا ان هذه تسمية غريبة عن الجسد العراقي , جغرافيا وسكانيا وقد فرضتها على العراق ظروف غير طبيعية ومصالح استعمارية وغير عراقية.

بعد ان اوضحنا واستعرضنا بعض الحقائق عن شمال العراق وبلاد اشور, هذه الحقائق التي تحاول بعض القيادات الكردية تغييبها وتحريفها فاننا سنورد بعض ما كتب عن آشورية المنطقة ليس من باب الدخول في نقاش حول هوية المنطقة , فهذا امر غير قابل للنقاش وليس بحاجة للاثبات لان التاريخ وشواهده والوثائق والمؤرخين والاف الكتب هي الاثبات, بل اننا نورد هذه الاستشهادات لعل المدع وبختيار وامثاله يستفيدون منها ويتمكنون من بناء هيكل معرفي قائم على المنطق والعلم لتجنب الاحراج الناجم عن الجهل الذي التي يعاني منه والمغالطات التي يلجأ اليها البعض من امثال بختيار وغيره, وليعلموا ان شمس الحقيقة والحق والمنطق لا يحجبها غربال الاحلام المريضة والاطماع والتزوير.

في سياق الوجود الاشوري واصالتهم وانتمائهم التاريخي الى هذه الارض واحقيتهم بها يقول هنري لايارد "ان النساطرة والكلدان هم السكان الاصليين للبلاد, اما البقية فغرباء" (13) , اما محمد امين زكي فيؤكد ان الاشوريين يعيشون في وطنهم هذا منذ خمسة وعشرون قرنا (14), اما سيدي الكوراني فيذكر ان ابناء القبائل الاشورية هم احفاد الاشوريين الذين بنوا نينوى (15), كما يؤكد الكاتب Etheridge ما سبق واكده الاخرون فيقول" ان القبائل المستقلة كانت تعيش وسط اشور منذ حقبات تاريخية طويلةوكان وفي حالة استقلال تام , وكانوا على الدوام في تصادم مع الاكراد الرحل" (16).

لن اطيل اكثر من هذا في هذا الموضوع لان ما كتب عنه تعجز مقالة واحدة عن استيعاب ول وجزء يسير منه, وارج وان يستفيد بختيار وامثاله مما ورد في هذه المقالة, هذا ل وافترضنا انه قال ما قاله عن جهل فنكون قد قدمنا له بعض المعلومات التي نامل ان تعينه على فهم حقيقة انتمائه وحقيقة العراق.

اما اذا كان قد قال ذلك رغم علمه بما سبق وذكرناه فنقول له ان مثل هذا الطرح المتعصب الاعمى ه والسبب في ما يصل اليه العراق من اظطراب واحتقان وه وما يهدد العراق وما يصعد من مخاطر التقسيم وما سيوصل القيادات التي ينتمي اليها ويشاركها الاحلام المريضة الى عزلة سياسية واقتصادية وانسانية تنعكس بدورها على الشعب الكردي الذي ه وفي جزء كبير منه بريء اعمال وتصريحات قياداته التي صارت سيفا مسلطا على رقاب ابناءه .

ان محاولات القيادات الكردية لفرض الامر الواقع المنحرف عن مسار العقل والمنطق والحق, والذي تستمد منه هذه القيادات معطيات تقسيمية وانفصالية واقصائية سوف تؤدي في نهايتها الى طريق كردي مسدود وسوف تقود الى ازمات اقليمية وعراقية ناجمة عن محاولات فرض الاطماع الكردية على شعوب المنطقة والشعب العراقي وهذه الشعوب لن تقف مكتوفة الايدي تجاه التجاوزات الكردية على ارثها وحقوقها ووجودها. كما ان عدم استناد القيادات الكردية على ارضية منطقية وعلمية من الناحية السياسية والتاريخية والبشرية في تنظيرها السياسي وتطبيقها العملي, هذه الارضية التي تعمل كمحور تتجمع حوله الولاءات, ان افتقاد القيدات الكردية الى هذه الارضية الجامعة واستنادها الى مصالح حزبية وفئوية وعشائرية وحتى عائلية ه واحد عناصر التفكك والتناحر بينها وه ويمثل قنابل موقوتة قد تنفجر في اي لحظة, وهذا ما تجلى في المعارك الطاحنة التي دارت بين هذه القيادات في تسعينات القرن الماضي والتي راح ضحيتها الاف من الاكراد البسطاء.

ان العمل السياسي يجب ان يستند الى حقائق وليس الى اطماع لا يوجد ما يسندها وهذا ما يعانيه ملا بختيار وامثاله , فاتمنى منه ومن كل من يعمل في الساحة السياسية العراقية ان يفكروا ويتمعنوا في ما يقولون وما يصرحون به وفي ادائهم لان التاريخ والعراقيين لن يسامحوا من يجرم بحقهم وحق العراق.

ملاحظة: استشهدت في هذه المقالات ببعض الكتاب والمؤرخين الاكراد فيكون بذلك قد شهد شاهد من اهلها.

المصادر:

- السريان وكر..... الكبرى, ص17, سليم مطر.

- مقالة للاستاذ الدكتور عمر ميران , جريدة الوطن 16 يناير 2006 , العدد 1935 ,

 السنة السادسة .

- هل للاكراد تاريخ في شمال العراق , خالد الجاف , شبكة البصرة.

- مقالة للاستاذ الدكتور عمر ميران , جريدة الوطن 16 يناير 2006 , العدد 1935 ,

 السنة السادسة.

- نفس المصدر السابق.

- نفس المصدر السابق.

- اصل الاكراد , الجزء الثاني, د.حنان اخميس, موقع دنيا الوطن, 13 اوكتوبر 2004.

- مقالة للاستاذ الدكتور عمر ميران, جريدة الوطن 16 يناير 2006 , العدد 1935 ,

 السنة السادسة .

- هل للاكراد تاريخ في شمال العراق, خالد الجاف , شبكة البصرة.

- الاكراد وكر...., عبد الرحمن قاسملو.

- الاكراد ومكاردة شبه الحقيقة, الجزء الثاني, مقالة ليكدان نيسان.

- كتاب (النساطرة), الدكتور A. Grant .

- الاشوريون بعد سقوط نينوى, المجلد الخامس , ص 216 , هرمز ابونا.

- نفس المصدر السابق ص218.

- من عمان الى العمانية, ص155,164 ,204, سيدي الكوراني .

- الاشوريون بعد سقوط نينوى, المجلد الخامس, ص 222, هرمز ابونا.

 http://assyrianconference.com/index.php?news=941

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com