د. عباس العبودي

Iraq4Iraqis@googlegroups.com

بسمه تعالى

الحلقة الاولى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال رسول الله (ص): "انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق"

القييم الاخلاقية هي راسمال الانسان ايما كان لونه او وطنه او قوميته او دينه ,لانها اساس العلاقة الانسانية الحسنة و ميزة انسانية جعل الله فيها ميزان التفاضل بين البشر . فبمكارم الاخلاق تبنى الامم وتنموا الحضارات الانسانية ,لان في مكارم الاخلاق تجد كل المعاني الانسانية الفاضلة. وحينما تنعدم مكارم الاخلاق في الانسان تتحول صفاته الى سلوك متوحش يخالف الفطرة الانسانية وتؤدي بالنتيجة الى العداوة والبغضاء .

نحاول في حلقات انشاء الله ان نلقي الضوء على امراض اخلاقية ونسعى لطرح العلاج الصحيح لها من خلال مدرسة القران الكريم والسنة النبوية الشريفة .

ونساله تعالى ان يوفقنا لنكون من اهل مكارم الاخلاق والفضائل الحسنة وان يعيننا على تجاوز كل الامراض الاخلاقية القاتلة.

العجب والتكبر

العجب والتكبرمن مهلكات الامراض الاخلاقية الخطيرة التي تصيب الفرد والمجتمع وتؤدي الى هلاكها ان لم تدرك في بداية الامر وتعالج علاجا سريعا .

فالعجب: هو استعظام النفس من دون الشعور بالاستعلاء على الغير من خلال بعض الصفات والأعمال "العلم، المال، الموقع الاجتماعي، العبادة..." وغيرها .، والتكبر: هو الشعور بالاستعلاء على الغير على الصعيد الفردي والاجتماعي واظهار ذلك عمليا، فهناك "كبر"، وهناك "تكبر" فالكبر: مجرد الشعور بالاستعلاء على الغير من دون اظهار ذلك عمليا، والتكبر هو : الشعور بالاستعلاء على الغير مع اظهار ذلك عمليا .

ففي التكبر يوجد طرفان: طرف متكبر وطرف متكبر عليه كرد الحقّ على قائله مع العلم بأنّ الحق مع القائل لنحو كون القائل صغير السنّ، واستحقار الناس وهو أن ينظر إلى غيره بعين الإحتقار وإلى نفسه بعين التعظيم هو شعور الإنسان بأنه أفضل من غيره ، وهو شعور كاذب مبني على الوهم. لأنه ليس في مقدور الإنسان أن يقوم بإحصاء شامل لكل البشر في الماضي أو الحاضر أو المستقبل ليقارن نفسه بغيرها ويتبين له أفضليته على غيره … و آفة هذا الشعور انه يجعل للإنسان حقوقا إضافية ليست لغيره ولا يرى لغيره عليه حقوقا بزعمه انه خير ممن سواه فتصدر عن المتكبر أخلاقا وسلوكا سيئا يظهر في كلامه و أفعاله ولباسه وسائر ما يتعلق به .. ولنفرض أن الإنسان تفوق في أمر ما على غيره فهل يستمر هذا التفوق في التربع على القمة على الدوام ؟. وماذا عن الجوانب التي يتفوق غيره فيها عليه . فلتقل انك اعلم الناس بالطب مثلا فلابد انك متفوق في تخصص واحد فقط من الطب ولا شك أن التخصصات الأخرى فيها من يتفوق عليك ثم ماذا عن الذي تفوق عليك في الهندسة أو في التجارة أو غيرها انك لا تستطيع أن تكون متفوقا دائما في كل شيء وفي كل وقت وفي كل الأحوال حتى تتكبر على الناس وتلبس رداء ليس بردائك بل هو رداء الخالق الواجد الوجود .

وفي العجب يوجد طرف واحد: وهو المعجب بنفسه،الذي يرى في نفسه مالايراه في الاخرين , وقد ذم الاسلام هذه الصفات غير الحميدة لانها اعراض لامراض اخلاقية خطيرة ان انتشرت في الوسط الاجتماعي ستؤدي الى افراد المجتمع بالتفككك ونموا الحساسية والخصومة بين افراد المجتمع الواحد.

وقد ذم القرآن الكريم والروايات الشريفة هذه الامراض الاخلاقية : والآيات والروايات الذامة للتكبر كثيرة:
قال الله تعالى:

"كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار" "غافر: 35"،

"ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين" "الزمر:72".

وقال رسول الله "ص": "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر"

وروي عن روسول الله (ص) انه" قال الله: الكبرياء ردائي والعظمة ازاري فمن نازعني في واحد منهما ألقيته في جهنم"

وقال "ص" "ان أبغضكم الينا، وأبعدكم منا في الآخرة: الثرثارون، المتشدقون، المتفيقهون "أي المتكبرون".

وقد وردت روايات كثيرة تؤكد مقت الله تعالى لهذه الظاهرة،

قال رسول الله "ص" "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع واعجاب المرء بنفسه".

وقال "ص": "لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو اكبر من ذلك: العجب العجب".

فحينما يمارس الانسان عبادة فيشعر بالزهو والمنة على الله سبحانه وبعبادته، وانه أدى لربه كامل حقه، هذا الشعور من أخطر المحبطات لثواب العبادة. والسرور في العبادة والطاعة لا يعد من العجب ولا تبطل به العبادة،

اسباب نشوء العجب والتكبر:

أن لهذه الامراض الاخلاقية اسباب ومن اهم اسبابها هي جراثيم الهوى والانا السامة القاتلة التي ان عشعشت في ضمير واخلاق الانسان حولتهما الى حطام اخلاقي وظهرت اراض خطيرة وعدوى كبيرة في داخل المجتمع ومنها امراض العجب والتكبر. فالهوى والانا ظواهر اخلاقية سلوكية خطيرة بما تحمله من رغبة متأصلة في الغاء الآخر، ومن نزعة مأسورة الى حب البروز والشهرة، والتعالي على الآخرين.

العلاج :

ان علاج الظواهر السلبية في داخل الانسان تبدا من نفسه وليس من الخارج ولكن للعامل الخارجي تاثيرا ايجابيا او سلبيا على عملية التغيير والعلاج , فلو فكر هذا الانسان الذي ابتلي بمرض العجب او التكبر ان له تجارة كبيرة في مكان ما وذهب بعد مدة ليشاهد ماانجزه من عمله واذا به رمادا , ماذا سيكون موقفه من ذلك ؟

سيقلب خفيه ويقول يليتني لم ادرك نفسي ولم ابتعد عن مراقبة العمال وليتني كنت متابعا جيدا حتى لايحصل مل حصل.

نعم ايها الاحبى من يمرض بهذه الامراض الاخلاقية سوف لن يجني من مرضه الا الخسارة والضياع في الدارين . وسيكون محطة مستمرة للنقد والتقريع ويكون من الملعونيين في الدارين .

قال الله تعالى مخاطبا نبيه داوود "ع": "يا داوود بشر المذنبين وأنذر الصديقين، قال: كيف أبشر المذنبين وأنذر الصديقين؟ قال الله سبحانه: بشر المذنبين أني أقبل التوبة وأعفو عن الذنب، وأنذر الصديقين ألا يعجبوا بأعمالهم، فانه ليس عبد أنصبه للحساب إلا هلك".

وقال الامام الباقر "ع" "دخل رجلان المسجد، أحدهما عابد، والآخر فاسق، فخرجا من المسجد والفاسق صديق، والعابد فاسق، وذلك انه يدخل العابد المسجد مدلا بعبادته، فتكون فكرته في ذلك، وتكون فكرة الفاسق في الندم على فسقه ويستغفر الله مما صنع من الذنوب".

فاول محطات العلاج هي تطهير النفس من كل الجراثيم باستخدام اقوى المضادات الاخلاقية ومن اعظم هذه المضادات الاخلاقيىة هي

 1- تحرير النفس من ظاهرة الهوى والانا (نكران الذات.)

فقد روي عن الامام الرضا (ع) : "لا يرى أحدا الا قال: هو خير مني وأتقى... انما الناس رجلان: رجل خير منه وأتقى، ورجل شر منه وأدنى، فاذا لقي الذي هو شر منه وأدنى قال: لعل خير هذا باطن وهو خير له، وخيري ظاهر وهو شر لي. واذا رأى الذي هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به، فإذا فعل ذلك، فقد علا مجده، وطاب خيره، وحسن ذكره، وساد أهل زمانه".

وهكذا تضعنا هذه الكلمات الربانية المضيئة أمام "نكران الذات" كقيمة أخلاقية كبيرة تعبر عن درجة عالية من السمو الروحي والارتقاء الايماني. ان التحرر من "أنانيات الذات" ليس أمرا سهلا، فهو في حاجة الى ترويض دائم، وفي حاجة الى إرادة قوية، وقبل ذلك في حاجة الى إيمان صادق. ولهذا لابد من عملية التاهيل المستمر وترويض النفس بالتقوى ليكون اثر المضاد الحيوي الاخلاقي قوي على هذه الجراثيم .

نعود الى كلمات الامام الرضا "ع" قال: "العاشرة ما العاشرة؟"، قيل له: ما هي؟ قال "ع": "لا يرى احدا الا قال: هو خير مني واتقى".

هذا الانسان قتل في نفسه "أنانية الذات" وشعور الاستعظام، واحساس الاستعلاء، فلم يعد يرى أحدا الا وهو خير منه وأتقى. كم من الناس يملكون هذا المستوى من الاستعلاء النفسي، وهذا المستوى من نكران الذات؟ ,فالواقع يبرهن على ان هذا النمط من الناس قليلون قليلون.

ثم يتابع الامام الرضا "ع" كلماته فيقول: "انما الناس رجلان "أي بحسب الواقع والحقيقة": رجل خير منه وأتقى، ورجل شر منه وأدنى، فاذا لقي الذي هو شر منه وأدنى قال: لعل خير هذا باطن وهو خير له، وخيري ظاهر وهو شر لي"

فحينما يستمر الانسان في عملية الترويض لذاته وهواه فانه يحاول دائما ان يضغط على أنانيته حتى لا تنزع نفسه الى التعالى والتعاظم على الآخرين، قد يلتقي انسانا يشير ظاهره إلى انه شر منه وأدنى، غير انه يبقى يتهم نفسه، ويبحث عن مرجحات تعطي الآخر افضلية، وان كان ظاهره يوحي بأنه شر منه وأدنى، كون هذا الآخر قد يملك من الخصائص والأعمال المستورة ما تجعله أفضل منه، فبعض الناس يكون باطنهم أكبر من ظاهرهم، وبحسب الحديث "من كان باطنه أكبر من ظاهره ثقل ميزانه يوم الحساب".

ثم يتجه الى نفسه ليخاطبها بألا تغتر من ظاهر قد لا يوافقه باطن، وبحسب الحديث "من كان ظاهره أكبر من باطنه خف ميزانه يوم الحساب".

ويستمر الإمام في حديثه فيقول: "واذا رأى الذي هو خير منه وأتقى تواضع له ليلتحق به...". فهناك كثيرون يصعب عليهم ان يعترفوا للآخرين بالفضل والمنزلة والمكانة، انها الأنانية المقيتة ونزعة البروز والظهور. وأما المؤمن الذي تسامت نفسه وأصبح مشدودا الى جمال الله وجلاله، ولم يعد مأسورا الى "أنانيات الذات" فهو متواضع كل التواضع لأهل الفضل، يعترف لهم بالمكانة والمنزلة متمنيا اللحاق بهم، "فاذا فعل "المؤمن" ذلك: فقد علا مجده، وطاب خيره، وحسن ذكره، وساد أهل زمانه...".

2-المراجعة المستمرة مع النفس ومراقبتها :

حينما ينظر الانسان الى نفسه وينظر الى تفوقه ,فلايحسب نفسه ان الوحيد في الارض , ومهما كان تفوقه فلايعدوا ان يكون تفوقا محدود بحدوده الانسانية .فانظر إلى نفسك أيها المتفوق أن كنت أكثر مالا فلن تكون أكثر سعادة من غيرك فكم من رجل بسيط يعيش حياة مطمئنة وكم من رجل ثري يعيش في شقاء و فتفوقك هو حصيلة عدة عوامل لو توفرت لغيرك لكان مثلك أو أفضل منك فلماذا التكبر ؟ ألا ترى الدنيا متقلبة بين غني وفقر وصحة ومرض وسعادة وشقاء وطاعة ومعصية وغيرها من الأضداد فإذا حالفك الحظ في التفوق فاعلم انه لا يدوم وتلك الأيام يداولها الله بين الناس .

فالانسان الذي سبب نشاته نطفة حتى تخرج من صلب الرجل زفرتها قاتلة, وحينما يموت تكثر عليه جراثيم العفن التي تزكم النفوس ,فيسرع الناس الى دفنه ومابين الاولى والثانية فهو حمال عذرة, يسعى للتخلص من حمله قدر ماستطاع فان تأخر خروج مافي بطنه اصابته الوعكة والهلاك . فالانسان الذي مكونه الضعف هل يحق له العجب والتكبر؟. لانكون كالطاوس حينما نظر الى لون ريشه تعجب وانتفخ واذا نظر اليه الاخرون بقدمه يقولون الا ينظر الطاووس الى قدمه المتسخة وشكلها غير المرتب. فالانسان الذي يصاب بالعجب والتكبر وضعه كالطاوس ماهو الى مظاهر جوفاء ,كبالونة الهواء التي ليس لها قرار.

فلنفكر دائما اننا بشر خلقنا الله واصلنا من تراب ثم نعود الى التراب ثم نبعث فنحاسب عما عملنا وكيف تصرفنا بالامكانات التي منحها الله الينا من صحة ومال وعلم وغيرها من امور الحياة . فلكل نعمة ضريبة وضريبتها الشكر وشكر النعم أن تعلم أنها من فضل الله عليك أولا ثم عليك ان تحمد الله بلسانك و أفعالك وان تبث فيك روح التواضع فكل شيء زائل لا محالة .فلقد تكبر فرعون بملكه فما كانت خاتمته وتكبر قارون بماله فما كانت عاقبته ,وتكبر صدام بحكمة فماذا كانت عاقبته ، وتكبر إبليس بعلمه فماذا كان جزاؤه ؟ أما لك في أولئك معتبر .

إبليس هو أستاذ التكبر لدرجة أوصلته إلى عصيان أمر الله وتبرير عصيانه ولهذا استحق أللعنة إلى يوم الدين … واعلم أن التكبر يكون بكثير من الأسباب فقد يتكبر الإنسان بالمال أو بالعلم أو السلطان أو حتى الدين ، نعم فكم من عابد متكبر يظن نفسه خير من غيره ولهذا يقول الصالحون رب ذنب أورث ذلا واستغفاراً خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا ، لو انصف المتكبر نفسه لعلم انه مخلوق مثل غيره وان ذنوبه أكثر من حسناته وما حسناته إلا فضل من الله عليه . الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من

تذكرة:

بين التكبر والتواضع:

1- ليس من الكبر أن يحب الإنسان العلم أو المال أو السلطان أو اللباس المحترم ولكن الكبر أن يحتقر الناس ولا يعترف بالحق .

2- الثقة في النفس أن تعلم فضل الله عليك والتكبر أن تغتر بما انعم الله عليك.

3- المتكبر إنسان في زمرة المطففين يستوفي حقه ويزيد ويبخس الناس أشياءهم بينما المتواضع إنسان متسامح يقبل المعذرة ويتنازل عن حقه طواعية لوجه الله فهو من أهل العفو عند المقدرة .

4- المتكبر يغضب لحقوق نفسه ولا يبالي إذا انتهكت حقوق الله بينما المتواضع يغضب لله لا لنفسه .

5- المتكبر يعتبر نفسه سيدا وعلى الناس أن يخدموه بينما

6- المتواضع يخالط الناس ويصبر على أذاهم .

7- المتكبر كالدخان يرى نفسه مرتفعا وهو وضيع لا قيمة له ، بينما المتواضع اصله ثابت وفرعه في السماء

8- المتكبر في عقله وتصوره خلل ويعيش على الأوهام وهو بذلك عرضة للمشاكل النفسية والتوترات بينما المتواضع إنسان عرف قدر نفسه فهو اكثر واقعية وبذلك اقل عرضة للخطأ

وختاما نقول رحم الله امرئ عرف قدر نفسه، ونستعين بالله على إنقاذنا من هذه الخصلة الذميمة وان يبدلنا بها تواضعا وواقعية ومصداقية فانه قل من ينجو من التكبر إلا من رحم الله

اللهم انا نعوذ بك من العجب والكبر والتكبر ياارحم الراحمين.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com