د. عباس العبودي

Iraq4Iraqis@googlegroups.com

بسمه تعالى

المقالة الأولى

 التوجّه إلى الله

 من الآداب العامة للانسان المؤمن في عباداته التوجه الحقيقي الى الله سبحانه وتعالى من خلال الاستحضار الدائم الى عز الربوبية واستحضار حالة الذلة والعبودية للمطلق سبحانه وتعالى .وهذا الامرليس باليسير وانما  يحتاج الى ترويض وتوجيه قلبي وجسدي للوصول بالنفس الى حالة التكامل لتكون في مصاف الصادقين .وهذا التوجيه القلبي الحقيقي للسير بالنفس الى ذلّ العبودية يحتاج الى معرفة ايمانية واعية التي من خلالها يتمكن الانسان العابد ان يروض بها نفسه حتى تصل الى مدارج الكمال المعرفي بالله تعالى .

فالنقص والكمال الانساني يعتمد على هذا الوعي وعلى هذه الحركة التربويه الروحية باتجاه المطلق سبحانه .فكلما زاد الانسان من هذا التوجة الايماني وارتقى بنفسه نحو طريق الصادقين كان اكثر حضا في انفتاح رحمة الله عليه لانه  سبحانه هو القائل  (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا)) 

فمن سعى الى الله  بخطوة العبودية وترويض النفس على ذلك سوف يصل الى حالة التكامل الروحي التي تؤهله ليكون مع الصادقين ويكون في موضع انفتاح الرحمة الالهية عليه حتى يكون انسانا ربانيا  ينظر ويسمع ويتكلم في ضل الحماية الالهية كما في الحديث الصحيح المشهور.

 فإذا سلم الانسان نفسه للمطلق سبحانه وهو صاحب النفس والجسد  وشغل قلبه بحبه فحينئذ يكون القلب تحت تصرف صاحبه  يكون بذلك البصره بصراً إلهياً والسمع  سمعاً إلهياً واللسان لسانا الهيا  فلا ينظر هذا الانسان الا الى الحق ولايسمع الا الحق ولاينطق الا بالحق وهذه هي ميزة المتقين

فالانسان المؤمن حينما يستحضر في نفسه حالة العبودية المطلقة  للمطلق سبحانه وتعالى فهو بذلك يسعى للوصول الى حالة التكامل الانساني والارتقاء بالنفس لتكون في معية سيد الكائنات محمد (ص) واال بيته الكرام(ع)  لانهم الاسوة والقدوة الحسنة في طريق الكمال الانساني.

  

المقالة الثانية

الهجرة الى الله

قال تعالى : " { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله } . ( النساء 100 )

الهجرة عبارة عن هجرة البدن " المنزل الصوري " من مكان الى مكان كزيارة الكعبة أو  مشاهد الأولياء وغيرها من امثال الحركة المكانية، والهجرة المعنوية هي الخروج من بيت النفس ومنزل الدنيا إلى الله ورسوله،ويمكن ان تكون الهجرة المكانية ملازمة الى الهجرة المعنوية  وتكون هجرة إلى الله  اذا حصل هذا التلازم المادي والمعنوي في طاعة الله.

 اما اذا تعلقت النفس بالدنيا وبرزت معالمها السلوكية واضحة كالانانية وحب النفس وغيرها من المفسدات الدنيوية واضحة في سلوكه واخلاقه  فلا تتحقق الهجرة  فيكون حاضرا بدنياه الفانية حتى وان تحرك جسده من مكان الى اخر ولاينطبق عليه مفهوم الهجرة الى الله . وهذا هو الفرق بين الهجرة الموضوعية والانتقالية\

ليس الغريب غريب الاهل والوطن     ان الغريب غريب اللحد والكفن

لاتنهرن غريبا حال غربته    الدهر ينهره بالذل والمحن

سفري بعيد وزادي لن يبلغني    وقوتي نحلت والموت يطلبني

 

المقالة الثالثة

مراتب الايمان

روي عن الامام الصادق عليه السلام " الإيمان درجات وطبقات ومنازل، فمنه التام المنتهي تمامه ومنه الناقص البيّن نقصانه ومنه الراجح الزائد رجحانه "

وروي عن الامام الباقر عليه السلام " إن المؤمنين على منازل، منهم على واحدة ومنهم على اثنتين ومنهم على ثلاث ومنهم على أربع ومنهم على خمس ومنهم على ستّ ومنهم على سبع، فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة اثنتين لم يقوَ، وعلى صاحب الاثنتين ثلاثا لم يقو " وساق الحديث ثم قال : " وعلى هذه الدرجات " .)

الايمان درجات يرتقي بها الانسان نحو سلم التكامل  لتحقيق حالة العبودية المطلقة لله تعالى في داخل النفس وانعكاسها السلوكي الخارجي. فالمقام الاول من الايمان هو  حصول الايمان بالعلم وهذه الحالة اذا اصيبت بداء الكيرسوف لاتنسجم مع حالة الذلة لله تعالى وحالة التكبر نابعة من الجهل وليس للايمان سبيال في اختراق القلب المتكبرلان التكبر حينما يملا القلب  سوف يحرم  النفس من التلذذ بذل العبودية  لله تعالى ولايجد  في قلبه مجالا  للمعرفة الالهية .اما اذا ملا القلب بالايمان وذل العبودية لله تعالى والتشرف بعزة الربوبية يكون الانسان قد تدرج بنفسه الى مدارج الكمال

فالعلم الايماني الذي يكشف للانسان هويته لانه المدخل الى معرفة الله.فسالك طريق المعرفة الالهية لابد له  ان يعيش ذل العبودية لله تعالى  ويصل إلى المقام الأول من الايمان حيث يسعى بكل جهد إنساني للفناء  في حب الله ويصرف عمره في طاعته سبحانه.  والسائر في هذا الطريق سوف لايسلم من محاولات الشيطان لافساد ايمانه بالعجب والمكائد الكثيرة التي تسعي لتحبيط عمله. والمقام الثاني هو حصو ل الايمان بالحقائق  هو ادراك الايمان بالعقل والبرهان والسلوك العملي ليملا به القلب بذل العبودية لله تعالى ويفرغه من القيود والحجب التي تمنع الشعور بالعبودية المطلقة لله تعالى وهذه المرتبة من الايمان لايمكن ان تتحقق بدون الوعي الكامل لدور العقل والقلب في مقارعة الامراض الاخلاقية التي يسعى الشيطان ان يثبتها بالنفس ليمنعه من الجدّ في طلب المطلوب الحقيقي للوصول  الى المقام الثاني .

اما المقام الثالث هو مقام الاطمئنان والطمأنينة وهو في الحقيقة المرتبة الكاملة من الإيمان التي تجعل الانسان المؤمن يرتقي الى اعلى درجات التقوى حيث  قال تعالى مخاطبا خليله " أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي "  وهذا الاطمئنان المطلق يؤدي بالانسان المؤمن الى الارتقاء الى المقام الرابع الذي يتجلى نور الله سبحانه في قلب المؤمن وفي كل جوانب حياته. فكلما زاد الانسان في علاقته بالمولى سبحانه وتجلت معاني الذلة والعبودية في قلبه وسلوكه لله تعالى ويتحرر من كل القيود الشيطانية التي تفسد عليه طريق العلاقة بالله تعالى كلما انكشفت عليه افاق رحمة الله  فيتلمس من هذا النور المقدس قبسات هداية في هذا الطريق المظلم . حيث قال المولى في خطابه للمؤمنين  ( يايها الذين امنو اتقو الله وكونوا مع الصادقين))  هؤلاء الصادقين الذين انفتح عليهم المولى سبحانه وافاض عليهم من نوره فكانو سبييل هداية للبشرية وقدوة حسنة للسائرين الى الله.

 

المقال الرابع

الخشوع  في العبادة

الخشوع هو عبارة عن حالة قلبية تحصل للقلب وهوالخضوع التام الممزوج بالحب أو الخوف وهو يحصل من إدراك عظمة المولى سبحانه وهيبته وسلطانه .لان قلوب العارفين مختلفة, فبعض منها عاشقة للجمال الالهي المتمثل في عظمته و جلاله سبحانه . وتارة حالة الوحشة والرهبة من المولى  سبحانه التي تزلزل القلب وتحركه باتجاه الانس والسكينة والاطمئنان . فالخشوع يكون ممزوجا تارة بالحب وأخرى بالخوف والوحشة فعن  امير المؤمنين (ع) في احد المقاطع من ادعيته :" سبحان من اتسعت رحمته لأوليائه في شدّة نقمته، واشتدت نقمته لأعدائه في سعة رحمته"

وحتى الارض تعيش حالة الخشوع والرهبة لصاحب الجلال والجمال وهي مسلّمة للعوامل الطبيعية وليس لها إرادة في إنبات النبات، بل هي في تسليم محض، قال تعالى : " ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت " ( فصلت 39 ) وكذلك الجبل بالنسبة إلى نزول القرآن لانه من صنع المولى سبحانه  ولا يمكنه المقاومة، قال تعالى : " ولو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدّعا من خشية الله " ( الحشر 21 ) .

فالقلوب تخشع للمولى سبحانه لادراكها بعظمته فتزيد حالة العلاقة والحب والأنس وتتبدل حالة الوحشة والاضطراب إلى حالة الأنس والسكينة وتحصل حالة الطمأنينة .وهذه الحالة التي يعيشها الانبياء والاولياء ..وهناك قلوب تخشع خوفا من المولى لعظمة سلطانه وشدة عذابه فيتحول الخوف الخشوع تتجلى معالمه في كل جوانب الحياة وقد حدد القران الصفة العامة للمؤمنين من خلال صلاتهم :{ قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } ( المؤمنون 1-2 )

فالمؤمن الذي لم تتوفر فيه سمات الخشوع في صلاته فهو خارج عن زمرة أهل الإيمان طبقا لما قاله تعالى.فالخشوع في الصلاة علىينقسم الى قسمين الأول : الخشوع القلبي وهو أن يكون المؤمن تمام همّته في الصلاة ومعرضا عما سواها بحيث لا يكون في قلبه سوى المحبوب سبحانه .

والثاني: الخشوع في الجوارح وهو يحصل بأن يغمض عينيه ولا يلتفت إلى الجوانب  وبالجملة لا تصدر منه حركة سوى الحركات الصلاتية، ولا يأتي بشي من المكروهات

فالصلاة التي لاتتوفر فيها معالم الخشوع الحقيقي التي تجعل القلب في حالة استحضار دائم تبعده عن كل فحشاء ومنكر فهي ليست بصلاة الخاشعين حتى ولو كان بظاهره مؤمنا—لان الايما ن بدون وعي وخشوع  لم يكن ايمانا حقيقيا, قال تعالى { ألم يأن للذين آمنوا أن يخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق }   فالإيمان الصوري أي الإيمان الذي لم يستحضره الخشوع  اما الإيمان الحقيقي هو الايمان الواعي, ايمان اهل العلم والمعرفة الذي يلازمه الخشوع  كما قال تعالى( إنما يخشى الله من عباده العلماء ). فالخشوع  في الصلاة التي تمثل نور العلم والإيمان من أولها إلى آخرها تؤدي باالانسان ان يعيش حالة التقوى والاستقرار القلبي الذي يوصل الانسان الى حالة من الاطمئنان. فالصلاة التي توفر الخشوع  القلبي هي الصلاة المقبولة والتي يقبل ما سواها من الاعمال والصلاة التي لاتوفر الخشوع ولم تربي الانسان على التقوى فهي  اداء وليست قيام  والله تعالى امرنا باقامة الصلاة  التي توفر الخشوع القلبي  واستحضار حالة العبودية المطلقة للمولى سبحانه..اذن فلابد من الجد والسعي واالابتعاد عن الرخوة والفتور والتسامح في اقامة الصلاة لان الصلاة هي عمود الدين فاذا قبلت قبل ماسواها من الاعمال لانها  باب رئيسية لطريق  طاعة الله تعالى، وليس في العبادات ما يضاهي الصلاة لانها جمعت كل العبادات  فهي جامع إلهي يتكفل بسعادة البشر. والذي يوفق في اقامة صلاة الخاشعين يحس بلذة المناجاة الحقيقية مع المولى سبحانه.ولذة المناجاة مع المولى سبحانه لاتقاس بلذة دنيوية عابرة

وااخشوع القلبي يوفر حالةالطمانينة في النفس واطمئنان الخاطر، لأن العبادة إذا أتي بها الانسان في حال اضطراب القلب وتزلزله فالقلب لا ينفعل بمثل هذه العبادة ولا يحصل أثر من العبادة في ملكوت القلب ولا تصير حقيقة العبادة صورة باطنية للقلب،ان تكرار العبادات وخصوصا الصلاة وتكثير الاذكار والمناجات والاوراد التي يتاثر بها القلب  وينفعل حتى يملا القلب بحالة الخشوع والسكينة فقد روي عن الامام الصادق " فاجعل قلبك قبلة للسانك لا تحركه إلا بإشارة القلب وموافقة العقل ورضى الإيمان"  و " القلب حرم الله فلا تجعلوا غير الله في حرمه"

فإذا انفتح لسان القلب بالنطق يكون القلب قبلة للّسان ولسائر الأعضاء واذا لم ينطق لسان القلب بالخشوع  فليسعى الانسان بعملية ترويضه وتعليمه النطق ويلقي عليه الذكرالدائم لله تعالى وزيادة التعلق بالمولى سبحانه  ورسوله  وائمة الهدى  والدين الشريف والقران وجميع المسائل العبادية. اما اذا حصل للانسان الخشوع اللساني والتلقين القلبي الظاهري الذي لايجد في النفس والحواس القلبيةاي اثر تربوي فسرعان ما يزول  بزوال المؤثر وتبقى النفس حائرة غير مطمئنة لان الذكر كان بلسان الجسد ولم يكن بلسان القلب ولو سئلت هذه التفس بعد الموت لم يكن عندها جواب لان القلب كان فارغا من الارتباط الحقيقي بالله تعالى  الذي يبعث على الخشوع والاطمئنام  ((الا بذكر الله تطمئن القلوب))

فالرواية الشريفة التي ينقلها الرواة في مسالة تقرب العبد الا الله بالنوافل حتى تتجلى الالطاف الالهية في وجدانه وسلوكه اي حينما يكون السمع والبصر وسائر الاعضاء في طاعة الله  "" كنت سمعه وبصره "" فيكون بصره وسمعه وسائر أعضائه المادية و الروحانية  في حالة امتزاج كامل بنور المولى سبحانه . .ففي الرواية الشريفة" من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بدمه ولحمه "

 

المقالة الخامسة

دور العبادة في مواجهة الشيطان

 من المهمات العامة للعبادات  هي المحافظة على النفس من غزوات الشيطان وتصرفاته لان الشيطان له دور خبيث في افساد العبادات من خلال عوامل كثيرة منها الرياء  والعجب، والرضا بالاعمال الذاتية حتى وان كانت مخالفة لامر الله من خلال ايجاد التبريرات الشيطانية الى النفس

حتى يؤطر هذه الاعمال بشرعية نفسه. لذا فاءن الخشوع القلبي في العبادات وتذطر البوم الموعود الذي لاينفع فيه  مال ولا بنون الا من اتي الله بقلب سليم  والقلب السليم هو القلب المملؤ بطاعة الله وحبه وهو القلب اللمتلئ بالمعارف الالهية التي لاتدع فسحة للشيطان من النفوذ اليه .وهذا ماركز عليه القران  وتذكيره الانسان المؤمن ان يركز على الخشوع والمحافظة على الصلاة  التي  تؤثر في النفس من اجل ابعاد الاثار السلبية الناجمة من تصرفات الشيطان.

فالمؤمن العارف في الله صاحب القلب الخاشع الذي يغذي قلبه وروحه يهذه المعارف سوف يستمد من الفضائل والمناسك الإلهية التي تعينه على مواجهة الحييل والتبربرات الشيطانية التي تفسد العبادة.كذلك الاخلاص في العبادة يعتبر عاملا مهما فب امواجهة مع الشيطان .ويعتبر الاخلاص لله في العبادة من العوامل  الاساسية في العبادة المخلصة التي تغذي الانسان روحيا، فتبعده عن خط الشيطان وتتحول عبادتة الى عبادة الهية مخلصة . اما الانسان صاحب القلب المريض المملؤ بطغيان حب الذات والامراض الاخلاقية  التي تفسد العبادة باعتبارها امرا ض شيطانية لاينبغي للانسان المؤمن ان يعيش في اجوائها  بل عليه ان يضع حب النفس  التي هي ام المفاسد ة تحت قدميه  وأن يواظب بكمال المواظبة والدقة عن مراقبة عيوب سيره وسلوكه وان لا يغفل دائما في الاستعاذة بالله تعالى من اعمال الشيطان, ولولا توفيق المولى سيحانه سوف نكون من الهالكين بفعل الغواية الشيطانية التي تفسد العبادات

 

المقالة السادسة

البهجة في العبادة

من الآداب العامة للعبادات  هو الاتيان بها  في حالة انبساط  وبهجة في القلب وفرح وانبساط في الخاطره ولاياتي بها في حالة كسل وأدبار للنفس, لأنه إذا ُحمِلت على النفس العبادة في حين الكسل والتعب، يمكن أن تترتب عليه الآثار السيئة كالضجر ونفرة النفس من العبادة  بدل الاستئناس بها لان الحكمة من العبادة هو خلق حالة البهجة والسرور وصيرورة باطن النفس الى صورة العبودية. اما اذا حصلت النفرة والضجر من العبادة لاسامح الله  قد يودي  الى  حالة الانحراف والابتعاد الكامل عن خط العبادة . لذا  فان الرواية الشريفة توكد  على مراعاة النفس في مجال العبادة حتى لايحصل الضجر والنفرة وقد يصرف الانسان نفسه كليا عن العبادة لاسمح الله.

"وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " يا عليّ انّ هذا الدين متين فأوغل برفق ولا تبغّض إلى نفسك عبادة ربّك " وعنه عليه السلام : إذا نشطت القلوب فأودعوها وإذا نفرت فودّعوها .

وهذا دستور جامع منه عليه السلام بأن أودعوا في القلوب في وقت نشاطها وأما في وقت نفارها فخلّوها تستريح، فلا بد في كسب المعارف والعلوم أيضاً من رعاية هذا الأدب وألا يحمل على القلوب اكتسابها مع الكراهة والنفور فقد روي  عن المام الصادق (ع)انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبّها بقلبه وباشرها بجسده وتفرّغ لها فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أم على يسر "  .

 فالانسان الذي لاتتوفر في نفسه البهجة في عبادته لابد له ان براجع نفسه وطريقة عبادته لانه لابد من التفاعل الداخلي مع العبادة وتطهير القلب من ادران الشيطان والسعي الدائم لترويض النفس بالعبادة الصحيحة حتى تنصاع النفوس الى الخط الصحيح والشعور في حالة البهجةوالسرور الذي يبعث على الاطمئنان وعدم الانشغالى بامور الدنيا الفانية من اجل حطام الدنيا وانما الانشغال بالدنيا لامر الاخرة  حتى تتحول جميع امورنا الدنيوية الى عبادة مخلصة لله تعالى . فقد روي عن رسول الله (ص) في وصية له لابي ذر " ياا باذر ان استطعت ان تاكل وتشرب في سبيل الله فافعل " فالعبادة الصحيحة هي لذة الفناء في طاعة الله  وتقوية إرادة النفس لتكون دولة النفس مسيطرة في كل جوانب حيات الانسان حتى تمنعه السير في مسالك الشيطان والابتعاد عن العصيان والتمرد والأنانية  وتساق جنود النفس من الإيمان إلى التسليم لله سيحانه ومن التسليم إلى الرضا ومن الرضا إلى الفناء في طاعة المولى.

ان الأنس والبهجة والسرور في العبادة  تبعد الانسان عن الكسل والضجر لان صفة الضجر والكسل هي من صفات اهل الكفر والنفاق { ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، ولا ينفقون إلا وهم كارهون} ( التوبة 45 .) ولكن حينما تقحم النفس بالعبادة من وعي وتفاعل يحصال الضجر والكسل لان النفس لم تتفاعل مع العبادة لجهل وسيطرة القوى الشيطانية على النفس فيحصل الفتور والكسل والضجر من العبادة وتارة اخرى لاسامح الله الى كره للعبادة  . لذا ان رسول الله (ص) كانو يوصونا على عدم اكراه النفس على العبادة الشقيلة التي لاتتحملها النفس  فقد وروي عن الامام ابي عبدالله  الصادق (ع) قال : " لا تكرهوا إلى أنفسكم العبادة " .

ويستفاد من هذا الحديث هو الرعاية في العبادة من دون اقحام النفس اقحاما  تؤدي به الى عدم الانسجام والتفاعل في العبادة فتغيب حالة البهجة ويضيع الهدف الحقيقي  من العبادة  فلابد من التعامل مع النفس برفق  ولايحملها اكثر من طاقنها فيصيبها الملل . ولابد للنفس من ترويح و ترويض  كما عبر عن ذلك المعصومين. اما اذا انقادت النفس بالقسر الى العبادة  وسيطرة نار الشهوة من دون ترويض وترويح صحيح  فانها بالنتيجة تكون النفس باتجاه عكس ما اريد لها ان تكون. ولابد للنفس من ترويح ومداراتها  في الحلال  لاطفاء نارالشهوة ويسير بها الى طاعة الله

فلياكل وليشرب بالحلال وليتمتع بالحلال  ويطفئ نار شهوته بالحلال الذي احله الله الى العباد حتى لايقع الانسان بالمحذور الشرعي الذي قد يؤدي بالنفس الى الممارسات اللاشرعية التي تؤدي بالنفس الى الانحراف  وضياع العبادة في محرقة الشهوة  والارهاق الروحي . " لا تحرِّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيّبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون " ) . المائدة 87

فقد روي  عن رسول الله (ص) " من تزوّج فقد أحرز نصف دينه " وفي حديث آخر: " من أحب أن يلقى الله مطهَّراً فليلقه بزوجة " وروي أن رسول (ص) قال " وأكثر أهل النار العزّاب " .

وعن عليّ عليه السلام قال " إن جماعة من الصحابة كانوا حرّموا على أنفسهم النساء والإفطار بالنهار والنوم بالليل فأخبرت أم سلمة رسول الله فخرج إلى أصحابه فقال :( أترغبون عن النساء ؟ إني آتي النساء، وآكل بالنهار، وأنام بالليل، فمن رغب عن سنّتي فليس مني .

ن أبي عبدالله عليه السلام قال : " اجتهدت في العبادة وأنا شابّ فقال لي أبي يا بنيّ دون ما أراك تصنع فإن الله عزّ وجلّ إذا أحبّ عبدا رضي منه باليسير ".

وعن أبي جعفر قال : قال رسول الله " إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله فتكونوا كالراكب المنبتّ الذي لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى " .

وفي حديث آخر " ولا تبغّض إلى نفسك عبادة الله " .

نستفيد من جملة الروايات الشريفة انه لابد من مراعاة الانسان لنفسه وويتعامل معها معها بنسبة قوتها وضعفها فإذا كانت النفس قوية في العبادات والرياضات وتقدر على المقاومة، فليجدّ ويسعى في العبادة . فكلما تعودت النفس على الرياضة الروحية حتى تغلب النفس القوى الشهوية الطبيعية وتصير هذه القوى مسخّرة تحت كبرياء النفس  اما اذا كانت النفس ضعيفة فالاقتصاد في العبادة خير من الاعبادة حنى تتمكن النفس من السيطرة على الشهوات وازالة عقبات الشطان من طريقها

والله الموفق

 

المقالة السابعه

كيف نفهم العبادات

ومن الآداب القلبية في العبادات  هو فهم العبادة والفهم لايمكن ان يتحقق  الا من خلال وعي المعاني القرانية والسنة النبوية  فالعبادة التي تنجم عن التفكر والفهم هي العبادة الواعية هي التي  تؤثر في النفس  هي التي تملا القلب بمعانيها السامبة فتمنه الشيطان من الوغول الى داخل القلب  وتقطيه اواصر العلاقة بين العبد وبين الله .

 لقد ركز القران على ذكر الله في الكثير من المواقع  وهذا التاكيد هو لتهداية الانسان العابد ان الذكر الحقيقي لله تعالى ياتي من خلال وعي المفهوم الحقيقي للعبادة   وحينما يوفق الانسان العابد من الوصول الى هذه الدرجة من الوعي   يكون ذكر الله تعالى   باعثا على الاطمئنان  وشفاء لما في الصدور   اما الانسان الذي يعبد الله  على حرف  غائب عنه الوعي الحقيقي لمفهوم العباد  تراه يعبد ليلا ونهار ولا اثر لعبادته على شخصينه وروحيته، لان الفهم الواعي للعبادة تعلم الانسان العلم والحلم والصبر والوقار متحملا كل الضروف القاسية التي  قد تواجههة بعين الرضا والايمان المطلق بقضاء الله وقدره  لم يياس  ولم يقنط  بل  يتحول من خلال وعببه لعبادته الى حركة  في داخل نفسه واسرته ومجتمعة  عاملا في سبيل الله، يحول جميع مجالات الحياة الى افاق حركية يخدم بها عقيدته مستسلما تسليما كاملا لله تعالى  فلبه  مملؤا بحب الله  واهل طاعة الله  .يفكر في الاخرين قبل ان يفكر بنفسه  هذه العباد الواعية المتحركة هي التي  ينشدها الاسلام  لا  عباد الصوامع والانعزال والتصوف، لان الاسلام  يدرك ان الانسان المؤمن قيمة  وقيمته في عطاءة للاسلام من خلال  تذويب الذات في الاسلام لخدمة المجنمع لكي بحقق مااراد الله منه  وهو الدعوة الى الله  وتعبيد الناس الله  بالحكمة والموعظة الحسنة.

 

 

المقالة الثامنة

كيف نرقق القلوب لتكون قلوب خاشعة

القلب كالطفل الصغير الذي لايدرك الكلام ولابدّ له من التعليم والترقيق من خلال الأذكار والأوراد فإذا انفتح لسان القلب فيكون قلبا ذاكرا وداعيا و من أسرار تكرار الأذكار والأدعية ودوام الذكر والعبادة هو لترقيق القلب واخراجها من حالة القسلوة الى حالة الرقة   فقد روي عن الامام الصادق (ع) أن عليّاً (ع) قال في ضمن بيان بعض آداب القراءة (للقرآن): " ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية ولا يكن همّ أحدكم لآخر السورة " . وفيه أيضاً أن أبا عبد الله الصادق عليه السلام قال لأبي أسامة : " يا أبا أسامة أوعوا قلوبكم ذكر الله واحذروا النكت ".

ان تجلي عظمة الله تعالى في القلوب يرققها ويزيدها خشوعا أما سمعت الله يقول " فلمّا تجلى ربّه للجبل جعله دكّاً وخرّ موسى صعقاً " ( الاعراف 143 )  

وروي عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال : قام رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة يردّد قوله تعالى : " إن تعذبهم فإنهم عبادك   وان تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " . ( المائدة 118 ) .

وبالجملة فحقيقة الذكر والتذكر هي الذكر القلبي . أما الذكر اللساني فهو بدونه ذكر بلا لبّ وساقط عن درجة الاعتبار بالمرة، كما أشير إلى ذلك في الأحاديث الشريفة غير مرة فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال لأبي ذرّ : يا أبا ذرّ ركعتان مقتصدتان في تفكر، خير من قيام ليلة والقلب لاه ( ساه ) " .

وروي عنه صلى الله علية وآله أيضاً " أن الله سبحانه لا ينظر إلى صوركم بل ينظر إلى قلوبكم " نعم فالحضور القلبي  في الممارسات العبادية تؤدي الى ترقيق القلب وتزيده خشوعا.فعبادة صاحب القلب الرقيق الخاشع تتجلى فيها العزيمة والارادة وتتجلى فيه معاني العبودية المطلقة للمولى سبحانه. وان هذا التجلي العظيم في  الخشوع لله سبحانه وتعالى يقوي إرادة النفس وتتغلب النفس على ارادة الشيطان وتقوي عنده حس العزيمة والارادة بحيث تكون القوى الطبيعية مسخّرة تحت قدرة النفس وسلطنتها وتكون الإرادة الملكوتية نافذة في ملك البدن إلى النفس كملائكة الله بالنسبة إلى الحق تعالى " لا يعصون الله ما أمرهم "   ( التحريم - 6 ) " وهم بأمره يعملون "          ( الأنبياء   - 27 ) .

اماعبادة صاحب القلب الغافل القاسي  ستكون عبادة غيرمؤثرة ولاتترك بصماتها على شخصية العابد لان القلب لم يلقن تلقينا صحيحا ولن ينقى من ادران الشيطان لذا تكون الممارسات العبادية  ممارسات  افعا ل لا ممارسات  تنتهي بالنفس الى الترقيق والخشوع ولا يكون لمثل هذه العبادة أثر في النفس البتة ولا تتجاوز العبادة  الا الحركات  من دون ان يكون لها اثرا  في السلوك  الظاهري والباطني ويزداد القلب يوما بعد يوم  قساوة وظلمة وتعلقا في الحياة الدنيا  وإطاعة الأهواء  والوساوس الشيطانية فتكون  العبادة مجرد حركات كالقشور خالية كن لب الخشوع  وفاقدة للشرائط الباطنية والآداب القلبية المرجوة من العبادة الصحيحة.

فحينما يذكرنا المولى سبحانه في كتابه المجيد ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فهذا النهي ليس نهيا صوريا بل لا بد أن  يكون هذا النهي  كالمصباح  ينور القلب و يهدي الإنسان إلى عالم الغيب  بحيث ان هذا النور يكون زاجرا للإنسان عن العصيان والتمرد .

فحينما نودي كل الممارسات العبادية ولا نرى اثر للخشوع في انفسنا ولارقة في القلوب  فهذا  يعنني اننا في خطر عظيم  والقلب غافل بحب الدنيا . فكيف بنا اذا وقفنا تلك الوقفة الطويلة بين يدي الله  يوم نعطى صور أعمالنا وصحيفة أفعالنا  ويقال لنا "   )لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (ق-ّ  22) "اقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " ) الإسراء   - 14 )    

 فهل لنا في ذلك اليوم سوى الحسرة والندامة والشقاوة والخجلة والانفعال نصيب ؟ يا لها من حسرة وندامة ليس لها في هذا العالم شبيه، ويا لها من خجلة وانفعال لا نقدر أن نتصور لها نظيرا، فإن الحسرات في هذا العالم مهما بلغت ممزوجة بآلاف من الرجاء، وكذلك الخجلات في هذه النشأة سريعة الزوال وهذا بخلاف ذلك العالم فإنه يوم بروز الحسرة والندامة كما يقول المولى سبحانه " وأنذروهم يوم الحسرة اذ قضي الآمر " ( مريم   - 39 )

أيها الاحبة  لنسعى الى ذلك اليوم الذي لامفر منه  ذلك يوم الوعيد العزيز ولنصحى من غفلتنا وسبات تعلقنا بهذه الدنيا الغرور الفانية ولنتطلع الى الحياة التي لازوال فيها ولا اضمحلال  لا ندع الفرص تفوتنا ونعض اصابع الندم  في ذلك اليوم الذي لاينفع  فيه مال ولابنون الا من اتى الله يالقلب السليم  الذي  لا يجعل في جوفه الى طاعة الله ومحبته حتى ينعم الانسان صاحب القلب السليم الخاشع بالحياة الابدية والنعم السرمدية واللذائذ الدائمة وينجى من الهلاك والشقاوة والنار والظلمة والحسرة والندامة. وقد جاء الانبياء والمرسلون والدعاة الى الله ليذكرونا بذللك من أجل أنفسنا  حتى لاندع الشيطان ان ياخذ بمسامع قلوبنا ويتسلط على باطننا وظاهرنا. ولكن مع الاسف  ان كل هذه المواعظ التي جاء بها الانبياء والمرسلون لم ئؤثر الا بقليل من الناس   )حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (هود:40)

 ايها الاحبة  لنذكر انفسنا دائما بالعبادة الصحيحة ولنروض انفسنا على تنقية القلب من كل شؤائب حب الدنيا وعبادة الذات والابتعاد من غرور الشيطان ولاننخدع بخدع النفس الأمّارة فإن تدليسات الشيطان والنفس دقيقة وانما ليعمّيان على الانسان كل أمر باطل فيراه بصورة الحق ويغران الانسان حينما يأمل التوبة في آخر العمر وينتهيان بالانسان إلى الشقاوة . يقول المولى سبحانه

 )يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة:168)

)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة:208)

)الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:268)

)إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:175)

)يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً) (النساء:120)

)إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة:91)

)فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:43)

)فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) (لأعراف:20)

)يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (لأعراف:27)

)وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) (لأعراف:175)

)إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (لأعراف:201)

)وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) (الاسراء:53)

)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور:21)

)لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً) (الفرقان:29)

)إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر:6)

)أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يّـس:60)

)وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (الزخرف:62)

)اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المجادلة:19)

الشيطان بسعى دائما ان يقطع طريق الانسان عن رحمة الله ويؤمله بهذه الدنيا الغرور. وينسيه ذكر الله ولكن رحمة الله تيقى دائما ملازمة لنا على  رغم كل الانحرافات والاعمال الشيطانية التي نمارسها  وهذا الانسان غافل عن أن بعث الرسل وإرسال الكتب وإنزال الملائكة والوحي والالهام على الانبياء والهداية إلى طريق الحق كل ذلك من شؤون الرحمة لأرحم الراحمين، وقد اتسعت الرحمة الواسعة لجميع العالم ونحن على جانب عين الحياة نهلك من الظمأ، هذا القرآن هو أكبر رحمة الله لنا, فان كنا نطمع في رحمة أرحم الراحمين فلنتامل رحمته الواسعة ولنستفيد منها  ولا نضيع الفرص ايها الاحبة..

 

المقالة التاسعة

كيف نربي انفسنا على الطاعة وحضور القلب

 روي عن رسول صلى الله عليه وآله انه قال " اعبد الله كأنك تراه، وان لم تكن تراه فإنه يراك"، ويستفاد من هذا أن السالك في طريق طاعة الله يكون قلبه مفتوحا الى طاعة المولى سبحانه وتتجلى كل المعاني العرفانية في قلبه  لان  قلبه  حرم الله  بعيدا عن الغفلة  لان الغفلة مدخل من مداخل  الشيطان وهي بعدا عن مقام العبودية. .وقد روي عن رسول الله  صلى الله عليه وآله في وصيته لابو ذر " يا أبا ذر ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه "

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله " إنّ الرجلين من أمتي يقومان إلى الصلاة وركوعهما وسجودهما واحد وان ما بين صلاتهما مابين السماء والأرض"

وروي عن رسول الله  صلى الله عليه وآله : " من صلّى ركعتين لم يحدّث فيهما نفسه بشيء من الدنيا غفر الله له ذنوبه " وعنه صلى الله عليه وآله " ان من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها وخمسها إلى العشر وان منها لما تلفّ كما يلفّ الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها " وان " مالك في صلاتك الا ما أقبلت عليه بقلبك ".

 وروي عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " اذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله اليه، أو قال أقبل الله عليه حتى ينصرف وأظلّته الرحمة من فوق رأسه إلى أفق السماء والملائكة تحفّه من حوله إلى أفق السماء ووكل الله به ملكا قائما على رأسه يقول أيها المصلّي لو تعلم من ينظر اليك ومن تناجي ما التقتّ ولا زلت من موضعك أبدا ".

وروي عن الصادق عليه السلام : " لا تجتمع الرغبة والرهبة في قلب إلا وجبت له الجنة فإذا صلّيت فأقبل بقلبك إلى الله عزّ وجلّ فإنه ليس من عبد يقبل بقلبه على الله عزّوجلّ في صلاته ودعائه إلا أقبل الله عليه بقلوب المؤمنين وأيّده مع مودّتهم إيّاه بالجنة ".

ان موانع حضور القلب في العبادات فهي تشتّت الخواطر وكثرة النسيج الشيطاني في القلب من خلال الممارسات السيطانية عن طريق الحواس كالسمع والبصر او عن طريق التخيلات والتفكرات الباطنية التي تطير بمخيلته من غصن معصية إلى غصن معصية اخر.

لذى علينا ان نسعى جاهدين لتزويض النفس وتطهير القلب  كما عبر عن ذلك امير المؤمنين  ع   "وانما هي نفسئ اروضها بالتقوى لتاتي امنة يوم الفزع الاكبر".. هذا امير المؤمنين  ع يروض نفسه  فكيف بنا نحن الذين نعيش في متاهات الحياة المادية والاغراءات الشيطانية فلابد لنا ان  نجاهد النفس الامارة بالسوء ونتوكل على الله سبحانه ليعيننا على انفسنا بما يعين الصالحين على انفسهم  لانه لاملجا من الله الا اليه سبحانه ومنه نستمد العون والقوة.

 

المقال العاشرة

حب الدنيا وكيفية التخلص منه

القلب بحسب فطرته إذا تعلّق بشيء وأحبه يكون ذاك المحبوب قبلة لتوجّهه وان شغله أمر ومنعه عن التفكر في حال المحبوب وجمال المطلوب فبمجرّد أن يخفّ الاشتغال ويرتفع ذلك المانع يطير القلب شطر محبوبة فورا ويتعلق بذيله، فأهل المعارف وأرباب الجذبة الالهية إذا كانت قلوبهم قوية وصاروا متمكنين في الجذبة والحب فيشاهدون في كل مرآة جمال المحبوب وفي كل موجود كمال المطلوب كما روي عن المعصومين ع : " ما رأيت شيئا الا ورأيت الله فيه ومعه " .

 ان بحب الدنيا مانع من فراغ القلب وحضوره في محضر القدس الالهيايّ، وعلاج هذا المرض المهلك والفساد المبيد هو بالعلم والعمل النافعان .أما العلم النافع لهذا المرض فهو التفكر في ثمراته ونتائجه والمقايسة بينها وبين مضاره ومهالكه الحاصلة منه

روي عن ابي عبدالله  الصادق عليه السلام  انه قال : " حب الدنيا رأس كل خطيئة "، فاذا علم أن حبّ الدنيا هو مبدأ ومنشأ جميع المفاسد فعلى الانسان العاقل المعتني بسعادته أن يطهر قلبه من هذا النسيج الشيطاني وان يعمل ضد هواه فاذا كان تعلقه بمال ومنال فانه يقطع جذورها عن القلب ببسط اليد والصدقات الواجبة والمستحبة، وان من اسرار الصدقات تقليل العلاقة بالدنيا، ولهذا يستحبّ للانسان أن يتصدّق بالشيء الذي يحبّه ويتعلق قلبه به، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم : " لن تنالوا البّر حتى تنفقوا مما تحبّون " . ( آل عمران 92 .)

فاذا كان حبه لمقام اوفخر اورياسة فليعمل ضدّها ويرغم النفس حتى تصير إلى الصلاح .، وليعلم الانسان أن الدنيا  كسراب بقيعة يلهث ورائها طالبها ولكن لانتيجة لسد عطشه فكلّما اتبعها أكثر سوف يكون اسيرها اكثر حتى.يهلك وهو لم يصل الى مقصده   كما جاء في الرواية الشريفة:هذه المطالب في الاحاديث الشريفة  عن الامام الباثر ع " مثل الحريص على الدنيا مثل دودة القزّّ كلما ازدادت من القزّ على نفسها لفّا كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غماّ " . وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال : " مثل الدنيا كماء البحر كلما شربه انسان عطشان يزيد عطشه حتى يقتله " .

فأنت يا طالب الحق والسالك إلى الله إذا طوّعت طائر الخيال وقيّدت شيطان الواهمة وخلعت نعليَ حبّ النساء والأولاد وسائر الشؤون واستأنست بجذوة نار العشق لفطرة الله وقلت اني آنست نارا ووجدت نفسك خاليا من موانع السير وهيّأت أسباب السفر فقم من مكانك واهجر هذا البيت المظلم للطبيعة والمعبر الضيق المظلم للدنيا واقطع سلاسل الزمان وقيوده وانج بنفسك من هذا السجن الكبير

 

المقالة الحادية عشر

كيف نتوجه في صلاتنا

الطهارة

التوجة الى الصلاة  هو سفر الروح الى الله  وحينما يسافر الجسد من مكان الى مكان يحتاج الى وسائل كمقدمات لسفره –كذلك سفر الروح في الصلاة هو العروج بالروح الى المولى سبحانه وللوصول الى هذا الهدف يحتاج الى طهارات معنوية وجسدية والتخلص من كل الادران الشيطانية التي تعيق المسافر للوصول الى مقصدة وتكون صلواته مجرد حركات جسدية لا اثر لها في الروح .  واول مستلزمات سفره الى الله تعالى هو الطهارة الجسدية والقلبية ولابد من التخلص من قاذورات المعاصي التي لابدّ أن تطهّر بماء التوبة النصوح الطاهر الطهور، لان المعاصي ناجمة من حب النفس والدنيا وحب الدنيا رأس كل خطيئة . روي عن رسول الله( ص): " الطهور نصف الايمان "  اي ان الطهارة لابد ان تحقق  المراتب الاربعة المرتبة الاولى : تطهير الظاهر عن الاحداث وعن الاخباث والفضلات . المرتبة الثانية : تطهير الجوارح عن الجرائم والآثام . المرتبة الثالثة : تطهير القلب عن الاخلاق المذمومة والرذائل الممقوتة . المرتبة الرابعة : تطهير السرّ عما سوى الله تعالى وهي طهارة الانبياء صلوات الله عليهم والصدّيقين .

ومن ادوات التطهير اولا -تطهيرالاعضاء والجوارح من الاعمال والافعال البشرية، وهذا التطهير هو نتيجة قرب النوافل كما في الحديث المتفق عليه " لا يزال يتقرّب إلي عبدي بالنوافل حتى أحبه فاذا أحببته كنت أنا سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها " وثانيا هو التطهير من الصفات الا خلاقية غير اللمدوحة لان الله تعالى ان نتخلق باخلاق الله تعالى كما جاء في قوله صلى الله عليه وآله " أدّبني ربي فأحسن تأديبي " . فتكمل فيه الصفات والملكات الخلقية وتصل جوهرة   العبودية إلى كنها وتختفي العبودية   وتظهر الربوبية وتتحقق بحقيقة " وتخلّقوا بأخلاق الله " . وثالثا  تطهير الذات  في طاعة المولى سبحانه للوصول الى معدن العظمة كما جاء في المناجات الشعبانية  " الهي هب لي كمال الانقطاع اليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرنا اليك حتى تخرق ابصار القلوب حجب النور وتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك .

 فالتطهير يخلق حالة الصفوة كما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وآله" مثل المؤمن المخلص الخالص كمثل الماء، ولتكن صفوتك مع الله تعالى في جميع طاعتك كصفوة الماء حين أنزله من السماء وسمّاه طهورا وطهّر قلبك بالتقوى واليقين عند طهارة جوارحك بالماء " .

وقد روي عن الامام الصادق (ع ) : " اذا أردت الطهارة والوضوء فتقدم إلى الماء تقدمك إلى رحمة الله فإن الله قد جعل الماء مفتاح قربته ومناجاته ودليلاً على بساط خدمته، وكما أن رحمة الله تطهّر ذنوب العباد كذلك النجاسات الظاهرة يطهرها الماء لاغير"

روي عنه عليه السلام: " تفكَّرْ في صفاء الماء ورقته وطهره وبركته ولطيف امتزاجه بكل شيء واستعمله في تطهير الاعظاء التي أمرك الله بتطهيرها وائت بآدابها في فرائضه وسننه فإن تحت كل واحدة منها فوائد كثيرة فاذا استعملتها بالحرمة انفجرت لـك عيون فوائـده عن قريب ".

 فالذي يقدم الى الصلاة من الناحية العملية  يجب عليه التطهر بطهارتين هي الطهارة الخارجية بالماء او التيمم  والطهارة البطنية هي طهارة الروح من كل دنس دنيوي  

 نسال الله ان يوفقنا لطاعته ورضوانه وان يجعلنا من المتطهرين  والحمد لله اوله واخره

  

المقال الثاني عشر

لباس المصلي

 الصلاة هي مقام القرب والعروج إلى الله، ولا تتحقق صورة الصلاة بدون طهارة اللباس والبدن والروح لانه لايمكن ان يقف العبد في صلاته امام ملم الوجود وهو في لباسه وبدنه وروحه قذارة لان القذارات رجس من عمل الشيطان وهي موانع ورود الى المحضر الالهي،فلابد من السعي الدائم لتطهير الروح والجسد حتى نتجنب يوم الحسرة )وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (مريم:39) الذي لاينفه فيه الندم  ولاينفع  المال والبنون والجاه )إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:89)  (إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الصافات:84)

ومن المعالم الاساسية لتك الطهارة هو التخلص من حب الدنيا لان حب الدنيا راس كل خطيئة اننا محتاجون الى الله في كل لحظة من لحظات حياتنا  ولايمكن ان تتكون هذه العلاقة الا من خلال طهارة القلب )يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر:15)

وروي عن الصادق عليه السلام قال: ( ان روح المؤمن لأشدّ اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها )

فلنلاحظ لباسنا المادي والمعنوي  في كل لحظة من لحظات حياتنا ولنراقب انفسنا لان الله هو رقيب علينا )وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (قّ:16)

 

المقالة الرابع عشر

قيمة الزمن في الصلاة

الزمن قيمة عليا في قانون المولى سبحانه .فنلاحظ الكثير من ايات القران  الكريم ركزت على الزمن .وقد قسم المولى سبحانه وتعالى بالزمن كثير  مثلا  والعصر  والفجر والضحى  وغيرها لما لها اهمية في قانون المولى سبحانه . فهو يؤكد على الزمن لان الزمن مسؤولية وامانة يجب ان نحملهما باخلاص. لذى حدد المولى سبحانع وقتا محددا للصلاة .لان وقن الصلاة هو  ميقات العارفين لملاقاة  ملك الوجود ومناجاته .لان الانسان المتشوق الى لقاء الملك العزيز الرحيم الودود  يجعل اهل الشوق الى مناجاته اكثر حركة وحيوية في اوقات الصلاة. فهم يواظبون على أوقات الصلاة بتمام أرواحهم وقلوبهم وينتظرون وقت المناجاة مع الحق سبحانه فقلوبهم حاضرة وارواحهم متفاعلة لهذا الحدث الكبير . فلو ان احدنا دعي لملاقاة ملك من ملوك الانس كم يتهيا ويتزيين ويحفظ الوقت للوصول الى موعد اللقاء حتى لايغضب هذا الملك من التاخيلالر وتزول الفائدة. من اللقاء. اقول فكيف ونحن مدعوون للقاء ملك هذا الوجود وهو المالك الحقيقي له وما عداه  فهم ملوك زائلون لايملكون لانفسهم نفعا ولاضرا ولاحياة ولاممات . اذن علينا ان نحترم وقت الملاقاة لان في احترامه احتراما لانفسنا وفي حضورنا للملاقاة والتفاعل في صلواتنا هو منفعة لنا . واما اعظم المنافع حينما يعيش الانسان في حالة اطمئنان واستقرار ز ففي الملاقاة الدائمة والمتواصلة خير الدنيا والاخرة.

هؤلاء العارفين الذين  يقبلون على الله بارواحهم وقلوبهم ويقومون بالامر باقبال واشتياق وينتظرون أوقات الصلاة فانها وقت حصول النتائج واكتساب الذخائر ولا يختارون على النعم الدائمة شيئا فهؤلاء ايضا حيث أن قلوبهم خبيرة بعالم الغيب وقد آمنت قلوبهم بالنعم الابدية واللذائذ الدائمة لعالم الاخرة يغتنمون أوقاتهم ولا يضيّعونها اولئك اصحاب الجنة وأرباب النعمة هم فيها خالدون . الانسان العارف بالله يعيش في اوقات صلاته حالة من الخلوة  مع الله كما جاء عن رسول الله (ص)" لي مع الله وقت لا يسعه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ".

وروي عن علي عليه السلام : " كان اذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلوّن، فيقال له : ما لك يا أمير المؤمنين ؟ فيقول عليه السلام : جاء وقت الصلاة وقت أمانة عرضها الله على السموات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها " .

وأما نحن المساكين المبتلين بالآمال والاماني والمقيدين بسلاسل الهوى والمنغمرين في حب الدنيا ينشغل فكرنا عن وقت الصلاة تحت حجة  هناك متسع من الوقت  وحينما يدركنا الوقت  نصلي ولانعلم  ما قلنا وما فعلنا لان فكرنا مشغول بامر من امور هذه الدنيا الفانية، فقد ضيعنا حلاة وقت الملاقاة  لذى لانشعر ان صلواتنا قد اثرت في نفوسنا وارتقت بنا الى حالة انسانية اعظم تتجسد فيها كل معاني القييم والاخلاق الفاضلة التي ارادها الله تعالى من عباده ان يكونوا يها.

نسال الله تعالة ان يوفقنا لطاعته ورضوانه وان يعيننا على درك الحقائق وقيمة الوقت في كل جوانب حياتنا—لان الانسان حينما يدرك قيمة الزمن في حياته يستطيع ان يبدع ويعمل الخير الذي يستفيد منه الجميع، لان الانسان المؤمن العارف بقيمة الزمن ويدرك انه امانة من الله اليه لايستطيع ان يبخل بزمنه لعمل الخير ولايسرف بزمنه في عمل يخرجه عن انسانيته.بل يكون اشد حرصا على زمنه ليقدم كل الخير له وللاخرين لن في ذلك سعادة الدنيا والاخرة.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر:18)

 

المقالة الخامسة عشر

كيف نستقبل القبلة في الصلاة

الاستقبال يحمل بعدين بعد نفسي وبعد جسدي . فالبعد الروحي هو صرف الروح عن كل شئ يمنعها من التوجه نحوا المطلق سبحانه. والبعد المادي هو استقبال الجسد باتجاه كعبة التوحيد ليعيش الانسان في حالة الانسجام الروحي والجسدي بين مسارين هدفهما استحضار حالة الخشوع والطاعة للمولى سبحانه. فالمتوجه الى القبلة الحقيقية التي هي أصل أصول بركات السموات والأرض ويرفع رسوم الغير والغيرية حتى يصل شيئا ما إلى سرّ وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ويحصل في قلبه انموذجة من تجليات عالم الغيب الاسمائي وبوارقة وتحترق الجهات المتشتتة والكثرات المتفرقة ببارقة الهية ويؤيده الحق تعالى وتنحط الاصنام الصغيرة والصنم الاعظم عن باطن القلب بيد الولاية، ولا انتهاء لهذه القصة فاتركها وامضِ .

 اعلم أيها السالك إلى الله انك اذا صرفت وجهك الظاهر من الجهات المتشتتة لعالم الطبيعة وتوجهت إلى النقطة الواحدة فقد ادّعيت فطرتين من الفطر التي خمّرت بيد الغيب واختفيت في ذاتك وقد خمّر الحق تعالى طينتك بها بيد الجلال والجمال وقد أظهرت هاتين الحالتين الفطريتين بصورة ظاهرة دنيوية وأشهدتهما بها وأقمت البينة على عدم احتجابك من نور هاتين الفطرتين الالهيتين، والبينتان هما صرف الظاهر عن الغير والتوجه إلى القبلة التي هي محل ظهور يد الله وقدرة الله، وهاتان الفطرتان الالهيتان احداهما هي التنفّر عن النقص والناقص، والثانية هي العشق للكمال والكامل، وهذان اللذان أحدهما أصلي ذاتي والثاني تبعي ظلّي من الفطر التي خمرت بها جميع عائلة البشر ومن دون استثناء أحد منهم . ففي جميع سلسلة البشر مع اختلافهم في العقائد والاخلاق والطبائع والامزجة والامكنة والعادات في البدوي منهم والحضري والوحشي والمتمدن والعالم والجاهل والالهي والطبيعي . هاتان الفطرتان مخمرتان وان كانوا هم محجوبين عن هذه الفطرة ويختلفون في تشخيص الكمال والنقص والكامل

 والناقص، فذاك الوحش السفّاك الفتّاك القتّال يرى الكمال في أن يغلب على نفوس الناس وأعراضهم ويرى السفك والقتل كمالا فيصرف فيه عمره، وذاك الطالب للدنيا الطالب للجاه والمال يرى الكمال بالمال والجاه ويعشقهما .

وبالجملة فصاحب كل مقصد يرى مقصده كمالا وصاحبه كاملا ويعشقه ويتنفّر عن غيره . فالانبياء عليهم السلام والعلماء بالله وأصحاب المعرفة قد جاؤوا ليخرجوا الناس عن الاحتجاب ويخلصوا نور فطرتهم من ظلمات الجهل ويفهموهم الكامل والكمال، فانهم بعدما عرفوا شخص الكمال والكامل فالتوجّه اليه وترك غيره لا يحتاج إلى الدعوة بل نور الفطرة هو أعظم هاد الهي وهو موجود في جميع سلالة البشر .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com