salahatm@hotmail.com

(ملاحظة قبل القراءة: هذه التفاصيل ليست قصص، هي ليست إلا جزءاً صغيراً جداً مما عايشته أو سمعته خلال أيامٍ  في الضفة الغربية)

الضفة الغربية، أو كما يرغب بتسميتها الإعلام العربي اليوم، دولة فتح، في مقابل تسميته لغزة بدولة حماس، حيث يسيطر قطبا اليمين الفلسطيني المتطرف بشقيه الإسلاموي، أو الشعبوي السلطوي على الضفة وغزة، ويفرضان سطوتهما بالقوة، والقمع والتنكيل، لدرجة القتل على الهوية الحزبية، والاعتقال على اللحية، وجرجرة القتلى في الشوارع خلف سيارات الأمن، واعتقال المعلمين على طريقة "رامبو هوليود" ووضعهم في صناديق السيارات أمام أعين الناس.

 

نابلس في الليل:

شوارع المدن الكبرى مثل مدينة نابلس المحاصرة بالجيش الصهيوني من المنافذ الثلاث الوحيدة لها، تتحول بعد الساعة العاشرة مساءً لمعرضٍ غير مسبوقٍ للسلاح. بكل بساطة تتقدم –أياً كنت- من الجالس على دوار مدينة نابلس ويضع أمامه بضع رزم من الرصاص –سعر الطلقة الواحدة يبدأ من عشرين شيقلاً "أي ما يوازي خمسة دولارات"، وبعض بنادق ومسدسات، من طراز كلاشنكوف روسي الصنع، كلاشنكوف مصري الصنع، أم 16 أمريكية الصنع، أوزي إسرائيلية الصنع، وأحيانا بعض البنادق الصغيرة المصنعة يدوياً في فلسطين والتي تتميز بعدم دقتها بإصابة الهدف؛ إلا أنها مناسبة للذين يهوون استخدام الأسلحة في الأعراس والجنائز والمناسبات الوطنية والقومية، فلا حاجة لهدف.

يكفي أن تقف لتسأل عن الثمن، ليضع لك رصاصة في البندقية ويطلب منك أن تجرب قبل أن تسأل عن الثمن، وما بين دقيقة وأخرى ستسمع صوت طلقات نارية من آخرين يجربون هم أيضاً بنادق أو مسدسات في مكان قريب.

تمر سيارة جيب عسكرية تابعة للسلطة الفلسطينية مسرعة، ويطل من الشباك أحد رجال الأمن الوقائي أو الشرطة أو غيره، ليخبر الموجودين بأن جيبات عسكرية إسرائيلية تنوي الدخول للمدينة. لن يستغرق الوقت أكثر من عدة دقائق لتجد جميع تجار السلاح قد هربوا مع أسلحتهم لمخيماتهم القريبة، أو مقارهم الأمنية. وحينها إن سمعت صوت طلقة نارية، فهي من مصدر إسرائيلي فقط، ونادراً ما تسمع من يرد على مصدر النيران بعدة طلقات. بالتأكيد ليس مصدر الرد أحداً من تجار الأسلحة.

 

نابلس صباحاً:

عددٌ كبير من أفراد الشرطة الفلسطينية، يهرولون من سياراتها، وبكامل سلاحهم وعدتهم العسكرية، سترى إحدى السيارات "المسروقة" تمر من المكان مسرعة، ليخال لك بأن المطاردة التي تجري، هي بهدف القبض على سائق السيارة المسروقة، لكن سرعان ما تبدو الصورة أكثر وضوحاً حين ترى صاحب السيارة المسروقة، والذي هو أحد أفراد جهاز الشرطة أيضاً، قد خرج من سيارته بزيه المدني، وحاملاً بندقية -من طراز أمريكي، مطورة ومزودة بكل الإضافات التي قد تضاف للبندقية من ذات الطراز، مثل المنظار الليلي والنهاري، ومنظار للقنص، وغيره- وأنضم هذا الشرطي لزملائه في قلب عربات الخضار والفواكه لبعض البائعين المتجولين والاعتداء عليهم بالضرب، الذين –كما يقول أحدهم: قُطعت أرزاقهم جراء الحصار المشدد على المدينة فأضطر لأن يبيع على عربة متجولة- إلا أن هذا لم يغفر له هذه الهجمة القاتلة من الشرطة بحجة حفظ الأمن والنظام.

ستركب إحدى سيارات التاكسي، لتسمع في الراديو أن محافظ مدينة نابلس ورئيس البلدية ورئيس شرطة المدينة، قد أعلنوا عن حملة أمنية تهدف لحفظ الأمن والنظام فيها، وأن الرئيس عباس وعدهم بمضاعفة عدد الشرطة في المدينة، وأن أكثر من 300 عنصر سيبدأون انتشارهم في اليوم التالي، وستتساءل عندها، أي أمن ونظام يقصدون؟ هل عربات بيع الخضار هي كل ما يعيق الأمن والنظام في المدينة!!

وماذا عن أكثر من خمس مائة سيارة مسروقة يقودها فقط أبناء التنظيم من حركة فتح وأبناء الأجهزة الأمنية الذين من المفترض أنه يقع على عاتقهم حفظ الأمن والنظام؟

وماذا عن السلاح الذي ينتشر بين أيديهم، والذي يزيد عن عدد الهواتف النقالة التي يحملونها؛ فأكثر من مرة رأيت شاباً ربما وصل العشرين من عمره أو أقل قليلاً، يحمل هاتفاً نقالاً، وبندقية ومسدس وعدة مخازن من الذخيرة.؟

ماذا عن إطلاق النار اليومي والذي أصبح بالنسبة لأهل المدينة مثل صوت الآذان، يسمعونه ليل نهار، لسبب وبدون سبب؟

ماذا عن إطلاق النار على معلم مدرسة من قبل مجموعة من التنظيم لأنه حاول منع أحد طلابه في المرحلة الأساسية –أي عمره أقل من 17 عام- من الدخول للمدرسة بمسدسه؟

ماذا عن عددٍ  من أفراد تنظيم فتح من مخيم العين الذين قدموا امتحان الثانوية العامة بنجاح، بعد أن دخلوا القاعات بكامل عتادهم العسكري، وأجبروا المعلمين الموجودين على الإجابة لهم على أسئلة الامتحانات؛ رغم أنه بعضهم لا يقرأ ولا يكتب، فقد كان أحد "زعران حسبة نابلس" قبل الانتفاضة، وصار بعد الانتفاضة واحداً من أهم قادة كتائب شهداء الأقصى في المدينة ويأخذ الأتاوة من تجار المدينة؟

بالمناسبة قائد كتائب شهداء الأقصى هذا، اعتقلته إسرائيل قبل أسابيع لمدة ساعتين فقط وأطلقت سراحه، ومن حينها لم يره أحد يخرج للشارع، لكنه أوكل مهمة جمع الأتاوات من التجار والبائعين المتجولين لبقية زعرانه.

ولمن يود أن يعرف أكثر عنه، فقد قام قبل فترة وجيزة بحرقة سيارة بروفسور في جامعة النجاح، وأطلق النار على بيته، وأصدر مرسوماً رئاسيا حول البروفسور الجامعي إن عاد للكتابة مرة أخرى حول الوضع الداخلي الفلسطيني فسيقتل.

 

نابلس في النهار:

تعود في النهار لتجد جنازة أحد الفلسطينيين، تسير وسط المدينة، وخلف الجنازة التي ستلاحظ بسرعة العدد الهائل من صور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وصور الرئيس الراحل ياسر عرفات، والعدد الهائل للمسلحين، لتظن أنها جنازة لأحد الشهداء الذين سقطوا في معركة مع الاحتلال. ويكفي حينها إن استطعت من كثرة الطلقات النارية بالهواء التي قد تعد أكثر من ثلاثين طلقة في الدقيقة، أن تدخل لداخل المسيرة وتسأل أحد المشيعين ليقول لك أنه عجوز في السبعين مات بالسكتة القلبية، لكنه أبا فلان من كتائب الأقصى، أراد له ابنه جنازة عسكرية تليق به، أو ليخبرك أنه من مخيم كذا، وقتله العملاء من مخيم كذا، وسيهمس لك بأنه يشك أن الخلاف مالي وليس له أي علاقة بتنظيمات، رغم صرخات التوعد بالثأر من الغادرين التي ستسمعها في كل لحظة، لترد عليها زخات من الرصاص.

 

في أحد الدوائر الأمنية:

حاولت في زيارتي الأخيرة هذه أن أتقدم بطلب من المحكمة في نابلس، بالسماح لي بالتدريب لدى أحد المحامين للحصول على إجازة المحاماة، وحين كنت بالمحكمة همس لي أحد الأصدقاء بأن أتوجه لأحد أفراد كتائب الأقصى ليصاحبني في هذه الجولة، لكني رفضت، فقال: ذنبك على جنبك.

تقدمت بالطلب، وبعد موافقة محكمة الصلح، وقاضي محكمة البداية، وتوقيع المدعي العام، والذي حولني بدوره لاستصدار ما تسمى شهادة عدم محكومية من مديرية شرطة نابلس؛ وعدم المحكومية لمن لا يعرفها هي ورقة توقع عليها كافة الجهات المعنية من شرطة وبحث جنائي ومخابرات وأمن وقائي وغيرهم بأن حامل هذه الورقة لم يحكم قط بجنحة أو جناية مخلة بالأدب والشرف، وهذا ما حدث بالفعل حيث توجهت لمديرية الشرطة، حيث أخبروني بان أعود يوم الأحد، أي بعد ثلاثة أيام.

عدت يوم الأحد صباحاً لأفاجئ بأن مدير شرطة نابلس يطلبني شخصياً، في البداية ظننت كالعادة أنه يعرف أحداً من أقاربي، أو يود سؤالي عن أمر ما، ففوجئت بعد انتظارٍ دام أكثر من ساعتين على باب مكتب مدير الشرطة بأنه يعطيني ملفاً كاملاً ويطلب مني التوجه لمكتب البحث الجنائي "المختص بالقضايا الجنائية كالسرقة والاغتصاب والقتل وغيرها".

وأثناء توجهي للبحث الجنائي حاولت تصفح الملف، فوجدت به ورقة عدم المحكومية التي سبق وتقدمت بها، وهي موقعة من المخابرات والأمن الوقائي وغيرهم، وبقي توقيع مدير الشرطة والبحث الجنائي، فظننت الأمر أحد أشكال الروتين.

 

في مبنى البحث الجنائي:

في مبنى البحث الجنائي في مدينة نابلس، سلمت الملف، فطلب مني أحد العساكر الانتظار قليلاً، سرعان ما عاد وطلب مني الدخول لأحد الغرف والانتظار بها. وبعد ساعة دخل أحد العساكر يحمل بندقية من طراز كلاشنكوف، وأغلق الباب خلفه، ووضع البندقية على الطاولة، وتهدد وتوعد بأن تجرأت مرة أخرى على انتقاد رئيس السلطة محمود عباس، أو السلطة ذاتها فأنني سألقى ما لا يسرني، وظل يتهدد ويتوعد وهو يشير بالبندقية في وجهي، الأمر الذي اضطرني أنا الأخر للصراخ بوجهه، فتدخل أحد الضباط الذين كانوا في الممر، وأخرج الرجل المسلح من الغرفة، وذهب وعاد وهو يحمل الملف، وبدأ بسؤالي عن عملي، ومكان إقامتي، وانتمائي السياسي.

الأمر الذي دفعني لأن اسأله هل هذه دائرة "البحث الجنائي" المختصة بتقصي القضايا الجنائية كالسرقات والاغتصاب والتحرش الجنسي وغيرها أم أنا مخطئ، فأكد لي بأني لم أخطئ

وأضفت قائلاً: ما هي صلاحياتكم، هذه ليست صلاحيات البحث الجنائي، هذه صلاحيات الأمن الوقائي أو المخابرات، ثم لا يجوز احتجاز صحفي بهذا الشكل المهين كما لو أنه لص، أو أحد الزعران الذين يتحرشون بالفتيات.

أجاب أنه لا يجب أن أناقش، وأنه ليس بالأمر الذي يخصني، وأنني يجب أن أوقع على تعهد بأن لا أعود للكتابة حول المواضيع السياسية مرة أخرى، وقال ساخراً: "يا أخي خليك في مسلسلاتك ومشاريعك الفنية".

حينها أخبرته بأني سأتقدم بشكوى عما حدث لأكثر من منظمة لحقوق الإنسان، وبأني صحفي ولا يحق له احتجازي، وأنه أصلا غير مخول لا بتوقيعي على تعهدات، ولا على سؤالي عن أمور سياسية، وأنني صحفي وأن ما يسميه هو تهجم على سيادة السلطة ورئيسها وانتقاده في الصحف والمجلات، هو عمل أي صحفي، وليس تهجماً، وأني لست من أي تنظيم فلسطيني لا معارض ولا موالي للسلطة، وأنه بحاجة هو ومن يعمل لديه لإعادة تثقيف، وتربية، وتعليم بكيفية التعامل مع الناس، وحينها هددت باللجوء لأحد الشخصيات "س" وهو في السلطة وأخبرته بأنه صديقي، حينها فقط سمح لي بالذهاب خوفاً من "س" وليس احتراماً لخصوصية الهوية الصحفية التي عرضتها عليه ورماها بوجهي.

 

اعتقالات لمعلمي المدارس:

قرية طلوزة/ تبعد عن مدينة نابلس عشرة كيلو مترات فقط. الساعة السابعة صباحاً، أفاقت كل المنطقة على صوت طلقات نارية بشكل كثيف، ليبدو الأمر وكأن معركة في الخارج، الفزع أصاب المنطقة كلها والتي خرجت من بيوتها لتجد عشرات من رجال "الاستخبارات العسكرية" المقنعين، والمدججين بكافة أنواع الأسلحة، يقفون على أبواب البيوت، ويتمركزون في كل الأزقة، بينما يصطف عدد منهم ويطلقون النار على سيارة مدنية صغيرة من نوع "فيات إيطالية الصنع"، ويتوجهون وهم يطلقون النار بالهواء للسيارة، ويطلبون من الركاب النزول منها والانبطاح على الأرض، ليتبين فيما بعد أنها سيارة تقل خمسة من معلمي مدرسة طلوزة الثانوية للبنين، من قرية عصيرة الشمالية؛ حيث تم ضرب المعلمين على مرآة ومسمع من الناس، ولم تشفع لهم محاولات السكان، بل تم وضع المعلمين في صناديق السيارات واقتيادهم لجهة مجهولة، ليتم بعد يومين إطلاق سراح أثنين منهم ليتبين بأن الاثنين المطلق سراحهم قد تقدموا "بشهادات خلو من تنظيم حماس المحظور" فيما تم التحفظ على البقية بحجة أنهم مقربين من الحركة، أو ذوي توجهات إسلامية.

 

تبادل معتقلين مع إسرائيل:

بعد منتصف الليل في قرية طلوزة ذاتها، يبدأ صوت إطلاق النار، ليتبين في الصباح أن الأمن الوقائي الفلسطيني قد أعتقل ستة من الفتية الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و 22 عام، وتم اقتيادهم لأحد مقرات الأمن الوقائي، بتهمة اشتباه الجهاز الأمني بمحاولة الفتية تشكيل خلية للقوة التنفيذية في القرية.

لم يستمر إطلاق سراح الفتية من مقار الأمن الوقائي لأكثر من خمسة أيام لتعود قوات إسرائيلية لاعتقال ذات الفتية الستة بعدها، ولا يزالون معتقلين حتى اللحظة.

 

 مشاكل عائلية :

على خلفية مشكلة بين امرأة وزوجها، خرج أهل كلا الزوجين بالسلاح، وتبادلا إطلاق النار في الشوارع في وضح النهار، بين المساكن والمحال التجارية، فتدخلت بعد ساعات قوات الأمن الفلسطينية، واعتقلت بعض أطراف المشكلة من طرف واحد، وتم توجيه عدة تهم لهم، بأنهم أعضاء في القوة التنفيذية، وأن السلاح الذي كان معهم سلاح لحماس، إلا أن تدخل بعض أعضاء تنظيم حركة فتح، واعترافهم بأن السلاح الذي تمت مصادرته يعود لأعضاء التنظيم تم إغلاق ملف القضية بهدوء، وإعادة السلاح لصاحبه.

 هذه الأحداث في ظرف أقل من 48 ساعة، بينما ستبقى على مدار اليوم تسمع قصص من الناس، من طلبة الجامعات تحديداً، بأن قوات الأمن حاصرت أحد سكنات طلاب جامعة النجاح، وأطلقت النار عليه، وأخرجت جميع من فيه للخارج، ومن ثم تقدم عدد من المسلحين والذين هم أيضاً طلاب في الجامعة، وبذات الوقت عاملين في الأجهزة الأمنية، من أحد زملائهم وأطلقوا النار عليه أرجله ويديه فقط لكونه أحد أعضاء الكتلة الإسلامية في الجامعة، أو أحد المقربين من حركة الجهاد الإسلامي.

 

وضع اليسار الفلسطيني ودوره :

·   الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أحد الفصائل الفلسطينية اليسارية التي من المفترض أنها الأكثر راديكالية في يساريتها وماركسيتها، تعقد في قرية عصيرة الشمالية القريبة من مدينة نابلس، ندوة سياسية تدعو إليها النائبة عن حركة فتح  في المجلس التشريعي "نجاة أبو بكر"، ويعلنان معاً في بيان مشترك يخرجان فيه بعد الندوة بضرورة إدانة العنف والإرهاب الذي تمارسه حماس في غزة.

·   أعضاء من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في رام الله، يخرجون "من مقر المقاطعة" في مسيرات يطالبون فيها حماس بضرورة احترام سيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وينددون ويشجبون، ويعودون في نهاية المسيرة لتناول الغداء في مائدة مشتركة مع بعض أفراد من حركة فتح وقادة الأجهزة الأمنية الهاربين من انقلاب حماس في غزة؛ والذين تركوا خلفهم أفراد أجهزتهم الأمنية يلقون حتفهم رمياً بالرصاص، أو رمياً من الشبابيك على أيدي مقاتلين من حماس.

·   في المقابل، العديد من قيادات اليسار الفلسطيني في غزة أعلنوا تحالفهم "البرغماتي" مع حماس، وطالبوا فتح في الضفة بوقف ما أسموه القمع والإرهاب السلطوي الذي تمارسه الأجهزة الأمنية ضد أفراد حماس بالضفة، وضرورة احترام منظمة التحرير.

·   يجزم العديد من النخب السياسية والمثقفين الفلسطينيين الذين فضّل الكثير منهم التزام الصمت بهذه المرحلة، والانزواء، بأن الصف الأول من اليسار الفلسطيني قد تم احتواءه في المؤسسات غير الحكومية التي تسمى "I n j o z” ، وتحول معظمهم لمدراء مؤسسات، وفيما بعد لمدراء شركات فتحوها من الفساد المالي والسرقات من المشاريع الوهمية التي تقدموا بها للمؤسسات الأوروبية الداعمة، بينما الصف الثاني من القيادة السياسية لليسار سواء "الحزب الشيوعي أو ما يسمى اليوم حزب الشعب الفلسطيني، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، و"فدا" المنشقة عن الديمقراطية" ينقسمون اليوم ما بين فتح وحماس، فالجزء الأكبر في غزة ممن لم يطال عشائرهم وعائلاتهم قمع حماس يوالون لها، بينما نجد الغالبية العظمى منهم في الضفة من الموالين لفتح لدرجة لا نكاد نميز بأن المتحدث يتحدث باسم فتح لما يبدو عليه من يمينية انتهازية مفرطة، أو من كونه إسلامي في بعض الأحيان.

 

في غزة:

في مدينة غزة الفلسطينية، والتي سيطرت عليها حماس بعد معارك دموية قاسية بين الطرفين، لا تبدو الصورة مختلفة كثيراً، فمن لديه عشيرة كبيرة ومسلحة تحميه سيبقى في مأمن من شر حماس وقمعها، وما حدث في خانيونس حين قامت إحدى العشائر الكبرى في المدينة من إغلاق المساجد ومنع المصلين من التوجه لها لأبرز مثال لما يحدث.

 

عائلة دغمش:

تحولت العديد من العائلات في غزة –كما في حالة آل دغمش- لمافيات تجارة سلاح، وحتى تستطيع تمييز نفسها بهوية أيدلوجية مختلفة عن فتح وحماس، تبنت المنهج السلفي، وأحرقت عدداً من مقاهي الإنترنت في غزة، ورشقت ماء النار في وجوه النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب، محولة حي الصبرة –معقل العائلة- في غزة لـ"تورا بورا" جديدة. على الرغم من أن مقربين من هذه العائلة يؤكدون بأن العديد من أفراد هذه العائلة كانوا سابقاً في حركتي فتح وحماس، قبل أن يتقرر قطع علاقاتهم بحماس بعد مشاركة أحدهم باختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شليط، وتنازل العائلة عنه لحماس مقابل 150 ألف دولار أمريكي، ليؤسس زعيمهم ممتاز دغمش حركة راديكالية إسلامية متطرفة في غزة أسماها "جيش الإسلام".

حولت عائلة دغمش المنطقة، أو أجزاء كبيرة منها، إلى مربع أمني كبير يضم منازل متلاصقة، فيما قامت بإغلاق جميع الطرق والشوارع التي تؤدي إلى منطقة سكنهم بالمتاريس، ونشر المسلحين من أفراد العائلة على مدار الساعة بغرض الحراسة.

عائلة دغمش تضم 1300 فرد، والذين تحول جميع شبابهم لمجموعات عسكرية تدين لممتاز دغمش بالولاء، التي كانت في السابق جزءاً من لجان المقاومة الشعبية بقيادة جمال أبو سمهدانة. ونتيجة خلافات داخلية، انفصل ممتاز ومجموعته عن اللجان الشعبية وشكّل ما بات يعرف بـ"جيش الإسلام"، وتبنى فكراً عقائدياً شبيهاً إلى حد كبير بفكر "القاعدة". وبحسب معلومات متداولة في غزة، فإن لدى دغمش مجلساً استشارياً يضم عدداً من الأشخاص من جنسيات يمنية وسودانية وسعودية وباكستانية دخلوا إلى قطاع غزة بطريقة غير شرعية، وبعضهم فلسطينيون تلقوا تعليمهم في باكستان على شاكلة فتح الإسلام في لبنان.

هذه العائلة ذاتها التي اختطفت الصحافي البريطاني ألان جونستون، وأفرجت عنه بعد صفقة مالية مع حماس قيمتها مليون دولار أمريكي، يقول البعض أنها قُدمت بضمانة إيرانية.

 

حماس وفتح والشعب الفلسطيني إلى أين؟:

حولت حماس العديد من مقار الأجهزة الأمنية -التي استولت عليها بعد طرد أفراد الأجهزة منها، وخاصة السجون التي كانت مزاراً دائماً في السابق لأفراد حماس- لمراكز اعتقال لأعضاء حركة فتح والأجهزة الأمنية السابقين، وكل من يحاول انتقاد سياستها.

واليوم يجلس قيادات من حركة حماس، ويؤدون صلاة الجمعة في مبنى المقاطعة التي تطلق عليه حماس "المنطقة الخضراء الفلسطينية على شاكلة المنطقة الخضراء التي تشكلها القوات الأمريكية بالعراق" مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ويؤكدون على ضرورة الحوار للتوصل لقرار فلسطيني مشترك، دون أي التفات جدي لما يحدث للشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، من قمع وتنكيل وقتل يومي، وغلاء في الأسعار، لدرجة أن علبة السجائر –محلية الصنع – في مدينة غزة وصل سعرها لأكثر من عشرة دولارات، مما جعل من مهنة تهريب السجائر لغزة من رفح والضفة تجارة مربحة أكثر من تجارة السلاح التي كانت في السابق الأكثر ازدهارً، والتي حولت الفتيان والشباب وصغار السن ومن المحسوبين على بعض التنظيمات الكبرى مثل فتح وحماس إلى رجال أعمال وأصحاب ملايين وأرصدة، فيما الشعب الفلسطيني يتضور جوعاً، ويرضخ تحت الحصار منذ سبع سنوات، ويكفي لأي مشاهدٍ من الخارج، أو زائر للضفة أن يقرر المرور من مدينة نابلس لرام الله ليتوقف عدة ساعات على حاجز حوارة ويرى حجم المذلة والمهانة التي يتلقاها الفلسطينيون من نساء ورجال كبار في السن على أيدي فتية صغار في الجيش الإسرائيلي على الحاجز، فيما السلطة الفلسطينية تعقد لقاءات ومؤتمرات يومية مع الإسرائيليين للتوصل لاتفاقات حول المعابر الدولية وكيفية إدخال المواد لأصحاب الشركات الكبرى التي يرأسها اليوم معظم رجالات السلطة السابقين والحاليين.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com