|
زار الرئيس الفرنسي ساركوزي تشاد يوم الأحد في مسعى لحل المشكلة-الفضيحة, والتي تورطت فيها جمعية فرنسية "خيرية" بمحاولة اختطاف أكثر من مئة طفل من تشاد بزعم أنها أرادت إنقاذ أطفال أيتام من ويلات الحرب في دارفور. بيد أن التحقيقات أظهرت بأن معظم الأطفال هم تشاديون ولهم عائلاتهم، وجاء في بيان مشترك للصليب الأحمر الدولي ولمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ولليونيسف بأن معظم الأطفال كانوا يعيشون مع عائلاتهم وعلى الأقل بوجود أحد الأبوين، قبل أن تأخذهم الجمعية الفرنسية "زوس آرك" إلى مدينة أبيش شرقي تشاد تمهيدا لنقلهم إلى فرنسا. السلطات التشادية اتهمت الجمعية الفرنسية بخطف الأطفال ومحاولة طمس هويتهم. وقال وزير الداخلية التشادي أن الجمعية قامت بتغيير ملابسهم بهدف إظهارهم كلاجئين محتاجين للرعاية الصحية. وقد تم توجيه تهم الاختطاف لعمال الإغاثة الفرنسيين في الجمعية وللصحفيين المرافقين لهم، كما تردد أن طاقم الطائرة -المعدة لنقل الأطفال- ألاسباني سيواجه أيضا تهما بالتآمر ضمن المخطط الذي تم إحباطه. الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي هاتف نظيره التشادي إدريس ديبي لمناقشة الموضوع، ووعد ديبي باتخاذ عقوبات مشددة بحق "الخاطفين". وأضاف ديبي إن "هدف الخاطفين هو فصل الأطفال عن أهلهم وبيعهم لعصابات المنحرفين جنسيا في أوروبا والذين يقومون بانتهاك الأطفال أو حتى قتلهم وبيع أعضائهم". وقد ندد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالعملية ووصفها بأنها "غير قانونية وغير مقبولة", وقال إن فرنسا وتشاد يجب أن يتوصلا إلى طريقة لحفظ ماء وجه جميع الأطراف. من جهة أخرى اتهمت المعارضة الفرنسية حكومة بلادها بأنها كانت على علم بخطة نقل الأطفال، ولم تفعل ما هو كاف للحيلولة دون ذلك. وقال رئيس الوزراء الاشتراكي السابق لوران فابيوس "إننا وضعنا أنفسنا في موقف صعب ونحن نريد معرفة دور السلطات الفرنسية في هذه القضية". قضية الأطفال واتهامات الرئيس التشادي للجمعية الفرنسية بمحاولة بيعهم للمنحرفين جنسيا, كما اتهامات المعارضة الفرنسية لحكومة ساركوزي بعلمها بخطة نقل الأطفال هي اتهامات خطيرة للغاية, ولو أن ميزان العدل الدولي كان قائما لتعرضت الحكومة الفرنسية لمواقف صعبة تماما. إدانة الرئيس الفرنسي الشديدة والواضحة للعملية يظهر بأن لديه معلومات ومعطيات تشير لتورط الجمعية بالعملية المشينة, ومع ذلك فإنه يريد لفرنسا وتشاد أن يتوصلا إلى طريقة لحفظ ماء وجه جميع الأطراف. نتوقع من دولة كفرنسا - يؤمن وزير خارجيتها كوشنير بمبدأ التدخل الإنساني دوليا ولو على حساب سيادة الدول- أن يتحدث رئيسها عن عقوبات صارمة هنا وعن اتخاذ إجراءات حتى لا تتكرر مثل هذه الحوادث مستقبلا لا عن حل يحفظ ماء الوجوه. ما حدث في تشاد يستدعى التوقف والتأمل. ففي الوقت الذي حوصر فيه العمل الإسلامي الخيري والإغاثي عالميا تحت مسمى محاربة الإرهاب, والذي تزامن مع حروب طاحنة تشن في أكثر من بلد مسلم. انطلقت كثير من الجمعيات الغربية "الخيرية" في البلاد المنكوبة. جمعيات كنا نحسب أن لبعضها أهدافا دينية مضمرة, لنتفاجئ أن منها من يخفي أجندة إجرامية آثمة. التعاطف الغربي المتعاظم مع محنة دارفور والبكاء على معاناتهم, لماذا غاب صوته تماما فيما يتعلق باتهامات الرئيس التشادي للجمعية الفرنسية بالاتجار بالأطفال لإغراض جنسية؟ ولماذا لم نسمع تعليقات غربية عما حدث؟ وهل ما حاولت فعله الجمعية "الخيرية" الفرنسية حدثا معزولا أم أن الأمر حلقة في مسلسل متكرر؟ إن حادثة تشاد تلقي بظلال سوداء على كثير من القيم الغربية المعلنة وتعيد للأذهان مسألة ازدواجية المعايير وبأن حقوق الإنسان تستخدم كأداة سياسية وليس كمبادئ أخلاقية. ما حصل يستدعى فتح ملفات الهيئات الإغاثية الغربية, والتي وإن كنا نقر بالأهداف الإنسانية لبعضها, إلا إننا نتخوف من الغايات الحقيقية للكثير منها, كما يتوجب على دولنا عدم ترك الساحة شاغرة تصول فيها وتجول مؤسسات قد تكون لها أهدافا مبيتة وغايات خفية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |