ها هي الحرب الطائفية قد وضعت أوزارها،وانطفئ أوراها،وخمد لهيبها وعاد الأخوة المتنازعين أحبة مثلما كانوا، وها هو الجار يعود إلى بيته ليرى جاره يحتضنه بالحب ويسعى في قضاء حوائجه ويحرسه إن لزم الأمر لذلك .

هاهي الحرب الطائفية قد ولت بلا رجعة بعد أن أكلت نارها خيرة أبناءنا واستنزفت طاقاتنا وهدرت ثرواتنا، سوف لن يسجل التاريخ  نصراً لأحد ٍ على احدٍ فالجميع كانوا خاسرين في هذه الحرب ولعل النصر الوحيد الذي تحقق إننا عدنا إلى صواب رشدنا قبل فوات الأوان وقبل أن نخسر أنفسنا ونخسر العراق .

الحروب بالقذارة سواء ولعل أقذرها هي الحرب الطائفية والمذهبية فهذا النوع من الحروب يفتقر إلى ابسط أخلاقيات الحروب – إن كان للحروب أخلاقيات – فهي فتنة رعناء و حربٌ شعواء تآكل نارها الأخضر واليابس  وتسحق بأرجلها الهوية الوطنية لأبناء البلد الواحد وسعيد الحظ فيها من لا يحمل اسمه دلالات فيكون اسمه جرمه الذي يستحق عليه القتل، وهي لا تنظر إلى الأمور إلا بعين واحدة ترى من خلال إلى نقطة الخلاف وتغض الطرف عن كل نقاط الالتقاء .

الحرب الطائفية قد وأدت وقبرت في النفوس وامن الجميع بأن الاختلاف المذهبي هو سنة من سنن الكون وان تنوعنا هو نتيجة حتمية لعمقنا الحضاري والإنساني وان هذا التنوع هو سر جمال"لوحة العراق" التي أبدع القدر في رسم معالمها فكما هي الألوان تزين الحياة كذلك اختلاف المذاهب والأعراق هو سر من أسرار عظمة"بلاد الرافدين"، وليس سراً من أسرار ضعفهم .

آن الأوان لنا ان نفهم تلك الحقيقة الساطعة والتي لم تستطع أيادي الوضّاع أن تغيبها، بان التاريخ ليس ليجهل أن علياً ما رفع سيفه بوجه عمر وان عمراً ما استأنس بمجلسٍ ليس فيه أبا الحسن .

آن الأوان لنا ان نفهم بأننا لا يمكن أن نكون امة سوية ما لم نتجاوز عن أخطاءنا ونتخلص من اختلافاتنا، وان التنوع المذهبي ليس لأحدٍ يد فيه، فهو نتيجة طبيعية لتقادم الزمان، و لن يعود علينا بالنفع إن أحصينا عيوب بعضنا البعض ولن تستفيد امتنا شيئاً لو أجرينا حروب طاحنة بدعوى الثأر لدم الحسين او لظلع فاطمة الزهراء اوطالبنا بالقصاص من قتلة عثمان الشهيد او دعونا بالثأر للصحابة في وقعة الجمل . فكلها دعاوى فارغة فليس بيننا من اشترك في الثورة على عثمان وليس بيننا من تلطخت يداه بدم الحسين .

لقد مرت العديد من الشعوب بما مرَّ به العراق من ويلاتٍ ومحن واستطاعت ان تتجاوزها وتقف على قدميها من جديد وتستعيد عافيتها، فعلينا ان نستفيد من تجارب الآخرين كاليابان مثلاً، ونحن شعب مرشح لان نكون يابان المستقبل لو إننا احتضنا علمائنا ومثقفينا ومبدعينا الآخرين ونتحول من دولة طاردة للإبداع إلى دولة حاضنة له .

إن المفارقة الكبيرة أن العراق من أغنى بلدان العالم وشعبه من أفقر شعوب الأرض كل ذلك بسبب الحروب الطاحنة منذ أكثر من ربع قرن وحتى يومنا هذا والتي ما عادت علينا سوى بالويل والثبور والتي أستنزفت كل موارد البلاد ...   

علينا ان نستفيد من الدرس وان ندرك ان أمتنا لن تنهض ما لم يتحمل الجميع جزء من المسؤولية فهي تقع على عاتق الجميع، فعلى رجال الدين الدور الكبير بان يركزوا على أسباب الالتقاء بالآخرين لا على أسباب الخلاف، ومسؤولية المثقف اليوم هي اكبر من أي وقت مضى، فعليه ان يؤسس لثقافة الحياة وينبذ ثقافة الموت، وها هو الشعب قد نبذ خلافاته، فعلى المسؤولين ان يضعوا حداً لخلافاتهم  وان لا تتجاوز الإطار الدستوري داخل قبة البرلمان او يحاولوا تصدير نزاعاتهم السياسية إلى الشارع فالفتنة نائمة ولعن الله من أيقضها من نومها، والنار إذا لم تجد ما تأكله فإنها تأكل نفسها .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com