بدأ إهتمام الشارع العراقي يأخذ بالتحول شيئا فشيئا من همومه اليومية المتعلقة بفقدان الأمن والخدمات، إلى التوتر الذي يحصل على الحدود العراقية التركية بسبب ما تقول تركيا الهجمات التي يشنها المسلحون الأتراك من القومية الكردية التابعين لحزب العمال الكردستاني انطلاقا من الأراضي العراقية والتي يتخذون منها ملاذا ً آمنا ً من ملاحقة القوات الحكومية التركية التي تسعى للقضاء على تشكيلاتهم المسلحة.

 وتجدر الإشارة إلى أن هذا التوتر  بدأ بالتصاعد منذ اشهر قبل الأزمة الحالية، التي فجرتها هجمات حزب العمال على القوات التركية وأسفرت عن مقتل 40 جنديا تركيا واسر 8 آخرين في الأسابيع الأخيرة.

 وتوالت ردود الأفعال والتصريحات والتعليقات من الأطراف المعنية بالأزمة متزامنة مع الجهود الخيرة لنزع فتيلها .

 كما أخذ يطفو على السطح ما تكنه الصدور  ليفصح عن العلاقات الهشة بين مختلف الكتل السياسية ولاسيما تلك التي تسند الحكومة العراقية الحالية . فقد تبادل كل من سامي العسكري مستشار رئيس الوزراء وجمال عبداللة الناطق باسم حكومة إقليم كردستان العراق الاتهامات.

 حيث علق (سامي العسكري)  بالقول:"إنّ الأكراد لا يعرفون الحكومة المركزية إلا عندما يكونون في خطر وفي الظروف الطبيعية يديرون وجههم عنها".  فيما رد عليه (جمال عبدالله) بالقول أن بقاء  الحكومة العراقية الحالية متوقف على دعم الكتلة الكردستانية . أما النائب أسامة النجيفي فقد اتهم عددا من أعضاء حزب العمال الكردستاني التركي  باغتيال الكثير من الشخصيات العلمية والعسكرية في الموصل .        

 ويقول محللون أن الحساسية التركية قد ازدادت مع اقتراب الموعد المحدد للاستفتاء الذي يفترض أن يجرى قبل نهاية العام الجاري حول عائدية كركوك لإقليم كردستان من عدمه . لكنه قد يتأخر إلى حين الانتهاء من الترتيبات الضرورية مثل إجراء إحصاء سكاني .

 ويرى الأتراك أن الامتيازات التي حصل عليها الأكراد في العراق وضم كركوك إلى إقليمهم تعد سابقة خطيرة تشكل قاعدة سياسية وقانونية تمهد لترتيبات مماثلة في دول المنطقة التي يقطنها الأكراد فضلا عن الأضرار التي تلحق بالحقوق القومية للمواطنين التركمان ووضع حقول النفط التي يصدر منتوجها عبر تركيا تحت سيطرة الأكراد خاصة بعد تعاقد حكومة الإقليم مباشرة مع شركات أجنبية للاستثمار النفطي دون العودة إلى الحكومة المركزية وهو ما يؤشر نزوع نحو السلوك الاستقلالي الذي يثير تركيا أكثر من أي شيء آخر .

 وبالمقابل فان أكراد العراق يرون أن حشد العتاد والقوات التركية حاليا على الحدود وكأنه يشكل ضربة لاستقلالهم تحت غطاء هجوم على حزب العمال الكردستاني . ويعتقد كثيرون أن غارتي حزب العمال الكردستاني، ومقتل 25 جنديا تركيا فيهما، إنما رتبهما الأتراك لاتخاذ هما ذريعة للتوغل . ونقل احد زعماء أكراد العراق عن مصدر في حزب العمال قوله: "لم نشن غارات عليهم، هم هاجمونا ونحن دافعنا عن انفسنا".

 وهو ما يرسل رسالة لحكومة الإقليم مفادها أن التدخل التركي واقع لا محالة وقد لا يشفع لهم قيام قوات البيشمركة الكردية العراقية بالقتال إلى جانب الجيش التركي مرات عدة في التسعينيات شمالي العراق في محاولة لإزاحة مقاتلي حزب العمال الكردستاني من مواقعهم في الجبال الحدودية النائية.

 ويعد حجم التعبئة التركية على الحدود احد العوامل التي أقنعت العراق والأكراد العراقيين بان الخطط التركية تتجاوز التعامل مع مقاتلي حزب العمال.  

العامل الآخر الذي اقنع العراق وأكراد العراق بان تركيا تعتزم القيام بتوغل كبير هو الاستقبال البارد الذي لقيه الوفد الحكومي العراقي رفيع المستوى الذي ذهب إلى أنقرة الأسبوع الماضي وصفه المحرضون على تصعيد الأزمة بالإهانة الدبلوماسية .

 ويبدو أن اجتماعات دول الجوار العراقي والدول الكبرى في اسطنبول يومي 2 و3 نوفمبر تشرين الثاني، وزيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لواشنطن في 5 نوفمبر تشرين الثاني لم يسفرا عن شيء يضمن عدم حصول العملية التركية.

 إلا أن الأهم من كل ذلك يتمثل بردود أفعال المواطنين العراقيين من غير الأكراد وما يدور في أذهانهم من تفسيرات وتأويلات وتحليلات . ففي لقاء تقليدي ضم عدد من المواطنين  من مختلف الأعمار والمستويات الثقافية علق الحضور على تطورات الأزمة بأفكار متباينة وأحيانا متناقضة، فقد تسائل البعض عن أسباب هذه الأزمة وفي هذا الوقت بالذات ولمصلحة من ؟ وأجاب عدد من الحضور إجابات متباينة فمن عزى الأمر إلى قرب الاستفتاء على كركوك وضرورة التأثير عليه بما يتفق والمصلحة التركية، ومن عزاه إلى ممارسة الضغط على القيادات الكردية لتخفيف الضغط على التركمان العراقيين في كركوك والمناطق المحاذية لإقليم كردستان، ومنهم من ألقى باللائمة على الإدارة الاميركية اللاعب الرئيسي في العراق والمنطقة وان ما يجري من تصعيد لا يعدو سوى صفحة من صفحات المخطط الاميركي المعد للشرق الأوسط تساهم في تنفيذه الحكومات والقوى السياسية الدائرة في فلك أميركا في العراق والمنطقة، فيما دعا أحد الحضور العراقيين جميعا بالوقوف معا بوجه التدخل التركي لان العدوان سيطال أراضي لازالت تعتبر عراقية طالما لم يستقل إقليم كردستان بشكل نهائي عن العراق بصرف النظر عن مواقف القيادات الكردية تجاه القوميات الأخرى، فيما اعترض آخر بالقول  دعهم يدخلوا لإحداث توازن مقابل التدخل الإيراني، بينما فاجأ احدهم الحضور وكان من الأميين و كبيرا في السن عن سبب مشاركة العراقيين من غير الأكراد في مواجهة الأتراك وعندما سئل عن السبب قال : "كان عليهم أن يضعوا في حساباتهم حصول مثل هذا الأمر يوما من الأيام عندما لم يكتفوا بالوقوف على الحياد أثناء الحرب العراقية الإيرانية بل إنهم وقفوا إلى جانب الإيرانيين ضد بلادهم و نفذوا عمليات عسكرية ضد وحدات عسكرية عراقية في شمالي العراق كانت تقاتل لحماية أراضي الإقليم بما في ذلك وحدات الدفاع الجوي التي لم يكن لها دور في القتال الأرضي .  

وأضاف لقد بدأت محاولاتهم المحمومة منذ الاحتلال للعمل على أكثر من صعيد لتحقيق أهدافهم مستغلين الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة في البلاد وخلافات الكتل السياسية العراقية الأخرى وسعوا بكل إمكانياتهم للحصول على اكبر قدر من الاستقلالية والتوسع على حساب أراضي العراقيين الآخرين على طول حدود الإقليم فضلا على السعي لإنجاز الاستفتاء على ضم كركوك للإقليم لصالحهم ومناطق أخرى ذات أغلبية غير كردية مستغلين حصولهم على الأغلبية بطرق ملتوية في مجالس محافظات كركوك ونينوى والهيمنة على الأجهزة الأمنية والإدارية، فلا تعتقدون إنني لا افهم لكوني أمي وكبير في السن لان الحياة علمتنا الكثير مما لم تعلمنا إياه المدارس والجامعات، مضيفا إذا كنتم لا تصدقون فاسألوا أهالي تلك المناطق والسجناء والمعتقلين الذين خرجوا من المعتقلات والسجون الكردية ليحدثوكم عما يجري هناك، بل ولا استبعد أن يكون لهم دور في عدم حصول مصالحة عراقية بين الكتل العراقية الأخرى والكثير من أعمال العنف  لان اتفاق تلك الكتل سوف يفوت الفرصة على الكثير من الطموحات الكردية التي يساومون عليها الآن ومنها ما ذكره السيد جمال عبد الله من أن حكومة المالكي باقية بسبب الإسناد الكردي .

وقد دهش الحضور لهذا التحليل من شخص أمي وكأنه ذكر مافاتهم كمتعلمين وعقب احدهم معترضا على هذا التحليل قائلا إن التعامل الذي لقيناه عند سفرنا إلى كردستان بعد الاحتلال يتعارض مع ما ذكرت حيث كان استقبالهم للعراقيين الآخرين على أفضل ما يكون لولا التفجيرات التي حدثت في اربيل واضطرتهم إلى تدقيق وتشديد إجراءات الدخول .

وبصرف النظر عن كل ما يقال وما يتردد عبر القنوات الإعلامية وما يتداوله المحللون والمراقبون والمواطنون العراقيون ويبحث من خلال القنوات الدبلوماسية فان الغموض يبقى يكتنف هذا التصعيد وعلاقته بتطورات الأوضاع السياسية في العراق عموما وإقليم كردستان على وجه الخصوص وتأثيرات كل ذلك على المصالح التركية وفوق كل ذلك مصالح أميركا اللاعب الأول في العالم والمنطقة .

 وحتى تكشف لنا الأيام ماكان مخبأ فان على الإخوة الأكراد أن ياخذو العبر والدروس مما يجري حولهم وان يدركوا انه ليس كل مرة تسلم الجرة وان ما يتحقق بالقوة واغتنام الفرص سيزول عند زوال القوة وما يتحقق بالاقتناع والطرق المشروعة وبرضا جميع الأطراف المعنية هو الذي يبقى راسخا برغم تغير الظروف ففي التأني السلامة وفي العجلة الندامة وان يتذكروا دائما أسباب تسميتهم ثوار من قبل الغرب على الرغم من أن الحكومة العراقية السابقة منحتهم على قلته في نظرهم مالم تمنحه حكومات المنطقة لأقرانهم وأبناء جلدتهم الذين حرم عليهم في تلك البلدان أن يتكلموا بلغتهم أو يرتدوا ملابسهم القومية ومع ذلك فان الغرب يصر على تصنيفهم من التنظيمات المسلحة المحظورة دوليا.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com