خطة خطف/ عملية OPERATION ABU

 


محسن ظافرغريب
algharib@kabelfoon.nl

صدق قول قباني؛"من الجرح تولد الكبرياء!"، في القوميات الألمانية والآرية والتركية تحديدا، بعد الحرب الكونية الثانية، ومؤتمر لوزان 1922م، وكانت قد بلغت الكبرياء القومية قبل 9 عقود أبلغ وأحرج جرحها على متن السفينة الحربية البريطانية بإسمها الدال"آغا ممنون"،بواسطة الأميرال"كالثوب"، في مثل هذه الأيام الخريفية الحزينة مساء 30ت1 1918م، مع ممثل حكومة"أحمد عزة باشا" التركية وزير الشؤون البحرية"حسين رؤوف" بدلا من صهر السلطان العثماني وحيد الدين"الداماد فريد"، لإذلال عزة الدولة العلية السنية الإسلامية العثمانية. في نحو عقد من زمن ذاك التاريخ الذي بلور الإستثناء التركي Turkish Exceptionalism، ولد سنة 1927م المفكر التركي أستاذ العلوم الإجتماعية في جامعة صابنجي بإسطنبول" شريف ماردين" القائل؛"فصل الدين عن الدولة صنيعة التنظيمات التي ظهرت في تركيا العثمانية سنة 1839م خلال الفترة الأولى من حكم السلطان عبدالحميد، وظهور مشروطية تركيا على يد رجل الدين"سعيد النورسي" لتقييد السلطان عبدالحميد، وإصلاح التعليم وإنشاء جامعة في مدينة"فان" التركية للنهضة العلمية. قبل قرن(سنة 1908م) ولد الباحث التركي الشهير Niyazi Berkes في نيقوسيا عاصمة جزيرة قبرص، وأكمل دراسته في عاصمة الخلافة الإسلامية إسطنبول وعمل في عقد ثلاثينات القرن الماضي في البرلمان الأتاتوركي ومحاضرا بجامعة إسطنبول وباحثا في جامعة شيكاغو. كان أحد أعمدة الأكاديميين الأربعة الذين أدانهم النظام(العلماني!) الأثري التركي لأفكارهم اليسارية في محاضراتهم وكتاباتهم الصحافية(في تجربة صراع اليسارية ضد العلمانية والإسلام في آن!). فر من سجن النظام العلماني مهاجرا الى كندا في أقصى الأرض قابضا على جمر بروميثوس!، ليتعين سنة 1952م أستاذا زائرا في معهد الدراسات الإسلامية بجامعة"ماكفيل". حصل عند تقاعده سنة 1975م على كرسي الأستاذية، وأمضى سنواته الأخيرة في منطقة"كنت" جنوبي بريطانيا حتى توفي قبل عقدين من الزمن(سنة1988م) تاركا الفصل الأخير من العلمانية الأثرية التركية في فلسفة الثقافة الغربية التي تعود الى القرن 17م، بيد أنها أقدم من ذلك بكثير، إذ تأخرت قرنا بأكمله لتصل شبه جزيرة الأناضول في المشرق تركيا متعبة في القرن 18م ، وكان ذاك الفصل"النضال في سبيل بناء دولة قومية علمانية 1919-1939م"(مؤلفه"تطورالعلمانية في تركيا THE DEVELOPMENT OF SECULARISM IN TURKEY")، لكن عمر إرادة الإنسان الإفتراضي الحيوي قصير للغاية قياسا بعمر الزمن ونفس الدول، وكم من قبور إنطوت على صدور إنطوت على أمان عريضة وأحلام طيبة بسيطة، وكم من درب ساطع لاحب لاهب مفروش بالنوايا الطيبة والشر والشوك وهشيم وأوراق صفراء ذابلة تذرو أوهامها ريح صرصر تعول في مثل هذا الخريف، و لا تسل؛"أين يا أطلال جند(فرعون)، أين آمون وصوت الراهب؟!، بل قل؛ أين آخر ملوك فارس بهلوي الذي إستعمل كرد العراق(كمن إستهلك عنفوان أوجلان وكرد تركيا في سهل البقاع بالأمس وجبل قنديل اليوم) ليلفق رفاق عفلق على حساب حقوق العراق التاريخية، إتفاقية(الجزائر1975م) بحضرة شاهد الزور وزير/ رئيس دبلوماسية الجزائر بالأمس"عبد العزيز بوتفليقة" رئيسها المخضرم اليوم، والتفريط بترسيم حدود بلاد فارس لسنة 1913م وضياع نصف شط العرب حتى أعمق نقطة تسمى التالوك، وترسيم حدود لمدينة"أم قصر" العراقية عند طرفي شرقي جنوبي ذات المنطقة على حساب حاضرة البصرة الطيبة الخربة الحلوب، بعد إعتراف البعث لأول مرة بحدود ووجود كيان دويلة آل صباح إثر نكبة 8 شباط الأسود 1963م، ومن هان عليه الجنوب العراقي(صدام الذي وهب ما لايملك لمن لايستحق)، سهل عليه هوان الفرار من شماله ولاحقا من كل العراق في ذكرى ميلاده وميلاد حزبه في مخاض نيسان الولادة الجديدة المؤلم عام 2003م. آخر ملوك فارس(بهلوي) الذي ملك ما لايستحق، فر ولم تسعه أرض سوى القبر، وخبره في كتاب عضو الإئتلاف الكردي العراقي المخضرم"د. محمود عثمان" الموسوم بعنوان "تقييم مسيرة الثورة الكردية"(ص89) وهو يشهد مع الحضور؛ شفيق قزاز ومحسن دزئي، في قصر آخر ملوك فارس(بهلوي)"نياوران" شمالي العاصمة طهران، على حديث"ملا مصطفى بارزاني" لبهلوي، بتاريخ 12 آذار 1975م:"نحن شعبك، ومادمت راضيا عن إتفاقية الجزائر التي تؤمن مصالح إيران التي هي وطننا الأم، فلا يوجد لدينا شىء ضدها، ونحن رهن أوامرك، إذا قلت لنا موتوا نموت أو عيشوا نعيش، ونأمل أن تستمر رعايتكم لنا". وبعد خلع بهلوي بثورة شعبية/ إسلامية عارمة وفراره، لجأ (آغوات) البارزانيين للتحالف مع حليف بهلوي رفيقه بالعمالة لأميركا، العشائري "صدام" الذي إلتحق به وبالرفيق الأعلى عفلق، فيما إلتحق الطالبانيون الثوريون بالثورة الخمينية وجمهوريتها الإسلامية الإيرانية!. أعدمت الدولة العثمانية التركية سنة 1913م الكردي العشائري الخارج عليها"ملا عبدالسلام بارزاني"، ثم بدأت الجمهورية التركية في 30 آيار 1925م بإعدام الكردي الخارج عليها" سعيد بيران"(المولود في تركيا سنة1865م)، مع عصبته، وتعاونت الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها إسرائيل، مع حكومة زعيم"حزب الشعب الجمهوري"، المعارض المخضرم الشاعر الصحافي"بلند أجاويد"، الذي في عملية تنفيذ خطة خطف ، مؤسس جيش التحرير الوطني الكردي/ التركي عبدالله أوجلان. صرح"أجاويد" ليلة القبض على"أوجلان":"إن الإرهابي بات في قبضتنا!". ولما كان"الموت يعتام الكرام ويصطفي" على رأي معلقةالشاعر الجاهلي"طرفة بن العبد"، فقد مات الكرام الـ(أجاويد) وبقي أوجلان يعيد تفسير قوله وفعله في سجنه بجزيرة Imrali ليحرر ذاته إبتداء، فقد توالت تصريحات"أوجلان" من سجنه كما سيرد تفصيلا، بأن تركيا جمهورية تحررية ديمقراطية، وأن"بارزاني" تعاون سنة1992م معها ضد حزبه العمال الكردي(Partiya Karkeren Kurdistan(PKK الذي أسسه في مثل هذا الشهر الجاري تشرين الثاني قبل جيل مضى(30 سنة)بين سنتي 1978-1982م، واصفا شمال العراق بأنه صنيعة تركية على حد تصريحاته التي ستلي تباعا. ولسان حاله"تبت يدا أبي":" إني الفتى أفتي الحياة بقضها وقضيضها / كيف تسدد من كبا / قطعوا معي قسم الرسالة مثلما / صبوا بمثلي نصب روحها قالبا!".
لقد تبنى آتاتورك كل الأتراك بصفته"أب الأتراك" ومؤسس جمهوريتهم، بمافيهم بقية الإثنيات والأعراق كالأكراد الذين لايمتعضون من شىء قدر إمتعاضهم الممض من قول أتاتورك(النافل):"سعيد من قال أنا تركي!".هكذا كان الإمتعاض الممض الذي سمعه العراق بإمتعاض من القاضي العراقي الكردي الفيلي المسيحي"منير حداد" على لسان الجاني صدام المعدوم، بأنه يعترف في وصيته على فراش الموت(بحشرجةالموت) بأبوته، بقوله؛" الكرد الفيلية شعبي، وهم جزء من الشعب العراقي، إلا الخونة منهم ينكر بنوتهم، الأمر الذي قال إثره البعض، بأن هذا القاضي الشاب المولود سنة 1966م قد أقيل كناطق رسمي بإسم محكمة الجنايات العراقية،أوإستقال!.
من جهته العراق يعتمد تجاريبه التراكمية في مؤتمر الجوار العراقي المنعقد في العاصمة العثمانية التركية(التاريخية)"إسطنبول" في ذكرى تأسيس حزب العمال الكردي في 3 تشرين الثاني الجاري. فالعراق قدم في هذا الاجتماع إعلانا صريحاً وواضحاً برفضه لتواجد الـ(PKK) على أراضيه، ووعوداً بمنع كافة أشكال الدعم المادي واللوجستي لحزب العمال الكردي، عززه إعلان يفيد بإغلاق مكاتب الأحزاب المتعاطفة مع(PKK).
وتزامناً مع انعقاد مؤتمر اسطنبول، وكنوع من إثبات صدق النوايا، كانت قوات الأمن العراقية الكردية قد أغلقت فعلاً مقر حزب"الحل الكردي" في محافظة أربيل العراقية، تبع ذلك إغلاق مقر الحزب في محافظة لسليمانية العراقية في ذات اليوم، وهو الحزب الذي يعتبر الواجهة السياسية الوحيدة المتعاطفة بشكل صريح مع"حزب العمال الكردي"، من خلال تنظيم العديد من الفعاليات الداعمة لهذا الحزب والداعية أيضا لإطلاق سراح رئيسه المعتقل عبد الله أوجلان FREEDOM FOR OGILAN.
كانت اللهجة الصريحة التي تحدث بها رئيس الحكومة العراقية(المالكي) برفضه لتواجد الـ(PKK) على الأراضي العراقية وتعهده بقطع الإمداد عنها ومحاربتها إن تطلب الأمر، فالحكومة أكثر قطعية من موقفها من منظمة(مجاهدي خلق) الإيرانية الإرهابية/ تصنيفا، المتواجدة معسكراتها في وسط العراق/ في ظل الإحتلال الأميركي الذي يصنفها(ومعه الاتحاد الأوربي) في خانةالإرهاب. إذ بعد الحشد العسكري التركي على طول الحدود الشمالية لتركيا مع سوريا، كان الرضوخ لجميع مطالب الأتراك وتسوية الملف عبر (اتفاقية أضنة1998م)، وطرد زعيم(PKK) أوجلان من سوريا ليصار إلى اعتقاله فيما بعد ضمن عملية(ABU/OGILAN)استخباراتية دولية أمنية سرية في"كينيا" شباط 1999م.
الاستعراض التركي الجديد نجح في وضع الأكراد العراقيين على محك الاختبار الفعلي، بين التغريد خارج السرب العراقي، أو الانضمام إليه. وهو ما حسم في النهاية بتسليم الأكراد بغداد زمام معالجة هذا الملف، خاصة أن تركيا لا تعترف بإقليم كردستان.
في ذات الوقت نجحت تركيا في ايصال رسالة مفادها أن أميركا غير قادرة على الوقوف مع العراق ومع أكراد العراق على طول الخط، خصوصاً حين يصير الأمر مدار مفاضلة بين تركيا حليفتها في(ناتو) والتي ترتبط معها بمصالح حيوية متعددة، وبين العراق.
ومع أن نتائج اجتماع"اسطنبول" قد فرضت تركيا جاراً قوياً وفاعلاً، إلا ان ذلك يسجل نقطة في صالح النظرة الواقعية للحكومة العراقية، التي تمكنت من تسوية الملف في ذات الوقت الذي تجهد فيه للملمة التبعثر والانقسام الداخليين داخل الحكومة نفسها. فالأزمة غطت بشكل فعلي طوال الأسبوعين الماضيين على العديد من الملفات الحكومية الشائكة، كان أبرزها قضية التصويت على تعيين وزراء جدد لملء الشواغر التي تركها التيار الصدري الرافض قطعيا للمساعي الكردية السابقة لإضعاف العراق لصالحها في شماله وإستبعاد العراق المصغر كركوك الغنية بالنفط، عن كونها مدينةالتآخي العراقي!!، إضافة إلى أزمة وزراء التوافق مع الحكومة والتي ما زالت مستمرة.
وحاول رئيس الحكومة العراقية أن يبرز بعض الانجازات الملموسة لحكومته في المؤتمر، حيث تحدث بلهجة واثقة عن "هزيمة القاعدة" و"الجماعات المسلحة"(تسمية غير مباشرة للمليشيات الشيعية).
ورغم نجاح الدبلوماسية العراقية في إيقاف الزحف التركي الوشيك، إلا ان هناك من يرجع الأزمة بصورتها العامة إلى الحكومة العراقية ذاتها وإلى تعدد وتباين المواقف الخارجية للأطراف المكونة لهذه لحكومة العراقية، ما قاد الحكومة إلى التغاضي خلال السنوات الماضية عن نشاطات حزب العمال الكردي، وهناك من رجح ظهور أزمة مقبلة مع الجار الإيراني، وذلك في حال أراد الفرس تكرار السيناريو التركي لمنع نشاطات قوى المعارضة الايرانية داخل الاراضي العراقية، منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية.

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com