|
منذ نعومة أظفاري وأنا أعشق الغناء العراقي الأصيل وأسعى لمجالسه وأستمع إليه من خلال ما تبثه الإذاعة العراقية أو أجهزة التسجيل وأتفاعل معه بكل مشاعري يتجلى ذلك في الدندنة أو حركة الأيدي والأرجل وهو أكثر ما أستطيعه، ونمى هذا العشق وتنامى كلما ازدادت معارفي وتفهمي لبواطن النغم وسحر الكلمات ، لذلك كان للمقام العراقي مكانه اللائق وللغناء الريفي موقعه المناسب، فكانت سهراتنا الجميلة في الستينيات والسبعينيات لا تخلو من حضور لهذا الغناء الأصيل سواء في المشاركات الحية أو عبر أجهزة التسجيل، وظل ذلك العشق يلازمني رغم ما خالط رأسي من بياض طغى على سواده، ورغم اختلال المفاهيم الاجتماعية حيال الغناء، فتراني أهيم مع صوت سعدون جابر وحسين نعمه ورياض أحمد وفوأد سالم وسعدي الحلي وأنوار عبد الوهاب وقحطان العطار وياس خضر وغيرهم من المبدعين، وأدندن بأغنياتهم رغم نظرات أولادي المستغربة لهذا التفاعل مع ما يجب أن يكون عليه من هو في العقد السادس. إلى جانب هذا العشق كان لي العشق الطاغي الآخر الذي هيمن على مشاعري وأحاسيسي وكياني ذلك هو عشق العراق وأهله وحب الإنسانية جمعاء، ذلك العشق الذي تعاظم بفضل المباديء التي آمنت بها وأنا في مدارج الصبا وتربيت عليها في أسرة كان لها همها الوطني وأيمانها المطلق بكل ما هو جميل في هذه الحياة، لذلك ترى تفاعلي مع النغم الوطني الهادف يختلف في بعض جوانبه بما يظهر على قسمات وجهي من تعابير توحي بما يعتمل في نفسي من أحاسيس، فكان لألحان الفنان المبدع كوكب حمزة وأغاني قحطان العطار وفوأد سالم وغيرهم وهي تغني الوطن عبر البحار والمحيطات وتصف آلام الغربة أبلغ الأثر في نفسي مما يجعلني أتناسى الواقع وأتفاعل معها بنشيج أو قطرات الندى التي تتساقط بدون شعور مما يجعل أبنائي ينظرون باستغراب لهذا التفاعل مع النغم الحزين الذي لم يشاهدوه في والدهم في أحلك الساعات وأشد الظروف وكانت إجابتي أنه الوطن ولا شيء غير الوطن. هذه المقدمة التي قد تكون مملة هي تمهيد لما أريد أن أقوله عن الفنانة(سحر طه)التي ظهرت على قناة الفيحاء الوطنية وهي تغني رائعتها(يا طير الرايح لبلادي) التي أهاجت كوامن وجدي وعظيم مشاعري وعندما تساقطت الدموع من عينيها كان ذالك خارج قدرتي على التحمل فانهمرت الدموع لتتساقط على شفتي فألعقهما بلساني فأذا هي ممزوجة بالملح العراقي، وأنا مشدود لعينيها الساحرتين المخضلتين بدموع الغربة والحنين إلى شواطيء الدفء والأمل وأفياء العراق الحانية.... بعين الله أيها العراق..هاهم أبنائك البررة في المنافي القصية ينشدون لك الخير والأمل والحب ويسبحون بحمدك حالمين بعراق تسوده المحبة والوئام وترفرف عليه رايات الود والسلام. أما سوادي الناطور فأن انفعالاته أعادته إلى الوراء إلى أيام القرية وعذوبة الحب العذري وأغاني مطربي الريف الأوائل أمثال داخل حسن وجواد وادي وحضيري أبو عزيز وجبار ونيسه وغيرهم من رواد الغناء العراقي الأصيل ))أويلاه عله ذيچ الأيام من تركب المشحوف بهور الغموگه وتسمع الأ بوذية والدار مي، حسبالك بلابل وتغرد حتى أطيور الهور جانت إلها غناويها: آنه عله ولفي الراح وانته علــــه دنياك عاوني يا لبرهــان بـــــالونه وياك ذيچ الغناوي الصدگ موش غناوي هاي الأيام، لا طعم ولا مزه وما تعيش غير أيام تاليها تروح ويه ألهوه لكن غناوي حضيري وداخل والغزالي لسه الوادم تغني بيها وكلما تسمعها حسبالك جديدة، وتريد الصدگ هاي سحر لمن سمعتها تذكرت أيام زمان ، أيام نگرة السلمان وسجن ألحله وسجن بعقوبة وأحنه نعيش بغربه وحنين داخل وطنه، وحسره علينه شوفة أهالينه، وشوفة الشمس اللي تضوي العراق، لكن العتب على فضائياتنه الهواية اللي ما سمعتنه هذا النشيد اليزرع بگلوب الوادم حب العراق وأهل العراق، وينمي روح ألمحبه والسلام، مو بعض الفضائيات المسمومة ألما تزرع غير الحقد والكره بكلوب الوادم، وتثير النزعات الطائفية المكروهة وتدعوا للقتل والدمار والخراب ، لكن" أنشا لله ينگلب الطابگ طبگ"وترجع سهام حقدهم عليهم ونخلص منهم مثل ما خلصنه من سيدهم أبو اللحية الجذابيه...
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |