طالعت رد الأخ عقيل الشويلي المنشور في قلعة سكر،  و"العلمانية ضمان للحرية الدينية"كان ردا شفافا يفصح عن نفس راضية مرضية وقد يختلف معي أو أختلف معه، ولكن حسبي وحسبه الإفادة فيما نطرح من آراء لذلك أرجو أن لا يسوءه ما سأطرحه في الرد على ما كتب، يقول"أطرح عليك أمرا واقعيا حصل ويحصل يوميا في العراق مركز التدين العالمي وأمريكا مركز العلمانية ولك من هذا أو ذاك أخذ العبرة والعودة إلى الصواب"ولكن يا أخي هل ترى أني خرجت عن الصواب عندما طرحت وجهة نظري من الزاوية التي أرى فيها الصلاح، وما بينت من رأي شفاف لم أستعدي فيه جهة على جهة، أو رأي على رأي، بل طرحت ما أراه موافقا لوجهة نظري،  وللآخرين الأخذ به أو تركه، ولم يكن في بالي أجبار الآخرين على القبول به أو أقراره والتجاوز على ما يرون من آراء، لقد قلت أن العلمانية تمنح الأديان الحرية، وهي خير ضمان للحرية الدينية، والدليل أن آلاف المنظمات الإسلامية تمارس نشاطها في الغرب العلماني وتمارس طقوسها بكل حرية وأمان، رغم أن الإسلاميين قياسا إلى تلك الشعوب وافدين أجانب وأقليات، إلا أنهم يحضون بالرعاية أسوة بالمواطنين الأصليين، ونحن في العراق لا زال السلفيين يمارسون من الأعمال الإجرامية ما تقشعر له الأبدان وتشمئز منه النفوس، وأفلام الذبح تحت أسم الإسلام لا يستطيع أحد إنكاره، وقد غزت المواقع الالكترونية ووسائل الأعلام الأخرى، فهل من سماحة الإسلام الذبح والقتل الذي يمارسه هؤلاء، في الوقت الذي يحترم العلمانيون أبناء الطوائف الأخرى ويفسحون لهم في المجال لممارسة طقوسهم وعاداتهم بكل حرية ويسر، وفي الوقت الذي كان النظام البعثي في العراق يمنع المسلمين من ممارسة شعائرهم الدينية، ويسمح لهم الغرب العلماني بممارس تلك الشعائر وشاهدنا العراقيين كيف يؤدون مراسيم العزاء في العاشر من المحرم دون حسيب أو رقيب، بينما حاليا في ظل الديمقراطية يقوم الإرهابيين والسلفيين بتضييق الخناق على الأقليات الدينية في العراق ويرتكبون بحقهم أبشع الجرائم التي يندى لها الجبين مما جعل الآلاف منهم يتركون ديارهم والنزوح إلى المهاجر، وأنت ترى أخي العزيز كيف تجري المذابح في العراق تحت ستار الإسلام، وترى بأم عينيك المفخخات وأشلاء الضحايا وجثث القتلى تملأ الشوارع والمبازل وأكوام النفايات، فهل رأيت مثل هذه الفظائع في الغرب العلماني، وأنا في قولي لست مدافعا عن الغرب، ولكن أتمنى لبلدي أن يكون بمستوى هذه الدول في ضمان الحرية الشخصية والتعددية والسماح للآخرين بالعيش الكريم بغض النظر عن أديانهم وطوائفهم ومعتقداتهم الدينية والسياسية، فهل يستطيع العراق الذي تقول عنه أنه"مركز التدين العالمي" ضمان هذه الحرية للآخرين، في ظل الانفلات الأمني والأخلاقي الذي نعيشه هذه الأيام، وأنا أسالك هل في الإسلام ما يدعوا إلى قتل غير المسلم، أو منعه من ممارسة طقوسه الدينية، وفي الكتاب الكريم والسنة النبوية ما يوحي بالحرية الشخصية وحرية الدين والمعتقد، فكيف نسمى مسلمين ونحن بعيدين عن تطبيق تعاليم السماء، وأن هذه المذابح التي تجري باسم الدين هي لدوافع سياسية ونزعة تسلطية وطريق للوصول إلى السلطة لذلك ندعو لأبعاد والمجد.الدين عن السياسة حتى لا يتلطخ بأوضارها ويساء إليه من قبل الطامعين بالسلطة.

    أما ما يمر به الشعب العراقي من محن في ظل الصراع الطائفي المقيت، فلم يكن هذا الأمر وليد الساعة أو من نتاج الدول الغربية كما تقول ولكنه أرث بغيض ورثناه منذ قرون وقرون، وله جذوره المتأصلة لدى الفرد العراقي ولكنها تظهر تختفي حسب الموقف السياسي وطبيعة الحكم، وكثيرا ما حدثت المذابح، وسالت الدماء وأحرقت البيوت والمساجد والأضرحة المقدسة وراح الآف الضحايا نتيجة هذا الصراع، ولم يخلوا العراق يوما منه، ولكنه كان كامنا في النفوس يوم لم يكن للأكثرية القدرة على المواجهة، أما اليوم وقد أنطلق الناس من عقالهم وتهيأ لهم من يثير الفتنة من الطامعين وأعداء العراق، فقد ظهرت هذه الإحن وبانت الأحقاد بسبب العوامل الخارجية وأئمة السوء الذين زينوا للناس القتل باسم الدين والدين  براء مما يفعلون، ولو طالعنا سيرة الأئمة لوجدنا السماحة والعفو والسيرة الرضية، فهل ما يجري اليوم يتفق وسياسة السابقين، لقد أصبح القتل على الشبهة وراح الكثير ممن لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الصراع، أما المروجين له فهم يختبئون في بروج محصنة لن تطالهم عاديات الزمان، وأكثر الضحايا من فقراء العراقيين، لذلك يتحمل مغبة ما يجري أبناء العراق لأنهم أمسكوا النار بأيديهم وأخذوا يجأرون من وهجه، وعلينا كعراقيين الابتعاد عن المسميات الجانبية والدخول تحت الخيمة الكبيرة التي أسمها العراق، بعيدا عن التعصب الديني والنزاع الطائفي والشوفونية القومية.

 ولعل الأخ الكريم لا يجهل أن الفساد المالي المستشري في العراق يقف خلفه الكثيرون ممن ارتدوا أردية الدين وأساؤا إليه بأعمالهم هذه ، والوزارات الخدمية والسيادية التي يعشش فيها الفساد ضمن مسؤولياتهم، ومجالس المحافظات ومسئوليها من أتباعهم واختيروا من قبلهم، ولن يعذرهم أحد في المستقبل على هذا الفساد، لذلك لا يمكن لنا حشر المفسدين في خانة الإسلام، وتتحمل الجهات الحاكمة بمختلف توجهاتها  التردي الحاصل والفوضى التي تفشت في العراق، أما الديمقراطية التي يتساءل عمها الأخ، فقد ضاعت بين الشعارات الفارغة وتحولت إلى دكتاتورية مقرفة، وأصبح العراق كانتونات هزيلة تتحكم بها هذه الجهة أو تلك، وليس العيب في الديمقراطية كما يرى الأخ، بل العيب في تطبيقها الذي بني على أسس خاطئة، لهيمنة أحزاب شمولية لم ولن تؤمن بالديمقراطية، بل تراها رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه.

أنني في دعوتي للعلمانية لا أدعوا للتبعية إلى الدول الغربية، ومبادئي تقف بالضد من هذه الدول التي ذقنا من جراء أعمالها الويلات، وتسلط علينا شذاذ الأفاق وأبناء العوجة، ولكني أدعوا  لتبني العلمانية لأنها نظرية تسمح بالبقاء للآخر، بعكس الأفكار الأخرى التي تدعوا لاجتثاث الآخر وإنهائه، وأتمنى أن يبنى العراق على أسسها لتعدد أديانه ومذاهبه وطوائفه وقومياته، ولأن السمك الكبير يأكل الصغير في ظل الحكم القومي- الديني- الشمولي، وقد جربنا الأحزاب القومية والدينية ورأينا الظلم الأسود في ظل هيمنته، لذلك نرى في العلمانية حرب على التعصب القومي والديني والمذهبي، وضمان للحرية الشخصية التي تفتقر إليها مجتمعاتنا ، بسبب الأملائات المفروضة علينا من حكام بدلوا الشرائع بما يخدم مصالحهم وأهدافهم البعيدة عن منفعة الإنسان، أما لأن العلمانية غربية والديمقراطية بدعة علينا رفضه، فهذا منطق أفلج، لا يستند للواقع ، فقد أخذنا منها الكثير، واستفدنا من مخترعاتها وتقدمها العلمي ما جعلنا بمستوى العصر، لذلك ليس محرم شرعا الاستفادة من فكر طالما هو نافع للإنسان.

 ولعل الأخ لا يجهل أن للغربيين أديانهم ومعتقداتهم ومذاهبهم، ومروا بعصور مظلمة بسبب التعصب والجهل وهيمنة رجال الدين، ولأيمانهم بالحياة وأنها حق طبيعي للإنسان، فقد رفضوا هيمنة الكنيسة، والغوا دور الدين السياسي، فتمكنوا من الوصول للسماء والارتقاء بشعوبهم، وأصبحنا نحن في مؤخرة الركب بسبب تمسكنا بأمور بعيدة عن الدين والأديان، وتركنا الحياة للصفوة من الدعاة الدينين، الذين فرضوا علينا حياة لا تليق بالإنسان وجعلونا نعمل لأجلهم ، لأن الله خلق الدنيا لسواد عيونهم، ولك أن تسأل عن الأملاك والامتيازات التي يتمتع بها هؤلاء في الوقت الذي يعيش الملايين في فقر مدقع، وهاهم يشرعون القوانين التي تزيد من تسلطهم وهيمنتهم على الأموال، بتشريعهم لقوانين التقاعد والرواتب والمخصصات التي تعادل كل ما يصرف للشعب العراقي من أموال، فهل هذه العدالة المتوخاة منهم، وهاهم ثقاتهم من الوزراء والمدراء والمحافظون ينعمون بخزائن العراق وشعبه يعيش في ظلام.

انك تعيش في العراق أخي العزيز وترى بعينيك ما يجري فيه، فهل يحكم جنوبه ووسطه وغربه يهود أو مسيح أو بوذيين أو علمانيين، ولك أن تسأل عن الامتيازات التي يتمتع بها رجال الطوائف، والحياة القاسية التي يعيشها الملايين، وتقول لي أي دين هذا الذي يكون زعماؤه في بحبوحة من العيش، وأفراده في عوز وحرمان، والحرية الشخصية التي ندعو لها كمسلمين لها ضوابط لا تخرج عن المألوف السائد أو الثابت الديني، ولكنها تتمتع بشيء من الليونة في أن أعيش حياتي كبني الإنسان، لا يفرض فلان أوعلان أن أطلق لحيتي أو أحلقه، وتسفر ابنتي أو تحتجب، ولتترك الأمر لله فهو المسئول عن الحساب ولم يجعل هؤلاء شرطة آداب، وليس لأبن لادن أو الزرقاوي أو الضاري ومن لف لفهم من أصحاب اللحى المتسخة، أن يفرضون علينا حياة البداوة وشظف الصحراء وغلظته، بحجة العودة للدين القويم، أن الدين الذي يمنعني من العيش بحرية وطمأنينة وراحة بال، لا أرتضيه ولا أؤمن به، ولكني أؤمن بالدين الذي يجعل من الإنسان خليفة في الأرض لا عبدا لهذا الزعيم وذاك.

أما الشذوذ والانحراف والزنا والخروج عن ضوابط العائلة المتفشي في المجتمعات الغربية، فلسنا من الداعين له، أو المدافعين عنه، ولكني أسأل أخي هل الدول الإسلامية تخلوا من هذه الأمور، وهل استطاعت الأديان عبر آلاف السنين اجتثاث هذه الظواهر من المجتمعات، ألم يكن الزناة واللصوص وشاربي الخمر والشاذين والمنحرفين يملئون ديار الإسلام، الم تقرأ عن نساء العرب المشهورات وأمهات الأشراف والقادة اللواتي انحرفن إلى مهاوي الفساد وسلكن طرق الرذيلة، ولك أن تراجع كتب التاريخ والسير لتجد العجب العجاب،  أن الفساد ظاهرة اجتماعية لا يخلوا منها مجتمع ولن تستطيع قوانين الأرض والسماء إنهائه أو القضاء عليه، بل أن محاربته بالعنف تزيد من انتشاره، ولكن توجد بعض الأطر القانونية والشرعية لتمريره تحت أطر تطرقنا إليها في مقالات سابقة يمكن للأخ الرجوع إليها في العديد من المواقع.

لقد قرء الأخ الكريم عن الضمان الاجتماعي في الدول المتقدمة، وما توفره تلك الدول لكبار السن والمعاقين، وما يتوفر من حياة حرة كريمة للإنسان، لذلك نحن نحاول أخذ منافع العلمانية التي لا تتوفر في مجتمعاتنا الشمولية، كما أخذنا منهم العلوم والمخترعات الحديثة، وما ينفعنا في تقدم مجتمعاتنا وانتشالها من حالة التردي التي وصلنا إليها بسبب الكبت الذي يمارسه الحكام.أما الأفكار الطوباوية التي يروج لها البعض والتي لم تثبت الحياة مصداقيته، فلندعها خلف ظهورنا ونأخذ من الآخرين ما يرقى بنا إلى الحياة الحرة الكريمة، ونبذ العادات والتقاليد المتوارثة عن سنين التخلف والضياع، وما تراه اليوم من نكوص إلى الوراء  نزوة لابد لها أن تتلاشى كما تلاشت الحركات السلفية السابقة وتبقى ملكا للتاريخ، لأن عجلة الحياة تتقدم إلى الأمام ولا يمكن لها العودة إلى الخلف خصوصا بعد التطور الذي وصلت إليه البشرية في المجالات المختلفة، وأصبح من خلالها العالم قرية صغيرة لا كما كان عليه  السلف من العصور، ولعل أخي الكريم لا يجد في نفسه القدرة على مواكبة الحياة إذا ركب جملا في زمن قاطرات الفضاء أو حارب بسيف في عصر الذرة، وعلى الحالمين أن يعيشوا الواقع الذي سيفرض نفسه ولو بعد حين.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com