بين جبهة وأخرى ضياعك يا عراق…

 

رائد الحامد

في الوقت الذي تتواتر فيه إلى مسامعنا ونقرا على الشبكة العنكبوتية أنباء عن لقاءات متقدمة تجري في إطار ما يسمى المصالحة الوطنية التي أعلنها رئيس حكومة الإحتلال الرابعة نوري المالكي، بحضور شخصيات تدعي صلتها بالمقاومة العراقية

وأخرى مهووسة بالظهور على الفضائيات تتبنى خطابا إعلاميا وطنيا قادر على خداع العراقيين والعرب من جهة، وبين أطراف تمثل حكومة الاحتلال الحالية وان تسمت بالبرلمانية فالأمر سيان، وعادة لا يحار اللبيب في معرفة مكان عقد هذه الاجتماعات المشبوهة، حيث صارت هذه العاصمة العربية محجة وحاضنة كريمة لأغلب الوجوه الكالحة المعادية للمشروع الوطني العراقي المقاوم، وباتت ملاذا يلجا إليها أولئك الذين يقايضون دماء المجاهدين بمال أو دور سياسي موعود، كما باتت عاصمة للسمسرة بين من يخادعون الناس بمقاومتهم للاحتلال وبين العدو الأمريكي، وهي ذات العاصمة التي أنجبت أسوا عار موصول بعشائرنا في الانبار العصية، فمطاعمها وفيللاتها وفنادقها انبتت بذرة كتائب الحمزة ومجلس إنقاذ الانبار، وفي بيت سفير إدارة العدو الأمريكي وفنادقها تمت وستتم عقد اتفاقيات التهدئة والتواطؤ بين بعض الفصائل والعدو الأمريكي.

وكعادتها، فان تلك العاصمة التي احتضنت ما يسمى بالمعارضة العراقية لنظام الرئيس الراحل صدام حسين، ستستمر في احتضان من يعارض المشروع الوطني العراقي المقاوم، وبالأخص بعض العملاء من شيوخ العشائر وتجار الدم والنفط، وبعض قادة البعث وكبار قادة الجيش السابق الذين لم يبروا بقسمهم على المصحف الشريف بالدفاع عن العراق حتى آخر قطرة من دمائهم، بل تحولوا إلى سماسرة لقاءات بين بعض قادة فصائل المقاومة وأركان إدارة العدو الأمريكي وقادة قواته، وان كان ثمة من تساءل من فصائل المقاومة عمن الحق العار بالعشيرة، وآخر تساءل عمن يغسل عار العشيرة، فمن حقنا أن نتساءل من يغسل عار أدعياء المقاومة والجهاد؟، وواهم من يعتقد ان ما يتم في الخفاء سيظل مخفيا، وواهم من يعتقد ان ما يتم في الخفاء بين بعض العملاء وحكومة البلد المضيف سيكتب له النجاح سواء ما يتعلق بإلحاق الانبار إلى حلم منقرض منذ نصف قرن طمعا في الأرض والفرات والثروات، أو بمن يراهن على الصفقات المشبوهة والجبهات الممسوخة والصحوات والأفواج الأمنية وغيرها من تلك التي تتغذى على فتات موائد الأعداء وتقتات من دماء المجاهدين.

لم تكن اللقاءات المعقودة الآن لتحقيق المصالحة الوطنية بمعزل عما يتم طبخه على نار هادئة في تلك العاصمة، حيث ستشهد الأيام أو الأسابيع المقبلة ولادة جبهة مسخ جديدة باسم الجبهة المركزية للإصلاح والتنمية، وقراءة سريعة في برنامجها السياسي تدلل على غياب الصياغة العربية، وغياب مفردات ومفاهيم العراقيين، وكذلك غياب أي دور للعرب في العراق مستقبلا، والاهم تغييب مقصود للإسلام ودوره في بناء المجتمع العراقي، بل ومحاولة استبداله بالحرية التي يرى البرنامج أنها تحتل مركز الصدارة في سلم القيم، وهو مفهوم أمريكي باسمه قامت الحرب العدوانية على العراق، والغريب أن أطرافا من المقاومة الإسلامية الوطنية على صلة مباشرة وتنسيق فاعل مع القائمين على هذه الجبهة.

معروف عبر التاريخ، إن المتهالكين على تحقيق المكاسب بالتعاون مع قوى العدوان والغزو، لن يكون مصيرهم بأفضل من مصير آلية معادية تم إحراقها على يد الشرفاء من أبناء البلد المحتل، ومعروف أيضا، ان وجوه المتهالكين يتم استبدالها، بعد أن يقضي منهم الغازي وطرا مقابل عرض زائل، بوجوه أكثر قبولا وهكذا دواليك، وواقع التحالفات الجديدة والاستقطابات في مجتمع العرب السنّة يشير إلى تصدع جبهة التوافق الواجهة السياسية الأكبر لهم، وقد لا تمر شهور حتى تشهد تفككا وتحللا يؤتي على بقية الروح فيها، خاصة بعد ان وجه إليهم رئيس حكومة الإحتلال الرابعة نوري المالكي ضربة قاسية حين قبل بالأمس استقالة وزرائها، وهي الخطوة التي لم تتوقعها الجبهة التي لم تهدف من إعلانها سحب وزرائها سوى ابتزاز ما يسمى بالحكومة لمزيد من المكاسب السياسية، وتهديدات طارق الهاشمي بالانسحاب قبل شهور صمت عنها بمجرد تعيين احد تابعيه رئيسا لديوان جلال الطالباني، وان كانت جبهة التوافق جادة في قرارها، فما الفرق بين مجلس نواب المالكي وبين حكومته؟.

إن أية جبهة أو تشكيل يتم تمويله من جهة ما، فان هذه الجهة الخفية هي صاحبة القرار الأول والأخير، ومع إشارات واضحة على ترتيبات أمريكية لاستبدال الحكومة الحالية، وزيادة اعتماد إدارة العدو الأمريكي على العرب السنّة وتحولهم من خصوم وأعداء سابقين إلى عملاء وأصدقاء وحلفاء حاليين، بمن فيهم بعض فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية، كحاجة تمليها حقيقة الفشل الأمريكي في القضاء على المقاومة المسلحة، وتفرضها ضرورات التعاون بين الطرفين للقضاء على تنظيم القاعدة من جهة، والقضاء على الميليشيات الشيعية ومن ثم توجيه ضربة عسكرية محدودة لتحجيم القدرات النووية الإيرانية.

غياب العرب السنّة عن العملية السياسية خلال السنتين الأولى والثانية من الغزو بكل تأكيد أربك مشروع الاحتلال وكاد أن يطيح به لولا إنقاذه بمشاركتهم في العملية السياسية، ولا يمكن للعدو الأمريكي المرور ثانية بذات التجربة المريرة، وكما انه قد ضمن مسبقا موقف الأحزاب والحركات السياسية والدينية للأكراد والشيعة إلى جانبه قبل الاحتلال، كان عليه أن يبحث عن جهة ما في الوسط العربي السني، فكان ان وجد ضالته في الحزب الإسلامي العراقي قبل وبعد مؤتمر لندن 2000 الذي شارك فيه إياد السامرائي احد أهم وابرز قياديي ومنظري وراسمي سياسة الحزب وتوجهاته، لذا بات بحث إدارة العدو الأمريكي عن بديل لجبهة التوافق يلبي رغباته وينفذ سياساته أمرا في غاية الأهمية، وعلى ما يبدو فان تلك الإدارة هيأت أمرها لإنشاء الجبهة المركزية للإصلاح والتنمية التي طرحت نفسها كخيار وطني للجميع، كما جاء في برنامجها السياسي الذي لا يعنينا الاسترسال كثيرا في توضيح مواقفها من المسائل الجوهرية ذات الصلة بمستقبل العراق، إذ أن كل ما ورد فيها من مفاهيم دخيلة على ثقافتنا الجمعية وقيمنا العربية المستمدة من روح الإسلام الحنيف وجوهره، وكل عبارة في برنامجها السياسي بحاجة إلى وقفة تحليلية سنفرد لها مقالا لاحقا، لكننا سنكتفي بان ندعوكم لقراءة برنامج الجبهة السياسي على الرابط أدناه والتعليق عليه:

http://groups.google.com/group/alhamed/browse_thread/thread/555ab8d41a0c977a

ما يثير استغرابنا واندفاعنا للكتابة حول هذه الجبهة، إن أطرافا من المقاومة الإسلامية الوطنية، وأخرى من المقاومة الوطنية داخلة في صميم هذه الجبهة، وان أطرافا أخرى يتم التفاوض معها الآن للدخول في هذه الجبهة البديلة عن جبهة التوافق، والمحزن في عراقنا الجديد ومنذ الاحتلال، عادة ما يتم استبدال السيئ بالأسوأ، حكومة إياد علاوي بحكومة الجعفري وأخيرا حكومة المالكي، الحزب الإسلامي في مجلس الحكم الانتقالي بجبهة التوافق، كتائب الحمزة وثوار الانبار بمجلس الإنقاذ في الانبار، وهذا بصحوة الانبار وصحوة العراق وباقي الصحوات ومجالس الإسناد، وهذه الصحوات بأفواج الطوارئ والأفواج الأمنية المؤقتة التي شكلتها بعض فصائل المقاومة، وأخيرا وليس آخرا جبهة التوافق بالجبهة المركزية للإصلاح والتنمية التي لم تر النور بعد وقد لا تراه وفق الهوى الأمريكي، وتبقى حقيقة عبر التاريخ، إن الوطنية ارث كما هي العمالة، وان الغزاة يحترمون من يقاومهم ويحتقرون من يستعين بهم على أبناء وطنهم، ومشهد الجندي الأمريكي الصديق ومحسن عبد الحميد على الفضائيات لن يغيب أبدا عن ذاكرة العراقيين والعرب والمسلمين جميعا…

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com