مظلومية الصدر الرسول

 

غفار العراقي

gaffar_1370@yahoo.com

في البدء أتقدم بالعزاء للإنسانية جمعاء التي فقدت في ليلة الرابع من ذي القعدة قبل تسع سنوات رجل كان لها أبا عطوفا رحيما حنونا، محبا للخير، ناصحا لتاركيه،ثائرا بوجه ظالميه. وعظم الله أجور محبي السلام بهذه الذكرى الأليمة على قلوبهم.

قد تكون الكتابة عن هذا الإنسان العظيم صعبة للغاية وذلك لما يحمله من فكر وعبقرية وإيمان لا زلنا نتهجى حروفها ولم نفهم إلا القليل القليل منها، إلا ان ما يدفعني للكتابة هي الأسباب نفسها، فهذه العظمة وهذه العبقرية لا يجب أن تمحى من الذاكرة ولا يجب أن تكون مرحلية بل يجب أن تكون نبراسا يقتدى به خصوصا للأجيال الحالية والأجيال اللاحقة والتي سوف تكون أكثر فهما له واشد إتباعا لنهجه الوضّاء. وأريد هنا  التركيز على حالة مهمة وهي المظلومية التي وقعت عليه من قبل الغافلين والمتدنين في التفكير والفهم كما وقعت على الأنبياء والرسل من قبله.وقد وجدت ان اغلب التهم التي وجهت إلى مجموعة من الأنبياء عليهم السلام قد وجهت أيضا لهذا المرجع المظلوم وقد دونتها بنقاط :

1- النبي هود (ع) تعرض إلى تهمة السفاهة ((والى عاد أخوهم هود قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره أفلا تتقون. قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنّك من الكاذبين)). كذلك نجد ان المرجع الديني السيد محمد الصدر (قد) تعرض لهذه التهمة في بداية مرجعيته وقالوا انه غير أهل للمرجعية وانه كاذب في ما يدعي ولا يمكن الرجوع إليه، إلا أن إصراره على مواصلة درب الكفاح والجهاد جعله الرجل الأول القادر على أن يلبي طموحات الشارع العراقي في الأمور الدينية ويسحب البساط من تحت أقدام السلطة الجائرة آنذاك.

2- أما تهمة الجنون فقد تعرض لها النبي نوح (ع) ((كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر))، ((ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون)). وهذه التهمة تعرض لها الصدر من قبل أعداءه الذين فشلوا في إلصاق التهمة الأولى وبعد أن رأوا ان مرجعيته في تزايد مستمر وان مقلديه اخذوا بالتكاثر حتى في خارج العراق حينما أعلن وفي أجرأ تصريح (انه اعلم الأحياء) فاستشاط المعاندون لهذا التصريح وقالوا انه رجل مجنون.

3- أما الاستهزاء فقد عانى منه نبينا موسى (ع) ((قال يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون))، وعانى هذا المرجع المظلوم كما عانى النبي (ع) خصوصا حينما أمر بإقامة صلاة الجمعة التي كانت متروكة من قبل المراجع السابقين وكانت تقرأ في الرسائل العملية لهم فقط! إلا انه وبقوة قلبه المعروفة  أمر بها وأقامها وصلاها بنفسه في مسجد الكوفة المعظّم وانتعشت الساحة الإسلامية بخطب كان الشارع العراقي بحاجة ماسة إليها خصوصا بعد المد البعثي والتكتيم على كل ما هو إسلامي من قبل حكم البعث. إلا أن الجهلاء لم يرقهم ذلك فبدأوا بالاعتراض بعد أن عجزوا عن الوقوف بوجه هذا المد الجماهيري الذي تجاوز المليون في صلوات الجمعة في مدينة الصدر والكوفة فقالوا كيف تكون الخطبة باللغة العامية من قبل مرجع يدعي انه الأعلم، فجاء الرد سريعا منه وبكلمة بسيطة جدا لا تحتاج إلى شرح أو تفصيل (حبيبي، رسول الله وأمير المؤمنين والحسن وجميع الأئمة المعصومين كانوا يكلمون الناس على قدر عقولهم وإنني في خطبتي صلاة الجمعة لست القي درسا في المكاسب أو الكفاية أفلا تعقلون).

4- النبي نوح عليه السلام تعرّض للتحقير من قبل قومه ((ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم اليم. فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشر مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنّكم كاذبين)، وهذا الشيء انطبق تماما على الشهيد الصدر الذي كان أتباعه من الفقراء والمعدمين الذين ضاعوا بين الظالمين والمتلبسين بلباس الدين فأعلن الولاية العامة لأمور المسلمين وأنهى تلك الخرافة القائلة بان كل من يرتدي العمامة هو أبا ذر أو سلمان!

5- التكفير والتكذيب التهمتان اللتان ابتلي بهما اغلب الرسل (ع) كما جاء في قوله تعالى ((قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم ذنوبكم ويؤخركم إلى اجل مسمى قالوا إن انتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا بسلطان مبين))، ((كلما جاءت امة رسولنا كذبوه فاتبعنا بعضهم بعض))، ((كذبت قوم نوح المرسلين))، ((كذبت عاد المرسلين))، ((كذبت ثمود المرسلين))، ((كذبت قوم لوط المرسلين)).

   وهكذا نرى إن اغلب الأنبياء والرسل قد تعرضوا لهذه التهم التي تعرض لها الشهيد الصدر وهذه المرة كان الطعن في مؤلفاته العظيمة الفريدة من نوعها كموسوعة الإمام المهدي وفقه الفضاء، فقالوا ان هذه هي مؤلفات السيد محمد باقر الصدر وان السيد محمد الصدر يقوم بإزالة الغلاف عنها فقط ثم يكتب اسمه!! فكانت هذه التهمة بحق من أسخف التهم التي وجهت إليه فلعمري كيف يقوم شخص ما وفي أي مجال بسرقة مؤلفات كاتب معروف ليس على الصعيد العربي فقط ولا على الصعيد الإسلامي بل ان شهرته تجاوزت الآفاق العالمية، أفلا يستطيع شخص ان يتعرّف على هذه العملية الخطيرة؟ ألا يستطيع ان يتعرّف عليها العلماء المعاصرون للسيد محمد باقر الصدر أم ان كل هؤلاء العلماء والمراجع متواطئون؟!.

6- أخيرا وكما واجه نبي الرحمة والإنسانية محمد (ص) تهمة العمالة للأجنبي ((وقال الذين كفروا ان هذا إلا أفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزور)). واجه السيد الصدر هذه التهمة كآخر سلاح يستخدمه هؤلاء بعد أن عجزت كل التهم السابقة من النيل منه ومن مكانته في نفوس الناس. فقالوا ان السيد محمد الصدر هو مجتهد فعلا إلا انه استخدم الدين كغطاء لأنه عميل للحكومة العراقية وعميل لإسرائيل وأمريكا! رغم ترديده لشعارات لازالت مدوية (كلا كلا أمريكا..كلا كلا إسرائيل) ورغم ان رئيس وزراء إسرائيل قال ان الخطر يأتينا من الشيعة في العراق على يد هذا الرجل الأبيض (ويقصد السيد الصدر) ورغم انه فضح وفي أكثر من مناسبة السلطة البعثية الحاكمة ولم ينفذ طلبها في ترك مسجد الكوفة بحجة الترميم ودفع ثمن إصراره دمه ودماء نجليه مصطفى ومؤمل.

إلا انه من الطريف انه بعد استشهاده بث تلفزيون البعث برنامجا قالت فيه ان السيد محمد الصدر كان مرجعا دينيا كبيرا وزعيما للحوزة العلمية في النجف الاشرف وقد كان عدوا لأمريكا وإسرائيل وأسمته بالسيد الشهيد!! ثم عادت الحكومة نفسها وعدلت قرارها متهمة إياه بالعمالة لإيران ولحزب الدعوة الإسلامية ولديه خطط للإطاحة بالنظام العراقي ورفعت صفة الشهادة بمرسوم بعثي لأنها ظل الله في الأرض ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فلا يعرف لحد الآن ما هي التهمة الحقيقية لهذا الرجل المظلوم؟ ولمن كان عميلا؟  

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com